1
يعجبني كثيرا أن أباهي بشَعري الرطب المنساب و ببريقه الأخاذ. تضخك زوجتي كثيرا عندما أصر على هذا الادعاء .أنا كذلك ابتسم لان حكاية شَعري الذي ليس رطبا و لا منسابا ليست إلا أحد الأوهام التي أعيشها ، و أتملكها عن إضمار خفي و ممتع ربما لصورة أريد أن أكون عليها.
2
يرهننا هذا التوهم إلى إحدى قواسمنا المشتركة. قد يكون سبب ذلك افتقاد أزلي للإحساس الصحيح بأنفسنا . أعني بلا مواربة عدم قدرة وعينا الباطني على التنبه الدائم لمقاساتنا أو بطريقة امتدادنا في الفضاء. هذا التوجس المستمر لموضعنا يشكل كذلك تمرُّنٌا دائما على اكتشاف ذاتي و مستمر .فعادة اللباس مثلا قد غادرت منذ البداية وظيفتها الأخلاقية و الوقائية الأولى إلى وظيفة استعماليه واجتماعية و اقتصادية ذات روابط متشكلة.فصيغة الموضة ليست بعيدة عن هذا الأمر لأنها تعتمد الهوس الدائم للتعين، و اكتشاف المقاس و احتجاز الفضاء الأولى للستر، و اتقاء البرد و تغيير الألوان، و الأشكال؛ طريقة اكتشاف متواترة لهذا الجسد الذي يمجد هوسنا الدئم بشكلنا المفقود.
3
هذا الوهم هو ذاته الذي قد يدعوك للإصرار على فتح دولاب قديم و النظر في أشيائه اليائسة، والتأكد كلَّ مرَّة من وجودها رغم أنِّك لم تحاول مرة واحدة أن تنفض عنها غبارها .هو إرهاص خفي لم يبلغ بعد هواجسك و طيف يخاتلك و لا يبعث في يدك حركة واحدة لتفقدهم و هم تحت غبار الاهمال . لا تبدو قصة الدولاب اعتباطا مراوغا للحظات التيه البصري و النفسي لأن عدم الإقلاع عن هذا الطقس سيعطيك الانطباع أنَّ شيئا مميزا و خفيا يسكن في ظلمته و لأنه فعلا كان بعيدا عن المجانية التي تأكل منا نصف العمر.
4
حتى مع الاعتراف أن الأمر محير. يكسبك الإحساس بأن شيئا مميزا يلف الأمر سعادة خفيفة في حجم ابتسامة راضية.
فالأمر حركة ميكانيكية لا تتعدى مسالة العادة ،لكنه أشبه بالنظر إلى الفراغ فنحن ننظر هكذا في حروفنا الآتية بل قد نعمد بنظرة لاهوتية إلى مسألة الخلق و القدم. لنصر أن الكلام موجود. ولأننا نكسبه ككسبنا في حيرة القدر و القضاء. هل نعلم حتما أن كلمات موجودة أمامنا ما علينا ألا أن نذهب إليها حبوا و مشيا و ركضا و جريا و حتى لهاثا لأنها هناك نراها و لا نراها..
5
تمتلك الكتابة هذا الوهم الدائم بالاكتمال و بالبهاء. حتى تلك التي نقترفها ببشاعتنا المحزنة، لا تنحاز عادة إلى ذائقتنا فقط لكنها تتهرب من محاككة النقد و من النظر إليها بعين نافذة .فالكتابة باعتبارها فعلا ذهنيا موقوتا بلحظة تشكل ضاغطة، و مستفزة قادرة على تجميع الجهد الفكري الذي يندفع إليها من كل الاتجاهات مع اعتبار أن أكثر الأمر لا يتسق إلا بمعاودة التفكير في ذات التحفيز.
6
الوهم الجمالي ليس ينافي هنا الإدراك . لكن أردنا أن نميز فيه أن الذائقة في تحولاتها الكثيرة تفقد موازين التقنين الواجبة لقياس درجة الجمال ولترسيم حدوده ،لأن اللحظة الزمنية تشكل أحد روافد التذوق و تزيد في طغمة هذا التدفق.كما أنها تخلق مصطلحاتها الذاتية لتتموضع كما تريد في مكانها من الريادة كما تعتقد دائما.
7
علينا أن نعترف أن قوة النص إنما ترتهن إلى هذا الوهم المحفز على الانتشاء بالحصول على المعنى، أو التصور الدائم بالقبض على صورة الجمال المطلوب. الأمر هنا لا يختلف عن إعجابنا بأصواتنا تحت الدش أو قدرتنا على الغناء بصوت أوسع من أم كلثوم فقط عندما نكون في صمتنا. إن الراوي في البحث عن الزمن الضائع لبرست و هو يتميز باستعماله الوصف الدقيق لتبئير الكاميرا عندما يواجهه الاعتقاد أن ما يراه ن بعيد شجرة و واحدة وهو يعلم في الحقيقة أنها مجموعة من الأشجار لكن طريقة قبوله لخدعة النظر تعيننا على تلمس هذا الأمر من اجتهادنا في البقاء على صلة دائمة بالوهم و بإحساس المخادعة الذاتية و هو ما قد يفسر إشارات التلقي التي درسها جيل دلوز في أدب برست كمحمل فلسفي.
8
لحظة الجمال التي لا يمكن لنا الادعاء بإدراكها حتى باعتماد أكثر الطرق الأسلوبية و النقدية قدرة على التحليل تبقى مرهونة لوهم الاكتمال. رغم زعمها المطلق أن النص أي نص إنما يكون فوق المعنى لان الذائقة شبيهة بتلك الحالة التي يمكن لنا اعتبارها أخاذة و مستوفية لشروط تحققها. و هي أن امتدادنا في الفضاء لا يعادله إلاَّ مقامنا في اعتقادنا نحن بالذات. و مقامنا في ذائقة قد تكون فيما بعد مدعاة للسخرية و النقد تماما كما نفعل اليوم في نكتنا من الحاشية التي ولدتها حاشية بنت حاشية بنت نص ميت المعاني.
9
لن تكون هذه أبدا دعوة مستفزة للقَرار داخل لعبة لا تنتهي في حقل تحرسه فزَّاعة الوهم، لكنها محاولة تريد أن تقول أن تكريس مفهوم معين لنص معين لذائقة معينة تحكمه الكثير من الأوهام التي هو في صلبها و أن التراكم لا يبرر لوحده علو العمل الفني أو امتياز صنف دون أخر إلا إذا اعتبرنا الحضور امتيازا أبديا ولكنه يؤكد فقط سواده و انتشاره و يؤكد أيضا انه ينحاز إلى الذائقة الجمعية مثلما أريد أن أباهي بشعري المنساب
سعيف علي
تونس منتصف ابريل 2010
التعليقات (0)