شيء عن الكتابة النعرية
رابح التيجاني
أجلت نشر هذه المقالة بعد كتابتها تجنبا لمدح أو قدح أهل الشعر والناثرين،ولأنهم انقرضوا أوكادوا فها قد أقدمت .أما النعرية فهي تركيب لمصطلحين هما النثرية والشعرية علاوة على دلالة النعر معجميا .
أن تكون ناثرا فهذا شأنك وشأننا معك ، وكلنا أشباه ذلك النبيل الذي اكتشف أن كلامه اليومي نثر وأن النثر أدب ، وعليه فلا مدعاة للتضلع في الأدب ما دمنا نملك نصفه بالفطرة ونستحضر الشعر نصفه الثاني بقليل من الحلم واللاوعي والحذلقة ، بل قد لانحتاج إلا لقليل من الخلط فيما نملك من نثر إذا تعذر الإستحضار وانتهت النبوة وأفاق الحلم .
أن تكون ناثرا فهذا شأنك وشأننا أيضا ، لكن أن تكون شاعرا فهذه معضلة والأمر يستلزم إجابتك عما أضفت إلى النثر أو نزعته منه فأصبح شعرا ، وتقول بأنك عندما كنت ناثرا رأيت قططا تموء ، غير أنك بمجرد أن أصبحت شاعرا استطعت أن ترى مواء القطط ، وفي الحالين لست تعلم هل الشعر في تخريب التركيب أو بنائه كما شاء أو شئت ، ولست تعلم هل الشعر فيك أم في الأشياء ، في اللغة في الصمت ، في الطبيعة في وجود المعنى أو انعدامه ،، ومع ذلك وغير ذلك فأن تكون ناثرا أو شاعرا أمر لن يقيم الدنيا ما دام رأسمالك محدد ومحدود ومشاع بين البشر مثلك ، طبعا لايجمل بنا أن نشرك الحيوانات والكائنات الأخرى في حديثنا عن تميزك الإنساني هذا ، فأنت تنطق وغيرك أعجم ،وإن قصيدة بين عيون غزال أو رقصة تسكن جسد قرد أو لوحة يؤطرها البر والبحر والجو أونغمة تنتحر عبر نظرة خروف حنجرته فوارة بالدم ، إبداع رديء لأنه لم يبلغ حد النعرة والنعير والنعار والنعور والتنوعير ، والنعرة حفظك الله بنت عائلة معجمية معروفة يدل عليها صوت خروج الدم إلى الصياح بالخيشوم إلى الصخب إلى الهياج إلى اضطراب الحمير ساعة تدخل منخريها الذبابة النعرة ، إلى الريح التي تفاجئك ببرد وأنت في حر وبالعكس ،،.
لم أحدثك عن النعرية لأثير فيك " طيكوك " فالنعر حالة العصر ولا يهم إن كانت الحالة دليل صحة أو مرض ، ولكن أحدتك لأجد للحالة لباسا لغويا فاللغة مميزنا الإنساني ، وبالأسماء نبيد ما لا اسم له للتسمي ، ألا ترى أننا لكي نسميك سعيدا فقط أو سعيدا جدا يلزمنا أن نذبح من الأنعام ما تيسر ، ولكي نسمي قصيدة يلزمنا أن نبيد خرطوش سجائر ونسفح من القناني ما يدوخ فيلا ، لذلك فالتسمية ضرورة . ولكي تستحق اسم كاتب ناعر ، ها أنا أضحي بالمنهج والرصانة لأجد لك لباسا يلبسك وتلبسه يناسبك وتناسبه بمناسبة وبدون مناسبة ،، أنت ناثر ، أنت شاعر ، ولكن عندما لا تكون لا هذا ولا ذاك أو عندما تكونهما معا أو أكثر ، فمن أنت ؟؟
أنا أقرأ لي ولك ولهم وأصدقك القول بأن الكتابات بدأت تخرج عن المألوف وتتجاوزنا ، وإن عظمة المكتوب والمنطوق في هذا التجاوز الجنون أو العقلنة الزائدة والزيادة من رأس الأحمق ، وما دمت تكتب والكتابة لن تكلفك شيئا ، وحتى لانظل نجتر المبادئ الأولى للمعرفة البشرية فلا بأس من أن نضيف للكتابة النثرية والكتابة الشعرية كتابة جديدة هي " النعرية " تستوعب الصياح الذي لم يعرفه أجدادنا والهياج الذي لم يدركوه مثلنا والرياح المختلة المختلطة والنعر الذي يلزم ناس العصر والعجلة والخسر والوخز وخز الذباب والضمائر ، وإثباتا لطول باعنا في صنع الحضارات وسبقنا للأعاجم دائما في كل مجال ، ها نحن نصل قبلهم إلى اصطلاح سيبعثرون أبجدياتهم دون أن يجدوا له في قواميسهم وعقولهم مثيلا له ، ولا ننسى تفوقنا عليهم بطبيعة الحال وهذه لغتنا بتفردها بالضاد وما أدراك ما الضاد شاهدة ،، وحتى لا نخرج عن حدود العلم وحتى نساير الموضة ، لا بأس أيضا من التصريح بأن التسمية فيها من المزج والتشكيل ما يكفي لأن ننحتها على وجه كل حجر جاهل بطبعه أو بالتعود ، وفيها من الكيمياء ما يدهش الماء الحلو والحار وقلوب الحديد والبلاستيك ،، سنأخذ من النثر نونه ومن الشعر عينه وسنأخذ منهما معا هذه الراء المشتركة كالسوق الأوروبية ونعلن الإكتشاف وبدون شك لن نجد صعوبة في معرفة ما نقرأ ، فالناس كل الناس كانت أو هي ناثرة والناس كل الناس كانت أو هي شاعرة ، ولكننا وحتى نضم المجد من أطرافه ومواكبة للعصر فنحن ناعرون ناعرون ،، وإياك أن تعتقد أن حديثي هذا مزحة أو سخرية ، وإياك أيضا أن تعتقد بأنه جاد وجدي ، فقد أكون مثلك ناعرا مادامت تجربتي هي تجاوز الأضداد والجدل إلى التخريج وها هو بحمد الله تجسد في الكتابة ولتكن نعرية ، وإذا لم تقتنع فإني لاألزمك بشيء فكل يعرف قدر السكر بإبريقه كما نقول ، وإن كانت الأباريق والبراريد في الواقع واحدة في اكتوائها بالنار وفي استواء مشروبها مستساغا أو علقما .
التعليقات (0)