"صباح العكننة" سخرية شعبية من الأوضاع السياسية وكشف للصور الفولكلورية لـ"الدمايطة والشراقوة والمنايفة"
سخر من كل ما شيء في مصر وجعله مادة تثير البكاء قبل أن تثير الضحك، إنه الكاتب محمد بركة، في كتابه "صباح العكننة" الصادر عن مكتبة مدبولي، حيث أكد على أن من أبرز المواقف التي تعرض لها جراء كتاباته الساخرة وجود خلافات قضائية مع بعض المواطنين الذين ينتمون لمحافظة دمياط، وذلك بدعوى تعرضه بالسب والقذف لأبناء دمياط فى كتاباته، مما جعله يوضح وجهة نظره مؤكدا أن هذا خطأ غير متعمد ولا يعبر عن وجهة نظر شخصية له بقدر ما هو سرد لمجموعة من الأفكار والأقوال المأخوذة من التراث الشعبي وشاعت على ألسنة المصريين على أنها من العادات المتأصلة في أهل دمياط.
وأوضح أنه يهدف من خلال الكتابة الساخرة المحاكاة التهكمية للواقع المعاش ومن ثم إحداث نوع من التفاعل من المواطنين حيال أبرز المشاكل التي تواجههم فى مختلف مجالات الحياة، وقال: إن الادب الساخر نوع من أنواع النقد الأدبي والذي تتسم به شريحة كبيرة من القراء.
أما عن فكرة الكتاب الذي يقع فى 14 مقالا، فإنه تتنوع اهتماماته ما بين كرة القدم وهموم الشارع المصرى والرومانسية والصور الفولكلورية الذهنية حول الدمايطة والشراقوة والمنايفة، وكل ذلك من خلال أسلوب فكاهى يعتمد على توليد المفارقة الدرامية والسعي للضحك عبر كوميديا الموقف،
ففى مقدمة الكتاب يشير المؤلف إلى حرارة الانتماء للوطن فى فترة الطفولة، ومع ذلك سرعان ما يتذكر أشياء قديمة فيستدرك: كان هذا قبل 25عاماً، لم يكن التليفزيون قد استولى على المكانة التاريخية "لأبوقردان" وأصبح صديق الفلاح، والفضائيات عشيقته، ولم يكن الكلام عن الانتماء تسقيه لنا برامج القناة الأولى كما تسقينا أمهاتنا دواء مراً: مهدئ للسعال وطارد للبلغم!
لم نكن كبرنا بعد، وأفقدتنا المبيدات المسرطنة براءتنا، وقضت حفلات التحرش الجماعي آخر أمل على النخوة فينا، لم يكن "أجيب لكم منين" شعار كبار المسئولين !ويضيف قائلا : وأنا لا أريد أن أعكنن على معاليك.
والغالب على الكاتب اهتمامه بالرياضة وفريق الأهلي والزمالك قطبي الكرة في مصر، ليجعلهما مادة ثرية لسخريته، ففي المقال الأول يرصد المثل القائل "يابخت من بات مغلوب ولا بات غالب" ليؤكد أن هذه دعوة صريحة لكي تكون زملكاوياً!، وكذلك ينزل المؤلف إلى الشارع ليحكي لنا عن تجارب حياتية في الميكروباص، فيقول: لو أنك أهلاوي وعرفت أن من يجلس بجوارك في الميكروباص أو يقف إلى جانبك في المترو أهلاوي مثلك، لكان الأمر شيئاً عادياً، أما لو كنت زملكاوياً وتعرفت على زملكاوي آخر.. لأصبح الموضوع حدثاً استثنائياً يستحق أن ترويه للمدام حين تعود إلى البيت، ومع هذه النظرة الساخرة إلا أنه ينظر إلى الواقع في بلدان العالم الثالث المتخلف، والتي يتم فيها توظيف "الكورة" سياسياً لتصبح أداة لإلهاء الشعب عن مشاكله ووسيلة جيدة لكي تنسى الجماهير واقعها المحبط.. الأهلي يساعد على نجاح هذه المؤامرة.. الزمالك يجعلها تفشل، مؤكدا أن هناك شعارات عنصرية مثل: الأهلي فوق الجميع، ليؤكد أنه شعار عنصري على طريقة هتلر والنازيين حين رفعوا شعار "ألمانيا فوق الجميع" أما الزمالك فهو بلا شعار أصلاً، ومن التوظيف الساخر أن تشجيع الأهلي يجعلك تعيش في حالة مزيفة من التفوق.. انتصارات وبطولات لا تنتهي.. لدرجة يمكن معها أن تنسى أنك في مصر بلد الهزائم داخلياً وخارجياً، على حد وصفه، ولكن سرعان ما تصحو على الواقع المؤلم حين تقف في طابور عيش!
ويخرج الكاتب من حيز المجال الرياضي ليستعيد الكاتب مواطن الجمال وأسرار الموسيقى الدفينة فى "شتيمة أهالينا "، وجرسها الموسيقي المؤثر، والتي منها "قوم.. قامت قيامتك.. واتنصب ميزانك" مؤكدا أنه لا يخفي على حضرتك مواطن الجمال في تلك الشتيمة الرائعة، ففضلاً عن الجرس الموسيقى النابع من تداخل كلمتي "قوم.. قامت" هناك "توكيد المعنى" بنصب الميزان، وكأنه لا يكفي أن تقوم قيامة الواحد منا وهو غير مستعد، ولكن إمعاناً في التشفي والشماتة تلحقه الأم بالخطوة التالية حتى لا يعود الإبن ينتظر شيئاً سوى دخول جهنم "حدف"
ويضرب المؤلف بعض الأمثلة السريعة لأحلى مواقف تصيب المصري بالعكننة السريعة والتي منها: عندما يقرأ في الجرايد عن اعتزام الحكومة "تحريك" الأسعار وعندما يتأكد من صاحب الكشك أن زيادة الأسعار شملت للأسف سجاير "سوبر" و "كليوباترا، وكذلك عندما يتضح أن نصيبه من العلاوة الدورية والتي كلفت خزانة الدولة عدة مليارات وتصدرت مانشيتات الصحف القومية يعادل ثمن كيلو خيار يضاف إلى راتبه الأساسي كموظف قد الدنيا وكذلك عندما يعود إلى البيت فيكون أول سؤال للمدام: قبضت العلاوة؟
أما شعار "الملك لله" فهي عبارة لن تجدها إلا في مصر فقط، وهي تعلو يافطة ضخمة تتوسط أرض فضاء حيث يشير محتوى اليافطة إلا أن هذه الأرض هي ملك للسيد فلان الفلاني ولا يجوز البيع والشراء فيها.. إلخ.
والسؤال هنا: لماذا في إجراء روتيني مثل هذا يتم التأكيد أولاً على أن الملك لله قبل أن يتطرق المواطن إلى إعلان ملكيته في صيغة تحذيرية، هل لأن هذا الشخص – مثلاً – يتصور أن امتلاكه لقطعة أرض يتعارض – حاشا لله – مع ملكية المولى سبحانه وتعالى للكون كله، أم أن الأمر مجرد تقليد يتبعه بعض الخطاطين وهم يتلقون "الطلبية" بتنفيذ اليافطة؟ أيا كانت الإجابة، فالمدهش حقاً أن تكتشف – لاحقاً – أن هذه الأرض، مترامية الأطراف، متنازع عليها، وثمنها عشرات الملايين، فهي تقع في وسط البلد، بالقرب من الكورنيش وحين فشل القانون في حسم النزاع، جاء دور الرصاص والدم، واشتعلت مانشيتات الصحف، وبرامج التوك شو.. وسبحان من له الملك والدوام!
أما لفظ التوحيد "الله واحد.. مالوش تاني" فيؤكد على أنه من بين جميع المِلل والنِحل والأجناس، ستجد المصري المسلم هو الشخص الوحيد على وجه الأرض الذي يعلن عن أصل عقيدته الدينية "التوحيد" وهو منغمس في أشد اللحظات دنيوية "عد الفلوس.
إن الكاتب أكد على روح الشعب المصري واشتهاره بالضحك في أحلك لحظات الحياة وأشدها قسوة.
ويؤكد أن هذا النوع من الكتابات ظهر في الفترة الحالية من خلال العديد من المواهب الصاعدة فى عالم الكتابة لساخرة أمثال: عمر طاهر وجيهان الغرباوي ودينا ريان وهيثم دبور ومحمد فتحي، والذين مؤكدا قدموا العديد من الاسهامات الناجحة فى عالم الكتابة الساخرة خاصة وأن الشعب المصري فى المرحلة الحالية بحاجة إلى مزيد من الفكاهة من أجل التنفيس عن همومه بمختلف مجالات الحياة.
التعليقات (0)