تسلط التعمية المتعمدة والتشويش والتملص عن الاعلان عن تفاصيل صحة وحالة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح اضواء اخرى على ركام منظومة الشذوذ السياسي التي تحكم العلاقة ما بين السلطة والشعب ضمن المناخ العام للحكم في المنطقة العربية وتقدم صورة واضحة عن ثانوية وهامشية المواطن العربي ضمن هذه العلاقة الملتبسة..
فعلى الرغم من امكانية اعتبار هذا التستر ضمن اطار استخدام المعلومات الشحيحة في لعبة جر الحبل السياسي الذي اصبح يحكم الحراك السياسي اليمني على الارض..الا انه لا يمكن ابعاده عن حالة اقرب الى الثبات والتقليد في العلاقة ما بين المواطن العربي والسلطان قد تدفع الى اعتبار الحالة الصحية للحاكم كادق اسرار الدولة ومن مقتضيات امنها القومي ومما لا يصح ان يطلع عليه الا الدائرة الضيقة المحيطة برأس النظام والتي هي عادة لا تتعدى العائلة والاقربون..
فليس من الطبيعي ان نجد ان حالة بخصوصية وجسامة ما يشاع عن حالة الرئيس اليمني يتم التعتيم على تفاصيلها وكأنها احدى العوارض الصحية العابرة التي قد تلم بالمسؤول من وقت لآخر مما لا يمنعه من ممارسة مهامه الادارية التي يختص بها.. وهذا مما قد يترك البلد نهبا للاخبار المتضاربة الاقرب الى الشائعات منها الى الحقائق الموضوعية خصوصا مع عدم وجود مصدر رسمي يتميز بالموثوقية والمصداقية يتولى نفيها او تاكيدها ولو همسا وتلميحا مما يدفع بالمواطنين الى الاعتماد على المصادر الاجنبية في تلمس حقيقة الانباء..
تتفاقم هذه الحالة في عالمنا العربي الغارق بالانظمة التي ابتزت الحكم بالبطش والقوة والحيلة والخطابات الجوفاء والتي يخشى عليها من التصدع من فكرة الرئيس الذي يعتريه ما يطرأ على باقي البشر الفانين ويحرم الكلام في حضرته وبحقه حتى عن الموت ونجده يمتنع عن تسمية النائب او الخليفة لحكمه تطيرا وتوجسا من اليوم الذي لا ريب فيه ودون النظر الى ما يمكن ان يؤدي اليه الامتناع عن ترتيب استمرارية الدولة والنظام من اضطرابات ومشاكل ونزاعات في مرحلة ما بعد السلطان..
يقول الدكتور "أحمد شفيق" أستاذ الجراحة العامة المصري.." أنه أجرى عمليات جراحية لأكثر من 13 حاكم عربيا وأفريقيا إلى جانب الزعيم الكوبي فيدل كاسترو ورئيس الكونغو موبوتو سيسكو، ولكن في كل مرة كانت تخبره الجهات الأمنية في الدولة بفرض السرية التامة على مرض الزعيم، وعدم التحدث فيها مع أي شخص أو تسريب أي أخبار لوسائل الإعلام، مضيفا أنه في جميع هذه الحالات كانت الصحف تردد إصابة هذا القائد بوعكة صحية خفيفة جدا برغم أن حالته خطيرة، وتحتاج لإجراء جراحة عاجلة."
وفي نفس السياق يقول الطبيب الاسرائيلي "آندراي فايسمان" في حديث مع صحيفة يديعوت احرونوت: "تنقلت بين قصور رئاسة الدول الخليجية والاسلامية-وربما الممانعة- الفينة تلو الاخرى، بعد ان تلقيت دعوة رسمية بشكل بالغ السرية من زعماء تلك الدول او شخصيات بارزة فيها، وخلال تلك الزيارات كنت اشعر انني اعيش قصص الف ليلة وليلة على ارض الواقع، إذ تقلني وسيلة مواصلات فور وصولي البلد العربي، وربما تقلع بي طائرة خاصة من مطار بن جوريون، ووصلت درجة التعتيم والسرية على هذه الزيارات الى انني كنت احياناً لا اعرف الشخصية التي اقوم بعلاجها، إذ انها احيانا تكون تابعة لأسرة ملكية او اسرة زعيم عربي".
ان الاستمرار في هذه السياسة في ظل ثورة المعلومات وانفتاح الافق امام شبكات التواصل الاجتماعي قد لا يعد الا ضربا من ضروب العبث ومخادعة الذات وتضييع الجهد والوقت..ولكنه ايضا مما يبدو انه لا فكاك منه ولا افق قريب لليوم الذي يمكن فيه ان ينظر الى الحاكم في منطقتنا على انه ممن جاءت به الامهات ومن المحتمل ان ينطبق عليهم المقولة الخالدة التي تقول ان الكل على آلة الحدباء محمول..ولكننا ومع الاتفاق مع الرأي الذي يناقش ان العلاقة الوثيقة والتاريخية التي تربط ما بين السلطة والقوة قد تكون هي السبب في اخفاء الدوائر السياسية للحقائق التي تتعلق بصحة الزعماء..وهذه القوة نفسها قد تكون هي ما يدفع الحاكم الى الحرص على الظهور بمظهر الصحيح المعافى امام افراد الشعب..الا اننا نميل الى الرأي الذي يقول ان سبب اخفاء الحاكم لمرضه هو اليقين الكامل بالتهيأ التام من قبل الشعب للشماته والتشفي بالرئيس العليل ..والاستعداد الكامل لامطاره بوابل من الدعاء بالويل والثبور عند اي بادرة ضعف تعتريه كنوع من الانتقام لسنوات الاذلال والامتهان التي كابدها الشعب تحت حكم القائد الواحد الاحد الذي لا يمرض ولا يموت..
التعليقات (0)