مواضيع اليوم

شيئية المعدوم ودفع الشك عن إلزام قائليها بقدم المادة

سمير ساهر

2009-09-26 08:18:53

0

السلام عليكم

هذا الموضوع من مقال سابق وضعته في مدونتي تحت عنوان "الشك والشكذ"، وقد وضعته هنا لكي يُسْتَفاد ممَّا فيه، فتزول اﻷحكام التي لا تستند على حق، فالمعتزلة لم تقل بقدم المادة، وإليكم التوضيح:

شيئية المعدوم ودفع الشك عن إلزام قائليها بقدم المادة

من ألزمهم بقدم المادة؛ فإنما يلزمهم بما في نفسه لا ما في نفوسهم، وما تدل عليه أقوالهم:"هناك آيات تساند الموقف المعتزلي في مفهوم الشيئية، وأولها الآية المحكمة التي يستدل بها المعتزلة كثيرا، للدلالة على التنزيه المطلق لله:"ليس كمثله شيء" (الشورى:11) فهي لا تدل على أنه ليس كمثله موجود ما فحسب، بل كل ما يخطر على البال من تخيلات أو تصورات فالله بخلاف ذلك، وكذلك قوله تعالى:"وسع ربي كل شيء علما" (الأنعام: 80)، "وإن الله قد أحاط بكل شيء علما.." (الطلاق: 12)، فالشيئية لا تدل على الموجودات العينية فحسب، بل ما اصطلح على تسميته "بالمعدوم" أيضا، مثل يوم القيامة معدوم في الماضي والحاضر ولكنه معلوم لله، فعلم الله الأزلي يتعلق به تفصيلا مع كونه في الحال معدوما." علم الكلام، دراسات فلسفية لآراء الفرق الإسلامية في أصول الدين، "1" المعتزلة، تأليف الدكتور أحْمَد مَحْمُود صُبْحِي، صفحة 279 – 280.

مما سبق نستنتج أنَّ هناك تفرقة بين الوجود العيني للشيء، والوجود الذهني للشيء، فالوجود العيني يتعلق بشيء حدث في الماضي، أو شيء يحدث في الحاضر، أما الوجود الذهني فإنَّه يضيف المستقبل، بل يمكن صنع حمار برأس فأر في الوهم، أو كلب برأس خروف، وهذا الصنع يمكن أنْ يكون في الحاضر، وهي أشياء تتحقق في الأذهان لا الأعيان، على الأقل حتى الوقت الذي لم تكن متحققه فيه عينيا، هذا بشأن تركيب جزء من صورة شيء – كرأس الفأر مثلا – على جزء صورة شيء آخر – جسد الحمار بلا رأس مثلا -، وهكذا دواليك..
ولا مجال للقول بقدم المادة بناء على شيئية المعدوم، فلا يجوز إقحام مسائل عُولِجت خارج علم الكلام، في علم الكلام، فكلام الفلاسفة يلزمهم وحدهم، ولا يلزم المعتزلة، فالمادة القديمة التي تُمْنَح صورة لتخرج إلى الوجود، ليست من قول المعتزلة، ولا تلزم إلا قائليها من الفلاسفة، فشيئية المعدوم عُولجت لدى المعتزلة خارج إطار معالجة الفلاسفة لها، فهما موضوعات مستقلان، حتى وإنْ حصل تماثل في الأليات التي يتوسل بها كل منهما، وكذلك نوعية المواضيع المعالجة.
ثم على افتراض انهم قائلوها؛ فإنَّ المادة القديمة التي قال بها بعض الفلاسفة، ليست قديمة قدم الله، أي لا تتمتع بالأولية التي هي صفة لله، فوجودها لاحق، ووجوده سابق عليها – دون أنْ نتخيل الزمان بشأن الله، فالزمان شيء نسبي متعلق بالمادة في تحركها -؛ ولهذا فاستعمال كلمة الحدوث أوْلى من استعمال كلمة القدم، رغم أنَّه يمكن تقسيم كلمة القديم إلى قديم سابق، وقديم لاحق، كما سبق أنْ قلنا: فالقديم السابق هو الله، والقديم اللاحق هو المادة التي لا صُورَة لها، ثم أنَّ القديم اللاحق يمكن تقسيمه إلى قسمين: الأول: قديم غير مُصَوَّر، والثاني: قديم مُصَوَّر، ولا بأس لو قلت عن الأول: مُحْدَث غير مُصَوَّر، والثاني: مُحْدَث مُصَوَّر، لأوْلوية الحدوث كما سبق أنْ قلنا، ولكن تبقى مشكلتان متعلقة بهذا الموضوع، فلو زالت لَمَا وَجَب أنْ يُعَاب قائليها:
المشكلة الأولى: أنْ الوجود اللاحق، أقصد المادة غير المُصَوَّرَة، لم يَصْدُر عن الله مُخْتَارا، وهذا يُوجِب على الله النقص، ولمَّا لم يكن الله ناقصا؛ وَجَب رد هذا الجزء – صدور المادة غير المصوَّرة عن الله غير مختار لها – من النظرية؛ وبهذا تكون مقبولة عقلا، حتى وإنْ تركها المعتزلة، وتَبَنَّوا الحدوث التام.. كلمة تام غير موجودة عندهم، فقد وضعتها لتمييزها عن الحُدُوث غير التام، أي غير المُصَوَّر، فالحُدُوث بلا كلمة تام عند المعتزلة تعني خُرُوج شيء من العدم المطلق إلى الوجود الذي يمكن أنْ نرى منه بالعين في هذه الحياة أشياء غير قليلة؛ وبهذا فلا شيئية المعدوم تلزم المعتزلة بقدم المادة؛ لأنَّها (شيئية المعدوم) لا تتعلق بالوجود العيني عندهم، بل بالوجود الذهني، ولا المادة غير المُصَوَّرة تلزمهم بقدمها - على افتراض تَبَنِّيهم لها - بل تلزمهم بحُدُوثها، ولكنهم لم يَتَبَنُّوها.. في كتاب المعتزلة لنفس المؤلف شرح تفصيلي عن هذه المسألة، فمن يريد المزيد فاليقرأه..

المشكلة الثانية: إنَّ المعتزلة لا يقولون بصورة أرسطو وأتباعه (.. الكندي، والفارابي، وابن سينا، وابن ماجه، وابن طفيل، وابن رشد، وموسى بن ميمون..)، فإختلاف الأشياء عند المعتزلة سببه الأعراض، فالأعراض هي التي تشكل المادة؛ وبهذا فتقسيم الوجود التام إلى مادة وصورة غير موجود عند المعتزلة، فالمادة أوجدها الله كما هي، والاختلاف الذي يمكن أنْ يَحْدُث فيها سببه اختلاف الأعراض؛ ولهذا فالمادة التي بلا صورة غير موجودة إلا في ذهن أرسطو، فهذه المادة التي بلا صورة معدومة عن المعتزلة في الخارج، وموجودة في ذهن أرسطو؛ ومن هنا نعود إلى شيئية المعدوم..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات