قصة قصيرة:
صاحبة الجلالة و الملكة
بوشعيب دواح
يبدو لهن ذو القلم مستلقيا على ظهره، يعانق أشعة الشمس كأجنبي هارب من برودة أوربا ، في حين أنه مأخوذ في غفوة مستسلما لرطوبة المحيط و لا يفكر سوى في الرطوبة التي اجتاحت جيوبه و جيوب جهازه النفسي. يرى المعشوق نفسه بجانب القصر و أدناه كصحنين طائرين تلتقط الموجات المنبعثة منه و تفك الشيفرة المحمولة على الذبذ بات .
تقول صاحبة الجلالة:"أنا راودته عن نفسي مذ أن كان في البكالوريا، و لدي نص أمتاز به إذا ما حركته بنصف دورة يمكن أن أرميه في غياهب السجن ".
ردت الملكة :" و أنا التي زرعت فيه إكسير الحياة حتى أصبح عالما كيميائيا و علمته كيف يتفاعل
و يحلل النصوص".
و تقول صاحبة الجلالة : " أنا التي أعطيته الحرية أن يتمتع بكل جسدي ، يلامس أوراقي المطرزة بالكتابة و يقلبها في كل التموضعات".
و ترد الملكة:" سنين و أنا أعشقه ، و تأتين أنت في النهاية لتفوزين به ، أتريدين أن تسقط هنا روح شخص ما منا،عقد من العشرة ، عقد من الزمن مرصع بحبات حب كيميائي مربوطة بخيط ذهبي لا يذوبه إلا الحمض الملكي".
صاحبة الجلالة غاضبة : " أووه ، فوتيني من فضلك ، أنسيت أنه أمام أوراق جسدي إستقام قلمه ، كما أصبحت ريشته بركان تصيب بحممه كل بورجوازي متعفن و هذه الحمم تنزل بردا و سلاما على كل ضعيف سحيق...".
الملكة تجمد حرارتها المرتفعة و تقول : " يا صاحبة الجلالة ليكن في علمك أنه أنا التي أشرفت على تلقينه ذرات و جزيئات الحب و لغة العشق ، أنا و إياه سهرنا الليالي، سقيته كؤوس محاليل الجرأة
و ذاق على شفتاي رحيق الكلام العذب...".
صاحبة الجلالة ترد بسرعة الضوء: " يا ملكة العلوم ، سأعطيه صفة متعاون ، سينتقل من مكان إلى مكان ، سيكتشف دهاليز قصري و سيراقب كل مستشار مسؤول و سيضبط كل كذاب نمام على الشعب القارئ، هناك سيعيش محترما ، ساميا كما كان ، سأضمن له أن يزور عدة بلدان و سيبتعد عن قهقهات بنات قصر البحر و عن السكارى الذين يلعنون الرب حينما تغيب عقولهم و سينسى الكلمات النابية الفالتة من عقال الحشمة و الوقار...".
الملكة تزعزعت في دواخلها و أحست أن الحبل بدأ ينسل من بين يديها ، حكمته و ردت :" أنا يا صاحبة الجلالة علمته كيف يصنع العقاقير ، وسلمته شهادة عليا ، سيتسلق بها أدراج السلالم ، علمته كيف يحب الطبيعة لأنني أنا الطبيعة و علمته كيف يحترم البيئة و سيصبح عنصرا نافعا و فاعلا ، سيدافع عن رآية وطنه بعلمه و ثقافته العروبية و سيربي أجيالا تمسح الدمع عن وجه هذا الوطن المكلوم، و ستضمد جراحاته و ستزيل الأشواك من أخماص قدميه ليسير نحو أفق بعيد و جميل.".
الكلمة الأخيرة لصاحبة الجلالة:" في النهاية سيكون بجانبي، سيكتب عنك يا ملكة ،و عن اندحارك و انتحارك على صخرة الواقع المفروض ، سنحمل نعشك على أكتافنا و سأبقى أنا يا ملكة العلوم خارج المقبرة بحكم أنوثتي، و سأحمل النظارات السوداء في ذاك اليوم المشمس و الرطب...".
ما إن سمع ذو القلم كلمات المشمس و الرطب كلقطة مفزعة من هذا الفيلم الرديء لهذه الحياة التي لا تساوي ولو جناح ناموسة ، حتى عاد إلى صحوته و هو يفرك وجهه الذي لسعته أشعة الشمس
و ملوحة البحر و هو يردد:" أنا أريد أن أشتغل يا علم ، يا عالم، يا ...".
cdouah@gmail.com
التعليقات (0)