مواضيع اليوم

شيطنة الغرب

محمد مغوتي

2010-07-29 11:52:42

0

             شيطنة الغرب.
    " أمريكا هي الشيطان. و الشيطان أمريكا. " هكذا أنشد الشاعر الفلسطيني الراحل " محمود درويش " في ذات قصيدة. و ذلك هو لسان حال الكثيرين في العالمين العربي و الإسلامي.
    الشيطان في الوعي الجماعي هو رمز الشر، بل هو الشر نفسه. و شيطنة أمريكا و معها منظومة القيم الغربية تأتي في سياق الصراع المعلن و الخفي بين قوى الشر و قوى الخير. واللافت في الأمر أن التقابل بين الخير و الشر شكل منذ أحداث 11 شتنبر معادلة أساسية في السياسة الأمريكية تحديدا. وتكاد كل خطابات الرئيس الأمريكي السابق " جورج بوش " لا تخلو من المفهومين. و هكذا تتحول لعبة المواقع حسب ضمير المتكلم. إذ أن كل طرف يصنف الآخر في دائرة الشر حتى أصبح المرء لا يدرك الحقيقة من السراب… لكن الحقيقة التي نعرفها جيدا هو أن اتهام الغرب يندرج ضمن نظرية المؤامرة التي أصبحت عقيدة يصعب التخلي عنها. و بمقتضى هذه النظرية يتحمل الغرب " الكافر " كل المسؤولية في الواقع البئيس للعرب و المسلمين في كل الميادين. و العرب على وجه الخصوص يتعرضون لأشد أشكال الحصار و التضييق من طرف قوى الشر الغربية التي لا تريد أن تسمح لهم بركوب موجة التقدم و الإزدهار، وتدبر لهم المكائد من أجل إبقائهم في الحضيض.
     هذا هو التحليل الذي لا يمل المدافعون عن النظرية من تكراره. و هو ذات التحليل الذي يجعل مصائب العرب و مآسيهم قدرا صنعته إرادة أمريكا و من تواطأ معها من الماسونيين و الصهاينة و العلمانيين... و سواء تعلق الأمر بفلسطين أو لبنان أو العراق أو اليمن أو السودان أو الصومال أوغيرها من بؤر التوتر، فإن أصابع الإتهام تتوجه إلى الشيطان الأكبر: أمريكا لا تريد الخير للعرب و المسلمين، لذلك تزرع الفتن و القلاقل بينهم. و هي وحدها المسؤولة عن و اقع الأمة العربية التي تتخبط في ألوان من الأزمات التي لا تنتهي، وتعيش على إيقاع التشتت و الفرقة والتشرذم.
    سؤال بسيط لا أجد له جوابا: إذا كان العرب و المسلمون يدركون أن أمريكا هي العائق أمام طموحاتهم فلماذا لا يواجهون هذا الغول الذي يتربص بهم؟. لماذا لا يكتسبون المناعة اليابانية أو الصينية لمحاربة الفيروس الأمريكي؟. أعرف أن أكثر الأجوبة الممكنة حضورا في الأذهان لا تنسلخ عن فكرة المؤامرة مرة أخرى. لذلك سيظل الواقع يدور في نفس الحلقة المفرغة، فالغرب متآمر على العرب و المسلمين، وهؤلاء لا حول لهم و لا قوة لأن هذا الغرب لا يسمح لهم بالوحدة و التكاثف.
   البكائيات و الإتهامات المجانية لن تغير الواقع أبدا، بل تزيد الأمر سوءا لأنها تعلن عن العجز و فقدان البوصلة، وتكشف عن غياب أية إرادة حقيقية للنهوض و التغيير. و المتآمر الحقيقي على هذه الشعوب هو النظام الرسمي الدي يحكمها في مختلف تجلياته: في النظام التربوي الذي لا يساهم إلا في مزيد من أفواج العاطلين عن العمل سنويا، و في النظام الصحي الذي لا يقدم الخدمات اللائقة بكرامة الإنسان، و في السياسات التعليمية التي لا تعير أي اهتمام للبحث العلمي، وتدفع بالآلاف من الباحثين إلى ترك بلدانهم في سياق هجرة الأدمغة، و في القضاء الذي يكرس التفاوت الطبقي، وفي الشأن الديني الذي أصبح محصورا في مراقبة الهلال و إصدار فتاوى تتنافس في الغرابة و الإبتذال...
    إن المسؤول الحقيقي هو ثقافة العصبية التي تكرست عمليا بسيادة الرأي الواحد و تغييب معاني الديموقراطية في الممارسة اليومية. أما الغرب فهو ماض في نشر قيمه بالشكل الذي يخدم مصالحه. و حتى تنقشع غيوم المؤامرة، نعوذ بالله من شرور أنفسنا. 
             محمد مغوتي.29/07/2010.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !