مواضيع اليوم

صحراء ما وراء الصحراء !

qaseda qaseda

2010-05-30 14:59:04

0

بمقدار ما يحمل هذا الكون من جمال في هندسته وتناسق تكوينه ورحابته التي ابرز ما تكون في لحظات التجلي والاشراق بقدر ما يكون ضيقا وكئيبا وفوضويا في حالات العتمة لدرجة انه يتضائل في نظر الرائي ليصبح كثقب الابرة ولا تجدي محاولات من تفلت منه لحظات التجلي والاشراق في الخروج من العتمة وتبقى محاولاته كضرير يحاول ان يمرر خيطا رفيعا من ثقب الابرة.
كيف لهذا العالم ان يتسع لا ستيعاب كل هؤلاء البشر على اختلاف اجناسهم واديانهم وثقافاتهم ,كيف له أن يستوعب اهواءهم ورغباتهم وان يحتمل العداوات التي تنشأ هنا وهناك لا بد ان له فلسفة لم يصل اليها الانسان وحتى لحظات التجلي والاشراق باتت قاصرة عن فهم احجية الكون الغامضة.
خارطة الكون العظيمة التي تصغر وتكبر بناء على حالة الانسان النفسية وقدرتها الاستيعابية المذهله لا حتواء كل شي بما فيه الكلمة قد تثور احيانا وتغضب لتمحي بعض تضاريس الكلمة ان شعرت بان هناك تمردا يحاك خلف الحروف,ان علاقة الانسان با الكلمة ازلية وحاجته اليها لا تقل اهمية عن حاجته الى الماء والهواء والطعام ,وكما ان للهواء امزجة فتجد الهواء النقي الذي يملاء الصدر حيوية ونشاطا ويزيد من سرعة تدفق الدماء في العروق وعلى النقيض منه الهواء الملوث الذي يحل ضيفا ثقيلا على الرئة وغير مرغوب به وكذا الحال في الاطعمة ففيها ماهو طيب المذاق شهي وماهو مر كوريقات نبتة الصبار فكذا الحال مع الكلمة ويبدو ان الذي يقرر هذا هو حاجة الانسان.
كثير من الكلمات التي تبدو للوهلة الاولى مزعجة للاذن ومقلقة للمستمع ما تبرح بعد زمن ان تصبح كانغام موسيقى هادئة تبعث الراحه وقد تجعل الانسان ينام من فرط السكينة والهدوء,فمثلما يعتاد الانسان مذاق طعام قد لا يستهويه تعتاد الاذن على كلمات لم تكن على وفاق معها في الزمن الماضي لكن الفرق بين هذا وتلك  ان الاطعمه والهواء مصادرها الطبيعة التي وهبها الله عز وجل لتبعث الحياة بينما الكلمة مصدرها هو فكر الانسان وقد لا يجني قائلها ثمرتها وقد يبقى مذاقها مرا في اذان الاخرين رغم قناعات قائلها انها ليست كذلك وهذا ما تكتشفه الاذان بعد رحيل اللسان الذي انجبها!!
الصحراء القاحلة لا ترحم من يتجرا على عبورها فكثيرا ما سمعنا عن قصص اناس حاولوا الدخول في رهان مع رمالها وفي خصومة مع سرابها وانتهى بهم الامر الى مقبرة النسيان وقليل هم من اسعفهم الحظ للعبور ,حتى هؤالاء اكتشفوا بعد ان كتبت لهم النجاة ان النتائج التي تحققت من خوض هذه التجربة او المغامرة لم تكن تستحق كل هذا الجنون الذي ربما كان ثمنه مقبرة النسيان كاسلافهم.
هكذا بدت لي الرحلة مع الكلمة فهي كا الذاهب الى اعماق الصحراء فهو لا يعرف ان كان سيصل ام لا وهل سيواجه قطاع الطرق ليسلبوه كل ما يملك او يقتلوه وهل ستذوب قطرات دمه فوق الرمال ام ان الصحراء فيها بقية من الوفاء لتحتفظ بها كوشما حتى ان كان لا خافة من يريد ان يرتكب جرم المغامرة والتحدي لعنفوانها.ان الرحلة مع الكلمة تبدو اكثر مشقة من مجرد عبور الرمال وهاجس البقاء .
كنت كثيرا ما اقول اما ان للراكب ان يستريح؟! لكنها رحلة القدر التي تدفع الانسان الى حيث لا يعلم وتخلق له اعداء لا يعلم من اين اتوا ولما جاءوا وماذا يريدون وكثيرا ما كنت اتسائل واجيب واضع الافتراضات وبعد جدل مع النفس كثيرا ما اخرج باجابات معتمة ,كم تمنيت لو ان لحظات الاشراق في حياة الانسان كثيرة فربما ساعدتني للاجابة على ما يدور في ذهني لكن ليست كل الامنيات قابلة للتحقق.
منظر ذلك الشرطي الواقف ببزته العسكريه وذقنه الحليق وهيئته المرتبه وعينيه الجاحضتين ويده التي يلوح بها للعابرين من امام الحاجز للتوقف للتثبت من هوياتهم وتفتيشهم كثيرا ما استوقفني ومع انه اعتاد على مروري بشكل دائم لدرجة انني بت اشعر ان بيننا صداقة تولدت رغم انا لم نتبادل الا بضع كلمات كانت لا تتعدى ابراز هويتي والى اين انا ذاهب واكاد اجزم انه يبادلني ذات الشعور من خلال ابتسامته العريضه التي ارتسمت على شفتيه في اكثر من مره وتغاضيه عن طلبي هويتي او سوالي كما اعتاد من قبل.هذا المنظر استوقفني وقلت لنفسي ماذا لو كان للحناجر معابر يقف عليها مثل صديقي الشرطي للتثبت من هوية الكلمات؟!
هل كانت الكلمة قادرة على ان تخلق بينها وبينه جسرا من المودة كما فعلت مع صديقي الشرطي؟! وهل سيبتسم لها ويسمح لها با المرور من الحنجرة دون ان يفرض عليها قيودا؟!!
كنت كلما اراجع رحلتي مع الكلمة تترشخ لدي قناعاتي القديمة ان الصحراء التي كانت تبتلع المغامرين في الماضي وقد روضها الزمن واقيمت عليها الحواجز لم تعد هي الصحراء التي تخيفني وان هناك صحراء اخرى هي الاكثر رعبا وهي صحراء الكلمة.
لست جازما على اني قادر على خوض التحدي مع الصحراء الجديدة ولو افترضت ذلك فهل مجرد العبور كما فعل عابروا الصحراء هو الهدف؟!!
اعتقد انني بحاجة الى المزيد من الوقت للتأكد من اشياء كثيرة قبل الاقدام على اي خطوة!!

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !