المتتبع لأداء الديبلوماسية المغربية في الأيام القليلة الماضية، يتوقف عند موقفين مختلفين. أولهما تميز بالفتور و " اللامبالاة " بعد حادثة البتر التي تعرضت لها خريطة المغرب خلال افتتاح دورة " الألعاب العربية " في الدوحة. أما ثانيهما فقد كان قويا - و إن كان الأمر لا يتعدى حدود القول- بعد تصويت البرلمان الأوربي ضد تجديد اتفاقية الصيد البحري مع بلادنا. حيث خرجت الخارجية المغربية ببلاغ يتحدث عن ضرورة القيام بمراجعة شاملة لشراكة المغرب مع المنتظم الأوربي.
يمكن أن نفهم رد الفعل الرسمي الغاضب في المغرب من القرار الأوربي بالنظر إلى أن بلادنا عرفت خلال السنوات الأخيرة ( و خصوصا خلال هذه السنة) إصلاحات سياسية عميقة تؤهلها لتكون شريكا أساسيا و محترما من طرف الجيران الأوربيين. لذلك فإن تصويتا من هذا النوع يعد في العمق " استفزازا و رسالة سيئة للمغرب " كما صرحت رشيدة داتي النائبة بالبرلمان الأوربي تعليقا على نتيجة التصويت. ومن تم فإن الخارجية المغربية وجدت في هذا القرار إجحافا و غبنا في حق بلادنا في وقت أصبح فيه الواقع المغربي المستقر و المتجه نحو تطوير الآلية الديموقراطية يفرض مزيدا من تعزيز الشراكة بين الطرفين. لكن الغضب الذي عبر عنه بيان وزارة الخارجية و تصريحات عدد من المسؤولين المغاربة في الموضوع لا يوازيه اهتمام شعبي مماثل، لأن المغاربة يدركون أن الإتفاق مع الإتحاد الأوربي في مجال الصيد البحري أو إلغائه لا يغير في الأمر شيئا. ثم إن القيمة المادية لهذا الإتفاق لا تتناسب مع حجم الإستنزاف الذي تتعرض له الثروة السمكية. كما أن المواطن المغلوب على أمره في هذا البلد المنفتح على 3500 كلم من السواحل البحرية، تعود أن يحصل على السمك بأثمان مرتفعة تثقل كاهله المثقل أصلا. لذلك يميل الكثيرون إلى اعتبار هذا التصويت(أيا كانت دوافعه) في مصلحة المغرب " الشعبي" على الأقل و لو على سبيل: " لعل و عسى". فربما يخلو البحر لصيادينا و يرأف تجار السمك بحالنا. و هذا الأمل مرتبط طبعا بمراقبة الأسعار و محاربة مضاربات " الحوت الكبير" الذي يتحكم في تجارة السمك.
أما بخصوص الملف المتعلق بالوحدة الترابية للمغرب، فقد عمدت دولة " عربية " يقيم معها بلدنا علاقات ديبلوماسية كاملة باسم الأخوة و اللغة و الدين إلى استفزاز أكثر إيلاما، حينما قدمت خريطة المغرب في افتتاح دورة " الألعاب العربية " مبتورة من جزء غال على قلوب المغاربة المتمسكين بصحرائهم. و عندما يصدر هذا السلوك عن دولة منظمة لتظاهرة رياضية من هذا الحجم، فلا يمكن أن نتحدث عن أخطاء فنية ارتكبها المنظمون، بل إن الأمر تم بإصرار و ترصد و معرفة من دوائر القرار القطرية لأن هذه التفاصيل الدقيقة لا يمكن أن تغيب عن أذهان المنظمين. لكن يبدو أن الديبلوماسية المغربية غير مكترثة بالأمر، و جاءت تصريحات السفير القطري التي ذرت الرماد في العيون لتطوي هذه الصفحة. غير أن المتتبع للمنتديات التواصلية في شبكة الإنترنت يدرك حجم الرفض الشعبي لهذا السلوك المستفز. و بدل أن يصدر قرار رسمي يليق بالمقام و يورط دولة قطر بشكل مباشر، اختار المسؤولون المغاربة " حكمة " الصمت. أما على المستوى الشعبي فقد عبر المغاربة بوضوح عن تشبثهم بالصحراء من خلال ردود أفعال البطلات المغربيات اللاتي واجهن " الخطأ القطري " برسائل واضحة من خلال رسم خريطة المغرب على الوجه أو ارتداء قميص يحمل هذه الخريطة، أو عبر كتابة عبارة :" الصحراء مغربية " كما قرأناها على وجه إحدى البطلات المتوجات في الألعاب ذاتها. و لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ظهرت إلى الواجهة " جماعة تكنولوجية " قدمت نفسها كمدافع عن المغرب و المغاربة من خلال قرصنة عدد من المواقع الإلكترونية القطرية. " قوات الردع المغربية " ( و هو الإسم الذي أطلقته على نفسها ) تمكنت من الولوج إلى عدد من المواقع المهمة و تدمير بياناتها في إجراء قد لا يكون مقبولا أخلاقيا و قانونيا، لكنه يقدم مع ذلك رسائل لمن يهمه الأمر مفادها أن الوحدة الترابية خط أحمر لا يسمح لأي طرف المساس به.
إن واقعتي البرلمان الأوربي و الخريطة المبتورة تؤكدان أن الديبلوماسية المغربية في حاجة إلى ترتيب أولوياتها بالشكل الذي يجعل المغرب في موقع قوة انسجاما مع نبض الشارع في الداخل. و بالرغم من أن للسياسة أحكامها التي لا مجال فيها للحماسة و الإندفاع، فإن الذود عن مصلحة البلاد ينبغي أن يعلو و لا يعلى عليه. محمد مغوتي.19/12/2011.
التعليقات (0)