مواضيع اليوم

صحوة الأقباط .. نهضة أمة

أفرح كثيرا عندما أرى أقباطــَـنا .. أحبابــَـنا شركاء الوطن ينخرطون في هموم الوطن دون أي حساسية، ويخوضون في الشأن المصري بعمومه وخصوصيته دون أي حرج، فالكتابة عن الإسلام والمسلمين ، عن التسامح والتطرف، عن المسلمين المعتدلين وعن سيــَّـافي هذا الوطن المحاصـَـر بين فكيّ الغول الجديد شأنهم أيضا.
في الشهور القليلة الماضية اكتشف أقباطنا أن الانزواءَ والاحتماءَ في كلمات كنـَـسيـّـة والسلبية نحو العمل السياسي والحزبي والوطني لن يخدم مطالبهم العادلة في مجتمع المساواة الكاملة، فنزلوا بكل ثقلهم، وكانوا في "الاتحادية"، ومع شركاء الوطن المسلمين، وأشاروا لجروح الوطن بغير تمييز بين مسلم وقبطي، وبدأوا في التخلص من تلك الخرافة التي مارسها مسلمون وأقباط من قبل والتي تلخص الفجوة الحاصلة بينهم: هذه همومي الاسلامية وتلك همومك القبطية.
التطرف الذي مثــَّـلته فاشية من جماعات الكراهية التي تمتد من الاخوان والسلفية والتيارات الدينية ولا تنتهي عند موريس صادق ومنتدى أقباط الولايات المتحدة الأمريكية كان خيراً لنا جميعاً، فقد انصهرت في مواجهته قوى الاعتدال الاسلامي والقبطي، ولعلها ستكون مقدمة لاكتشاف المسلم والقبطي أنهما في جانب واحد يواجهان خصما عنيداً مسلحاً بشحنة بغضاء تمزق وطنا قبل أن تنخر نفسها سوساً في جسد أزرق بين الحياة والموت.
المشهد المصري الآن أجمل وأشرق من أي وقت مضى، على النت والفيسبوك والتويتر والشارع والمظاهرات والمنتديات لم تعد تفرّق، إلا قليلا، بين مسلم وقبطي، وعرف المصريون أن كذب الجماعات المتطرفة في الايحاء للمسلمين أن انتقاد القبطي لجماعة سياسية أو دينية أو فتاوى حمقاء أو حتى شيخاً معمما وأميراً للمسلمين لا يعني خصومة مع الإسلام.
وصول غوغاء يتسلحون بالسيف ويزعمون أنه مصحف إلىَ سُدة الحُكم يعني بكل صراحة بدء تهجير الأقباط من وطنهم الأم الذي ضاق بهم إلى وطن مضيف، من وطن شربوا من نيله إلى وطن استقبلهم لدموع صليبهم على قسوة هلال أشقائهم.
لأول مرة أرى الأقباط بألف خير، فهم لا يستثنون مشكلة أو أزمة أو استفتاء أو انتخابات أو ثورة أو شهداء إلا كان لهم فيها نصيب.
في ثورة 25 يناير فتحوا كنائسهم ليتوضأ فيها مسلموهم أو يستريحوا من حُكم طاغية حرَم أقباطهم حقوقهم المواطنية المشروعة لثلاثين عاماً، ووقف مع قتلة شهدائهم في الكشح ونجع حمادي والزاوية الحمراء وماسبيرو.
في ثورة 25 يناير كان الشباب الثوار يؤدون صلاة في الميدان، فتهاجمهم الشرطة التي كان من المفترض أن تــُـصـَـلـّـي معهم، فيأتي الأقباط لحماية المُصلـّـين ، أما عدالة السماء فأغلب الظن أنها ستساوي الثواب بين المسلم المُصلـّـي والقبطي الذي يحميه.
المصائب فوائدٌ لمن لا يعرف، ومخاض الثورة الطاهرة، ووثوب قوى التطرف على كرسي العرش، وظهور أنياب لمن كذبوا وقالوا بأن شريعة الله ستمدّ العدل في الوطن العريق، فإذا بهم يُخرجون ما في نفوسهم من حقد تراكم لأكثر من أربعين عاما .. صالح سرية، عبود الزمر، محمد عبد السلام فرج، عمر عبد الرحمن، شكري مصطفى، سالم الرحال، يوسف البدري، عبد الله السماوي، خالد الاسلامبولي، خيرت الشاطر، عصام العريان، وعشرات غيرهم عبثوا في رؤوس المصريين فجعلوا عاليها سافلها.
أما الفائدة فهي توأمة إسلامية قبطية معتدلة ليس لأي منها ذرة تراب واحدة من أرض ىالوطن أكثر من أختها.
لا فائدة في أي مقارنة للدينين الكبيرين إلا في كتب أكاديمية متخصصة لا يمسها العامة ولا يخوض في فحواها الجهلاء ولا يكترث لها الأميون، فهي للتاريخ فقط ولمن أراد أن يستزيد علماً ويفرز الحقائق عن الأكاذيب، ويرى أن الخلاف والاختلاف وحكايات التاريخ ليست أصولا نستند إليها لبث الفــُـرقة وتصعيد الطائفية وتثبيت الاستعلاء.
لم يتغير موقفي قط وتحت أي ظرف حتى لو جاء مخبول ومريض نفسياً وصنع فيلما مهترئا عن نبي الاسلام "صلى الله عليه وسلم" فإن حقوق أقباطنا هي واجباتي التي يكتمل بها إسلامي، وإذا ميــّـزت نفسي دينيا عن أخي القبطي فقد انتقصتُ من إيماني، وتشوّه إسلامي، ووضعت لبــِـنة في تمزيق وطن لنا جميعاً.
مبروك لنا جميعاً قوة الأقباط فهي قوة للإسلام والمسلمين، وخوضهم غمار حرب العدالة ضد التطرف والشر والعصبية والطائفية والظلم يفتح باب الأمل لدولة العدل حيث يبكي الشيطان وهو يبحث عن مصري واحد يشعر أنه أفضل من شريك وطنه المسلم أو القبطي فلا يعثر إلا مصادفة و.. بشق الأنفس.
مبروك لنا جميعاً خروج الأقباط كمصريين فقط حتى لو جاءت كتعليمات من الكنيسة فالهموم الاسلامية والقبطية في مصر معجونة ومتشابكة وملتحمة وملتصقة حتى لا تكاد تعرف الهلال من الصليب أو صورة المسجد من الكنيسة إلا أن تعيد البصر كرّتين فيرسم لك الواقع وتبتهج به نفسك فتهلل: هذا مسجدي .. هذه كنيستي!
لقد انتهى عهد الخطوط الحمراء للخوض في انتقاد تفسيرات دينية يظن الآخر أنها حــِـكرٌ عليه فقط، ولن تكون في حاجة إلى معرفة الاسم الرباعي لشريك وطنك لتتأكد من مذهبه أو دينيه أو معبده.
خروج الأقباط كمصريين دون أي إشارة للدين يعني أن حقوقهم التي ضاعت في قصر الحاكم أو أمن الدولة أو في قاعات المحاكم أو في استدعاء لقسم الشرطة ستعود بإذن الله كاملة غير منقوصة، وسيفرح المسلم لبناء كنيسة بجوار بيته وسيسارع القبطي للمساهمة المالية لمسجد يحتاج إليها، وجيران أقباط يرون أن الحيَّ الذي يقطنونه في حاجة ماسة لمسجد يقيم فيه جيرانهم المسلمون صلواتهم.
مبروك لخروج الأقباط من القبطية إلى المصرية فهي الطريق الآمن لحماية اخوانهم في العقيدة، وقطع الطريق على القساة الطائفيين الذين يتوهمون ما في الصدور، ويسرقون حساب عدالة السماء لزيادة ظلم الأرض.
أقباطنا.. أحبابنا هم شركاء الوطن ولو أتى المتطرفون بآلاف القرائن والأدلة على أنهم مختلفون عنا فالكلمة الفصل هي لله ،عز وجل، والعزيز الجبار ينظر إلى ما في الصدور، ويفسح مكانا في جنة الخلد لمن أتاه، سبحانه، بقلب سليم.
مبروك لمصر قوتها الجديدة وأقباطها وكنائسها وشهداؤها ومن أراد التحدي فليجمع علماء الآثار والتاريخ والسلالات ووظائف الأعضاء وتطور الجنس البشري ولن يعثروا على فارق واحد بين المسلم والقبطي ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
سيخسر الطاووسيون الجدد الذين يبحثون في دواخل أنفسهم المحطمة شراً وقسوة عن نقاط اختلاف ليرفعوا من أنفسهم فوق رؤوس شركاء وطنهم، لكن الله غالب على أمره، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، ولن يفلح في الآخرة من استعلى، ولن يرضى الله في يوم الحشر عمن حاول في الدنيا شق الصدور لقياس الإيمان، فالميزان موجود فقط لدى خالق البشر.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 15 ديسمبر 2012




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات