مواضيع اليوم

شيء من النفاق العربي

محمد المودني

2010-11-22 19:55:42

0

مقال: شيء من النفاق العربي


محمد المودني

هل صحيح أن النفاق صفة من صفات العرب دون غيرهم لبسوها منذ أن وجدوا، كما كان شائعا وأصبح راسخا بالفطرة في أذهاننا ، أم هو فن من فنون المكر والخداع دخيل على الثقافة العربية ابتلي به الإنسان العربي عبر مراحل تاريخه ، وهل له دور ما في ظلامية عصرنا الممتد من نهاية حكم الخلفاء الراشدين إلى يومنا ، وهل للنفاق علاقة شرعية بالتناقض الطبيعي أو الإنساني أم لا يلتقيان في شيء ؟؟
للإجابة بالنفي أو بالتأكيد أو بالتصويب نحاول أن نقرأ شيء من ماضينا وحاضرنا بكل واقعية وتجرد :
بداية أود أن نبدأ من حيث انتهى التساؤل ونقول : إن التناقض يعني الضد أو العكس أو الاختلاف ، وإذا كان كذلك فهو لا يخص شيئا دون أشياء بل يطال كل المفردات الكونية من أسماء وأفعال وصفات ، أي أن لكل شيء في الكون نقيض: فالكفر يناقض الإيمان والشر يناقض الخير ، والحرب تناقض السلم ، والظلم يناقض العدل والباطل يناقض الحق ، والفقر يناقض الغنى والجشع يناقض القناعة ، والسواد نقيض البياض والظلام نقيض النور .. والشتاء نقيض الصيف والربيع نقيض الخريف ، ولكل كائن بري ومائي نقيض ( عدو ) ، ولكل فعل وسلوك نقيض .. وقد يكون لكل نجم وكوكب نقيض .. وطبعا في كل هذا وغيره أسرار كونية وحكم وغايات ربانية قد تتعدى المحافظة على التوازن الطبيعي إلى ما هو أعظم . وهكذا ـ إذا ما لامس هذا الرأي شيء من الحقيقة ـ يكون التناقض في كل صوره ظاهرة طبيعية لابد منها وجب ويجب الأخذ والعمل بالإيجابية منها والتمسك بمسبباتها والابتعاد عن سلبياتها ومحاربة شرورها وأدواتها التي يكون الإنسان فيها هو الفاعل والمفعول.
أما النفاق فيمكن اعتباره على أنه التباين في أفعال وصفات الفاعل ، وهو فعل الظهور على غير الحقيقة وبمظهر مغاير للواقع أي الظهور بمظهر مزيف من خلال الشعور والخطاب والممارسة، بمعنى أن النفاق هو ازدواجية صورة الفاعل وهذا النعت لا يمكن أن يتطابق إلا مع صورة الإنسان دون غيره من مفردات الطبيعة لأنه هو وحده من يمكن أن يكون الفاعل والمنعوت . وفعل ازدواجية الصورة أو على الأصح فعل ازدواجية الشخصية يراد به باطل يتنافى ويتناقض مع المبادئ الدينية والإنسانية وحتى الطبيعية لأن دوافعه وغاياته - والتي لا يمكن أن تكون غير مادية أو معنوية أو كلاهما - لا تبرره لكونها غير شرعية . لذا فالنفاق هو المرادف البشع للتناقض السلبي الغير الطبيعي الذي وجب ويجب محاربته وتدمير أدواته حتى تستقيم الحياة البشرية ومحيطها الطبيعي. وإذا ما صح هذا التفسير البسيط فحتما تكون للنفاق وجوه عدة على امتداد حياة الإنسان تطل على مجتمعاته في صور عديدة وعلى كل المستويات حسب ظروف الزمن والمكان وإكراها تهما الروحية والنفسية والمادية المرفوضة دينيا وإنسانيا ، فهل كان للإنسان العربي نصيب من التناقض البشع أو النفاق المدمر؟؟
قبل العصر الإسلامي كان العرب في جاهليتهم أحرارا كالصقور لا تجبرهم ظروف حياتهم الطبيعية والبسيطة ببدائيتها على لبس النفاق والأخذ بمبادئه رغم أن مجتمعاتهم كانت قائمة على الأنظمة العائلية والعشائرية والقبلية والفئوية التي تعتمد في تعايشها على مذهب التمييز الفردي والجماعي المتعالي والذي ظل سائدا في مجتمعنا العربي إلى حدود اليوم . ومع مجيء الإسلام ـ الدين الذي قامت رسالته على تأسيس لمجتمع إنساني موحد بتوحيد الله وحدة مصالحه ونظيف من كل المعوقات السالفة الذكر ـ ظهرت أولى صور النفاق العربي بالمدينة المنورة خلال مقام النبي صلى الله عليه وسلم بها مبشرا ونذيرا وحاكما (بعد الهجرة النبوية الشريفة) وقد نبهه الله تعالى من خلال القرآن الكريم إلى ظاهرة النفاق التي بدأت تتفشى في مجتمع المدينة نتيجة تعايش عربه مع اليهود تبلورت في قيام حزب المنافقين استطاع الرسول الكريم أن يقضي عليه بعدله ورشد حكمه وحنكته السياسية المستمدة من نبل مبادئ رسالته . إلا أن النفاق عاد بوجهه القبيح وظهرت بوادره الأولى في المجتمع العربي بداية العهد الأموي حين استطاع معاوية بنفاقه ومكره إسقاط حكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه بقتله وبدعم فعلي من المنافقين الذين كانت قلوبهم مع علي وسيوفهم مع معاوية ليكون ذلك أول انقلاب على سنة الحكم القائمة على الشورى السائدة في المجتمع العربي والإسلامي . وبهذا يكون النفاق قد بدأ يتغلغل في العقلية العربية بدوافع وغايات مادية ( من سلطة وثروة .. وجاه ) غير مشروعة ، إلى أن كان أول وأهم مسببات تفكك الدولة الإسلامية وانهيار النظام العربي الموحد وانقراض عهد الأندلس وفقدان مدينتي سبته ومليلية والتمزق الذي طال الجغرافية العربية بقوتها الديموغرافية والتاريخية والاقتصادية والعلمية والسياسية ، إلى انهيار الإمبراطورية العثمانية الإسلامية ونهاية سلطانها بالوطن العربي وحلول محله سلطان الصليبيين من الأوربيين بتآمر مع شيوخ العشائر والقبائل العربية المتظاهرين بالدفاع عن قوة الإسلام وعن وحدة الدولة العربية من العرب المزيفين دافعهم الطمع والجشع وغايتهم الزعامة والسلطان حتى وإن كانت على عشيرة أو قبيلة . وقبل أن ينهي الصليبيون الأوربيون وجودهم العسكري المباشر في المنطقة العربية قسموها إلى دويلات وإمارات عشائرية وقبلية وطائفية ـ نزولا عند رغبة مزدوجي الشخصية من العرب اللاهثين وراء الزعامة والثروة ، وتنفيذا للمخطط الصليبي والصهيوني القائم على تفكيك الوحدة العربية ومن خلالها إضعاف القوة الإسلامية غايته إبادة الإنسان العربي وإنهاء وجود الدين الإسلامي على الخريطة البشرية الذي تتنافى مبادئه مع أطماعهم وجشعهم ـ وأقاموا على صدرها وعلى أنقاض الشعب العربي الفلسطيني وفوق قبر الدولة العربية وعلى تاريخ الأمة الإسلامية كيانا صهيونيا مذهبه الأبدي الكراهية المطلقة للعرب وللمسلمين وللإسلام وقوة استمرار وجوده سفك الدماء والافتراس ، وسلموا قواعد حراسة مصالحهم مع النظامين ( الصهيوني العنصري والعربي المنافق ) للأغبياء الأمريكيين . بهذا الختام المر للخريطة العربية ( الجغرافية منها والشعبية والدينية والعلمية والاقتصادية ) ـ التي مازال المنافقون من العرب ، بإيحاء من الصهاينة والصليبين ، يتوعدونها بمزيد من النكبات ـ يكون النفاق قد تمكن بقوة من العقل العربي وأصبح بمختلف وجوهه ( الديني والأخلاقي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي ) سلوكا ثابتا بين مفاصل الحياة الخاصة والعامة للإنسان العربي وثقافة متجذرة في عمق مجتمعاته بتفاصيلها ، ومبدأ وحيدا وراسخا في سياسة أنظمتها وزعمائها وفلسفتهم المثالية لحكمهم وتعايشهم وفنهم المفضل في إثبات دواتهم وقوتهم الوحيدة في توطيد ديمومة شرهم . وكلما اقتربوا أكثر من الفكر الصليبي والصهيوني تناقضت مصالحهم الفردية والفئوية أكثر مع المصالح الوطنية والقومية وتعاظم معه سرطان النفاق في الجسم العربي حتى أضحى العداء والكراهية والضغينة والاستعلاء وحب الزعامة ( العربية ) وقودا يلهب نار الفتنة والحروب ومزيدا من التمزيق تجتاح كل الوطن العربي . وانطلاقا من آخر صورة في تاريخنا العربي التي تبرز لنا بوضوح كيف تم تفكيك الدولة العربية ومن خلالها الأمة الإسلامية ومسبباته يمكن الجزم أن النفاق بمعناه العام ـ الذي ابتلينا به وأرغمنا على لبس عباءته وتجرع مرارته بالتحايل والاستغفال تارة وبالإكراه والقوة تارة أخرى وكان اشد مفعولا على الأقرب منا للفكر الصليبي والصهيوني قديما أو حديثا مما يبرئ منه شخصية وثقافة أجدادنا الأولين ـ أصبح في عصرنا الحالي جزء لا يتجزأ من حياتنا الخاصة والعامة ولا يبارحنا حتى في سرير نومنا : فالزوج العربي يتظاهر بحبه العذري لزوجته ويخونها عند أول منعرج ، وكذلك هي تفعل .. السواد الأعظم منا يتخذ من الدين مطية لتحقيق غاياته متظاهرا بالإيمان القوي بتفاصيله وجزئياته وليس في قلبه منه حبة خردل .. ومنا من يتظاهر بروحه الوطنية العالية بدفاعه المستميت عن ثوابت الوطن نهارا ثم يخونه ببيعه ليلا .. والمواطن العربي يصيح ويلح على ضرورة وحدة العرب ويندب وجهه في العلن على تفككهم ويلعنهم وأجدادهم بدينهم وهو على فراش نومه ويتبرأ خفية من هويته وهو في أحضان الأعداء .. والزعيم العربي يتظاهر تحت الأضواء بهيامه الشديد وولائه المطلق لمواطنيه ولأشقائه من أمته ويعمل بكل ما أوتي من حنكة المكر والنفاق وراء ستائر قصره وفي دهاليز مكر الصليبيين والصهاينة على تعذيبهم بتمزيق مشاعرهم وتشريدهم في زحمة الحياة : أحبائي المواطنين ، وطني الحبيب ، شعبي العزيز .. أشقائي الأحباء ، التعاون العربي ، التضامن العربي ، الحب العربي ، الأخوة العربية ، الوحدة العربية .. شعارات وعناوين ثقيلة بضخامة هياكلهم ومملة بفراغ جوفها ، إنها الرتابة العربية التي قتلت وتعيد قتل المشاعر العربية كل لحظة من زمن الشعب العربي .. فحين نستمع لخطابات وشعارات العرب ( ذاتيين كانوا أو معنويين ) أمام شعوبهم وفي تجمعاتهم وخلال تعانقهم وعلى موائدهم المتخمة بأرزاق وشقاء الشعب ، وعلى منابر إعلامهم يخيل إلينا أنهم سيغرقوننا في بحر من العسل الشافي لهمومنا ولجراحنا وسندخل تاريخ السعادة المطلقة من أوسع أبوابها . لكن لما نقف بالعين والأذن المجردتين وبالشعور القومي على الصورة الحقيقية والشخصية الفعلية لهؤلاء العرب المزيفين من خلال سياساتهم وسلوكياتهم الشيطانية نصاب بالذهول المفجع وبالتلف النفسي ونفقد معه الشعور بحب الهوية والأمل في الاستمرارية .. إنه النفاق .. النفاق العربي في أحلك صوره . كل هذا الوصف المخزي للعقلية وللنفسية العربيتين لم ولن يكن بحاجة لما سبق سرده من أحداث ووقائع ولا لاستحضار نصوص دينية وتاريخية أو لدراسات ميدانية مرقمة لإثباته بل يكفينا جميعا القراءة اللسانية والسمعية والبصرية الموضوعية لأحداث حياتنا اليومية المعاشة ، لذا نحن فقط نحاول أن نتجرأ على ما هو خارج حجمنا ونسطر رأينا المتواضع ولو بخط دقيق على مرآة قوميتنا بين ملايين الآراء العربية والأجنبية معتمدين على حقيقة تاريخنا وعلى ما نعايشه بالصوت والصورة وبالليل والنهار في بيوتنا وعلى قارعة أزقتنا وأحيائنا وأرصفة شوارعنا وفي أسواقنا .. في تعليمنا وإداراتنا ومؤسساتنا وبرلماناتنا وحكوماتنا وقوانيننا وحتى على إعلامنا .. وفي كل جزئيات حياتنا . وحتى نلامس ازدواجية المعايير في تعايش العرب فيما بينهم ( من القمة إلى القاعدة وما بينهما ) ، أو ازدواجية شخصيتهم أو نفاقهم المقيت لابد لنا من أن نبرز بالواضح بعضا من صور سياساتهم المزيفة الخاصة والعامة ، ولكي نكون ولو شبه منطقيين علينا أن نبدأ من حيث نحن ومن موقعنا في زحمة البسطاء من أمتنا : حينما نقرأ أو نستمع لبرقيات التهاني المناسباتية المتبادلة بين ملك المغرب ورئيس الجزائر وما تشنف به مسامعنا من تلذذ في التعبير العسلي ـ كما هو حال كل الحكام العرب ـ يهيأ لنا ، عن حسن نية ، أن ضفتي البحر والمحيط ستلتقيان بين ضلعي افتراقهما ويغطيان المنطقة المغاربية بالخضرة المفقودة والخير العميم ويفيض فائضه على كل الفيافي العربية ويندثر معه القحط وداء السعر العربيين . لكن لما نسمع ونرى ونقرأ عما يروج ويتداول حولنا من حروب باردة وساخنة وملتهبة خفية وعلانية بين النظامين وحاشيتهما على كل المستويات ومن دون استثناء ( الدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري وحتى الغير أخلاقي ) وبكل الوسائل الجائزة والمحرمة من مكائد ودسائس ومكر وشتم وقذف وبألفاظ سوقية يعود بنا الحنين إلى مجاورة الفرنسيين بصليبيتهم ويراودنا الأمل في الرحيل إلى غير العرب وإن إلى أحد القطبين . فمنذ استقلال الجزائر أوائل ستينيات القرن الماضي الذي لا يبتعد كثيرا عن استقلال المغرب دخلت المنطقة المغاربية دائرة الخطر تغلي فوق صفيح ملتهب من صنع فرنسي وأسباني وهندسة صليبية وصهيونية : خرجت الجزائر من عهد الحجر بثروتين ضخمتين إضافيتين إلى الاستقلال كان باستطاعتهما أن تضعا الشعب الجزائري من بين الشعوب الأغنى في العالم الأولى منها غير قابلة للنضوب أو للانقراض وهي سمعة الثورة الشعبية ضد المحتل وشهرتها العالمية التي أكسبت الشعب احترام وتعاطف حتى الصليبين أنفسهم ، وثانيتهما ثروة طبيعية ( من بترول وغاز ) طويلة المدى مثلها في الأخيرة مثل جل "الدول العربية" . إلا أن ورثة الفرنسيين في الحكم المنافقين من الشعب الجزائري حكموا عليه بالبقاء الدائم ، مثل كل الشعب العربي ، على أعتاب الصليبيين حيث نهجوا ككل الزعماء المنافقين العرب سياسة الاستعلاء والاستكبار والتباهي والتهريج والتنظير والنوم على الحرير المزيف والتفريط في ثروة الشعب بالإسراف الشيطاني . فعوض أن يعملوا في صمت ويتمسكنوا ولو لحين ليكتسبوا حنكة سياسية رشيدة من خلال تجارب غيرهم وممارساتهم الميدانية المتواصلة ويضعوا دولتهم القائمة حديثا على السكة المؤدية إلى المحطة الصحيحة ويحسنوا تدبير الثروتين الضخمتين فيما يؤسس لشعبهم مستقبلا زاهرا وخالدا يحرره وأشقاءه إلى الأبد من التبعية الشاملة لأعداء الأمة ، ذهبوا على سبيل تبذير كتلة الثروتين في محاربة المغرب بأرضه وشعبه ونظامه وتاريخه وبكل الأساليب وعلى كل صعيد سرا وجهرا – رغم تظاهرهم على المستوى الخطابي وفي كل المناسبات بحبهم الشديد له أرضا وشعبا ونظاما – من أجل الإطاحة بماضيه وحاضره ومستقبله و"انتزاع" منبر الزعامة الجوفاء التي شغلت وما زالت وستبقى تشغل عقول ووجدان زعماء الأنظمة العربية ما داموا مهووسون بالفكر الصليبي والصهيوني . فكانت أولى صور النفاق في سياسة الحكام الجزائريين هي تلك التي اختلقوها لقيام ما سمي بحرب الرمال حينما أعلنوا الحرب على الحدود الشرقية المغربية فور تنصيبهم كورثة للفرنسيين في حكم الشعب الجزائري وكأن هذا الشعب المسلم ضحى بآبائه وبأبنائه وطارد المستعمر وفلوله فقط من أجل أن يتفرغ لإسقاط المغرب بثوابته التاريخية . ثم توالت دسائسهم الشيطانية بمعاكسة السياسة المغربية الهادفة إلى تحرير ما تبقى من أراضيه الإسلامية التاريخية المحتلة في جنوبه وحتى في شماله . وذاكرة التاريخ الإسلامي سوف لن تنسى ولن تتناسى ما فعله المنافقون من ورثة الفرنسيين والأسبان في حكم الجزائر بآلاف الأسر المغربية أوائل السبعينيات من القرن العشرين لما ارتكبوا في حقهم وفي حق المغرب – الذي كانوا وما زالوا يتظاهرون بحبه – بهمجية جريمة بشعة لم يرتكبها ضده حتى صليبيو هذا العصر الآلي حينما بهدلوهم وشردوهم ورموا بهم في الفيافي ، وحربهم الغادرة التي شنوها على القوات المغربية ( كعادتهم ) في أمغالى ، ومواقفهم الشريرة الداعمة للاحتلال الأسباني لمدينتي سبته ومليليه والجزر ذات الصلة ، وما أعلنوه من دعمهم المطلق للأسبان فيما سمي وقتها بنزاع جزيرة ليلى .. وما خفي من نفاقهم قد يكن أعظم .. كشراء أصوات ومواقف دول حديثة العهد بالتاريخ العالمي وأرواح المرتزقة من كل الجنسيات بأبهظ الأثمان فقط لهزم "جارهم الشقيق" وافتتان شعبه ، وتبذير الملايير من أموال الشعب بغباء شديد في شراء الأسلحة وتخزينها تحت أقدام "أشقائهم" المغاربة الذين لم يعيروا يوما أي اهتمام لعظمة العثمانيين ولا لهمجية الصليبين ولا لمكر الصهاينة .. كانت حملتهم المسعورة وما زالت وستظل - التي لا تختلف عن الحملة الصليبية في شيء - بعناوين عديدة ومتنوعة ضخمة ضخامة ثروة الشعب تحت شعارات منومة وحجج لا طعم ولا لون لها سرعان ما افتضح زيفها مع تقادمها ورتابتها أفقدت الثورة معناها وقيمتها وموقعها الريادي وتدحرجت إلى صف أسطورة محرقة اليهود وألقي بجثمانها في مزبلة التاريخ ، ونضب رحم الأرض وأشرف مخزونهم على الإفلاس ، ولم يتبق في ذاكرتهم القصيرة غير شفرة تفجير القنبلة في الجنوب المغربي ولما لا في شماله لاستحضار ذكريات وملذات الثورة الضائعة من خلال ثورة مصنعة على أرض المغرب ، ويكونوا بأميتهم الدينية والعلمية والسياسية هته قد حققوا - بتآمر بين مع أقزام السياسة من حكام الدويلات والإمارات العربية - للصليبيين والصهاينة ما عجزوا عنه على امتداد قرون عديدة من عمر الدولة المغربية بأمازيغها وعربها مثلما نجحوا فيه بالخليج والشام العربيين وجنوب شرق إفريقيا . وعلى نفس النهج المفروش والمغلف بمذهب النفاق سار كل حكام الدويلات وشيوخ الإمارات العربية - المحدثة والقائمة على نفس المذهب وفي إطار نفس المخطط التآمري - يتظاهرون علانية في شخصية مزيفة بحبهم لشعوبهم وولائهم لوحدة أمتهم ، ويعصون الله ورسوله وشعوبهم وأمتهم ويتحالفون مع الشياطين بشخصية فعلية حقيقية وبلا كلل ودون اتعاظ .. تنافس ويتنافس حكام الخليج ـ منذ أن نصبوا ـ على استنزاف الثروة الطبيعية للأمة وتبذيرها في إماراتهم وفي العواصم الغربية وفي كل بقاع العالم ، يصرحون ويمرحون كيفما وأينما طاب لهم المقام والفساد فوق كرامة وجراح ودموع بسطاء المسلمين .. تسابقهم نحو أعتاب الصليبيين والصهاينة للاستمتاع بفسادهم ، ومقايضة رضاهم بكرامة شعوبهم وأمتهم وشراء دعمهم لوجودهم بتخزين آلاف الملايير من أموال الأمة في بنوكهم ومشاريعهم الهامشية والمفلسة ، وباقتناء أسلحتهم المنتهية صلاحيتها لتكديسها والتلويح بها في وجوه شعوبهم ، وباستنفاذ منتجاتهم الفاسدة لتحريك عجلة اقتصادهم على مرأى ومسمع جياع العرب والمسلمين .. التباهي فيما بينهم : - ببناء القصور وناطحات السحاب ، واستعباد "أشقائهم" من العرب والمسلمين وتقطيع شريان مشاعرهم بهتك أعراضهم واستغلال بربري لضعفهم ، وعبثهم بمصير الأمة يفسدون في كرامتها وشرفها ويتلذذون بعذاب شعبها .. - وبإطلاق الفضائيات فقط لتقسيم المقسم وتجزيء المجزئ من الوطن العربي ببث وترسيخ روح الفساد الأخلاقي والثقافي والسياسي والاقتصادي في مجتمعه ، ونشر الفتنة في عمقه بزرع بذور العداء والانشقاق والانسلاخ عن الهوية الإسلامية ، وإشعال فتيل الحروب بين دويلاته بدفع وتشجيع طوائفها على المزيد من التفكك والانفصال لتتحول خريطته إلى فسيفساء من الإمارات أو الولايات تحكمها أصنام بشرية بأسماء شبه عربية تعيش على نار صراعاتها وحروبها الدائمة .. ومن خلالها يستمتعون بمتابعة مشاهد من شر أعمالهم على صور نفاقهم : - يتفرجون على احتضار الملحمة الفلسطينية وتدمير آلياتها .. وعلى تفكك وحدة السودان والعراق واليمن ولبنان ، وعلى غليان مصر والجزائر والمغرب .. والباقية آتية لا ريب فيها .. - الكل يتخذ منها منبرا لسن شرعيته وإثبات وجوده والتستر على فساده وغبائه .. ألم تكن إمارة الكويت بشيوخها هي السبب فيما حل بالعراق ؟؟ ألم يكن الكويتيون يستغلون انشغال العراقيين بحربهم مع إيران ويفسدون في أسرهم في ثمانينيات القرن العشرين ؟ ألم يتآمر شيوخ الكويت وأشقاؤهم مع الأمريكيين ومن خلفهم الصهاينة على خنق صدام حسين اقتصاديا فور خروجه من الحرب - التي كان من الممكن أن تطالهم – بإنزال سعر النفط إلى أدنا مستوياته بإغراق السوق الدولية بمنتوجهم منه ، وإلحاحهم في نفس الوقت على استرجاع ديونهم المستحقة عليه في أجل تعجيزي علما أنهم كانوا وقتها "يستثمرون" ما يزيد على 500 مليار جنيه إسترليني في بريطانيا وحدها حسب ما أوردته العديد من وسائل الإعلام بعد ما أن غزتهم قواته انتقاما من شرهم ، ألم يكن باستطاعتهم إمهاله في تسديد تلك الديون أو إسقاطها ؟ ألم يقولوا وقتها أنهم مستعدون للتحالف مع الشيطان ضد "أشقائهم" ؟ ألم يجعل شيوخ قطر من جزيرتهم أكبر قاعدة عسكرية صليبية لغزو العراق وتدميره في الحربين ، وتزويد الصهاينة بأخطر الأسلحة للفتك بالمقاومة اللبنانية سنة 2006 وبتدمير فلسطينيي غزة سنة 2008 ؟؟ لماذا لم يستثمر شيوخ الكويت تلك الأموال وغيرها ، المهربة في بريطانيا وفي الغرب كله ، في اليمن لإنقاذه من الانهيار والمحافظة على وحدته وقوته ؟ ولماذا لم يستثمر شيوخ قطر الأموال العربية التي دسوها في محلات تجارية بلندن وما كدسوه قبلها وبعدها بأوربا وأمريكا في أراضي السودان التي كان من الممكن أن تكون الجنة الأرضية لكل العرب والمسلمين ، وتكون بذلك قد حافظت على وحدته الوطنية وأنقذت العرب من الابتزاز الصليبي والصهيوني ؟؟ ولماذا لم يتحالف شيوخ الخليج والعراق والجزائر بأموالهم ومن دون شروط لبناء القوة الاقتصادية والعسكرية السورية واللبنانية والأردنية والمصرية لتكون قوة رادعة للصهاينة ومن يرعاهم ويدعمهم ؟؟ وفيما يخص علاقتهم بالمغرب فقد حمل المغاربة فوق هامتهم كل هموم ومصائب كل العرب منذ أن كانوا وتحملوها فوق همومهم وجراحهم في صمت ليس من الأخلاق ذكرها ، بينما "الأشقاء" العرب يكتفون بمجاملتهم بتصريحات مزيفة وبرش حكوماتهم بالصدقات والهبات التي لا تفيدهم في شيء بقدر ما تزيد من تعميق جراحهم واغتناء الانتهازيين من أولياء أمرهم .. والسكوت على ما يتعرض إليه بلدهم من تآمر بين جيرانه من الصليبيين والعرب يهدد وحدته الوطنية والقبول به ، بل سوادهم الأعظم يشجع ويمول أعداءه ماليا وسياسيا وإعلاميا ومعنويا .. فلم نلمس ولو من دولة عربية واحدة موقفا إيجابيا من الوحدة الترابية للمغرب : - فمدينتي سبته ومليلية وجزرهما تعيشان مرارة حياتهما تحت أقدام الصليبيين منذ قرون ولم تتحرك مشاعر الزعماء العرب للعمل على تحريرهما بل منهم من يسميهما بزيف اسمهما .. - وجنوبه يغلي على نار الانفصال أشعلتها "الجزائر العربية المسلمة" بتآمر مع الصليبيين ولم تثر ثائرة العرب لإطفائها ، بل لكل زعيم من زعمائهم وجهان وشخصيتان فيها على قدر مكره ونفاقه .. أليس هذا وأكثر قمة النفاق المدمر ؟؟ لكل شيء أصل : فالصلصال أصل الإنسان .. والأم أصل الحنان والأب أصل القوة .. والوردة أصل الحب .. فما هو أصل هؤلاء المنافقين ، وهل يجري في عروقهم شيء من دم آبائنا وأجدادنا ؟؟ أما في المغرب فحكامنا ـ في كل المواقع ـ أبدعوا بذكائهم على المستوى الداخلي في ترسيخ فن النفاق المطلق ، بالكذب والتحايل والتنصل من المسؤوليات والفرار في كل الاتجاهات وتغيير الألوان إضافة إلى الترهيب والتعذيب ، في مجتمعنا بكل تفاصيله حتى أصبح التنصل والنفاق هو الأساس والصدق هو الاستثناء لكنهم فشلوا في نفاقهم بسذاجتهم وغبائهم على المستوى الخارجي : فمنذ فك ارتباطنا العسكري المباشر بالاستعمار الفرنسي وإلى اليوم ـ وسيستمر إلى ما شاء الله ـ ترسخ في أذهاننا مبدأ التنصل من المسؤوليات والفرار إلى الأمام أو التراجع إلى الوراء الذي كانت وما زالت تعتمده كل حكوماتنا المتعاقبة على ناصية الشعب في سياستها الداخلية والخارجية الفاشلة حتى أصبح من سننها المؤكدة ومن ثوابت السياسة العامة للدولة ، وأضحى محور ثقافتنا العامة والخاصة : فكلما وقعت حكومة مغربية في مأزق حفرت حفرته بغباء وبدائية سياستها تلجأ إلى التنصل من مسؤولياتها وواجباتها والفرار إلى كل المبررات الرتيبة وتدفع بالشعب لمواجهة كوارث أخطائها المذلة . ودون أن نقلب أرشيف سياسات حكوماتنا لاستخراج ما يثبت إسقاطاتها ـ وهي بالجملة تشهد على نفسهاـ إن على المستوى الداخلي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والحريات العامة ، وأصدق دليلنا الشاهد على إخفاقاتها ما نعايشه في واقعنا اليومي بين أدغال مجتمعنا بالصوت والصورة دون الاعتماد على التنقيط والترتيب اللذين تحصل عليهما سنويا من المنظمات الدولية المختصة المشكوك في نزاهتها ، أو على المستوى الخارجي في كل المجالات وخصوصا فيما هو متصل بالوحدة الوطنية ( وحدة الأرض ووحدة الشعب ووحدة الدين ووحدة اللغة ووحدة ومصداقية المؤسسات ) باندحار دبلوماسيتنا البين في كل المواقع الدولية والإقليمية أمام تعدد وشراسة أعدائنا مهما حاول مهندسوها التستر على ضعف أدائهم وإيهامنا بتحقيقهم لانتصارات خيالية ، كل هذا وذاك قليل من الكثير ينزع عن الحكومة بكل جزئياتها رداء البراءة والمصداقية الوطنية . ومن النتائج الكارثية لهذه السياسات العمياء والصماء الحكومية وإخفاقاتها المستدامة تدني القيمة الوطنية على المستوى الدولي وتقزم الشخصية المغربية التي تجاوز عمرها اثنا عشر قرنا حتى أمام دويلات لم يكن لها وجود على الخريطة الدولية قبل أربعة أو خمسة عقود ، تحول بذلك مغرب طارق بن زياد والمولى إدريس ويوسف بن تاشفين وأحمد المنصور الذهبي والمولى إسماعيل .. وبن بطوطة .. ومحمد بن عبد الكريم الخطابي ومحا وحمو الزياني والزرقطوني .. ومن سبقهم ومن عايشهم ومن تلاهم ، من دولة تصارع بنور سيفها الشمال بشرقه وغربه أجلت سقوط أمراء الأندلس ( الفاسدين بغرورهم ونفاقهم كما هو حال أمراء الخليج في أيامنا) لقرون عديدة وتقف بضيائها على أطراف تخوم إفريقيا إلى دولة يتعلم على أرضها وفوق هامة شعبها المنافقون من الأشقاء والأصدقاء قبل الأعداء فنون الحياة ويصفعوننا باللكمات تارة وبالإهانات مرات ومرات . في هذا السياق كان أول إخفاق للسياسة الحكومية مع حلول موسمها الجديد هذا ـ فضلا عما هو متراكم منذ عقود كما أسلفنا ـ في شقين وعلى خطين متوازيين : أولهما كان على المستولى الداخلي في المجالين الحساسين ( الاقتصادي والاجتماعي ) اللذين يهمان بالدرجة الأولى القاعدة العريضة للمجتمع ويمسان مباشرة أوضاعها المعيشية اليومية إن بالتحسن أو بالتردي : ففي المجال الأول غامرت الحكومة بمستقبل الوطن مغامرة شبه انتحارية حيث دقت أبواب الاتحاد الأوروبي وقايضت كرامة المواطنين بقرض هو الأضخم قي تاريخ الدولة لفك أزمة ميزانيتها الظرفية ، وكانت قبل ذلك قد التجأت إلى ما اعتادت عليه من نفاق وتحايل وابتزاز وفرضت على البسطاء منهم دعيرة مواطنتهم برسوم خيالية لم يعهدوها من قبل حيث تحايلت عليهم وألزمتهم مباشرة وخفية بإنجاز وثائق عقدت مساطر إنجازها وضاعفت من قيمة مصاريفها التي زادت في تعميق جراحهم وتفاقم همومهم مثل البطاقة الوطنية الإلكترونية وما شابهها من وثائق لا حاجة ملحة للسواد الأعظم منهم فيها مع زحمة تكاليف العطلة الصيفية وشهر الصيام والموسم الدراسي وعيد الأضحى . لقد استأسدت الحكومة على الشعب وفعلت به أفعالها ( بكذبها وتحايلها ونفاقها تارة وبترهيبها وانتقامها تارة أخرى ) عوض أن تتجرأ وتلاحق بالقانون المتملصين من أداء الضرائب المتراكمة عليهم واللصوص والمفسدين الماليين الذين نهبوا أموال الشعب وأفلسوا خزينة وصناديق الدولة( باعتبارهم من ذوي النفوذ )، وتسترجع بذلك آلاف الملايير من المال العام المهربة إلى الغرب والمدفونة في بنوكه ومشاريعه لتضخها في شرايين الاقتصاد الوطني عساه أن يتعافى من أمراضه المزمنة ويتعافى معه الشعب ولو نفسيا ، وتتجنب بذلك هول الحرج ومصائب الاقتراض وتحافظ على مستقبل الوطن وتماسك ثوابته وعلى كرامة المواطنين . و بهذا تحد من اتساع دائرة مخاطر المجال الثاني ( الاجتماعي ) أو تنهيها إلى الأبد وتقطع جذور مسببات غضب وثورات الطبقة العاملة وهيجان المعتصمين والنازحين إلى الشوارع والساحات العمومية كما حدث في العيون وقبلها في الرباط وجل المدن المغربية لتغلق بقوة أبواب الارتزاق والابتزاز في وجه الانتهازيين والسماسرة والمرتزقة من أعداء الداخل والخارج ، وتكون بخطوتها الجريئة المفترضة هته قد نجحت في المجالين الأول والثاني (الاقتصادي والاجتماعي) وحققت انتصارا ضخما على المستوى الداخلي الذي يؤدي أوتوماتيكيا إلى الانتصار على المستوى الخارجي ، وأنهت معظم مشاكل البلاد التي طال أمدها وعمر وجودها طويلا حتى بات المغرب أضحوكة لكل الضالين . إلا أن تشبثها الأعمى باعوجاجها وتمسكها بعصاها الهشة كسابقاتها زاد وسيزيد من ضعفها ومن تهاوي سمعة الوطن ونفور المواطنين من هويتهم كما حصل هذه الأيام على أطراف مدينة العيون من نزوح شبه جماعي الذي أدى إلى أحداث مؤسفة محبوكة التخطيط والتنفيذ ستؤثر ـ لا محالة ـ سلبا على مواقفها الضعيفة أصلا أمام الأعداء والأصدقاء فيما يتصل بملف الوحدة الوطنية . وبخصوص أحداث العيون أود أن أتساءل باستغراب شديد أولا عن ما قامت به مختلف أجهزتنا الأمنية المتعددة والمتنوعة في إطار المهام الموكولة إليها قبل بداية النزوح وتكوين المخيم وخلاله وبعده وقبل حدوث الفتنة وما هي مسببات ضعف أو غياب تام لأدائها وهي المعروفة بمتابعة خطواتنا ومراقبتنا حتى ونحن على سرير نومنا والتنصت على أنفاسنا وإحصاء وتحليل كوابيسنا ؟ فأين كان مهندسو نظام الضربات الاستباقية من كل ما حصل وعلى من كانت ذاكرة اهتمامهم منصوبة قبل وإبان الأحداث ..؟؟ وما هو الدور الذي قامت به السلطات العمومية والمنتخبة لتفادي كل ما حصل ؟ وما محل البرلمانيين والمتحزبين والنقابيين والجمعويين والإعلاميين من الإعراب في الأزمات التي قامت عليها الأحداث وفي نتائجها وفي كل جزئيات الملف برمته ؟؟ وأين هم الانتهازيون من البرجوازيين والتائبين العائدين مما حدث ، وماذا أفادوا به الوطن في كل ما له صلة بالوحدة الوطنية مقابل ما أنعم عليهم به من نعم ربما لا يستحقونها مثلما يستحقها النازحون وإخوانهم في كل أرجاء الوطن ؟؟ وأخيرا أهذا هو الحب والولاء الذي يكنوه هؤلاء القوم للوطن بثوابته والتفاني في خدمته كما يتشدقون به في كل محطة من محطات هذا الزمن الرديء ؟؟ إنه النفاق بعينه.. النفاق المدمر ليس إلا .. وأما ثاني شق في إخفاقها فكان على المستوى الخارجي ، حيث وضعت الحكومة نفسها بغباء بين سندان المرتزقة في الإعلام العربي المنافق تحركه أجسام ضخمة مليئة بأورام الحقد والنفاق تمشي على ثلاثة بعقول العصافير ، ومطرقة الإعلاميين والجمعويين المزيفين الاسبانيين يجيشهم زعماء العهود المظلمة البائدة في وقت وجهت إليها العديد من أصابع الاتهام الأجنبية وتكاثفت عليها الضغوطات الدولية في إطار تنفيذ المخطط التآمري المتعدد الجنسيات والأهداف من دون أن يمد لها يد المساندة جهرا أو سرا أحد من أشقائها المنافقين وأصدقائها وحلفائها المزعومين ، ولم تجد إلى جانبها في عمق مأزقها وضيق محنتها إلا الشعب ( الشعب الغير النافع) الذي آزرها وقواها بقوته المعهودة ـ كما كان وسيبقى يفعل دائما كلما ضاق حال حكومته ـ على قراراتها ومواقفها حتى وإن كانت في غير وقتها رغم أنه لا ينال من كرمها أيام انفراج أحوالها غير سياسة التجويع والتضييق والتنكيل بقانون النفاق والتحايل والإكراه . مساندة الشعب لحكومته ووقوفه ( بأغلبيته الساحقة ) أمامها وخلفها – رغم اختلافه معها فيما اتخذته من حلول ومدى نجاعتها – لا يمنع من البحث في خلفيات انزعاجها من إعلام لم يوضع أساسا لخدمة مواطنيه ونشر وترسيخ مبادئ الحب والسلام بين المجتمعات البشرية أفرادا وجماعات وإنما أقيم لإثبات وجود مؤسسيه بتبييض تاريخهم ومشروعيتهم وإفراغ ما يكنزونه في دواخلهم من شحنات الحقد والكراهية والضغينة بنفاق سياسي خسيس ( كما هو واقع وحال جزيرة قطر بمرتزقتها ونظرائها في الخليج وأوربا .. ) على عظماء التاريخ ذاتيين كانوا أو معنويين . لكن قبل ذلك علينا أن نبدأ من حيث يجب حتى نتمكن من الوصول إلى جذور ثورة المغاربة والغضب الغير معهود لحكومتهم على أشباه الإعلاميين من الأسبان والعرب وملامسة ـ قدر المستطاع رغم ضعف ومحدودية إمكانياتنا المعرفية ـ حقيقة النفاق العربي بمختلف صوره المطل علينا بعدائه من خلال عدة نوافذ سوداء : أن يناصبنا الإسبان ومن خلالهم الأوربيون ـ والشمال الصليبي عموما بشرقه وغربه ـ العداء كل من موقعه وبأهداف موحدة شيء ألفناه ولم تعد تقلقنا تحرشاتهم واستفزازاتهم ولا نطمئن لودهم ولا لرسومات نفاقهم أسبابهم في ذلك تبدو لهم موضوعية لا يستطيعون نسيانها وتبدو لنا جزء من تاريخنا ومن تاريخ قوميتنا أسسه طارق بن زياد وشيد حصونه من تلاه يشرفنا وسيظل يرعبهم حتى في عصر ضعفنا ولن نتوارى مهما تحالفوا وتآمروا وخططوا وبرمجوا، لكن الطامة الكبرى هي أن يتآمر علينا العرب معهم بنفاقهم وبكل ما أوتوا من قوة ولا غرابة في ذلك إذا ما قرأنا الروح العربية قراءة صحيحة وواقعية اعتمادا على ما سبق لنا إبرازه من صور لمختلف وجوه النفاق العربي الخسيس . وليست جزيرة قطر وحدها تحارب تاريخ المغرب بثوابته أو هي الاستثناء في الإعلام العربي المنافق كما تحاول الحكومة بغبائها المألوف إيهامنا بل كل وسائل التبليغ والدس العربية تؤدي ما تؤديه جزيرة قطر بشكل أو بآخر ، فحتى فنانوهم – وبالتأكيد ليس من المنافقين فنان – الذين يفدون كالجراد على المغرب للم أموال المغاربة وحبهم الفطري ويعودون لأوكار فسادهم ويوزعوا على مسامع العالم ما طاب لهم من خبثهم في حق من كانوا دائما قوة رادعة للصليبين في غرب الوطن العربي ، وطبعا كل وسائل الإعلام في الوطن العربي تعكس سياسة أنظمتها رغم محاولة بعضهم التنصل من مسؤولياتهم وإلا كيف نفسر تحاملها الدائم ( جهرا وسرا ) على المغرب بسيادته وتاريخه العتيد دون اهتمامها بإطلاع الشعب العربي على الواقع القائم في إمارات ودويلات العرب جغرافيا وديموغرافيا وتاريخيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا .. فالفضائيات العربية وفي مقدمتها جزيرة قطر - التي شغلت مرتزقة بوجوه صحفية مزيفة يلهثون وراء أموال من حرام وبطولات من دخان ليصنعون لأنفسهم هودجا من قش قد يشوون من رماد احتراقه لتنفيذ ما وضعت من أجله – ما هي إلا مؤامرة صليبية وصهيونية على الإسلام ليبقى الحكام العرب حكاما على قبائلهم .. وهذه واحدة من أفظع صور النفاق العربي . أما المغرب فوجوده على الطرف الغربي للوطن العربي وبعده الجغرافي سن لشعبه بعده الأخلاقي والفكري وترك وطنيته الروحية والفكرية نظيفة وغير ملوثة .. لذا فثورة المغرب شعبا وحكومة على المنافقين من الإعلاميين المرتزقة كانت ثورة وطنية يجب أن لا تكون لها حدود .. ثورة مطلقة على السياسة الرتيبة لحكوماتنا بقطع جذورها مع مذهب النفاق المخزي ، وبدايتها يجب أن تكون على إعلامنا المتخلف الذي لا هم له غير خدمة مصالح الأفراد والأسر والعائلات وتناسى الشعب ودفعه ويدفعه دفعا إلى التسول على أعتاب فضائيات الارتزاق على امتداد الأيام والسنة.. في الأخير نود أن نقول : إن الوضع المتردي الذي بات يلازم وطننا زرعت بذوره منذ زمن ليس بالقصير قد تكون بدايته مع فتح الأندلس وبداية تنفيذه كانت بسقوط سبته ومليلية وبداية إنهائه بدأت بوفاة المولى الحسن الأول ، لذا لا يجب تحميل نظامنا الرسمي ( المؤسسة الملكية والمؤسسة الحكومية ) وحده كل أقساط تخلفنا بل يمكن الجزم أن النخب الانتهازية المحيطة بالمؤسستين ( من برجوازيين وأعيان وسياسيين ومفكرين ومثقفين ـ وفي زمننا ـ نقابيين وإعلاميين وجمعويين ) - التي كان من المفروض أن تقود ثورة الإصلاح الفلسفي النظيف المؤثر المباشر على ثقافة وسلوكيات المجتمع لإحداث تغيير إيجابي سلس ـ كانت على الدوام وما تزال هي الآلة التنفيذية لمخطط إضعاف قوتنا وتفكيك وحدة وطننا وانقراض دولتنا قد يكون وضع خريطته الصليبيون قبل سقوط الأندلس انتقاما من طارق بن زياد .
محمد المودني – فاس .
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات