مواضيع اليوم

شيء عن الكتابة النعرية رابح التيجاني

التيجاني رابح رابح

2013-08-27 01:09:30

0

 

شئ عن الكتابة النعرية

مقالات ودراسات بقلم رابح التيجاني

 


 

ا

 دون كيشوت أديبا

 

 

 رابح التيجاني


 

 

 لا أعتقد أن جغرافية الشعر سهول مستوية فقط ، حتى ولو كان الشعراء وقراؤهم لا يستلذون من الشعر إلا انبساطاته المترامية أوزانا وقوافيا، ولا أعتقد أن الشعر غابة غير مضبوطة الممرات أو أنه أقبية فوضوية السراديب والمتاهات ، لا أعتقد أن الشعر جماليات مشاعر وأفكار، ربما قد كان ذلك ، كل ذلك ، غير أن شعر اليوم لا بد أن يكون شيئا آخر ، تجاوزا كما كان الشعر أبدا ، رؤية ورؤيا تتجسد شكلا داخل لبوس عصر تخطى ميزان الذهب وميزان الفحم وآلات التصوير البيانية والبديعية...ونحن تلاميذ في المدرسة قبلنا الشعر تاريخا..وها نحن أمام فظاعة اليوم وتقدم اليوم نقف مشدوهين نضحك من هذا الشعر، عاهة إنسانية ، مرضا مستلطفا محبوبا ،نزقا وخربشات طفولية بدائية تتمسك بالأوجاع والتأوهات والجماليات المعبرة عن ما هو جميل وعن القبح الشنيع والأزمات والإنكسار . نضحك .. ومن منا لم يضحك ساخرا من شعر اليوم والأمس أيضا ؟ من منا لم يستخف بالشعر حتى ولو كان شاعرا ؟


 

 

 لكم شعرنا بالدونية عندما كنا مصنفين بقاعة الدرس في إطار أدبي وكم حاولنا إقناع أنفسنا والآخرين إذا قالوا مثلا شعبيا أو صدر عنهم دون شعور تعبير جميل مضبوط أن ما قيل    إبداع رائع وشعر بديع موهمين أننا بشعرنا لسنا أقل علما من أتباع العلم .

 

 

 

 مفلسة هذه البضاعة، مضيعة للفكر ومفسدة في أرض العقول الإلكترونية والتقدم التكنولوجي، قلت حتى ولو كان شاعرا وأنا لاأنفي الشاعرية عن كل البشر بدون استثناء. لكل اتجاه تبرير ولكل مدرسة أصول ولكل مذهب قواعد،، الشعر تدرج من سفوح المجتمع إلى أهراماته متخذا في كل خانة تنظيرا واحتواء لمفهوم الشعر من المتصوفة والفقهاء إلى العبثيين والعدميين والعقلاء فالعقلاء جدا فالصعاليك وهكذا ،،الشعر ملكوت يدعيه التقدميون يدعيه الرجعيون ، كل الناس تقول الشعر باعتباره السلعة التي تحل محل السحر والخوارق ، والناس أعداء وأسرى ما جهلوا أو ما ضاع منهم،، لذلك يتأوه قيس فيصفق الناس للشعر أو يتأبط الشر شرا فيصفق الناس للشعر ، وإنني أدافع عن الشعر عندما أهاجمه وأهاجم سدنته وبيادقه ،كل أصناف المعرفة توجت نفسها بلقب العلم ، علم كذا وعلم كذا ،إلا الشعر تتنازل حتى عن اسمه وجوهره ليصبح مرة مقالا ومرة مقامة ومرة قصة ومرة حوارا ومرة خلبطة مختبرية للأحلام ، مرة نهشا جميلا للواقع وقضايا الواقع وفي أقصى الحالات ما كان الشعر إلا دليلا على علم مضاف إلى كل العلوم يدعي الريادة على كل العلوم باعتباره العلم الجديد، خلاص البشرية ، علم الجهل ، علم الجهلاء أولئك المنبوذون فاقدو كل الملكات إلا الثرثرة الفارغة وترصيف  الكلام ،أو، مالكو كل الملكات يمسخونها وفقا لما شاءته الضوابط والبنود المجلوبة من شكليات الجاهلية -   وللجاهلية فضل   اكتشاف ما يلائمها -،أو المستعارة من مجالس العباسيين وموشحات الأندلس.

 

 

 أتساءل كيف يعيش الشعر منذ الجاهلية ، أقصد منذ قبل عصور الجاهلية لايخضع لقوانين التجديد والتطور ؟؟ يقولون الحداثة ويستعرضون أسماء وأسماء الحداثيين كل من منظوره وتشخيصه ولا ندري هل الحداثة في تنكب قيود الجاهلية  والتقعيد الفراهيدي أم التقيد الأرثذكسي بها ، هل في الهلوسة والإنزياح عن المألوف أم في التقرير والمباشرة ، لاندري أعلينا أن نحلم ونعود للأسطورة أم نغوص في الأرض ونلهث وراء الواقع ونسبق المستقبل أم نمزج كل المستحضرات في تركيبة ووفق كيمياء لا يعلم بعض أسرارها إلا من أوتوا بسطة في علم الشعوذة وانخرطوا في زمرة يجيز بعضها بعضا ولايعرف أحد منها عن الآخر إلا :أحقا أنا مثقف ؟إذن أنت مثقف .أأنا شاعر ؟ إذن أنت شاعر ..علم من أعلام علم الجهل وأكبر الإثبات أن يكون من شعرائنا شعراء هم أكثر الناس فرحا بجهلهم والتعبير البليغ عن جهلهم ، ليس للواقع فحسب بل للشعر أيضا .

 ( ذات يوم من القرن الماضي)

 

شيء عن الكتابة النعرية

رابح التيجاني


 

 

 

 

 

 

أجلت نشر هذه المقالة بعد كتابتها تجنبا لمدح أو قدح  أهل الشعر والناثرين،

 

 

ولأنهم انقرضوا أوكادوا فها قد أقدمت .

 

 

 

 

أما النعرية فهي تركيب لمصطلحين هما النثرية والشعرية

 

 

علاوة على دلالة النعر معجميا .

 

 

 أن تكون ناثرا فهذا شأنك وشأننا معك ،

وكلنا أشباه ذلك النبيل الذي اكتشف أن كلامه اليومي نثر وأن النثر أدب ،

وعليه

فلا مدعاة للتضلع في الأدب ما دمنا نملك نصفه بالفطرة

ونستحضر الشعر نصفه الثاني بقليل من الحلم واللاوعي والحذلقة ،

 

 

بل قد لانحتاج إلا لقليل من الخلط فيما نملك من نثر

 

 

إذا تعذر الإستحضار وانتهت النبوة وأفاق الحلم .

 

 

أن تكون ناثرا فهذا شأنك وشأننا أيضا ،

لكن أن تكون شاعرا فهذه معضلة

والأمر يستلزم إجابتك عما أضفت إلى النثر أو نزعته منه فأصبح شعرا ،

وتقول بأنك عندما كنت ناثرا رأيت قططا تموء ،

غير أنك بمجرد أن أصبحت شاعرا استطعت أن ترى مواء القطط ،

وفي الحالين لست تعلم هل الشعر في تخريب التركيب أو بنائه كما شاء أو شئت ،

ولست تعلم هل الشعر فيك أم في الأشياء ،

في اللغة في الصمت ، في الطبيعة في وجود المعنى أو انعدامه ،،

ومع ذلك وغير ذلك فأن تكون ناثرا أو شاعرا أمر لن يقيم الدنيا

ما دام رأسمالك محدد ومحدود ومشاع بين البشر مثلك ،

طبعا لايجمل بنا أن نشرك الحيوانات والكائنات الأخرى في حديثنا عن تميزك الإنساني هذا ،

فأنت تنطق وغيرك أعجم ،وإن قصيدة بين عيون غزال أو رقصة تسكن جسد قرد

أو لوحة يؤطرها البر والبحر والجو أونغمة تنتحر عبر نظرة خروف حنجرته فوارة بالدم ،

إبداع رديء لأنه لم يبلغ حد النعرة والنعير والنعار والنعور والتنوعير ،

والنعرة حفظك الله بنت عائلة معجمية معروفة يدل عليها صوت خروج الدم إلى الصياح بالخيشوم

إلى الصخب إلى الهياج إلى اضطراب الحمير ساعة تدخل منخريها الذبابة النعرة ، 

 

 

 

 

 إلى الريح التي تفاجئك ببرد وأنت في حر وبالعكس ،،.

 

 

لم أحدثك عن النعرية لأثير فيك " طيكوك "

فالنعر حالة العصر ولا يهم إن كانت الحالة دليل صحة أو مرض ،

ولكن أحدتك لأجد للحالة لباسا لغويا

فاللغة مميزنا الإنساني ، وبالأسماء نبيد ما لا اسم له للتسمي ،

ألا ترى أننا لكي نسميك سعيدا فقط أو سعيدا جدا يلزمنا أن نذبح من الأنعام ما تيسر ،

ولكي نسمي قصيدة يلزمنا أن نبيد خرطوش سجائر ونسفح من القناني ما يدوخ فيلا ،

لذلك فالتسمية ضرورة .

ولكي تستحق اسم كاتب ناعر ، ها أنا أضحي بالمنهج والرصانة

لأجد لك لباسا يلبسك وتلبسه يناسبك وتناسبه بمناسبة وبدون مناسبة ،،

 

 

أنت ناثر ، أنت شاعر ،

ولكن عندما لا تكون لا هذا ولا ذاك

 

 

أو عندما تكونهما معا أو أكثر ، فمن أنت ؟؟

 

 

 

 

أنا أقرأ لي ولك ولهم

 

 

وأصدقك القول بأن الكتابات بدأت تخرج عن المألوف وتتجاوزنا ،

 

 

وإن عظمة المكتوب والمنطوق في هذا التجاوز الجنون

أو العقلنة الزائدة والزيادة من رأس الأحمق ،

وما دمت تكتب والكتابة لن تكلفك شيئا ،

وحتى لانظل نجتر المبادئ الأولى للمعرفة البشرية

فلا بأس من أن نضيف للكتابة النثرية والكتابة الشعرية كتابة جديدة

هي " النعرية "

تستوعب الصياح الذي لم يعرفه أجدادنا

والهياج الذي لم يدركوه مثلنا والرياح المختلة المختلطة

والنعر الذي يلزم ناس العصر والعجلة والخسر والوخز وخز الذباب والضمائر ،

وإثباتا لطول باعنا في صنع الحضارات وسبقنا للأعاجم دائما في كل مجال ،

ها نحن نصل قبلهم إلى اصطلاح

سيبعثرون أبجدياتهم دون أن يجدوا له في قواميسهم وعقولهم مثيلا له ،

ولا ننسى تفوقنا عليهم بطبيعة الحال

وهذه لغتنا بتفردها بالضاد وما أدراك ما الضاد شاهدة ،،

وحتى لا نخرج عن حدود العلم وحتى نساير الموضة ،

لا بأس أيضا من التصريح

بأن التسمية فيها من المزج والتشكيل ما يكفي لأن ننحتها

على وجه كل حجر جاهل بطبعه أو بالتعود ،

وفيها من الكيمياء ما يدهش الماء الحلو والحار وقلوب الحديد والبلاستيك ،،

سنأخذ من النثر نونه ومن الشعر عينه

وسنأخذ منهما معا هذه الراء المشتركة

كالسوق الأوروبية ونعلن الإكتشاف وبدون شك لن نجد صعوبة في معرفة ما نقرأ ،

فالناس كل الناس كانت أو هي ناثرة والناس كل الناس كانت أو هي شاعرة ،

ولكننا وحتى نضم المجد من أطرافه ومواكبة للعصر

فنحن ناعرون ناعرون ،،

وإياك أن تعتقد أن حديثي هذا مزحة أو سخرية ،

وإياك أيضا أن تعتقد بأنه جاد وجدي ،

فقد أكون مثلك ناعرا

مادامت تجربتي هي تجاوز الأضداد والجدل إلى التخريج

وها هو بحمد الله تجسد في الكتابة  ولتكن نعرية ،

وإذا لم تقتنع فإني لاألزمك بشيء

فكل يعرف قدر السكر بإبريقه كما نقول ،

وإن كانت الأباريق والبراريد في الواقع واحدة في اكتوائها بالنار

وفي استواء مشروبها مستساغا أو علقما .

 عن الشعر والأغنية والحب

رابح التيجاني

 

كثير من المثقفين يستخفون بالكتابات المتعلقة بالحب ويستهجنون الأغاني الرائجة التي نسمها بالعاطفية ويعتبرونها مائعة وتافهة وسخيفة  وتجدهم خلف الجميلات يصفرون كالرعاة بين المواشي ، وأكيد أن الدفاع عن هذه الكتابات والأغاني يبدو رهانا خاسرا ،حقا هناك كتابات سخيفة ، أما الحب فهو قضية من أهم وأولى القضايا وطرحه عبر الإبداع ليس ابتذالا ، إن الحب في اعتقادي أعقد القضايا الإنسانية التي رغم كثرة ما قيل عنها تظل مغرية ومثيرة ، أليس الحب تميزا إنسانيا ؟ إنني واثق من أن الذين يكرهون هذا الحديث العاطفي والمناجاة وتلاوين التعبير عن الإنشداد للآخر هم يخلطون بين قضيتين : قضية الحب وقضية الجنس ، الجنس إلى حد ما ليس مشكلة ، مثلا عند الحيوان الأمر لايثير إشكالا ، وعند الإنسان كانت فوضى الجنس مثار صراع وكان التنظيم للجنس أيضا مثار صراع ووسيلة للضبط ولكنه دائما ظل مجالا سهلا يرتاده البشر بالطرق المشروعة أو غير المشروعة ، ولكن الحب شئ آخر ، إنه إلى حد ما قضية ميتافيزيقية ، كيف يستطيع الكائن الواحد أن يتخلص من أنانيته أن ينخرط في طريق التعاطف في مسار الألفة فرارا من الوحشة والعبث وبحثا عن المعنى وإكسابا للوجود نوعا من القيمة والتبرير؟ .

 

إن حديث الحب ما لم يكن أصلا قناعا للجنس فقط ، والجنس المبتذل خاصة ، هو حديث بليغ ويتضمن نزوعا إنسانيا خالدا لا يمكننا بجرة قلم أن نلغيه مهما بدا لنا تافها ، إنه حديث يضفي على الوجود وتجارب الحياة ظلالا هي ما يفرق بين حياة الناس وحياة الحيوان ، وليس الإحتياج للمرأة مجرد احتياج عابر،إنه أكبر من ذلك بكثير، ولعل الجنس وسيلة من الوسائل وطريق من طرق الحب ، ولكن الكثير في غمرة تجارب الجنس يغرقون في أنانيتهم ، إنهم لا يحبون إلا أنفسهم ، إرضاء رغباتهم ، أما الإنفتاح على قلوب مشدودة إلى نفس الهموم وضائعة في نفس الطريق وباحثة عن الأجوبة ذاتها والآفاق ذاتها والغيب ذاته فأمر يبدو مبتذلا ، إن التعبير عن الحب حتى في أقصى حالات الإبتذال مثقل بخلفيات عميقة ، إننا نعاني الوحدة حتى إذا كنا "دون خوان"، نتخلص من امرأة لنصطاد أخرى ، نعيش في دوامة الحاجة البيولوجية وتلبيتها، ولكننا في الحب نتخلص من وحدتنا ، نشعر أن الإنسان ليس واحدا ، ليس وحيدا ، إنه التمازج والسير خطوة وقعها واحد في طريق موحش ، من يسلكه وحيدا لن يكون بحال من الأحوال إنسانا ، إن الحب تضامن تجاه الغيب والميتافيزيقا والواقع ، وهو بذلك إن تحقق يبدو أغلى مكسب وأغلى قيمة في الحياة ، به لا نصبح مجرد كائنات تصرف الأيام ولكن تصنعها ، وتصنعها بإرادة مشتركة تفكر في الذات وفي الآخر وفي الحياة وفي المستقبل والإستمرار .

 

إن الكثير من الناس يعبرون عن الحب بسذاجة حقا ، وفي طليعتهم عديد ممن يكتبون شعر الأغاني الذي نشتكي جميعا من مضامينه السطحية المتجاوزة ، هم يريدون ، يشتكون الهجر ، ويعيدون ما تلقنوه من أصناف الشكوى ، بسطاء في تعبيرهم ، ولكنهم مع ذلك يصدرون عن عمق فلسفي قد لا يدركونه ، إن الحب غريزة كما الجنس ولكننا في سيرورة ابتذال القيم وتقزيمها وأمام معضلات الواقع نجد الحب كما لو كان حالة مرض أو جنون ، وقد اتهم العشاق الخالون بالجنون ، وهم كذلك حقا لأنهم في هذا العالم الأناني ، المريض بأنانيته ، المريض بجنونه ، استطاعوا أن ينصهروا في الحب ، في أفق  يصل بهم إلى ذواتهم عبر غيرهم ، استطاعوا أن يمدوا جسرا أمام الكائن البشري ليبلغ جزءا من معنى وجوده ، إنني أتساءل رغم كل ما قيل عن الحب هل نحن قادرون على الحب ؟ إننا في أقصى الحالات نمارس كذبا مفتعلا ، نحاول أن نتخلص من عدميتنا من عبثية وجودنا ، نحاول أن نرضي رغباتنا ، نمتلك امرأة وننجب أطفالا ، لا ندرك معنى إنجابهم كالحيوان تماما ، نرعاهم أو نتركهم لرعاية السماء ، إننا عندما نحب لا نتخلص من العبثية والعدمية ، لا نرضي رغباتنا فقط ،إننا نؤسس الحياة ،إننا نتحدى ألغازها ، إننا نعطيها الإستمرار ، إننا نتجاوز ضعفنا وضآلتنا ، نخلق القوة ونبعث القيم والمعنى ، لذلك فإذا نادى عاشق بابتذال أو بعمق فإنه لا ينبغي أن نتلقى نداءه بإدراكنا المحدود الذي تعلمناه عن الكبت والتفريغ ، إن الحب قضية أخطر من الجنس ، ولا أعتقد أن النجاح في الحب أمر سهل ، ولذلك يحق للناس أن يظلوا منذ كانوا يبكون حرمانهم ، ويحق لمطربينا وشعرائنا أن لا يخجلوا من أغانيهم السمجة الضحلة في نظر البعض ، وليبكوا ما شاء لهم البكاء بل وليندبوا ويرددوا المناحات في محراب الحب ، أليس ثمة من أتخمه ركام غرامياته وتنامي رصيد علاقاته ولا يفتأ يجأر بالشكوى والحنين ؟ هل نحن لا نعرف ما نريد ؟ أم ندرك من الحب مرحلة وتنحجب عنا مراحل؟ وماذا نقول عن الحب بعد أن تنتهي قوة الجنس ثم ماذا نقول عن الحب الذي لا يمكن أن يكون الجنس من أركانه ؟.

 

إننا نفسر الإقتصاد بالإجتماع ، والإجتماع بالإقتصاد ، والجنس بالحب والحب بالجنس ، غير أني أرى بأن الحب قضية منفصلة حتى إذا ما ارتبطت بقضايا أخرى ، وهو في اعتقادي كما أسلفت أشبه بالقضايا الميتافيزيقية ، لماذا نحب ؟ ولماذا نحب هذه بالذات ؟ وكيف نحب ؟ وماذا نريد من الحب ؟ تلك أسئلة لا نملك جوابا نهائيا عنها ، نحب لأننا نحب ، ونحب هذه لأننا أحببناها ، وكيف أحببناها لاندري كيف ، ونريد من حبها ما نريده وما لا نعرفه أيضا .

 

إن الحب ليس بالبساطة التي نتناوله بها ، إنه أكبر منا ، وإنه سر من أسرار تميزنا ككائنات إنسانية ، ولذلك فإن الإبداع في مجال الحب كيفما كان سطحيا يثير لدي من الأسئلة الكثير حتى ولو كان إبداعا ساذجا ورديئا لأنه تعبير عن هم وشاغل خالد ومشروع ، ولست أعتقد على الإطلاق بأن الحب قضية تنتهي ، إننا نحب دائما وعندما ننتهي من الحب تنتهي إنسانيتنا ولن نكون آنذاك إلا كالحيوان الذي لن يضطر بحال من الأحوال ميتافيزيقيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا أن يندب مأساته في الوجود باحثا عن الحب .

 

إن الجنس بكل إيجاز احتياج بيولوجي بالدرجة الأولى ، في حين يظل الحب احتياجا عاطفيا ، لكن أنجح العلاقات تلك التي يزدوج فيها الجنس بالحب محققا احتياجا آخر ، احتياجا اجتماعيا توافق المجتمع على تحديده في مؤسسة الزواج . وعلى كل ، فإننا عندما نرفض عواطف بدعوى كونها رخيصة أو تعبير عن كبت فإننا في الواقع لانولي العواطف ختى في إطار الجنس ما تتميز به من إنسانية محاولين بذلك الإدعاء أننا حققنا إشباعا ولانعاني حرمانا ، في حين أن الجنس البعيد عن العواطف هو ممارسة لا نختلف فيها عن الحيوان ولا تحقق إلا إشباعا بيولوجيا ، أما الحب فيظل تميزا إنسانيا واحتياجا خالدا أكيدا اقترن بالوصل أو بالهجر . ثم ألا يجد الحب بكل تفاصيله متسعا له في قلب الخنادق وساحات الحروب ربما أكثر من فضاءات الحدائق وبين أسراب الحمام وأجواء السلام ؟ إن الحب خلاصنا حقا من اللاجدوى والعذاب .

 

إننا عندما نحب يصبح لوجودنا معنى آخر ، ليس بالمفهوم الوجودي الذي يرانا كائنات مقذوف بها للعالم أو الكائنات الملعونة في الأساطير والمخلوقات التي جاءت للصراع والإبتلاء .

 

عندما نحب تصبح كل القيم الخيرة أصل الوجود، نحب الحياة ولا نخشى غير الفراق ونتجاوز حتى الموت إذ نعطي للحياة الإستمرار والإستمرارإلى الأبد …

(ذات يوم من القرن العشرين)

 

 

 

 

عن النثر والشعر ..والشعر

 

رابح التيجاني

 

 

 

 

 

أجهل الشعر  أجهل النثر

 

 

 

 

 

 

أجهل الشعر ، أجهل النثر ، وأعرف الكتابة ،صبية عذراء أغشاها وتغشاني قبل أن تصبح مدام قصيدة أو السيدة مقالة، أعرف الكتابة قبل أن تذبح قربانا أمام أوثان الإستطيقا ، وإن كان مشروطا أل تعتبروا الشعر إلا إذا أرقصكم فثمة في الصدر أنغام الحزن الجنائزية دندنات الفرح، ثمة ما يكفي مقامات وإيقاعات تركبها النفس وتموج حدوا ، وإن كنتم تستلزمون القوافي هاكم لهاثي وأنفاسي تواترا وتقطعا ، محطات أشمخ جذبا وحرارة من تكرار الروي أو السبب الخفيف أو الوتد المجموع أو المفروق ، سألتني عن رأيي في قصيدة النثر ، رأيي الموضوعي ، وأدخل ذاتي وأخرج منها وأسألني وأسألكم كيف أكون موضوعيا ؟ أأتحدث عن مجلة " شعر " وما أتيح لي الإطلاع عليها ! أأستعرض ما علق بذاكرتي عن تثوير اللغة وزمن الشعر والشعراء أدونيس إنسي الحاج يوسف الخال ، طليعة شعراء لبنان ، أأتناول شهادات الماغوط تجاه زمن الرداءة وعلاقتها بالشعر ؟ أأتموقف إزاء إفرازات الشعر بتونس وأتناول ظاهرة إبداع " غير العمودي   والحر "، أأخوض غمرة الشعر المغربي فأفاجئكم بأن مصطفى المسناوي في كتاباته القصصية شاعر وعبد الكريم برشيد في كتاباته المسرحية شاعر وأن عددا من الشعراء لاارتباط لهم بالشعر عموديا ومنثورا وحرا ؟ أأنطلق ابتداء من انتفاضات الشعر المعاصر وأعلج نازك من " الكوليرا " وصولا بها إلى الموت أو الحياة التي تكتنه قصيدة اليوم ؟ أأخرج بالسياب من تساؤله " هل كان حبا " وأنساب تدريجيا عبر متطلبات الواقع إبداعيا ؟ أأستند في جوابي تراثيا وأعانق ثورات الماضي وأستفسر ابن المعتز وأبا تمام والمتني والحمداني ونظراءهم ،أم أستفسر ابن الخطيب وكل وشاحي الأندلس والمغرب والتروبادور ؟ ؟ لن أفعل ولكني أسأل ما السر في كل هذه الضربات التي يتلقاها الخليل ، ولن أجيب فالخليل قد سقط فعلا أو لابد أن يسقط بشكل أو بآخر أو تسقط صنمية النظرة إليه ، وسيحتفظ له الشعر بفضل التأطير الإيقاعي لديوان العرب ، ذلكم التأطير الذي إن كان فيصلا بين فنون القول فإنه ليس معيارا للشعر ولا ضابطا لحدوده ومستوعبا لتطوره ،، وأنتقل عبر تساؤلي وأساير أراغون في سان ميشيل أو سان جيرمان ونجالس بعضنا في مقهى المنبع ونختلس الشعر من عيون إلزا فلا يكون إلا كما شاءت الكتابة ، كتابة أوتوماتيكية، تحتفي مقطعية اللغة الفرنسية وقوافيها ويكون الشعر ، كيف يكون ؟ كذلك يكون، وأتابع سارتر في تفريقه بين الشعر والنثر ، الفشل والنجاح ،الرقص والمشي ،وبالرغم من كل التنظير يظل الشعر خارج القمقم دائما ، وأسأل ت س إليوت  فيجيبني :" لم أستطع أبدا أن أحفظ أسماء التفعيلات والأوزان أو أن أقدم فروض الطاعة لقوانين العروض المعتمدة وليس معنى ذلك أنني أعتبر الدراسة التحليلية للأوزان والأشكال المجردة التي تختلف اختلافا بينا عندما يتناولها الشعراء المختلفون مضيعة للوقت ، وكل ما في الأمر أن دراسة تشريح أعضاء الجسم لايمكن أن تعلمنا كيف نجعل دجاجة تبيض "(1) ولو أن إليوت يستدرك بأن :" وراء أشد الشعر تحررا يجب أن يكمن شبح وزن بسيط إذا غفونا برز نحونا متوعدا وإذا صحونا اختفى حيث ان الحرية الحقيقية لاتظهر إلا إزاء قيود مصطنعة " (2)فإن أشعار إليوت نفسه وأرضه الخراب مترجمة حملت كل الشاعرية وهي خالية من الوزن والقافية ونبرية اللغة الإنجليزية.

 

 

 

 

 

 

لا أريد أن أستطرد وأستنطق إزراباوند أو كولردج أو بليك فإن بعض أشعارهم لم نقرأها إلا مترجمة منثورة ولقد ظلت في مجملها شعرا ، إن الشاعرية الحقة لاتعتمد موسيقاها العروضية اعتمادا ولعل هذا ما سمح بالعرف على شعر حقيقي يوناني أو تركي أو إسباني وعداه مترجما ومنثورا ، غير أن شعرنا العربي بطقوسه يحمل من الإيقاع والبيان والبديع أكثر مما يحمل شعرا ، وتلك سقطته التاريخية التي لابد أن يبدع المبدعون في إطار تجاوزها ، ولا أنفي ضرورة الإفادة منها إلى حد ما ، ولنتأمل إلى أية درجة يمسخ الفهم الموسيقي حقيقة الشعر بالمقارنة فقط بين بعض الترجمات العيدة لرباعيات الحيام ، لا أطيل وأساند تقريرا أورده غالي شكري في كتابه " شعرنا الحديث  إلى أين " يقول :" إن إحلال كلمة النثر مكان الوزن لا تعبر إلا عن رد الفعل الذي يصنعه الشعراء ، فقصيدة النثر تقف في الطرف المقابل لما يدعونه بقصيدة النظم ، ولكن دعاة هذه القصيدة يلتقون في الواقع عند حدود المفهوم الكلاسيكي للشعر ، بمعنى آخر المفهوم الشكلي ، فليس النثر في قصيدة النثر هو الذي يمنحها قيمتها الفنية الجديدة ، وليس النظم  في قصيدة النظم هو الذي منحها قيمتها الكلاسيكية القديمة ، وإنما هناك شيء آخر لا علاقة له بطريقة تركيب الكلمات نثرا ونظما هو الذي يخلق ما ندعوه بالشعر " (3) ولو أن غالي شكري يستطرد في هذا المقام ليشيد بالشعر العامي فإنه حقا أصاب المفصل وحدد مواصفات الشعر الجديد معمارية وأبعادا ، وإن كان الإبداع العامي باعتبار ثرائه وباعتبار العامة المقصود الأول بالإبداع ، ولضرورات الوحدة والقومية ، فإن القصيدة البديل تشمله عنصرا محققا للواقعية والجماهيرية ، إن المنظور الشعبي للأدب عامة يستلزم أصلا تحديد الشعب أولا ، أهو الشعب اللبناني ، الشعب المصري ، الشعب المغربي أو الشعب العربي ؟ أشك ولا أشك في انحرافية أدب العرب وسقوطه في الشوفينية ، ولكن هذا التنوع وبأصوله العامية بالإمكان استيعابه في إطار البناء الجديد للقصيدة الجديدة ومن أشكالها قصيدة النثر ، وبذلك يصبح مصدر إثراء وليس حدودا حاجزة .

 

 

 

 

 

 

البحث عن القصيدة الجديدة

 

 

 

 

 

 

دائما في إطار البحث عن القصيدة الجديدة قد يعتبر ما قيل عن إبداع العامة موقفا رجعيا ،، حقا إن ثقافة الطلائع المتنورة كانت عبر العصور رأسمال ممنوع على الآخرين ، رصيدا في الأدمغة ، رصيدا يتم استعراضه بأبهة وتقسيط وبرمجة على الدونيين ، تحاول فرضه مدعية الإرتباط بالجماهير المسحوقة ومعاداة الكبار في الوسائل والمضامين ، هذا في أحسن الأحوال إذ أن أغلب ما وصلنا عن مثقفي العصور العربية لايعكس إلا المدح على أعتاب السلاطين جهارا ، طبقيا يمنع المتنورون شيوع ثقافة الجماهير ، تلك الثقافة التي تعني إقصاءهم أنتلحنسيا وبورجوازية صغرى عامة ، كما نصطلح على التسمية حاليا ،وتحطيمهم في إحدى مدعمات أشكال الممارسة ، إن البورجوازية صغيرة وكبيرة ، ونترك الكبيرة لله ، أقول إنها تعتبر أشكال الثقافة الشعبية ومضامينها سطحية مسطحة مبتذلة وبالمقابل تعتبر الفئات الشعبية ثقافة المتنورين ثقافة قصور ومجالس وصالونات وعوالم خاصة ولو تناولت شؤون الشعب وقضاياه ومشاغله ، إذ هي ثقافة تتوسل في كل مناحيها وأدواتها لغتها الخصوصية وقيمها الخصوصية نظرتها الخصوصية ، إن مسألة شيوع الأدب محكومة باعتبارات استراتيجية لكل فئة أو صنف أو طبقة ، والبرجوازية تجد مجالها في الوسائل السلطوية للتبليغ وتفرض بذلك قيمها الإبداعية والجمالية ، وتظل الثقافة الشعبية دائما مسارحها الشوارع الدور الحوانيت في كل مكان ، خارج سوق عكاظ أو على هامش قصور العباسيين ، بطبيعة الحال هي ثقافة مرفوضة رسميا ولكنها ثقافة الأغلبية التي كان يجب أن تصلنا وما وصلت أو أنها وصلت إلى حد ما متنكرة في غمرة ضحكات جحا أو حدائق كليلة ودمنة وليالي ألف ليلة وليلة والمقامات وزجليات المجذوب وسير الخوارق والأساطير والتحليقات التصوفية ،  ولو أننا فهمنا الشيء من ضده فإننا حقا ما نزال نعاني مشكلة التعرف على الثقافة الحقيقية من خلال الثقافات المزيفة وما يعتور ذلك من ملابسات ، ترفض الشعوب دائما أستاذية المسيطرين والموالين للمسيطرين وتصنع ثقافتها ، وبحكم السيطرة فالمعتقد أن تاريخ الأدب الذي قرأناه في المدرسة ما وصلنا إلا بحكم السيطرة ونحن لانملك إلا أن نقبله تاريخا ولكننا نرفضه إبداع الشعب العربي والأجيال ،من هذا المنطلق نتساءل ماذا حمل إلينا الشعر العربي ؟ وبطرح  أدق ماذا حمل إلينا الرقص العربي ؟ إنه باستثناء الشعر الذي تضمن تجارب انسانية ومعاناة حقيقية لا نعثر إلا على البحور طويلة ومتداركة ومساحيق الجناس الطباق التورية التضمين الكناية الإستعارة وما يؤكد البراعة اللغوية ، تجربة المتنبي وطرفة بن العبد وعروة بن الورد وأبي فراس الحمداني أوصلت أصالتها وغيرهم قليل ، ولكن أمام الخضم الهائل للشعر العربي نخجل حقا إذ لا يكون رصيد العرب شعريا إلا أسماء معدودة من خلال ملايين الأبيات ، وماذا أجدتنا علوم بيانهم وبديعهم وإني لا أدعو إلى تركها بقدر ما أتلمس مشارف القصيدة الجديدة مستغلة البيان والبديع والعروض في الظرف المناسب بحيث لا يستمر إبداعنا إلى الأبد توشية وزخرفة وموسيقى ، إسقاطا لطموح ترفي لا غير ، يتمثل من داخل الخيام نقوش القصور ويسير على رمال الصحراء العائقة راقصا ، جماليات الشعر  ،  هذا الوثن الضال والمضلل ،كيف تحدد قاعدة وتم شيوعها ؟ أتساءل كيف تسمح الكلمات لنفسها بأن تغرق في الجماليات والموسيقى الراقصة لتعرض للمتلقي قمم الحزن مثلا ؟ إنها الخيانة ، خيانة المظاهر على مر العصور ، خيانة الطبقات الظاهرة الطافية على السطح الطبقات المستفيدة أو السائل لعابها ، إنني بكل ملتقى أكون أو أريد أن أكون مكتنها للكتابة وتكون ألغازا ، أحاورها وعندما تملكني أو أملكها أمسك زمامها ، تنطق بي وتتبعني منقادة كظلي ونمشي حيث نشاء معا ،ةأنا وهي ، ننثر الخطو إذ تجرنا متاهة ، نرقص إذ تدغدغنا ريح مرحة ،نقف انبهارا أو احتقارا أمام حائط حيطان نختفي نظهر ،وإذ ينتهي المطاف أراها وأرى فيها نفسي وغيري ، أرى كل المخلصين مثلي أرى  الشعراء فيها .

 

 

 

 

 

 

متحفية اللغة لا تستهويني بقدر ما يستهويني تسكعها بالحالة التي شاءت أنيقة أو مهلهلة بين الدروب وفي أصقاع الوجدان والفكر والواقع ، وأنحني لها إذ تكون متناسبة مع المقام ، قبيحة إذ تعببر عن القبح ، جميلة إذ تعبر عن الجمال ، أميرة وصعلوكة ، لامعنى إطلاقا لأن يكتسي التعبير دائما قناعا تجميليا يقتات بهموم الجماهير ويجعل من مشاكلها فنا جميلا لا غير ،إن أكذوبة إثارة المشاعر والتأثير فيها بالكلام العذب المموسق لا يهضمها إلا الذوق الأرستقراطي الذي يحنط هذه الأعمال ويدرجها في إطار التحف الفنية ، أتساءل كيف يأتيك الناعي وهو شاعر يخبرك بموت فلان يقول لك ماااات فلان مااااات  كان موته عظيما عظمة البحر موكب جنازته تظاهرة حاشدة غرق جثمانه بين الناس وذااابانتهى ،إنه تصوير يراعي أن يبلغ أمرا بوائل خائنة ، إن المحسنات البلاغية أفسدت علينا اللغة وما تحمله اللغة ، وماذا يهمني أنا من كل هذه الطقوس ؟ لو دعيت كإنسان يعاني حقا من موت هذا الفلان لصمتت أو بكيت أو قلت شيئا لست أدريه ، ولكنه هو ، إنه الشعر وهذا ما يجب أن نبحث عنه ، وليكن كيفما شاء  موزونا أو منثورا ولكن إنه سيكون بكل إطلاقية الكلمة ، الشعر الشعر المفقود .

 

 

 

 

 

 

الفوارق والقواسم

 

 

 

 

 

 

لعلنا نتجاوز في حديثنا هذا فارق الشكل بين قديم الشعر وحديثه ، وأكيد ان الفارق ليس شكليا فحسب ، وقد أشار إلى ذلك غالي شكري ،إن المعيار التفريقي بين القديم والأنماط التجريبية الحديثة لا يمس الشكل دون المضمون وهذا ما يجعل الحديث عن قصيدة النثر متجاوزا للفوارق الشكلية وممتدا إلى جوهر الشعر عامة ، وإذا كان سارتر يقر بأن " اللغة الشعرية تنبجس فوق أنقاض النثر ، وان في كل شعر شكلا من أشكال النثر أي من أشكال النجاح ، فبالمقابل فإن النثر الأكثر جفافا يحتوي دوما على شيء من الشعر ، أي على شكل ما من أشكال الفشل " ويضيف سارتر :" إن أي ناثر مهما كان صاحيا لا يصل إلى الإفهام لما يريد أن يقوله فهو يقول أكثر أو أقل مما ينبغي وكل جملة هي رهان مجازفة أخذها على عاتقه وكلما تلمس طريقه ازدادت الكلمة تفردا "(4).

 

 

 

 

 

 

أقول إذا كان سارتر يقر بهذا فواضح أن المسألة وفق هذا النسق من التحليل ليست مسألة كتابة شعرية أو مسألة كتابة نثرية ، ولكنها قضية تعبير بالدرجة الأولى، ونستمر مع سارترفي معرض مقارنته يقول :"إن التزام الشاعر الحديث هو التزام الانسان بأن يخسر وهذا هو المعنى العميق لذلك النحس لتلك اللعنة يعزوها إلى نفسه دوما والتي ينسبها دوما إلى تدخل من الخارج في حين أنها أعمق اختيار له ومنبع شعره لا نتيجته ،إنه متأكد من الفشل الكلي للمشروع الانساني وهو يعد نفسه للفشل في حياته الخاصة حتى يكون شاهدا بهزيمته المتفردة على الهزيمة الانسانية عامة ،  إنه ينقض إذن وهذا ما يفعله الناثر أيضا ، لكن نقض النثر يتم باسم نجاح أكبر في حين أن نقض الشعر يتم باسم الهزيمة المستترة التي يخفيها كل نصر "(5).

 

 

 

 

 

 

وسارتر يقيم هذه التوازنات ليخلص إلى الشعر المحض أو النر المحض ونحن هنا لسنا بصدد عرض للوجودية المتجاوزة بقدر ما نريد استخلاص رأي وارد بخصوص معضلة التعبير باعتبار :" أن الإيصال مستحيل وأن الكلمة أداة لهزيمتنا ومخبأ لما لا يمكن إيصاله وصولا إلى القضية ، قضية البنى المعقدة غير الصافية والواضحة الحدود "(6).

 

 

 

 

 

 

أعتقد أن الصيغ النثرية إلى حد ما جاهزة دائما أما الصيغ الشعرية فإنها تستحضر من خلال طفوس معينة شكلية ومضمونية ، ولكن مع ذلك قد يكون استحضارنا للغة الشعرية سقوطا في صيغ جاهزة باعتبار أن اللغة معين  يغرف منه الشعر والنثر ، ثم إن هناك صيغ شعرية جاهزة نجدها في الأمثال وفي بعض التعابير لدى العامة تكونت منذ قديم وصارت تعبيرا عاديا يستعمل استعمالا نثريا ، وهذا وإن كان يقود إلى حصوصية الشعر وأن النثر عمومي فهو ليس فارقا ، وإن التعبير كان جاهزا أو غير جاهز محتاج إلى روح ما تجعله شعريا ،تلك الروح التي يمكن أن تمس اللغة العادية أو اللغة المصنوعة ، ثم إنه ليس مشروطا دائما في الصيغ الشعرية ن تكون مقفاة موزونة كما أنه لا يعيب الصيغ النثرية خلوها من الوزن والقافية وإنما فضل الشعر هو الإفادة من إمكانات العبير شعرية ونثرية إلى الحد الذي يجعل فعلا العمل المنتج إبداعا وخلقا .

 

 

 

 

 

 

موسيقى الشعر

 

 

 

 

 

 

فيما يتعلق بالموسيقى في الشعر فإنها لا تخلقها رتابة الإيقاع وتكراره بل يمكن أن تنتج الموسيقى من تنوع الإيقاع أو التفعيلة ، وإن لكل كلمة بناء إيقاعيا يتحدد من خلال صوائتها وصوامتها ، فإذا أضفنا إلى كل ذلك ما تلبسه اللغة من دلالات وما تنتجه تقنية الكتابة من صور وأوضاع وتراكيب خاصة تبين لنا كيف يمكن أن يكون الشعر ولو في إطار تركيب نثري لايعتمد البيت أو السطر أو التفعيلة المحددة ، أتساءل كيف لا يمكن للمتلقي إدراك موسيقية الكتابة إلا إذا كانت متكررة حسب تفعيلة معينة ؟ فإذا كانت لكل كلمة بنية إيقاعية وإذا كانت ارتباطاتها بكلمات أخريات يقود إلى خلق سلسلة من الإيقاعات قد تكون متجانسة أو متنافرة فكيف لا يكون الإعداد لتصورها وتلقيها كذلك ؟ هناك في الموسيقى المغناة أو المعزوفة جمل موسيقية لا تعتمد إيقاعا واحدا متكررا ، ثم أليس في الموسيقى ما يسمى بالتقاسيم ن تقسيم على مقام الصبا مثلا أو الحجاز أو النهاوند أو البياتي ؟ إن هذه التقاسيم نثرية بحيث إن أداءها يتم دون إدخال الإيقاع في الاعتبار ، لماذا الشعر وحده نريد منه أن يكون موزونا ؟إننا نسمح للنثر بأن يخرج من نثريته ويتأطر في بناء موزون مقفى كما هو الحال في سجع المقامات وفي بعض الأمثال ولكننا لانقبل العكس ، لا نقبل أن يسترسل الشعر ويتخلص من قيده .

 

 

 

 

 

 

إن النظرة الأرثوذوكسية إلى الشعر قد تؤدي به إلى الإنقراض كما هو الحال في العلوم المحتكرة سابقا والتي أحيطت بهالات من التعجيز والحصوصية كعلم السحر مثلا . ولنعد إلى الإيقاع وعلاقة بنية الكلمة به في الموسيقى المعزوفة ، نجد مثلا إيقاعات موسيقية ثنائية ثلاثية رباعية إيقاعات بلدي مصمودي صحراوي وهذه الإيقاعات يؤشر لها ب"دم"و"تك"وترتيب هذه الدم والتك وفق تشكيل معين يعطي الإيقاع مثلا  :دم تك دم دم تك ، هذا إيقاع موسيقى يعتمد دم ويمكن تشبيها بمتحرك في تفعيلة فاعلن وتك ساكن ودم دم تك وتد مجموع التفعيلة ، ونقيس على ذلك سائر الكلمات أو التفعيلات ونرى أن أساسها إيقاعي حقا ، ولكن لا تتجلى بصورة واضحة خصائص هذا الإيقاع مثلما تتجلى في الموسيقى ، ولكن ما يهم قوله هو أن أخذنا لإيقاعات متعددة في آن لاينفي أننا لانستعمل إيقاعا ن مثلا ن فاعلاتن مستفعلن فاعلن فعولن مفاعيلن فعلن ، إن بناء الكلمات هكذا أو وفق أسلوب مشابه لايعتمد تكرار تفعيلة أو تفعيلتين لم تألفه الأذم في الشعر ، ولعلنا بحاجة إلى التأكيد على صرورة توافر الأذن لدينا على قدرة تستطيع أن تنتزع الموسيقى من خلال تعدد الموسيقى والإيقاع من إيقاعات ، لا أن تظل حبيسة الرتابة المعهودة ، دم دم تك دم تك ، فعولن ، وكفى. إنك وأنت تستمع إلى الدقة المراكشية تماما وكأنك تستمع إلى أرجوزة أو معلقة ، بناء محكم وإيقاع محسوب ، كل خروج عليه يستوجب تكسير التعريجة على رأس من أخل بالميزان ، ومع ذلك يستطيع الإيقاعي البارع تقسيم الزمن الواحد إلى أزمنة ويسميه "الزواق"إلا أنك وأنت تكتب الكلمة تستطيع أن تحذف ولكنك لا تزيد ساكنا  أو متحركا في صلب البنية عدا الترفيل والتذييل  ولو بدعوى الزواق  مع أنه من الممكن ذلك بشرط إدماج الزيادات في زمن معين عند القراءة أو الإلقاء وتخصيص زمن معين صامت للمحذوفات عند القراءة أو الإلقاء أيضا ، ونتناول إيقاعات الحيدوس أو الهيت ، إن هناك تصريفا للوزن بشكل غريب أحيانا يجعلك تعتقد أن الوزن مختل أو أنه لا وزن هناك ، نقرات متتالية على البندير بدون نظام هو النظام نفسه ،حقا إن هناك وزنا محددا لا يقبل التمازج مع وزن مغاير ولكنه وزن متفتح على الإضافة والتحرك وهذا ما نعدمه في الإيقاع الشعري ، إنه الوزن الخفي الذي تحدث عنه إليوت إلى حد ما .

 

 

 

 

 

 

إن الفرق بين إيقاع الكلمات وتراكيبها التي تخلقها بنفسها وبين القصيدة التي تريد أن تحبس كلماتها في إيقاع معين مسألة لا تحتاج إلا لمزيد من المراس والقدرة على فهم واستيعاب التعدد ، ولست بحاجة إلى القول بأننا مدعوون إلى إبعاد ونفي ما بصم به إرنست رينان وأتباعه من الأعاجم عقلياتنا بأنها عقليات توحيدية لا تستطيع النفاذ للمركبات والمعقدات ، ومجال الموسيقى أيضا يحكمه ما يحكم الإبداع إذ لا نجد قدرة على فهم وتطبيق الموسيقى من خلال تنزع في النظرة بحيث تكون العقلية المبدعة والمتلقية جامعة للأقانيم وممتدة في نفس الموضوع الإطار ، إن عدم وصولنا في الموسيقى إلى ما يسمى بالتناغم يقابله حقا قصورنا في مجال الإبداع الشعري وعدم تمكننا من استخلاص الشيء من اثنين وإدراك الشعر سواء في الشعر أو النثر ، إننا أقرب إلى  الخيل التي تحاذي عيونها بقطعتي جلد   لترى طريقا واحدا أمامها فقط : الشعر يعادل التفعيلة والنثر انسياب وما عدا ذلك فلا شيء هماك.

 

 

 

 

 

 

إن الشعر يكون قبل أن تكون اللغة وحدودها ، ولكنه باللغة يكون ، فباستحضار اللغة باعتبارها المميز للكائن الإنساني ووسيلة تعبيره الأولى بها نقول الشعر أو نقول عداه ، قد تحتوي هذه اللغة على الشاعرية المسكوبة وقد تظل بعيدة حاملة كل كلمة فيها مدلولها الخاص مضافا إلى المدلول الخاص لكلمة أخرى ومدلول خاص لكلمة أخرى ونكون أمام حالة مثيرة فعلا قد تقترب من الشعر بمبهماتها ، ولعله كان من باب التحديد إضافة قيود إلى الشعر أو أن الشعر تميز بالأشكال التي نراها عليه من وزن وقافية ، ولكننا بالنظر المتأمل نتأكد من أن الوزن مستوعب للنثر أيضا ثم إن عددا من القصائد العمودية لا تختلف في شيء عن النثر ،وإنه لمن الأكيد ما دامت نقاط الائتلاف بين الشعر  والنثر أكثر من نقاط الاختلاف أن يتحدد الشعر بمعياره الحقيقي ، معيار تضمنه لحقائق  وتجليات وحمولة وخلق شعري ،لا كونه مقيدا أو غير مقيد.

 

 

 

 

 

 

إن الكلمات وموسيقاها الداخلية وتراكيبها أحيانا وتجانس الكلمات ودلالاتها أمر بيد هذا الشاعر والناثر لا فرق إلا في استعمال هذه المواد ، بل إن النثر بتراكيبه المعتادة والأكثر تحررا تتضمن غالبا من الشعر  ما تعجز دونه الوسائل المعقدة التي أرادوها لتحديد الشعر في حين أنها تعمل على نفيه في الغالب الأعم ، ومالنا ولهذا الشعر الذي عزلناه بأقانيمنا ثم ها نحن نتحدث عن "علاقة الشعر بالفنون الجميلة بالرسم ، علاقة الشعر بالموسيقى " (7)علاقة الشعر بالرياضة  الفكرية .

 

 

 

 

 

 

لا أشك في أن الشعر هو كل الفنون وأن التعبير عنه دائما تعبير جديد له مكوناته التي تنشأ بوجوده ، قد تكون البنى الموسيقية الناتجة عن تناغم الكلمات ، قد تكون الإيقاعات المتكررة ،قد تكون الصورة أو الكاريكاتور ، قد تكون الحوار الداخلي أو الحوار مع الأشياء ، قد تكون اللقطة ، قد تكون البنيات الدرامية الملحمية ، قد تكون الغنائيات البسيطة و قد تكون اللوحات التركيبية ، قد تكون الخاطرة ، إن كل هذه الإشكال لا يتحدد مدى استعمالها إلا من خلال المضمون وبأسلوب جدلي لا أولية فيه للمضمون دون الشكل ولكن لهما معا . تبقى مسألة بنية الكلام الشعري وهذه في نظري مضاف إليها طريقة الفهم الشعري والتناول هي المميز الفصل للشعر ن إن موقف الشاعر الانسان تجاه الأسئلة الكبرى هو ما يحدد الشعر ، وليس الوقوف أمام الأسئلة يستدعي دائما أجوبة ، إن الشعر وهو متناول للميتافيزيقا أو كاشف لملكوت النفس وارتطامات الانسان بالأشياء بالكون ، بعلاقة الانسان بنفسه علاقاته مع غيره مع معطيات الوجود وغيبياته يظل شعرا بمعنى إنه مستوعب لخلاصات التجارب الانسانية ومحرك لها ، ومن ثم فإن استيعاب التجربة الانسانية في الكون وتحريكها ليس بالضرورة استيعابا متحفيا ، وأقول بالضرورة ، فكلما كانت متحفية الإبداع عائقا دون الإبداع أو شيوع الإبداع كان من الأولى إعطاء الأولوية للإبداع بتلقائيته واعتماده لشروطه الخاصة التي تأتي مع الخلق ومن ذاته لا إسقاطات جمالية محددة يتم إلباسها لكل التجارب دون مقاسات اللهم كونها موضة العصر موضة الكتابة .

 

 

 

 

 

 

وأتصور القصيدة عملا مفاجئا ، فالقارئ أو المتلقي تعود على الشعر ، شعر الأبيات ن شعر كلمة في سطر أو كلمتين ،ومن الناس من يقلب الصفحات كلما تأكد له من خلال هندسية الكتابة أن الكلام شعر ، لهذا تأتي القصيدة الجديدة وفي ركابها قصيدة النثر شراكا يستدرج القارئ أو المستمع ضمن أشكال معتادة لا تدعي التميز عن الكلام العادي المنثور ، وتربح القصيدة قارئا كان يعتقد أنه يقرأ مقالة ينهيها ليعود متسائلا أي شكل من أشكال النثر هذه الكتابة ليتيقن من أنها شعر ،إن طقوس الكتابات الشعرية القديمة عزلت الشعر ولا نخفي أن من بين القراء من يتجاوز صفحات الشعر هربا من وجع الدماغ ومن الخواء في حين أنه ما من أحد لا يقرأ النثر ، كلنا قارئون للنثر ومتحدثون به ، ولكن من الشعراء من يريد أن يجعل من الشعر مملكة لا يغشاها إلا المقربون ، ومن هنا فالعودة إلى الأشكال العادية ضرورية لتحرير الإبداع كلما كانت التجربة انسيابا لا يستدعي هذه الوقفات والأسطر ، أفرأ قصائد وأكتبها أحيانا تضم في  كل سطر منها كلمة أو كلمتين ، هكذا ، وألمس نوعا من السلطوية ممنوحا لكلمة في سطر واحد أرادها الشاعر مفتاحا للقصيدة أو معلمة بارزة من معالمها  ، غير أن عددا من هذه التجزيئات اللغوية تجعل الكلمة تلعب لعبتها الخاصة ، لعبة حمل دلالتها أكثر من اشتراكها لتأدية معنى مخلوق ، وبذلك يكون اندراج الكلمات ضمن جيش تعبيري متماسك أكثر ايحاء وأداء ، بمعنى أن اختفاء الدلالات المفردة للكلمات في السياق نسبيا وتضافرها لتأدية معنى ينتج التحاما بين دلالات متعددة هو ما يجعلنا نتلقى ما نتلقى من معان مقصودة ناسين الوسيلة وكل المتاهات الشكلية ، وأمثل لذلك بكتابات بعض المتصوفين وأبرزهم النفري ، لا أعتقد أن مواقف النفري نثرية ولا كتابته أيضا وإلا بماذا نفسر هذه القوة التي تجري في كلمات معتادة ومعتادة جدا ؟؟

 

 

 

 

 

 

الغموض والوضوح

 

 

 

 

 

 

قضية أخرى: غموض الشعر ووضوح النثر  ، قضية مردودة لأن الوضوح والغموض مرتبطان بالموضوع المعبر عنه وليس بالنثر أو الشعر ، قد يكون النثر غامضا إذا كان ما يراد التعبير عنه غامضا وقد يكون واضحا في الأغلب الأعم باعتبار أن المرامي التي يستهدف التعبير عنها عادية بعكس الشعر الذي يتلبس الغموض اعتبارا لتعقد التجربة أو استعصاء المجال المتناول أو حتى جدة التركيبات اللغوية ، تلك التركيبات غير المألوفة إلى حد ما ، وهذا لا ينفي أن يكون هناك شعر واضح وضوح النثر العادي ترتكز حرارته في نقل موضوع أو موضوعات معينة ، إلا أن أغلب الشعراء يخيفهم هذا الوضوح وكأنه نفي للشاعرية فيلجأون إلى تغليف هذا الوضوح بأصباغ ومحسنات بلاغية وتفنن عروضي وكأنهم بذلك يضيفون إلى شعرهم من الطقوس ما يكفي لتمييزه عن النثر، والواقع ان غموض الشعر أو وضوحه في القصيدة العمودية أو قصيدة النثر لا يتحدد إراديا أبدا ، أما حال المعاجميين المتعاملين مع الكلمات وإفرازاتهم فشيء آخر سواء في الشعر أو النثر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خلاصات

 

 

 

 

 

 

أعتقد أن تشتت الأشكال الفنية الأدبية هو ما يجعل كل الفنون مفتقرة ، ولعل مقولة إن الشعر ديوان العرب ما كانت لتكون لو طفت فنون أخرى أو ساعدت طبيعة العرب على تواجد فنون أخرى وآداب بنفس مستوى القصيدة ، وحقا لقد وصل الشعر ذروته خلقا وشيوعا وفاعلية ، ولكن ومرجلتنا الحضارية مختلفة تماما عن العصر الجاهلي والحالة ان الفنون وجدت مجالاتها وتمسك كل فن من فنون القول أو التعبير بمقاييسه وأثرى في حدوده الخاصة ها نجن نجد كل الفنون متطاولة ولا نجد فنا واحدا يعبر عن الانسان تعبيرا جامعا مانعا كاملا شافيا ، إن الاجتزائية في مجال التعبير الانساني دعت الكلمة إلى جمع مقاييس ومعايير حولها وانفردت عن أخواتها لتكون هذه قصيدة وهذه قصة مع أن المفروض أن جل الخلق الانساني في ميدان التعبير عن الذات والواقع وما وراءه هي شعر ، الرسم شعر والموسيقى شعر ،وهكذا ، وإني لا أرى الشعر إلا شاملا لكل الفنون الأخرى وأنواع التعبير بما فيها النثرية.

 

 

 

 

 

 

إن كل الأشكال التعبيرية تضم بين ثناياها شيئا من الشاعرية ، لكن الشعر بشموليته واعتماده على أبدع ما تميز به الانسان وهو اللغة المنطوقة قادر على ضم مختلف جزئيات أشكال التعبير المختلفة بمعنى أن الشعر قد يستوعب الموسيقى كما هي وموسيقى العروض أو الموسيقى المقطعية أو الإلقائية ، قد يستوعب الرسم وقد أكد هذا الإتجاه الدادائي ، قد يستوعب الكاريكاتور وقد يستوعب جماليات النثر من سجع وخطابية كما أسلفت ، لماذا نريد حصر الشعر في نطاق معين ، أعتقد أن الراسم وهو يرسم أو الموسيقي وهو يلحن يقوم بعملية إبداع شعري ،قد تختلف وسائل التبليغ ولكن يظل العمل شعريا ، لماذا لا يسعى الشعر إلى توحيد شتلته فيشمل كل أنواع التعبير حسب الإقتضاء . فكرت مرة في قراءة قصيدة نثرية بشكل غنائي وكنت قد كتبتها مدندنا بنغمات مسترسلة ولكن الإقدام على المغامرة راعني ويشهد الله أن كتابتها بدون تصنع جاءت مصاحبة للموسيقى ،  ليس العروضية ولكن الموسيقى ، مقطع على الصبا أشد النغمات جزنا ومقطع على الحجاز أشد النغمات تجسيدا للتيه والغربة والحنين ، وقد يتحداني قارئ للقصيدة أين هي الموسيقى ؟ إنه يسأل عن  العروض وقد تجاوزتهلأخفي ما يسميه منثورا إلى الموسيقى الخالصة . لماذا نفرض على الشعر شكليات مستقاة من عنده مع أن كل المظاهر التعبيرية الأخرى هي جزء منه ،  قد أكتب قصيدة لن تكون قصيدة إلا بقراءة معينة مغناة أو ممسرحة ، قد أكتب قصيدة لن تكون قصيدة إلا طبق رسم معين ، إن الشعر سائر إلى الإنقراض بانفراديته وابتعاده عن طبيعته التي هي شاملة لكل الوسائل.

 

 

 

 

 

 

أتصور سوق عكاظ وشاعرا من إياهم يقرأ شعره ، لاشك أنه وإضافة إلى العروض كان الشاعر خطيبا وممثلا ومهرجا ومغنيا وراسم حركات على الهواء وغلا ما كانت له كل هذه القوة في حفر قصائده في الأدمغة .

 

 

 

 

 

 

إن الشاعر بالضرورة لا بد أن يكون كل الأدب والفن ، ولا أعتقد أن الرسام مطالب بأكثر من فهمه للغة الألوان  ، الرسام في حدود تعامله خصوصي ويتحرك في مجال معين ولكن الشعر قاسم مشترك في كل المجالات ، لذلك لا يستغرب أحد إذا رأى قصيدة على شكل نثر قصيدة خطية قصيدة لوحة قصيدة أغنية قصيدة رواية . إن الشعر هو كل الأشكال والمضامين وليس الكلام الموزون المقفى ، ومن ثم كان سؤال " العلم " محرجا لي أيما إحراج إذ أطالب بالحديث عن قصيدة النثر بدل الشعر عامة .

 

 

 

 

 

 

ولأننا نعيش عصر الثورات والإيديولوجيا ، لأننا نعيش كل العصور التي مضت والعصور التي لم تأت بعد فأنا لا أسقط التناولات التحليلية التفسيرية للواقع الداعية إلى استشراف آفاق أخرى ، فالشعر بطبيعته تجاوز غير أن التناول أيضا لا يمكن أن يكون كما أرى إلا اختزانا وتخميرا لكل العناصر التي تفرز العمل الإبداعي عن أصالة ، وأعتقد أن هذه الإفرازات لا يمكن أن تكون إلا تجاوزا للحدود المرسومة. الشعر موقف مختزل إزاء الوجود انطلاقا من الذات عبورا بالأشياء بالكون  بما يعتمل الآخرين ووجود الآخرين وقوفا بالأسئلة الكبرى ، ارتطاما بها ، خنوعا أمامها أو تجاوزا ، وبذلك لن يكون الطرح الحقيقي للإبداع إلا ذلكم الطرح الذي يصدر عن انسان مختزن كل عناصر الحياة والموت وليس مختزنا لحدود الشعر وحدود النثر ، ولن تكون أشكال هذا التعبير إلا أصيلة أصالة الإنسان نفسه لم تكسرها العصي التي ورثناها . إنها عودة بالكتابة ليس إلى النثر وحسب ولكن إلى ما أراه أصلا قبل التشتت ، فلا شك أن الناس لا زالوا يتساءلون أيهم الأسبق الشعر أم النثر ولا شك أنهم أدلوا بما شاؤوا من نظريات ، ولكن انطلاقا من تجربتي حالة الكتابة أجدني أقرب إلى الإنسان الأول الذي اعتقد أنه عندما كان يقف أمام بحر أو جبل تختلط معاناته لتبرز همهمات إشارات تغيرات فيزيولوجية كلاما رقصا أو تلاشيا ، نوعية هذا التعبير لا أستطيع أن أحدد مواصفاتها ولكن أسعى إلى استخراجها كلما حاولت الكتابة مستفيدا مما يغشاني من ترسبات ورصيد مستجمع لخبراتي تواجدا واطلاعا ومعايشة ، مستفيدا وغير مستفيد إذ أريد ألا تحصرني التصنيفات والأقانيم والتخوم الموضوعة : هذا شعر هذا نثر هذا كلام مسرحي . لا أشك أن هذا التخصيص للنوعيات كان ضرورة اقتضتها ضرورات ، ولكن أومن إيمانا عميقا بأن الشاعر لا بد أن يكون الانسان الأول على حد ما في سذاجته وبراءته وانفعاله بالكون والأشياء، ولأن انفعال الانسان المعاصر ليس انفعال سيدنا آدم والله أعلم فلا شك أن إفرازات المتأخرين ستكون أشد حرارة وقوة وما هي كذلك .

 

 

 

 

 

 

إن استهلالية المتنبي " واحر قلباه ممن قلبه شبم " تبز عديدا من التوعكات والتأوهات المعاصرة ، لا يعني طرح هذا الحديث تكريما لمن سبقوا وللبدائية وليس مثالية أو عوما فكريا ، إني ملتزم ولدي قناعاتي كما كان الانسان دائما ، كان الانسان يؤله الشمس أو القمر يعظم الشجرة أو قرون بقرة ، كانت تلك قناعات واليوم الانسان يؤله شيوعية أو رأسمالية ، قصيدة شعر أو قصيدة نثر أو يرفض الكل . إن ما يؤكد دعواي اننا نجد أكثر الكلام شاعرية كلاما أقرب إلى الخرافية واكتساء ما يمكن أن أسميه الجهل أو التجاهل للأشياء واختلاط المفاهيم في الذهن ، إنها عودة إلى موقف شعري ، قبل الشعر وقبل النثر ، موقف بدائي ولا شك . إن الشعر يرتضي أن يكون أكثر العلوم جهلا وتجاهلا للأشياء ، خلقا لها بشكل آخر ، فالشاعر إذ يقف أمام دمعة حزن في العين ويراها بلورا ودرا منثورا إنه ليس سخيفا إلى هذا الحد بقدر ما هو رؤية استقبالية تختزن أملا مفقودا أمل لو كانت دمعة الحزن شيئا آخر ، لذلك أعود إلى نظرتي إلى الكتابة ومضمون الكتابة مؤكدا على أننا استنفذنا الأشكال الموروثة متحفية مستوردة ، طبقنا في كتاباتنا حدود كل المدارس وقد نكون بلغنا شعرا ولكنه شعر تبعي إلى الخليل في طرق تفجيره تبعي للعالم المتقدم في أبعاده وأشكاله أيضا ، خصائص اللغة الفرنسية مثلا ليست خصائص اللغة العربية ، رصيد هذه اللغة الحضاري التاريخي ليس رصيد العربية ، قد يكون أقل أو أكثر ، هذا ليس مهما ولكنها ليست نفس الخصائص ، نعم إن التجربة الانسانية تظل واحدة بالرغم من تنوعاتها ولكن التعبير عن التجربة إذا افتقد خصوصياته الحضارية التاريخية اللغوية فقد مسخ ، وقد يواجهني مواجه إذن لماذا نقبل قصيدة النثر فأقول بأن كل الحيوانات تصدر أصواتا وإنها مشتركة في صفة الحيوانية ولكن بعضها يموء وبعضها يزأر وبعضها ينبح وبعضها لايمكن أن ينبح إلا وهو يعض أو يتراجع وإنها الخصوصيات التي افتقدناها .

 

 

 

 

 

 

إن مقولة أن الأدب عالمي قد تصح ولكن من يروجونها يروجون أيضا للقوالب والأشكال التي وضعوها هم. ماذا وضعنا نحن عدا ما وضع الخليل ؟ وصلنا إلى تثوير اللغة وصلنا إلى نثرية القصيدة، إلى الكتابة الأوتوماتيكية ، إلى تطبيق مختلف المدارس النفسية والأدبية عموما على أدبنا العربي ؟ وكنا مستوردين وظل أدبنا غير ممثل كل التمثيل لحقيقة تحولات العالم العربي ، لا زالت القصيدة إطرابا للأذن إنشادا ولا زالت المضامين عبدة لا يمكن  أن تكون إلا تابعة ، المواصفات اختلطت ، ومعنى هذا أن البحث عن أشكال تفجيرية للشعر العربي أمر مطروح ، ولا أعتقد أن الشعر العمودي يمثله اللهم في خلق غنائيات محدودة نفسا وموضوعا وهي مرتبطة بالمترفين ومطربيهم ، إني لا أرى الشعر العمودي الآن حيا إلا على الأعتاب ، ولا أعتقد أن النثرية بانطلاقاتها تجسد البديل لتحطيمها للعروض والفواصل بين كتابة وكتابة ن لعلهم في القديم اختاروا إيقاعاتهم وحدوهم وعاء لحفظ إبداعهم وقد حفظ الإيقاع ووعى وظل في الصدور ونحن لا نكتب وننتظر من الرواة تناقل قصائدنا فنسهل عليهم مهمة استرجاعها بالمجالس . إن الشعر لم يعد بضاعة يخرجها الساحر من قبه ليدهش  المجالس ، ثم هذا التكثيف الشكلي هذا الحبس للتجربة في نطاق محطات وقوف تذكر بما مضى وتعد بما سيأتي تطرح صائتا لينذر بأن صامتا بعده أصبح متجاوزا. أن تحفظ القصيدة أمر لم يعد مطلوبا باعتبار أن ما يعمله حماد الراوية طوال عام قد تقوم به الصحيفة في دقائق وبذيوع أكبر.

 

 

 

 

 

 

إنهم يريدون جعل الشعر علم الخاصة ، يحتكرون الثقافة مع أنها رأسمال شائع بقدر أو بآخر لدى الجميع ويمكن التأكيد لذلك بإبداعات الشعب في أمثاله وحكمه وممارساته الخلقية عامة .

 

 

 

 

 

 

إن القضية ليست قضية شعر أو  نثر ، إنها قضية تعبير بالدرجة الأولى وإن أغلب الكتاب تدرجوا شعراء ثم قصاصين أو العكس أو اختلط عليهم الأمر وهم يبحثون عن التعبير الشامل ، ولعل احتفالية برشيد في المسرح اقتراب حقيقي من أصالة الانسان وأصالة تعبيره وشموليته ، وأعتقد أن الشعر أيضا يجب أن يرتد إلى أصوله التي افتقدت وما تبقى منها عبر عمليات النحت والتعرية على مر التاريخ إلا الشظايا والأشلاء والأشباه . سألتني العلم عن قصيدة النثر وقد حددت موقفي وإن لم يتجل ممارسة واعتقادي راسخ في أن المشكلة ليست قضية أو ظاهرة قصيدة النثر أو غيرها من الظواهر بقدر ما هي قضية قصيدة الشعر نفسها ، وهذا ما يجعلني في الوقت الراهن أقف بمحطة من خلالها أصرح بأنني أجهل الشعر أجهل النثر وأعرف الكتابة .

 

 

 

 

 

 

رابح التيجاني .الرباط

 

 

 

 

 

 

(مساهمة في ملف عن قصيدة النثر سبق

 

 

 

 

 

 

ان احتضنها الملحق الثقافي لجريدة العلم )

 

 

 

 

 

 

الهوامش :

 

 

 

 

 

 

-       (1) من كتاب " الشعر كيف نفهمه ونتذوقه " إليزابيت درو ترجمة الكتور محمد ابراهيم الشوش ص 49.

 

 

 

 

 

 

-       (2) عن كتاب " شعرنا الحديث إلى أين "غالي شكري ص82.

 

 

 

 

 

 

-       (3)" الأدب الملتزم " لجان بول سارتر ترجمة جورج طرابيشي ص 78و79.

 

 

 

 

 

 

-       (4)إشارة إلى كتيب الدكتور نعيم حسن الباقي " الشعر بين الفنون الجميلة " سلسلة إقرأ العدد 192.

 

 

-       (5)في موضوع نبرية اللغة الانجليزية ومقطعية اللغة الفرنسية والشعر غير العمودي وغير الحر اعتمدت بعض أعداد مجلة الفكر التونسية .

مغربة الأغنية المغربية .. كيف ؟

رابح التيجاني

 

قيل عن الموسيقى إنها واحدة من بين مائة فن من فنون السحر والفتنة كان على الشيطان أن يكشف سرها للبشر تقربا منهم وتوددا، وهذا القيل استهجان ما في ذلك شك ،وتطير من قرع الطبل وصفير المزمار ، ولست أورده إلا للتدليل على ما للموسيقى من قوة في تهييج الوجدان والإثارة والغواية ثم ما لها من أثر في خلخلة الجوانيات ورأب تصدعات النفس وتمزقاتها التماسا للسكينة والراحة والإنتشاء ،ولا جدال في أن بناء أو هدما بهذه الجسامة يتطلب شيطنة وعبقرية وذكاء وروحا إبداعية مدركة لخفايا توظيف لغة متميزة في التعبير والتأثير، لغة لا تعتمد غير تصاعد أو تنازل الصوت عبر محطات سبع في خضوع للايقاع أو الإسترسال ، للقوة أو الضعف ،للانضباط أو الموال ، للهمس أو الحدة أو الإنفعال ،لتعبئة الزمن بالنغم أو الصمت ،، لغة تعانق التجريد ، تحاكي بالنقرة والدندنة حركات النفس وشحنات القيم ومظاهر الكون وتحاول أن تكون لغة فوق اللغة ، أكثر إحاطة وسبرا للوعي ولا وعي الكائن من الكلمات أو الرسم أو الرقص أو الرياضة وغيرها من الفنون ووسائل التبليغ .

 

كذلك هي الموسيقى في شموليتها ومعناها العام ، ولكن الإهتمامات تكاد تنحصر أو تكاد في الأغنية ،ومن الممكن أن لا نفرض فوارق بين الموسيقى عامة والأغنية خاصة ، لو كان استغلال الصوت الإنساني باعتباره آلة معبرة تضاف أو تتصدر ما اكتشفه الإنسان من آلات موسيقية مصاحبة أو مكملة ، ولكن استغلال الصوت مع الأسف لا يتعدى الإلتجاء إلى فن آخر غير الموسيقى هو الشعر وأداء الكلام ،لإضفاء المعنى على الموسيقى المجردة أو مزج وربط المقاطع الموسيقية المجردة بكلام له معنى ، ومع الأسف ثانية إذ يكون الكلام المغنى لا ارتباط له في مضمونه بإيحاءات الموسيقى المعزوفة وإيقاعاتها ومقاماتها .

 

وإن الحديث عن الأغنية بدلا من الموسيقى إذن، هو انتقاص من قدر وقيمة الأغنية ، ومع ذلك فالحديث عن الأغنية ذاتها في المغرب هو حديث ذو شجون لا يصل بنا لا إلى أصول متجذرة ولا إلى حاضر واضح المعالم أو آفاق واعدة ، فالرجوع إلى جذور الأغنية المغربية لن يتدرج بنا عبر مراحل متطورة لأننا لا نتوفر على رصيد تاريخي محفوظ يساعد على تتبع سيرورة الأغنية في مسار محدد وانطلاقها إلى الآن، ولا تسعفنا ذاكرة الجيل الحاضر أو السابق في التعرف على العمر الحقيقي للفن الغنائي بالمغرب ، وهي في عمومها تتوزع بين حماة التراث ومتعاطفين مع الإرهاصات الشعبية في المجالس والأعراس والحلقات ،إلا أن هذه الإسعافات لا تصل بنا إلى غير الإنشاد ، وليس إلى الأغنية ،فالإنشاد ، ونقضا لما سلف من حديث عن شيطانية الموسيقى ، ترعرع في أحضان الدين ،تجويد القرءان وترتيله ، وإنشاد البردة والهمزية والأذكار والأوراد وفق مقامات الحجاز وتنويعاته غالبا وباقي المقامات ، وإيقاعات "البلدي" و "الحضاري "، ثم في أحضان الطوائف الطرقية التصوفية من عيساوية إلى حمدوشية وهداوية ودرقاوية وجيلالية وتهامية وتواتية وكناوية وعداها ، وهي تتوزع في مقاماتها بين " الرست "و "الجهاركاه " و"الحجاز "و "البياتي " و"السلم الخماسي " وفي إيقاعاتها بين إيقاعات الحضرة والإيقاعات الصحراوية ، وهي بناءات موسيقية تتوسل التكرار والترديد لقوالب نغمية وإيقاعية وتهتم بالكلام أصلا .

وبعد ذلك ومن خلاله ،لاغرو أننا مدعوون إلى تحديد مكانة ومدى تأثير أنماط غنائية كالطرب الأندلسي الذي حافظ على نوباته وميازينه الموريسكيون ونقلوه أساسا لشمال إفريقيا واهتمت أسر شهيرة بصيانته وتعهده ،والطرب الملحون  المنتعش في  أوساط الحرفيين والطبقات الشعبية البسيطة والمتوسطة وداخل شرائح من المثقفين،وليس بخاف مدى غنى وعظمة هذين المكونين التراثيين ، وفي نفس الآن فإن رهبة التجديد في الموسيقى الأندلسية يجعلها دائما في خانة التراث المرتبط بالماضي ولذلك وجدنا من ينحو لتحديث هذه الموسيقى وتطويرها وانفتاحها على المستجدات الموسيقية من آلات وأساليب وتقنيات التوزيع والهارموني ، ولكن تقل المبادرات لإنجاز وإبداع ألحان جديدة وفق النمط الأندلسي باستثناء مبادرات لأقطاب كعبد الوهاب أكومي وعواطف والرايسي ، كما أن الملحون باقتصاره وتركيزه على الإنشاد للقصائد، حصر دائرة التطور في هذا الإتجاه ،في الشعر أكثر من الموسيقى ، علما بأن القوالب اللحنية في الملحون معلومة والقياسات كذلك والميازن والصروف محددةوبالتالي فإن هذا النمط يمثل بنية مكتملة نادرا ما يسعى رواد هذا الفن لتخطيها تقديسا للتراث ،وما يدعو إلى الدهشة عدم استيعاب الملحنين الجدد المهتمين بالموسيقى المغربية إلى هذه الجذور الأصيلة أو عدم قدرتهم على بلورتها في أعمال غير اجترارية فقط ،بل ممثلة لها ومتجاوزة أيضا ، محاذية للعصر وللمؤثرات الأخرى التي تشكل الوجدان المغربي ،يجعل من هذا الرصيد في حالة إقحامه دون استيعاب له ،غير مؤثر في تطور الأغنية  التطور المنشود .

وفي نفس السياق فإن ما يسمى بالفلكلور أو الإبداع الشعبي  وهو مصطلح ينسحب على طرب مناطق مختلفة من الشمال إلى الجنوب ، ويتميز بثراء واضح ، ظل متروكا للإعادة بدل الإفادة والإستثمار لصنع الأغنية التي تستحق صفة المغربية حقا ،أين الطرب الجبلي وأين تجلي العيطات وأهازيج الحوز، أين بصمات أناشيد الروايس ،أين إيقاعات الصحراء.

 

إن أغنيتنا بقدر مالها من إمكانيات الإغتراف من روافد تراثية وفلكلورية غنية ، تعاني حقيقة من مشكل القدرة على بلورة الصيغ المجسدة لغنى واضح ،إذ أنها أمام تنوع بالإمكان صهره ولكنه ظل إلى الآن شتاتا، لسبب واحد هو العجز عن تمثيله وتوظيفه في الأغنية التي يراد لها أن تشيع وأن تسمى بالأغنية المغربية ، أو لسبب آخر هو الإنحياز أثناء الإبداع لنموذج أو اتجاه أو نمط معين ، محلي أو شرقي أو غربي .

إن الأغنية المفروضة على أسماعنا ، هي أغنية لا تجد صدى لها إلا بالمدن ، وببعض المدن فقط ، وداخل فئات معينة ، ولذلك يجوز لنا أن نسميها بالأغنية المدينية أو الأغنية المدائنية، وخارج هذا الإطار لن نجد إلا تذوقا للطرب المحلي أو التراث ،وجهلا مطلقا أو نسبيا بالمطربين والملحنين الذين تلهج الإذاعة ليل نهار بترديد أسمائهم، لذلك فالحديث عن الأغنية المغربية مجازفة ومبالغة لن يمررها واقع الدعاية ، إننا على سبيل المثال في عين اللوح وفي خنيفرة لا نعرف غير الرويشة ، وبالرشيدية لا نعرف غير باعوت ، وبالشمال نسمع الكرفطي والعروسي وبسوس الحاج بلعيد وبأسفي فاطنة بنت الحسين وبتيداس وولماس نسمع عتابو، ،، ولكن بلخياط والدكالي وعزيزة وسميرة ونعيمة وباقي الأسماء لا تروج الرواج الشامل في كل مكان بأرجاء الوطن ، وتظل أحيانا معروفة في أوساط محدودة ، وفوق ذلك فلمجالس اللهو والغناء مطربوها الذين يستلهمون غناءهم من تراث أجنبي أو غربي عامة يقتحمها الفلكلور للفرجة ،والسبب في ذلك أن الأغنية العصرية لم تتشكل بعد بالمواصفات القمينة بها ، وأنها لم تستطع إثبات وجودها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وداخل كل الفئات والأجيال، لأنها تابعة ومستلبة ودائخة في تحديد مصادر تكوينها ولم يتأت لها أن تتبلور على يد ملحنين مهرة يمنحونها مواصفاتها وسماتها الجديرة بها باجتهادهم وبحثهم واغترافهم من رصيدهم الحضاري الفني وبعدهم عن الإنجاز السريع ،غير أن الحكم  لا يكتسي صبغة الشمولية فنحن واجدون أسماء كبيرة قدمت روائع جميلة ومؤهلة لتقديم المزيد في نطاق تصور رحب لأغنية ناجحة تكتسح الآفاق.

 

ما هي المصادر التي يمكنها أن تشكل قوام الأغنية العصرية ،أهي التراث أم الشرق أم الغرب أم الذات ؟ نعتذر لأقطاب كمحمد فويتح وابراهيم العلمي وعبد الرحيم السقاط ومحمد بنعبد السلام  وعبد القادر الراشدي الذين تختزن  محاولاتهم جملا موسيقية تراكيبها مغربية صميمة ، ولكنها تبقى شذرات لا ترقى في كلياتها إلى السيطرة على وجدان المغربي حيثما وجد ،إن هذه الأغاني ممتازة ولكنها في حاجة إلى أن تنهل أكثر من الينابيع الصافية العديدة والمشارب الشافية التي يرتاح لها المستمع  أيا كانت الشرائح والفئات التي ينتمي إليها ، نريد أغنية مسموعة ومحبوبة وذات شيوع أكبر ولن يتأتى ذلك بدون تقدير مختلف الأذواق وبدون الإستئناس الذكي بالعناصر المكونة للذائقة المغربية ،إننا لا يمكن أن نتصور أن لأصحاب الطاكسيات مطربيهم وحدهم وإن للحرفيين مطربيم وحدهم أيضا وللمثقفين أغنيتهم وهكذا ،وإن العائق ليس في اختيار الإيقاع والمقام – ولا نتحدث عن المضمون وأهميته الآن ،- ولكن في استخدام الإيقاع والمقام للتعبير بأسلوبية مغربية ، ونتساءل عن ماهية هذه الأسلوبية ونحتار حقا إذ نجد أن ما يعتمل بالأرض المغربية من تلاوين الأجناس الموسيقية غزير وكثير ، فمن صوفية آسيا تقبلنا الربع مسافة ومقامات غارقة في الروحانية ، ولا أقول الحزن،كالصبا والنوى أثر والشاهناز والجهاركاه والنكريز والسوزناك والسوزديل وفرحفزا والحجازكار والحجاز كورد والهزام وشدعربان وراحة الأرواح وغيرها ، ونقلنا من إفريقيا إيقاعاتها وسلمها الخماسي الذي يوجد بمناطق أخرى ،وتعاملنا مع مقامات الغرب الماجور والمينور ، وتشبعنا بتراثنا بنوباته وفلكلورنا المشبع بالمقامات بأبعاد مسافاتها العادية والتويعات والإيقاعات البسيطة والمركبة ، ولكننا أمام هذا الكم الهائل وخاصة التراث التراكمي الإنشادي والفلكلوري لسنا نصل إلى فرض أغنية نستطيع أن نقول إنها تختزل أنماطنا الغنائية ، لأننا نعدم لحد الآن ، رغم وجود قدرات فنية هائلة إمكانية صهر كل هذه المقومات في أعمال استقطابية لكل مكونات الشخصية المغربية ، ولذلك نحن مانزال نعاني الفئوية والطبقية حتى في التعامل مع الموسيقى ،أرستقراطيون لهم موسيقى الأندلس sssوالسمفونيات ، بورجوازيون لهم أغاني المدن وموجات الغرب والشرق ،شيوخ وحرفيون  لهم الملحون والتراث ،شعبيون لهم الفلكلور والأغنية الشعبية .

ولقد استطاعت الأجيال حقا في سياق تاريخي أمثال ناس الغيوان وجيل جيلالة أن تحرق الفواصل بين بعض المراحل فاقتبست الإيقاع والكلام من التراث وقدمت روائع جميلة لكنها اختصرت الباقي في التمظهر الشعبي واقتصرت على ذلك ولم تستطع ولوج مجال الموسيقى أو على الأقل مجال إنجاز أغنية مغربية بالمواصفات المشروط توافرها لتحقيق الأغنية ،وهي بدون شك تتعدى الكلام والميلوديا واللحن والأداء إلى إيلاء الموسيقى معبرة ومتناغمة وموزعة توزيعا أوركيستراليا متناسبا فيما بين ما هو معزوف وما هو موقع ومنطوق ، مكانها وقيمتها .

وقد نتساءل في مضمار هذا الخضم من المعطيات ، ماذا على الملحن أن يختار ليبدع لحنا مغربيا ، أعتقد أن لا اختيار في الطرح مادام تكويننا خلاصة كل هذه المعطيات ، إننا لن نرفض صوفية المقامات الشرقية ونستعيض عنها بالزيدان  والكباحي  وتسميات مغربية لمقامات قريبة  أو تختلف اختلافا بسيطا عنها لأنها حقا تحمل شحنات تعبيرية عميقة ، ونحن ننفعل بها وربما قد نكون ساهمنا في إثرائها ، لن نرفضها بسبب ربع المسافة لأن هذا الربع وربما ثمن المسافة ، ميزة تفتقر إليها موسيقى الغرب – رغم عالميتها –حيث لا تجد في أقصى حالات حالاتها الدرامية والمأساوية للتعبير عن الحزن سوى مقام واحد هو المينور ،أما الربع مسافة في كثير من المقامات الشرقية فهو مجال رحب للتجلي الروحي ، وأفضل الأمثلة المعزوفات الهندية والتركية وكثير من ألحان رياض السنباطي التي تميزت بمنتهى الجلال والفخامة خاصة في توظيف مقام الرصد بمشتقاته والحجاز والصبا والشاهناز،إن انصراف أغانينا إلى المعين الشرقي أمر لا محيد عنه وهو يؤكد هويتنا ومتمثل في تراثنا الصوفي ،ولأن تطور هذه المقامات الشرقية تم في أتون الإنصهار بالمعاناة الروحية وبالتالي فهو معبر عن خلجات عميقة وأصيلة فينا ،ولا يمكن تصور نشاز بعضها إطلاقا كما يعتبر الغرب ذلك في حكمه على الربع مسافة ، وإنما بالقدرة على الإقناع بجماليلتها وقدراتها التعبيرية .

أما الإلتجاء للمعين الغربي فنحن مشدودون إليه بحكم المعاصرة وخاصة للوصول إلى ما راكمه من تقنيات عظيمة وما حققه من إبداعات في مجال البناء الموسيقي والتراكيب الملحمية في السمفونيات والأعمال الأوبرالية وحتى موسيقى البوب ،،ثم استغلاله الجيد للإيقاعات الإفريقية ولوجا لرحاب موسيقى الرقص والتفريغ وتأطيره لكل ذلك في سياق أسلوبية سيكولوجية استقطابية لهموم المجتمعات الإستهلاكية والمتخمة حضاريا .

وبالنسبة للتراث فهل نملك غير الرغبة الحسنة في فرض سيادته بترديده ، وكيف يتسنى لنا ذلك لاسيما وهو لا يفتقر إلى عناصر نغمية وإيقاعية ،وعن فولكلورنا فأمر صهره في إطار إبداعات وطنية لا تقتصر على الإقتطاف ، أمر متروك لمبدعينا الذين لا ينقصهم غير تنكب المسايرة لمنطق الإستعجال والتعامل التجاري والإعلامي للتفرغ للبحث والإبداع الحقيقي المعبر عنهم وعن وجدانهم ووجدان كل الشعب وليس عن شرائح محدودة تستهلك الطرب الأندلسي كما تستهلك طرب الشيخات وطرب الملحون وسمفونيات بتهوفن وتقاسيم شنكار والروك آند رول ومجرد عيساوة وأغاني بلخياط وسامي المغربي دون تمييز ودون تذوق أو تعاطف أو تفاعل .

إن الوصول إلى الأغنية المغربية رهان تاريخي ويستوجب اجتهادا واعيا ،نحن لا نعدم أطرا موسيقية مقتدرة ، لكنها في إبداعاتها تصرف قدراتها لخدمة وإشاعة اتجاه لحد تشييعه ،إن من يعتقد أن الأغنية المغربية هي في الربط بأنماط كلا سيكية لن يفرضوا انتاجهم رغم خضوعه لضوابط علمية ، وإن من يظن بأن الأغنية المغربية هي الحضرة والجدبة لن يحقق الشعبية المطلوبة رغم نجاح بعض الأعمال في هذا السياق ،وإن من يرى الأغنية المغربية ترويجا لألحان المشارقة لن يحققوا مغربية الأغنية ،كما أن من يندرجون   في نطاق الفلكلور وهم كثيرون لن ينالوا القبول إلا من فئات محدودوة ، وكذلك فبعض التجارب لا تقدم إلا نماذج قريبة من الإنشاد وقراءة الشعر وفصل فقراته بمقاطع موسيقية رغم جودتها من  ناحية البناء الموسيقي لا تتجاوز  مستوى القراءة الإيقاغية المنغومة أي لا تتجاوز حدود الإنشاد المشبع بقليل من الموسيقى ، وعلى هامش كل ذلك فالمواهب الصاعدة في التلحين لايمكنها بسط انتاجها في غير بعض الحواضر وداخل نطاق محدود رغم تكريس وتزكية الإذاعة لأن  في ألحانهم يراعون سوقا محدودة، وربما جاز لنا أن نستثني بعض المحاولات المعانقة لألحان تعبيرية تراعي تصوير الكلمات موسيقيا ، وربما قد تدرك هذه التجارب نجاحات في الوصول إلى تحقيق الإنسجام بين الكلام والموسيقى ،وبالتالي إلى تجاوز الإنفصام الحالي الذي يتلبس معظم الأغاني المغناة ، وأكيد أن تجوز هذا الإنفصام ليس كافيا ،  أن المطلوب ليس إنتاج موسيقى ملائمة لمضامين الكلمات وإنما المطلوب التعبير وعكس الوجدان المغربي كلمة ولحنا وأداء ، ثم استغلال كل تقنيات علم الموسيقى من هارموني وعزف وتوزيع أوركسترالي مع الأخذ بخصوصيات تراثنا وأنماط غنائنا الجهوية والطرقية والشعبية ، ليس على مستوى الإقحام وإنما التمثل ،وليس من داع إلى الجنوح إلى الشدة في إصدار هذه الأحكام إلإ اليقين بأن أغنيتنا مؤهلة لأن تكتسح السوق العربية وليس المغربية فقط لما يتوفر لها من أسباب النجاح .

إن الأغنية المغربية تعيش معضلة تتلخص في التأرجح بين التبعية وإثبات الذات ،، إننا لا نعدم المقومات ولدينا إرث حضاري وليد المثاقفة والتفاعل ولدينا خصوصيات متميزة وغنية لا تحتاج إلا إلى عبقريات موسيقية قادرة ليس على الذكاء في استعمال المقامات الشرقية أو قادرة على الإنفتاح على على علمية الموسيقى أو قادرة على تجسيد نماذج من التراث الشعبي وتقليدها ، وإنما قادرة على الإحاطة  بكل العناصر والشتات الموسيقي الذي تحبل به الساحة المغربية ،وأكيد أن لبحث المبدعين وإسهام وسائل الإعلام في تقريب الشقة والمسافة بين الأنماط المختلفة بطرح النماذج الموجودة دون حيف ، دور في الوصول إلى خلق ذوق عام لنمط معين أو نموذج يكون بديلا شاملا لكل الثراء والتنوع في مجال الغناء .

إنني أجد العذر للمعجبين بالأغنية السطحية الرديئة حسب حكمنا،هي أغان ممجوجة من طرف فئات تتظاهر بالذوق الرفيع ، ولكن ذوقها لا يختلف عن مجرد مثال تكديس جاهل للمجلدات وأسطوانات موزارت وبيتهوفن وشتراوس وهايدن ومعزوفات منير بشير وسلمان شكر للديكور والتظاهر فقط ، هذه الأغاني التي نسميها أحيانا شعبية رغم فقرها لمقومات الموسيقى تتميز بالصدق على الأقل ،فماذا فعلت الصفوة لتحقيق هذا الصدق على مستوى إبداعي رفيع ؟إنهم يحتقرون إنتاج البسطاء فإذا فرض الإنتاج مكانته على مستوى معين حتى بالملاهي جاؤوا لينقلوا منه جملة يضمنونها أغنية لهم تستلهم الشرق والغرب ، ولا تعبر عن شرق أو غرب أو مغرب ، تظل خليطا ممجوجا يختفي بعد إذاعته بمقبرة الأسطوانات ،أو يذاع دون أن يلتفت إليه أحد ،في حين تبقى أغان رغم بساطتها أنتجها مبدعون أوائل الإستقلال حاضرة وذات توهج ، وقد نجد تفسيرا لحنين الكثير إلى أغنية الخمسينيات والستينيات إذ هي جزء من الذكريات ، والإنسان بطبعه مرتبط بذكرياته لأنها منه ، واندراجها في الماضي هاجس حاضر إلى الأبد يبعث التساؤل الخالد على كل إنسان حول معنائية الحياة وبالتالي التشيث تشبث الغريق بكل لمحة وكل صورة هاربة ، ولكننا مع ذلك هل نعتقد أن أغنية السبعينيات والثمانينيات ستجد من يتلهف شوقا لسماعها   في القرن المقبل ؟إن أغنية الماضي كانت على الأقل تحمل تلك المسحة الصادقة من الرومانسية والحزن المتولد عن ظروف الحرب العالمية والإستعمار ، أما أغنية السبعينيات والثمانينيات فلا ملامح لها غير التجريب المعاد والتوزع والضياع في الإختيار .

نستخلص مما سلف أن الأغنية في المغرب لا تزال في مرحلة المخاض ،وأن التجارب الشائعة ليست إلا إرهاصا وبواكير لم تستطع بعد أن تلملم كافة الشتات الذي بتجميعه وصهره فقط نستطيع الوصول إلى أغنية مغربية يحق أن تسمى كذلك دون تشكيك في تبعيتها للمشرق أو الغرب أو خضوعها للأصول التراثية أو الفلكلورية أو مسايرتها للإنتاجات البسيطة على مستوى متطلبات السوق والإستهلاك العابر .

إن الأغنية المغربية لا تزال في مفترق الطرق ، والملحنون يدركون هذا لا شك ، وتوزعهم في الإختيار والمنطلقات دليل على ذلك ، إننا نلمس حيرة في اتجاهات الملحنين ،فهم تارة يستلهمون إنشاد عيساوة وجيلالة وهم تارة يغلفون إبداعهم بإيقاع صحراوي أو جبلي أو نغم كناوي ، وهم يستندون إلى الموشحات حينا وإلى الأندلسي وإلى الملحون وهم يجترون الدقة والطقطوقة ،وهم أيضا ينحتون مقاماتهم من المقامات الشرقية الشهيرة ، ولكن المأساة أنهم عبر هذه الإتجاهات يضيعون في المتاهات غالبا، فيأتي الملحن منهم بمقطع "صبا "وهو مقام حزين ،غلافا لكلام في منتهى الفرح ، ويؤطر آخر كلاما ماجنا عبر إيقاعات ومقامات ترعرعت في ظل الطوائف المتصوفة ، ويمزج ثالث مقامات متنافرة في سياق واحد ، ويورد رابع تنويعات لا هدف من إبرادها إلا إظهار المهارة ، علما بأن مزج المقامات والتنويع فيها والتلوين فلسفة تعبير ولغة راقية تتوازى مع الموسيقى التصويرية ودلالات السمفونيات التي تحكي ملاحم وروايات ،فلا يكون تدخل آلة إلا للايحاء بشيء ما ، ولا يكون تمازج آلالات أيضا إلا لذلك ، كما لا يكون تغيير المقام إلا لدواعي تعبيرية ، أما لدينا ، فإن الجوق بكامله يؤدي ما يؤديه عازف واحد ، وانفراد آلة بالعزف لا يأتي لتقديم "صولو "معبر أو لتبيان قدرة هذه الآلة في تجسيد فكرة أو صورة أو معنى أو إيحاء ، وإنما مجرد محاولة لتحطيم روتينية العزف الجماعي الممل ، وهذا يعني انتفاء فن التوزيع الأركسترالي لدينا واعتبار وجود جوق أثناء إنجاز الألحان ،ويعني أكثر أننا لم ندرك بعد أهمية تناغم الأصوات والألحان التركيبية والهارمونية .

أما استخدام الإيقاعات والمقامات فعمل لا يحظى بالعناية إلا من طرف قلة من الملحنين نخص بالذكر منهم عبد السلام عامر وعبد القادر الراشدي وعبد الرحيم السقاط ومحمد بنعبد السلام وابراهيم العلمي، الشرايبي ، الإدريسي..، واستخدام هذه المقدرات أصلا ليس ميسورا لكل مدرك لأبعادها ،لأن هذه المقدرات ليست مجرد قوالب تستوعب كل تفريغ ، إنما هي مجالات تتطلب تتطلب كثيرا من الجهد في توظيفها حسب الحالات ،رقة أو حدة ، همسا أو غضبا ،بطئا أو سرعة ، فرحا أو حزنا ، انشراحا أو اكتئابا ، ثم إن المغنين يسيرون بطبيعة الحال وفق المرسوم من الألحان ويزيدون الطين بلة  إذ لا يفهم الكثير منهم أن الصوت لا يعني مجرد توفر طبقات حادة أو صادحة أو قرارية ، وأنه ليس القوة فقط  والصراخ فقط والبكاء فقط ، وإنما هو القدرة على التعبير بكل هذه الطاقات همسا وحدة ،خفوتا وانطلاقا ، درامية واستبشارا تبعا لمميزات اللحن .

إننا إزاء الكم الهائل من الأصوات لا نستطيع إلا أن نقول إن هذا الصوت جميل أو مقبول ، أما مواطن الجمال فهي ضائعة ، لم نتبينها في خضم الخليط من الأداءات الكرنفالية ،هل نملك أن نقول إن لنا أصواتا أوبرالية أو سوبرانو أو طينور أو باريطون  ،إن لنا أصواتا ولكنها ضائعة في لجة الأداء الفج ،حيث أن أصواتا ما يجب أن تتميز مثلا في أداء أغاني معينة وليس أي لحن وارد فهناك أصوات هامسة(ماجدة) وأخرى تطريبية(سميرة) وأخرى قوية (بلخياط)وهكذا ، ولكن واقع الحال يفرز إنتاجات لا ضابط لها إلا الرغبة في الظهور كيفما كان هذا الإنتاج ،ولا معيار يحكم تقديم الإنتاج إلا مراعاة شهرة الملحن والمغني ولا أقول المطرب ، إذ من المغنين لا نعثر إلا على قلة تستطيع أن تطرب ، وبمعنى آخر تملك أن تبدع بصوتها وملكاتها داخل إطار اللحن المرسوم ،فالغالبية تستظهر الأغنية كدرس مدرسي ،وبمجرد محاولة الإبداع تسقط إما لمحدودية الصوت أو عدم ضبط الإيقاع أو الخروج عن المقام أو عدم القدرة على التحليق والإبتكار ، وهذا راجع في أحيان كثيرة لضعف التكوين الموسيقي والمقدرة الفنية أو تهيب الإرتجال ، ولا تفوت الإشارة إلى عدم الإدراك للفارق بين أداء الصوت المفرد وأداء الكورال أو المجموعة الصوتية حسب الحالات ، بحيث لا يظل اعتبار المجموعة الصوتية مجرد وسيلة لترديد اللازمة.

أما بالنسبة للشعر ومضمون الأغنية ،فمن المسلم به أن اختيار الكلام الهادف ، ولا نستثني شعر الحب ضرورة تساعد على الرفع من مستوى الأغنية المغربية ، وإن المطلوب ليس هجر الكلام عن الحب وإنما الإرتفاع عن الإبتذال ، لأن الحب قيمة إنسانية خالدة ، مع السعي لتناول قيم وهموم المجتمع والناس وأفراحهم ، والوصول لمعانقة القضايا بسيطة وعميقة ، بأساليب غير معقدة ومنفرة ،وأكيد أن للشعر أيضا ،فصيحا ودارجا ، معضلاته التي على الشعراء والزجالين أن يسهموا في تجاوزها خلقا لكلمات أغان في المستوى المأمول ، بقيت مسألة التسجيل ، وأعتقد أن تقنياتها لا تتطلب غير الدعم المادي لإحداث استديوهات كبرى وتكوين المزيد من التقنيين الأكفاء ، خاصة وأن كثيرا من التجارب الموسيقية لا يمكن أن تتجلى روعتها في التوزيع والهارموني والغناء والعزف إذا كان التسجيل غير جيد .

 

وختاما فإن البحث عن حضور قوي للأغنية المغربية لايعني مطلقا غياب هذه الأغنية ، فنحن نطرب لأغانينا قديمة وحديثة ،ولأصناف تراثنا وغنائنا ، ولكننا نريد للأغنية أن تكون في توجهاتها أكثر إنسانية واهتماما بالإنسان عبرمختلف مواقفه وحالاته ومسيرة حياته ، وبالتالي أن تدرك ما على عاتقها من وظائف اجتماعية وسيكولوجية وعلى مختلف الأصعدة ، وأن تكون بديلا شاملا لكل الشتات المتناثر ومجالا لتجلي ثراء وغنى فلكلورنا وغنائنا الشعبي وتراثنا ن ومرآة تعكس حقيقة قدرة الذوق المغربي على احتضان أنماط عديدة وأشكال متنوعة ، والإنفتاح على تجارب كثيرة ، واستطاعة التعبير عن ذاته بشمول وإبداع تعبيرا يحفظ الأصالة ويحقق المعاصرة والغايات المنشودة التي لا تنحصر في الترويح أو البكاء.                   &nbs`;

رابح التيجاني

مقال نشر بالملحق الثقافي للعلم قبل أزيد من عقدين ،ارتأيت نشره منقحا ، وأسجل أن كثيرا من الإشارات الواردة تم تجاوزها بحكم الطفرة التي عرفها مسار الأغنية المغربية والموصولة بكثير من العزم لإحلال هذه الأغنية ما هي جديرة به من مكانة وشيوع بالنظر إلى مميزاتها ومؤهلاتها .

الضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاد

 الأربعاء، الضاد .. رابح التيجاني

 

 

 

اهتماما واعتزازا بلغتنا الجميلة  آليت على نفسي تتبع تموقعات وتموضعات وتحركات رمز هويتها حرف الضاد العتيد ، ولعل ما أثار استغرابي أني لا أجد الضاد إلا متورطا في تشكيل كلمات ذات مضامين بعيدة كل البعد عن الجمال أو أجده في مواقع مشبوهة لا تليق بمقامه الرفيع وسمعته الطيبة ، وإذا استثنينا كليمات كالضحك والضوء والضياء والضحى والفضيلة  والمعرض والدار البيضاء ، والمناسبة شرط ، لم نعثر أو قل عثرنا وتعثرنا عبر أكوام وركام الكلمات المظلمة  معنى ودلالة ، مثلا كالضريبة والضراء والضر  والضرر والضرة  والضرب والمرض والاحتضار والانقراض والقرض والاقتراض والتبضع والضمانة والضيق والتضييق والضيم  والضجر والانقباض والغموض والفيضان والأعراض والإعراض  والاعتراض   والفرض والفروض والضمور   والمضض والحضيض والمخاض والوضع والحموضة    والضباب والضنى والضنك والضباع والضفادع والضواري والانقضاض والافتضاض  والأضراس والعياذ بالله والعض والقضم والمضغ والهضم والمضمضة  والضلال  والضالين والمضلين والضحايا والضمير مستترا أو سافرا.   وهلم جرا فالباقةأو الاضمومة ليست سوى شويا من بزاف أو غيض من فيض  غزير لاينضب

 

 

 

وإذا كانت الحروف جميعها بشكل أو بآخر متورطة في هذه الازدواجية البغيضة والشيزوفرينيا المهيضة، مع تفاوت نسبة هذا التورط بين حرف وآخر، فإنك واجد من يجد لكل شيء تبريرا ولكل حال تفسيرا ،معتبرا الحروف كالناس لا فرق على الاطلاق أو كبعض الناس وربما أغلبهم ، فأنت ترى فلانا طيلة اليوم في المسجد وتراه ليلا بالملاهي والكباريهات ، ولا غضاضة في ذلك حسب رأيه ورأي الحروف / اللي حسدو يدير بحالو /ودين ودنيا/ وديها ف شغلك /وبقا تابع الضاد حتى يديك الواد ويهزك الما ويضربك الضو /، وتذكرت الضوء واندهشت كيف كان مصنفا ضمن خانة جميل الكلمات ، فإذا به بين عشية وضحاها أصبح ضاربا ، وضاربا في القبح، وتركت استغرابي لأن هذه أقل أفعال ومقالب وعادات الضاد ، فهو الضوء إذا شاء بأثره وهو الضوء بلسعته والضوء بضخامة فاتورته ، وهو الماضي بذكرياته والماضون لا ندري إلى أين ، وللغة في حروفها شؤون ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

 

 

 إنه لمن دواعي وبواعث الاستغراب حقا ، كيف لا تنجو حتى الحروف  من المخاتلات والنفاق كبني آدم ، فتستقبلك بإشراق من خلال ضحكة في منتهى اللطف والتواضع وتشيعك كالأضحوكة بتشف واستهزاء ، ولها في ذلك حكمة، فلكل مقام مقال ولكل حادث حديث ولكل حال لبوسها ولكل وقت أذان ، ومن أعجب العجائب  أيضا وأغرب الغرائب والحكايات مارواه الضاد لي شخصبا بإحدى المناسبات المنظمة تكريما له على غرار اللفتات الحضارية لتقدير المميزين ولو للحظات عابرة لنسيانهم إلى الأبد ، حيث أسر لي بأنه مل من موصول الحديث عنه هكذا بدون مسوغات ، قائلا بأنهم عينوه، فقلت له مبتهجا  مبارك مسعود وميمون حتى هو ، هذا مدعاة للفرحة والمسرة ، وأين عينوك ؟ لم أسمع بهذا في نشرة الأخبار ، فغضب غضبة مضرية ودعاني أن أضرب صفحا عن الحديث معه مرة أخرى إن كنت لا أفهم مايقال أو أتعمد عدم فهمه كالكثير من المحسوبين على اللغة العربية حسابا بالأرقام كالأوهام والهوام.

 

 

 

واستطرد المسكين مستفيضا في  مضغه وهضمه ولوكه للكلام ،محتجا بكون لغات النصارى  والكفرة المارقين والمغرضين أصبحت تنظر إليه بازدراء كما لو كان  ظاهرة تثير السخرية وتبعث على الشفقة أو شيئا لا ضرورة له ولا فائدة منه، وجوده كعدمه ، لاسيما بعد أن تأكد بالملموس أن ميزان الضاد راجحة كفته المليئة بمعيب وقيبح القول وأضداده ، وأن إشراقاته نادرة تكاد لا تذكر عبر القاموس ولو عبرناه طولا وعرضا وحتى لو ركزنا المجهر على أدق أدق الجوانب والزوايا ومابين السطور ، ناهيك على ما يتعرض له الضاد من ضروب الهوان، وبالضبط ، في المحافل التي انضم أو ضموه إليها وخصوصا على لسان القيمين على الترجمة الفوريةأو الترجمة السلحفاتية  والمذيعات  والمذيعاتبالقنوات الفضائية والأرضية وعبر الإذاعات والإضاعات للوقت دون أن نغفل البهدلة التي يخصه بها السيد غوغل نفعنا الله ببركته في تعريباته وتعجيماته الافتراضية الهوائية الخيالية   وتذييلات الأشرطة

 

 

 

والأفلام  فلا تدري أأنت تقرأ لغة الضاد أم تمتمات أقوام ماقبل اللغة والكلام، وقس على ذلك شتات اللهجات ا

 

 

 

...  ،  ومايعاني فيها الضاد من مسخ والتباس فلا تستطيع التفريق بينه وبين الدال والذال والطاء والظاء ويحكى والعهدة على الراوي، أن الحروف إخوان وأن الضاد والظاء على سبيل المثال لافرق بينهما إلا في تمنطق الظاء بعصاه لا يتخلى عنها أبدا مهما كانت الظروف، ولاحظوا معي أنه مصر على الاحتفاظ بها حتى في" لاحظوا" وفي" الظروف" أيضا ، وما يقال عن الضاد والظاء ينسحب وينطبق بالتبعية على الكثير من الحروف ومن بينها الصاد الذي لا مسافة تبعده عن الضاد إلا إتلافه لنقطته أو الطاء التي سقطت لها نقطتها لكنها لم تفرط في زرواطتها ، ولعل ما وقى الضاد  ونجاه من هذه الآفات أنه منخرط في الرياضة ومزاول لها ضليع في شؤونها والدليل تواجده بناديها على عكس باقي الحروف الكسولة

 

 

 

 

 

 

 

كيف بالله عليكم تصبح الدار ضارا والظرافة ضرافة  والذبابة ضبانة ، وقس على ذلك ، لا ما يعانيه الضاد فحسب بل عموم كوكبة الأبجدية، عندما تمسي الراء غينا في فاس فتصبح الرباط غابا وغابة،  ويمسخ القاف الفقر فأرا، ويمسي الجيم زايا والشين سينا في مكناس فيتحول الجبل زبلا و الشكر سكرا ، ونحمد الله تعالى إذ لم تنقلب السين شينا  وإلا فمع الموضة التى عمت الدنيا وأقامتها ولم تقعدها كنا سنسمع ونسمع عن  حملات التحشيش بدل حملات التحسيس نسأل الله العفو والعافية ، كيف بالله عليكم تتحول البطاطا في مراكش إلى بتاتا وبالمقابل تصير أنت أنط ، وكيف تنبهم الدلالات وتلتبس فتصبح الروضة  وما تحيل إليه  كالجنة والحديقة إلى المقبرة فأنت تسأل أحدهم أين كنت فيجيبك فورا كنت في الروضة ويعني أنه كان في المقبرة و ما عليك في تلك الآونة إلا أن تسأله إلى أين أنت ذاهب ، وسيجيبك حتما إلى أنه ذاهب إلى الروضة  ، فأحبب به من ذهاب يعفينا من هم اللغة وضادها ، وبعض الشر أهون من بعض ، وهذا في أحسن الأحوال ، إذ الأدهى والأمر أنك  قد لا تجد للضاد أثرا وكل ذلك ليس محض صدفة وإنما  بنية مبيتة ومع سبق إصرار إمعانا في تحطبم العربية وبالذات من خلال  أيقونتها وعنوان تميزها

 

 

 


وإرضاء لضادنا  وجبرا لخاطره وتخفيفا من حدة توتره وارتفاع ضغطه ، ارتأيت أن أدغدغ مشاعره بطيب الكلمات ، ولو  قليلا  وباقتضاب ،فذكرته بأروع إنجاز حققه بانفتاحه الزائد على لغات أخرى ، ولعل انفتاحه هذا حقا أروع إنجازاته التي لا ينكرها إلا جاحد أو حاقد ، ويتعلق الأمر تحديدا بالأمازيغية واختياره لأشرف وأنبل كلمة فيها وتخليد الكلمة بلمستين من لمساته الجميلة ، ومن منا لا يعرف "بضاض" ، من منا لا يحب بضاض ولو كان بضاض يرشي، والمقصودالتفتيت، وليس  اقترانه بالورود والهدايا والمجاملات التي لا تنتهي ، من منا لا يحب بضاض أكثر مما يحب الحب ، فبضاض أرق نغمية وأحلى ، ومن الأكيد أن الضاد أغفل هذه الضرورة وهو يشكل كلمة الحب ومرادفاتها في العربية ، حيث نجده غائبا في الحب ومشتقاته مكتفيا بحضور باهت في كلمة يتيمة هي الضم لا غير، وللمعاجميين تأكيد أو تفنيد هذه الاشارة ، وإن كان الأمر محسوما من قبل ومن بعد  مادام الضاد يتحايل للتواجد بكل  الصيغ   في هذا المجال الذي يسجل الجميع فيه غيابه الهائل ومن ذلك تشويهه للوردة في النشيد الشهير والآهزوجة ذائعة الصيت  "الغزالة ياالوردة عليك يطيح الندى "، إذ أصبحت بإيعازه ومكره الغزالة يالورضة عليك يطيح النضى، وأقبح به من  تشويه سافر بدخوله المستهجن صحة  ، والذي لا نرى له داعيا إلا طمع الضاد في الغزالة ، لا حبا في اللغة، ولا في رونق الأهزوجة وموسيقاها

 

 

 

 إن الضاد أغفل بالتأكيد القيام بإنعاش كلمة الحب وأخواتها مافي ذلك شك ، ولكن ربما تعذر عليه تسجيل حضوره البهي وصادف في مسعاه مضايقات لا نعلمها وقضايا نجهلها،فانجرف كالمعتاد خلف مقولته الخالدة كم حاجة قضيناها بتركها ، وهكذا ترك لنا كلمة الحب بالعربية متدنية لا ترقى إلى جمال وعذوبة نظيراتها في كل لغات العالم ، أمور ، لوف ، بضاض ، إلا بالعربية حيث كلمة "حب" خالية من أدنى وإيحاءات الإغراء والإغواء ،مترهلة أقرب ماتكون إلى الأمر الملزم أوالشتيمة بتركيبتها الممسوخة  الطافحة جفاء وجفافا، والقريبة من آل  وأسر وجيران الحبوب والحكة والحبة والحبس وباح وما إلى ذلك ، وجميعنا ندرك محنة الشعراء وهم يحاولون جعل الحب قافية لقصائدهم ونبضا لموسيقاهم فلا يجدون كلمات بروي بائي غير القلب والندب والسب والدرب والكلب وما شابه مما لايسعف في نظم قصائد ذات حمولة رومانسية حالمة  ،وحتى لفطة العاشق لم تجد لها من البدائل عير كلمة  مدنف و صب ، من الصبابة زعما ، أما الدارجة فحدث ولا حرج فالعاشق مزعوط ومربوط ومسخوط ولا حول ولا قوة إلا بالله، والأغرب من كل هذا وذاك ،ذلكم  الحضور الفج المفضوح والفاضح للضاد وتواجده العلني والمكشوف بلا حشمة ولا خوف في كلمة كالبغض ، وكان عليه من باب أولى تجنب هذا الانحياز السافر على الأقل مادام لم يتكرم بحضوره ولو رمزيا في الحب أو مشتقاته .
                                                ،

 

 

 

ومن باب إنقاذ مايمكن إنقاذه وإنقاذ ماء الوجه وإن شئت نقضه ونقده وإنقاضه ، لاضير في ذلك ،فاتحته في موضوع عشوائية دخوله أحيانا دخلتين في كلمة واحدة كالمضمضة والخضخضة  والعضاض  والقضيض  وماشابه،أمرجع ذلك  أنانية وحب للذات ورغبة في الظهور أو لمجرد التكرار وإبراز الحركة أو لأشياء لا يعلمها إلا هو،واغتنمت المناسبة لأسأله أيضا لماذا لا يختار صفا من الكلمات يدخل حماها ويريح ويستريح حتى لا يبقى متأرجحا بين ثنائية قطبية يختلط فيها النقيضان وتلتبس فيها المواقع فبادرني ثائرا /ديها فراسك/ وأعادها بالتفخيم /ضيها فراسك آش عندك ماتعرف الواحد هو اللي يكون قافز مع الوقت ويدور معاها  فين مادارت وتلقاه هنا ولهيه/ تأكيدا لحضوره واستعراضه ،ويحدث الضوضاء والجلبة والصداع ويخوض خوضا  غمار كل لجة ، وتكون      قشابته فضفاضة يتحمل النهش  والقضم والعض ولا يظل مهيض الجناح ضعيفا         بل يقف منتفضا نافضا عنه غبار السكون والخمول والغياب وكل ضروب الوهن والدونية والسلبية .مناضلا    . حسب ماتقتضيه الأوضاع إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا أويقضى على نفسه القضاء المبرم

 

 لم أستطع معارضته وماكان بإمكاني إلا أن دخلت غمدي  بالدال وبالضاد  ، أعمضت عيني وتركته لحاله بل لأحواله التي حارت في أمرها الأذهان والعقول . وذهبت قاصدا منتدى الضامة  قبل أن أتفاجأ بأنها أيضا مصابة بعدواه لأعرج فورا صوب أي بلاد لا مكان فيها للضاد، ناسيا إلى حين كل اهتماماتي وآيات تقديري واعتزازي   ،سائلا له العافية وتمام العافية و ضوامها ، أعني دوامها.

مشروع كتابة كلمة عربية مفيدة

رابح التيجاني

 

(1)

زعموا أن حرف الألف العربي وحده كان الأبجدية / تطاول متعجرفا .. قوس همزته طربوشا .. سقط الطربوش أصبح باء / قهقه الألف مستلقيا على قفاه مفاخرا : أنا ارتفاع عمودي وأنت خط ميت في الخط / تمخضت الباء وضعت نقطة .. ضحكت : أنت زرواطة يا عزيزي / أطرق الألف رأسه مفكرا : لماذا لا نتزوج يا عزيزتي ؟ طلقها وهي حامل بالتاء / تمددت التاء غرورا : لي نقطتان من الأعلى ولك يا باء نقطة يتيمة في الأسفل ،،،

وكانت الثاء ثلاث نقط من فوق ، الجيم واحدة من تحت ، الواو بلا نقطة ، الصاد صلعاء ، وكان الصداع لغة ضادية كلمات متقاطعة معنى ومبنى تعانق جميعها الألف صحة واعتلالا ، ترفعه راية محاولة خلق جملة عربية مفيدة / السطور الخانات الحدود // تفترق الحروف أبجدية مشتتة على امتداد صفحة العالم العربي .. تلتقي حلما وشوقا للعودة للأصل فتكون الكلمات وحدة وطنا أمة مغربا كبيرا مشرقا كبيرا .. تتضارب فتكون الكلمات تعسكرا تخندقا وأشياء أخرى / تقترح الهاء إضافة حرف صحراوي للأبجدية ، ينتفخ الضاد مناعة : كلنا صحراويون ، أصالة ونيابة عن الحروف الصادقة المحترمة نفسها أقول كفانا استنساخا تشويهيا ، تبعثرا ، دعونا نلتحم تأليفا لأحلى كلمات العرب / ينتفخ الضاد شهامة أنفة حلما بالغد آتيا من الأمس عبورا بالحاضر ، يظل منتفخا / تتقوقع الهاء تخرج من بين الحروف خروجا خوارجيا انغماسا في أبجدية كوبية سوفياتية … تمحورا شيطانيا ، استيرادا شرقيا غير مطلوب لإنتاج وبيع حرف عربي جديد وتفريخ نسخ مبهمة لن تنتهي / تزبد الأبجدية وترغي ، تقوم ولا تقعد ، تغلط التركيبات تسقط بعض الحروف تباعا في الخطإ ، ينتفي المبنى والمعنى ويظل الضاد الحرف العربي محدقا في الحروف العربية ابتداء من الألف انتهاء بالياء لنقش كلمة عربية جامعة للشمل مانعة للذل مرتقية بالأهل :

الوحدة الوحدة الوحدة .

(2)

التمائم معلقة في مدار رياح المغرب العربي / والرياح عندما تجري تنطح بعضها ،، يختلط الشرق بالغرب الشمال بالجنوب / تسفر عن ريح لا شرقية ولا غربية إرهاصا لبعد خامس مضاف إلى الجهات الأربع / هو الإعصار الوطني / وكانت الصحراء ولا تزال مبايعة ، نضالا وطنيا جيشا للتحرير / كانت الصحراء مسيرة تقلب الموازين ، تفزع الجار الذي آويناه قاسمناه الملح الطعام حمولة السفينة " دينا " / كانت الصحراء لغما موقوت الانفجار بانحراف الخطوة انزلاقها في طريق البحر أو جيوب بوكراع أو وهم السيادة الريادي القيادي / كانت الصحراء توحدا في مسار الوحدة الكبرى . مغربا كبيرا /    تمائما معلقة كلما مالت الريح يهتز قلبي تتهدج صمامات أمانه اشتياقا والتياعا / تتعانق الفروع الأغصان الأوراق رغم الرغم وفاء للجذر الأصل الوطن تهتف مع اللواء الخفيف   الصوت السلكي الصوت اللاسلكي   المستلقي من الأعلى  الحافر خندقا   الحارس مداومة ..

أواه يا وطن التقينا التقينا ..مالذي أغضب الجار؟؟ أفزع الجار ؟؟ وأبواق كل العرب تدعي حب ليلى وحدة العرب حقن دم العرب النازف منذ أيام قريش ، الردة ، الشيعة ، الخوارج ، المعتزلة الرافضة المرجئة ، الأموية العباسية ، القرامطة البرامكة طوائفية الأندلس ، الثمانية والأربعين أيلول الأسود   تل الزعتر الجرف القاري اليمن ، الصحراء المغربية …/

التمائم معلقة وكلما هبت الريح تمايلت التمائم ، شربت المسافات مشيا على القدم وضعت كفا على القلب وأخرى على الزناد وغنيت :  أواه يا وطن العرب كيف لا يكون لقاء العرب إلا عبر شعاب الدم / العقم / الاستيراد التصدير المعلبات الانشطار / الضجيج العجيج السب الضرب الانهيار الأسبرين لكل المواجع والفواجع؟ الرسم المنكسر لخطوط الكلام النار ؟ / الحرق الاحتراق

ليل نهار ليل نهار ليل نهار !!؟؟

 

رابح التيجاني

ذات يوم حار من أيام الحرب الباردة

(  نشرت بالملحق الثقافي لجريدة العلم )

 مراكش

رابح التيجاني

 

"أبو الهول ينوح على حافة الصحراء والفراعين منزعجون في قلب الأهرام ،فإفريقيا لم تعد إفريقيا " رينور يرنار(1)

" يا إفريقياي ، أنا لم أعرفك قط ، لكنما نظرتي المتفرسة مليئة بدمك " دافيد أيوب(2)

 

مراكش طاقية ، طاقية على رأس إفريقيا ، ورأس إفريقيا كل جسد إفريقيا مزارع للجربة والحكة ، إفريقيا حفنة من الطين أو بقية جثة ملقاة في البحر بين القارات ، بلا قدمين وبألف يد ممدودة إلى منظمات الغوث التغذية التعاون تنمية الشعوب المضطهدة ،،الآن إفريقيا تحك رأسها جسدها منخرطة في الإغتسال داخلة في الطاقية الأصيلة المتعودة على التدلي بنخوة بأستاذية وتمعلم فوق الجبين .

 

رأس إفريقيا نصفه الأيمن أقرع ونصفه الثاني غابة هيبية والعكس صحيح ، إفريقيا الآن تحك رأسها عند نقطة خط الإستواء مدار الجدي مدار السرطان كل المدارات ، تحك تسلخ الجلد متجولة في السوق الأسبوعي لموسكو السوق الأسبوعي لواشنطن وما بينهما ، جهاز استقبال يلتقط إشهار مكبرات الصوت اليدوية تهدي دواء البق الجرب البرغوت سراق الزيت سراق الخبز القمل الحيوانات المفترسة بدرهم أو في سبيل الله الإيديولوجية الإنسان ،،،وتأتي فتاوى الحلاقين تأمر إفريقيا أ، تزرع النصف الأقرع شعرا وتصفف النصف الأيسر على شكل ذيول الخيول أو تستعير من صالون الأمل صالون المستقبل باروكة زغب مستعار لا تحتاج إلى صابون تازة ،تخفي الصلعة والغابة /مراكش طاقية أذكى من الباروكة سترا للتناقض ،، الطاقية الآن على رأس إفريقيا فلنستعد لتصوير الشطحات ،الطاقية تغطي الأذنين المثقوبتين الحاملتين أصفاراهبية نحاسية أصفارا معادنية بترولية فوسفاطية للزينة وإغراء السواح فقط ، صفر على اليمين ،صفر على الشمال ، إفريقيا ترقص كعروس البحر ترقص عارية تنشر الإبتسام السلام ، صداقتها مشطورة نصفين ، عداوتها مشطورة نصفين ، لليمنى ولليسرى ،بطنها يهتز مع إيقاعات القلب دقات الساعة الطبول يجهض الأطفال ويسقط إرهاقا لحظة الغذاء لا يحلم إلا بتعميم الطواجين ، والطواجين ياسادة ، حضارة ... ولأن إفريقيا ملت الرقص بلا  قدمين  فقد صنعت من الوهمين قدمين ورقصت تخطو اليسرى خطوتين تخطو اليمنى خطوتين ، تظل إفريقيا كاللحية الماعزية راسمة علامة النصر يجذبها الأطفال الكبار يمارسون ألعاب القوى ،، تتشقلب إفريقيا أمامهم وتصفق ، تقف على رأسها وقفة جمبازية رافعة نصفها السمكي والزعانف ، واقفة لا تهتم بالتراب والغيس وأخذية العسكر والبوليس / "شهد الإله وأنت يا أرض اشهدي" /وإفريقيا عبدة مشرطة الأحناك مقدور عليها أن تسوس تساس وتلك السياسة درجات تبدأ من السفوح تصل حتى القمم أو تبدأ من القمم تصل حتى السفوح ثم تدور مع الكرة الأرضية . إفريقيا رأس عريان والنساء بجامع الفناء يصنعن الطواقي لكل الرؤوس قرعاء أو غابوية يرددن مع المؤذن والجوع والفقر وفلوس السواح والدقة : الله الله ،ينظرن للطاقية تتموقع يمينا نصرة للصلعة أو تتمحور يسارا تتويجا للغابة الخيلية ، ينظرن ، والطاقية منسوجة بالأعصاب الإندثار اليومي مقابل لقمة الخبز ،، تنصيب الطاقية مهمة معاهد الجمال اليمينية اليسارية .

أنا الآن أحك رأس إفريقيا لتفكر قليلا بعد أن حكت وسلخت الجلد تنظيفا ،، نحن الآن لا نزال نؤدي الطقوس للطابو الطوطم السياسة نحمل وشم السياسة في الحنجرة والعين والبطن ، نضع الطوطم على باب القبيلة معبدا للتضرع والإستسقاء ، ملجأ من الأعاصير والأنواء ، جنرالات تسجن في جيوبها الأعداء ، كل العرب الداخلين إفريقيا الرابضين جنب إفريقيا ، كل العرب استبدلت التعصب الطوطمي القبلي بالتعصب لهذه الريح أو هذه الريح، لفراء الأسد أو هيدورة النعجة ، والدنيا المريضة تبيع للعرب لإفريقيا الحضارة كي لا تطبخ جنس القارات الأخرى أو تشويه على النار تلتهمه مرفوقا بإيقاعات الصامبا الرومبا كناوة عيساوة حمادشة جيلالة درقاوة هداوة تهامة أهل التوات /" ما أنا بجارك ولا بقريب من دوارك "رائحة الشواء وحدها أتت بي صاغرا إلى بابك ، أي إنسان نشويه الآن يا أيها العلم الجائع ، أي حيوان ناطق رامز ضاحك هاها نشويه الآن على النار يا إفريقيا ،، أعفيك من الجواب يا سمراء فما دمنا نشجع الإنتاج المحلي الإقتصاد المحلي الخوار المحلي ، لأننا في طريق التنمية ومدعوون إلى الإكتفاء الذاتي والتصدير في المستقبل فليكن الشواء إنسانا إفريقيا ، إنسان الدنيا الثالثة ، فالأولى فالتة والثانية فالتة أما الثالثة فثابتة نابتة .

 إفريقيا كالديك أدمنت أذان الفجر وما صلت مرة /تهرب مني أيها الكلام الردئ ، تطردني ترميني على العتبة ، تأمرني بأن أعود إلى السطر . حسنا . أضع نقطة وأعود إلى أول السطر .

 يحتج المراكشيون على زرع مراكش بأضواء السيمافور التي تنبت الوقوف الإلزامي التأخير على ضفاف كليز أو ملتقى الطرق المؤدية للمنارة أو الكتبية. المراكشيون منذ عهد (يوغرطة الكاهنة كسيلة )ومن سبقهم أعداء التأخيرلأنه ثلاجة الطواجين براريد الشاي المشحر والشواء والفكر أيضا / لا تكون الطواجين إلا بالفكر / الطواجين فكر كالقصيدة ، جهاد كالقصيدة /" شهد الإله وأنت يا أرض اشهدي "/ الطواجين حضارة ممتدة منذ عصر إشعال النار بالأحجار الصماء إلى عصرنا عصر إشعال النار برؤوس الطبقات المسحوقة وقذفها إلى ساحة الوغى مدججة بالسلاح الممنوح مقابل الأرض الكرامة الحرية الإنسان تشريفا (لمكارتي أو تروتسكي ). ونحن . من نحن ؟ عينات إحصائية عشوائية داخل الطبقة ، عفوا داخل الفئة / حرمونا حتى من التصنيف داخل طبقة / نحن العينات المقهورة نشتري دواء القمل لرأس إفريقيا لرأس العرب ، حبا للطاقية المزركشة بفنية التاريخ دماء التاريخ وضآلة الإنسان ، آه أيها الدجال ، أيها التنبال يخرج بالدنيا إلى الدنيا يعيد السلام للبراكين مناطق النفوذ بركلة للأوضاع مستغنية عن( كيسنغر وفانس أثرتون فالدهايم )وإخوانهم بالشرق ، أرى الآن الأسوار أسوار المدائن القديمة تنهار على صدور حفظة الكلام المقدس سور الصين ينهار على صدر( كونفوشيوس وماو ولين بياو) ، أرى ياجوج وماجوج أرى( هنري )وهنري هذا كأتباعه مخ دماغ ، كيف يعود بالطائرة إلى البيت الأسود من الجحيم ، كيف لا يجري عدوا بالقدمين ؟ كيف لا يكون (بشر الحافي )يضيع منذ الزمن الضائع إلى يومنا هذا من شهرنا هذا من عامنا هذا ، أقول لكم وليبلغ الحاضر منكم الغائب وليبلغ الغائب منكم الغائب ،ولتحضروا جميعا / الحضور ضروري ومؤكد . أنا في كل منطقة ساخنة بإفريقيا لأنني طاقية على رأس إفريقيا، ولأن حمى المتنبي الأنبياء الشعراء رجال السياسة الشعوب تسكن الجمجمة والجبين ، فلتنزل الطاقية المتدلية بأستاذية وتمعلم حتى العيون ،تنفي الداء ترفض الدواء تبقى مراكشية مع (حميد الزاهر) يقول " قالت لك قالت لك أم الدلال قالت لك المولوعة إذا كنت ناظما فانظر إليها واشغل البال ، عيناها هما في القياس حيرا مكناس وفاس ، من تملى فيهما يبقى مدهوشا "

 " جئت يا هذا تطلب نارا أم ترى جئت تشعل البيت نارا " والله ما جئت طلبا للنار ، نار هذه الأيام ممسوخة أمست لعبة الصبيان في عاشوراء ، ناري العربية الإفريقية قديما كانت فوق الجبال استضافة للغرباء نار موقد نار صبابة منجنيق مشاعل حفلات الرقص ، نحن اليوم يا عم نطبخ بالغاز " لا نذبح لضيف دجاجة إلا ليذبح لنا دجاجتين " نتنفس الغاز نطير ونهبط بالغاز نختنق بالغاز نحارب بالغاز نحارب من أجل الغاز ، نارك سلعة كاسدة والسوق كما علمت أصلحك الله وأطفأ نار غضبك السوق حالتها حالة أعدائك ، وهذا الذي تضبطه مشتعلا بيني وبين ليلى غازات بطنية وليس نارا ، قيس مات " وما أنا بجارك ولا بقريب من دوارك " الدم العربي الإفريقي وحده أو رائحة الشواء الطواجين الطنجية دعتني إلى الإستعطاف الإستنجاد بأعتابك ، لعابا يسيل اشتهاء وجنونا بصنبور أيمن أو أيسر ، آه والنار لدى آلهة الأولمب يسرقها برومثيوس  يقتله اليمين أواليسار / " من حطب شيئا فقد استدفأبه " / أنا آكل الطاجين ولو باردا ، مفتقر إلى الطاجين أكثر مما أنا مفتقر إلى بطاغاز .. ندخل الآن أيهما الأسبق النار أم الطاجين ، يقولون النار تخلق الطاجين وأقول النار تحرق الطاجين ، آكله باردا في ساحة جامع الفناء مع الفقراء / "اللهم احشرني مع الفقراء "/ ونمتع النظر والقلب بالقردة تقلد امرأة الباشا تعجن الخبز .

  (بنلوب ) في ساحات إفريقيا ، خان الخليلي ، الهديم ،باب الفتوح ، جامع الفناء ... تغزل وتفسخ ما تغزل عند الصباح لتبدأ من البداية والنهاية ، طاقيتك يا إفريقيا يا عروبة لن تصنعها بنلوب إذا كان المشتري (كارتر)الفرس أو (بريجنيف ) الروم ، مراكش طاقية وقريش عارية ، سائحة في الأزقة الأجنبية تعرض قميص عثمان في كل مكان من إفريقيا وغير إفريقيا في كل مكان ، تبيع القميص تبيع نفسها مقابل قرارات مجلس الأمن وتعود مباعة تتضارب من أجل تفسير الصياغة اإنجليزية الروسية الفرنسية والعربية أيضا .

 قال قائل إفريقيا سمراء حسناء ضعوا على رأسها قبعة كاوبوي ، هاهو الفرس المسدس الخرطوش الدجين /" الناس عندما يلبسون يلبسون بشهوة الناس "/ قال قائل ضعوا على الرأس قبعة فراء شتوية سيبيرية ، هاهو المانفستو ، الشرع أعطى العربي الماء والكلأ أربعة نساء والنار ونحن أعطينا لكل فرد الدنيا بكاملها ، الدنيا لنا بعدد سكان العالم ، نحن الجنة ، قال قائل ادخلوها أيها العصاة ، ادخلوها بحرب وصراع وقاتل ومقتول ، ادخلوها بسلام عندما تنتهون جميعا ،قال المسدس الخرطوش الدجين ننتهي جميعا قال قائل وإفريقيا تكرم الضيف الوافد تكرم الكشافة حتى اللصوص بإلزامهم بمضاجعة نساء القبيلة ثم تدون ملحمة الكرم صفاء العرق نقاء السلالة الزنوجة العروبة /" البس بشهوة الناس " / جمعت جمعا في جامع الفناء ، صاح الجمع من جمعنا الله يجمعه ، لارافل تجمعه ، نحن دراويش نريد لقمة خبز قصعة كسكس ..اشتريت ما تلف وعاب وغاب من ألوان الطعام والشراب وجئت للجمع ثانية / حافظوا على صناعة الطاقية المراكشية / عرض الجمع ألفا ، وقيل أزيحوا القبعات عن رأس إفريقيا وضعوا على الرأس طاقية مراكشية ، أو ، اتركوه عاريا كاع ، مراكش طاقية ، وأي طاقية ، النخوة الإفريقية ، قد تكون ملطخة بأوساك بحر الظلمات جعة البحر الأبيض ، منسوجة ملدوغة بأظافر اليد اليمنى أظافر اليد اليسرى ،، لكنها طاقية . المراكش ، طاقية .

رابح التيجاني / مركش/ 1978

نشرت بالملحق الثقافي للعلم

*1و2 مقتطفان من كتاب سيغة شعراء من إفريقيا لعلي شلش منشورات الهلال

*الإشارات بين مزدوجتين  مقتطفات  من أغان شهيرة و إحالات على كلام مأثور

* شهد الإله وأنت يا أرض اشهدي أنا استجبنا دعوة المستنجد ، استهلالية قصيدة من الشعر المغربي المؤرخ لدور المغرب في نصرة  الأندلس.


أ              أم الحمام قالت لا تخرجوا*

رابح التيجاني

 

-1-

وعندما تريد النملة عذابها تستعير أجنحة / نسرية المنقار تفتض غشاوة ليل مصنوع بين أربعة حيطان / تفتح دولاب الجوارب المستوردة ، تنتقي الحلو والأحلى المناسب والأنسب / أنيقة تعبر المحطات تطلب حق النزول حتى بالمزابل تواضعا وانفتاحا.

قال اليهود : خسارة أن تكون عيون المسلمين سود ، قال اليهود ../وبالملاح كنت أجري طفلا دوليا بريئا أسرق طاقية من فوق رأس وأعيدها للعيون الصلصالية تصيح يا بوليس / نلاعبهم كرة القدم ننتصر بالسيف حفاة ، نعود للقصدير أواخر الليل يهودا نخشى الحبل المشبع ماء ينزل لاسعا ضريبة التأحر.

تكوم اليهود نفخا في اليهود إلى حد الصهيونية وانتفخنا مسامرة نحكي ألف ليلة وليلة .. حمزة البهلوان ..المغامرات الغراميات الغارات على الأحياء المجاورة / قرأنا سطرا عابرا  عن النازية الفاشية فأشفقنا وجلسنا في آخر المطاف على أعتاب مبنى الأمم نستجدي الإشفاق قبل الحق / كنا عروبات لا عروبة / والعروبة بحيرة ترتمي خلفها أكواخ الطين عاجنة قدود صبايا للكراء / قرية تحرسها الحلفاء القتاد  البترودولار المستنزف الكلمة الطيبة القيم الإنسانية الأخلاقية المكبوتات أحلام اليقظة والمنام / أيتها المومس أغلقي الباب وهات حياة أو موتا تساوي عشرة دراهم .

وكانت بوابات مدائن العرب القديمة تتعانق كلما جاء العصر والخسر وغارت القبائل / العناق تحطم .. خرجت البيوت في صف قطاري ودخلت عهود السيبة / أصبحت تتاجر تشتري الثورة كما تشتري الثور ، التغيير كما تشتري قطع الغيار ، التقدم كالبطاطس أيام البطاطس بالرطل .. تشتري لا تبيع احتياطا من دوائر الزمن وأعناق العام .

" أم الحمام مرة قالت لهم لا تحرجوا " .خرجوا . أكلتهم الثعالب / إلتوى عنق العام ثعبانا على عنقي والفنادق ملأى تغوص ثم تطفو تقذف الجثث      إلى الشارع / كان الفرح رأسا للعام وكان الحزن عنقا / رأسا للثامن والسبعين هاربا من رصاصة منذ الخامس والستين لا تزال تجري ولا يزال هاربا / خرجوا / قرأوا . ما قرأوا .. كتبوا . ما كتبوا .. شربوا ..كذبوا / عادوا للدار سكارى من الحانة الغربية أو الحانة الشرقية واعتلى الشخير حلما بالصباح .

-2-

ماذا تقول الفراشات للنار ؟/ كنت أعتقدك نورا / تقول البلاغة جناسا غير تام / يقول رجال المطافئ حريقا / حفارو القبور الغسالون عملا /الأطفال خبزا وتين ، عسلا وزبدة / المؤرحون واقعة / رجال السياسة مبررا لمؤتمر / الصحافة سبقا فريدا / أحباب الفراشات مأساة حبلى بالإرث وتصدعا في الجبهات الخلفية، حسابا مغلوطا لميزان الربح  والخسارة / ماذا ؟/ انجذاب النور للنار ..الحلم الوهم .. تقول ويقول وأنا ببوابات المدائن القديمة عربيا ربطة عنق أشد بقبضتي عنق العام وأسوي عقدة ربطة عنقه .

تنقر الطيور المهاجرة المتاهات بلورات المرايا بحثا عن حجم فتنتها .. تأخذ إجازات وطنية . تتغافل عن القدس والصحراء المغربية . إسقاطا تعاطفيا مع كل بحارة السفائن غير المحروقة بالواجهات العربية .. تعود وخط الرجعة مفتوح لسفائن لم تهشمها أضلع طارق الملتهبة عروبة / يهرب من يفكر في الهرب / ولأن طارق جواز لا يجوز، جنسية مغايرة معرضة للفخص التفتيش الكراهية مجانا ، قال لهم" البحر وراءكم والعدو أمامكم" / جنود كانوا يدخلون بلاد العجم وجنود كانوا يرون الدخول خروجا من ديارهم / وجاء عصر الموت مع وقف التنفيذ ، الصلب مضاجعا الصبايا الغارقات في الكحول ، البوب ، الفلامنكو تحطيم العقل إلغاء المكبوتات حتى إشعار يأتي عند الصحو / آه أيها الإنسان العربي يا صديق فورد رفيق ماركس حفيد النبي / والنخلة ورقة في الهجير تساوي سحابة مظلة ليلا شتويا واعدا بالتمر  ، الشمس ، الظل ..مزيدا من الشمس العربية يعني مزيدا من الظل العربي تحت سوالف نخلة لا تزال تملك عقلا ، لا تزال تملك قلبا وامتدادا في الزمن من الأزل إلى الأبد / لكن الفراشات .. ماذا تقول للنار الفراشات ؟؟/ أجيبي يا نار أنت أدرى .. أنت أدرى .

-3-

إذا رأيت السمك يشكو ضيق التنفس تحت الماء فذاك سقوط في فخ إغراء بقبقات قنينات الأوكسجين / لا يعجبن أحد لو اصطاد سردينة بقنينة هواء لا تشكو ضعف الخياشيم بل داء السل وكل العلل الصدرية / هذا عصر ينظر فيه الجمل سنم الجمل ويضحك استنكارا واستغرابا / عصر تبني هموم الغير وتجاوز هموم الدار / خرجت عقول العرب لتدخل التاريخ لتدخل القلب . لم تطرق الباب . مزقت صمامات الأمان . تولد الإنذار . الخطر . حالات الطوارئ . لماذا خرجت والتجول ممنوع شرعا وعرفا ، عقلا ونقلا في شرايين وأوردة الدم ، مضارب الخارجين عن القبائل ؟؟ / خرجت والبيت ماء وخبز وحصير / تشرب غير الماء هناك تلوك غير الخبز تفترش غير الحصير ، وعندما يخبو شعاع الوهم قد تذرف دمعة واحدة ، تغتسل بها ، تشتري أوساخا لبالوعة الحمام .. ينظر الناس للوسخ المشترى يقولون ولدت نظيفة بلا دم بلا كلام بلا حبل سري / منذ كانت كانت نظيفة . والله ما خرجت . كيف يغتسل الإغتسال تتنظف النظافة / من قال إنها خرجت ؟ .

هو النمل يتسلق الدرج متسكعا بحثا عن العسل دواء للبطن بالمقصورة والنمل منذ كان أجسام معصوبة البطون معدومتها تعمل طول العمر لا تفكر إلا في البطون ، ومن يفكر في البطن يفكر في دائه ودوائه / ولما كان بلا هم أو كان بهموم صغيرة ولدت له حمارته هموما كبيرة / طار جحا فرحا ، أصبحت عظيما عظم مأساتي ملهاتي ملأت الدنيا شغلت الناس منطقة نفوذ احترابية مصب التهافتات لقيادة الأرض / اختار النمل الأمراض المناسبة .. العلاجات المناسبة .. وقف بصيدليات العصر زبائن يشكو بعضه النحافة بعضه البدانة الأمراض المكتشفة غير المكتشفة .. وكان النمل شيئا آخر غير النمل شيعا تقدمية رجعية حسب أحوال الطقس والمزاج ، تلبس القاموس تسميات مصطلحات تنظيرا ، ترقص على نغمات كمان الصرصار ، تطحن القمح المستورد الكاغد المستورد . تخرج و تدخل / تدخل وتحرج /تخرج ولا تدخل /تدخل ولا تخرج / قيامة قبل القيامة وأم الحمام تهدل باكية فواجع فقدان أفراخ بهرتهم غابات الدنيا وما عادوا حتى ولو عادوا / آه عليك وآه منك يا وطن العرب التالف في الغابات .

-4-

 

قطري بن الفجاءة ، حوف من الموت يسير إلى الموت باسم الشجاعة ، تبريرا للخروج / والأشياء منذ كانت تموت وحدها أو مقتولة بالتقسيط / " وما للمرء خير في حياة إذا ما عد من سقط المتاع " سقط المتاع وادعى النبوة .. قتلوه /الطرماح بن حكيم "ليكسب مالا أو يؤول إلى غنى " / عمران بن حطان يوما يمانيا إذا لاقى يمانيا ويوما معديا إذا لاقى عدنانيا / وكان  التعاطف إفرازا عدوانيا فجا بلا مذاق حكم انبهار / ماركوز إنسان بلا أبعاد أو بعد واحد مشدود إلى العصر أو حارج عنه / انحراف .. سلبا كان أو إيجابا / مقدور أن تعيش مشدودا .سيبيريا  فضة أنستهم الذهب و أمريكا قارة اكتشفوها لتعريهم / ماجت البواخر ، رأس الرجاء ، شطئان بوذا ، مشاعية بدائية إقطاعية ،رأس المال ، التوزيع العادل ، غير العادل ، الصراع  ، الطبقات ، الأجيال / وعندما دفن العالم موتاه فتح الشرق الأحضان فتح الغرب الأحضان وكان السقوط العربي بين بين أو على الهامش / امتصاصا طفوليا لرضاعة مهداة من الكبار تمنع البكاء خوفا من الغيلان .. تجعل النوم بعد أربعة عشر قرنا من النوم  و الصحو موتا /خضوعا للجاذبية . الفيتو . انقيادا . رسما للخرائط بالدم والفم / مسخا للقوة المناعة يسكنها دخيل فيروسي جرثومي ، يظل الجسم المشطور ألف شطر المعلول ألف علة يعالجه بالمضادات الحيوية . الإنتفاخ  الإنكماش / يشتكي عضو . لا يتداعى سائر الجسد سهرا وحمى / تشتكي كل الأعضاء يصير الجسد صيدلية ملأى بالعقاقير من كل نوع كل جنسية ممددا على مشارح الحلول أنصاف الحلول / لو يقف هذا الجسد عضوا واحدا يقف .

يا ابن الفجاءة يا خروج اليد عن الجسم ، هبني سيفك لأقتلك ، ماذا أضفت للتاريخ ؟ حفيد يطلب السيف جائعا عريانا / يا ابن الفجاءة  خرجت أنت وها أنا كما ترى .. حفيدك .. سقط المتاع . ما كنا عربا / من قال كنا عربا وسنبقى عربا ؟ /آه يا قطري ما الخروج ما الدخول... يخونني علم الكلام السياسة التاريخ الإقتصاد الإجتماع الفلسفة ما وراء الفلسفة فأدفن نفسي في الشعر وأحيا  . لا حارجا  ولا داخلا .  واقفا بأبواب الأمل العربي . والله يا قطري لن تنفتح الأبواب إلا للعرب يملكون بطاقات التعريف الوطنية .


( ملحق العلم الثقافي. 21 يناير 1978)

 

محنة ديك الجن الحمصي

رابح التيجاني

 

*("أعملت سيفي في مجال وشاحها    ومدامعي تجري على  خديها

ما كـان قتليـها لأني  لم أكن      أخشى إذا سقط الغبار عليها

لكن بخلت على الأنــام بحبها      وأنفت من نظر العيون إليها

فوحق نعليـها  وما وطئ الثرى       شئ أعز علي  من نعليها ")

* ديك الجن

 

 

تتزعفر أبعاد الوجه يا ديك الجن ، يسقط اللون ، يا أنت يا أنا، ديك الجن جد  وابن ،تتلف بطاقة التعريف ، فوق الرصيف ،والعنق يساوي ألف درهم ودرهم ،افتضحنا ، افتضحنا يا ديك الجن ، عرفوا الآن عنوان الإنسان المقتات بالغيرة والأحزان ، عرفوا الآن ، فلنهرب أو فلنشرب ،، قد يسألونني عن الحبيبة وأنت ميت تركتني حيا.لماذا تموت وتتركني ؟سأقول لهم أنت القاتل ،، ولأنك تموت مديونا ، ولأني أنت ،وارث شرعا فأنا القاتل، سأقول لهم وعزائي لي وحدي ، وبلغ المداحين البكائين النحابين أن تعازيهم مردودة- نفاق لا يناسب المقام -.

 

محضتك النصح يا ديك الجن وما انتصحت ، كيف يحمل المسافر تعريفه في قب الجلباب يطير فجأة لو هبت ريح ،يتمزق لو بكت سحابة ،،،تجاوزنا الدوريات لا نخفي ممنوعا ولا مباحا – طوالا عابرين –فكيف حدث وضبطوك متلبسا بيدك حقيبة فيها حبيبة ؟ والحب جريمة حسب القانون والأعراف ، اختطاف أنثى وسحبها من الحرمان أو التداول العام إلى دائرة التعامل الخاص !!قلب مرسوم بالفحم على الجدار يخترقه سهم أو خنجر ودم يقطر باستمرار – الحب في خطر –أذكياء أطفال الحي ،صحيح إن الحب في خطر ، ولهذا نحتاج للعدل تزكية وتبريرا ، نبصم الأوراق ليرضى الغير على الخطر ،، والعدل عين غمازة وراء النظارة تسرق منى " ورد " التي أعتقتها واشتريت حريتها عبوديتها بالدينار والنار من سوق النخاسة ، أشعة سينية تنفذ إلى داخل الحقيبة تتعامى لو سافرت يدي إلى جيبي وعادت سالمة غانمة ،، تعبر الحقيبة قبلي ، نتبعها يا ديك الجن قلوبا تخترقها السهام .الحب في خطر .

 

يقولون يا ديك الجن إن ثروتك حب وشعر ،، كثير عليك هذا والقبيلة ثروتها البغاء بدل الحب ، الخروج عن الشعر بدل الشعر ، ذهبها نحاس فضتها نقرة ،ولأنهم يقولون فقط ، واحد عشق النهدين واحد مات بين فخذين ثالث انتحر شنقا بالسالف رابع لايزال معلقا بالأهداب ،خامس يرسم القبل على شكل رقم ثمانية ذهابا وإيابا طالعا عقبة هابطا منحدرا – ما رأوها  - لمحوا جزءا وحدقنا متأملين يا ديك الجن في الكل ، لهذا اشترينا ورد من يد النخاس مطية لم تركب بكرا لم تثقب وكتبناها قصيدة ،أصبحنا بعد العماء الفقر القهر الهجر أثرياء، احتكارا للرؤيا ، والدنيا بكل اتساعها رؤيا من خلال سم إبرة الخياط تغازل الخيط لا يركبها إلا بعد شرود ، نافذة إغاثة بالحافلة تجري بسرعة المائة وأكثر ،تنطح عند كل منعطف شجرة ،تفر بجلدك عبها قبل أو بعد أو مع الآخرين أو تظل هناك فوق المقعد التحاما بالحديد صورة وخبرا عن حادثة تنشر يوما والسلام ،، سفر داخل الجلباب في المنعطفات لا ينتهي إلا بعد ارتطام وهروب من النافذة أو تسمر بالمقعد لقراءة إعلانات المواليد والوفيات بحثا عن الأسماء واسمك يا ديك الجن واسمي،، الدنيا بكل اتساعها رؤيا بعين مغمضة وعين مفتوحة وقلب راقص فرحة وألما . آه ياورد . هذا أنا أولد حيا فلا تموتي ،،وورد جارية مقتناة من دون سائر الجواري ، قيمة جمالية غير معرضة للتلف ككل القيم ،لازمة بيتها لا ترى عين الشمس عين القمر عين" ميدوزا " ولا عيون "سر من رأى " الحولاء الزائغة تخزر يمينا وشمالا تصيب الزرع والضرع الفتوة والفتنة ،، ورد مسبية تعتكف خرساء في وجداني ممنوع عليها أن تطل من الشباك على الشارع ولو ماتت جوعا ،يفكر بطنها دائما بصيغة المفرد ، والبطن يفكر بالمفرد، الجوع وحده يكون جمعا سالما كلما بقي الجوع ، جمعا غير سالم لو تسقط مائدة ، لا أحد يفكر في أحد والجميع يفكر في الجميع ما دامت الجميع بلا ريش ، لو يجتاز واحد سراط الجوع يشبع يغني والبطن عندما تشبع تقول للرأس غن ،موتي جوعا يا ورد ولا تأكلي بثديك ، ولا تطلي على الشارع حتى ولو بقيت مفردا داخل زنزانة ،، أنت المائدة لو تنزلين ..لا تقولي إن حمص ككل البلاد تستهلك الجياد العتاد الزاد العباد الأعياد الحداد المداد العناد الإنقياد ،لا تقولي حمص ككل البلاد ،خبزة يابسة قابلة للإبعاد مقابل كسرة مغموسة مرقا ،لا تقولي حمص ككل البلاد فكل البلاد في مقعدها يا ورد تجوع وتقرأ ولا تستبدل جلدها عند نهاية كل مقال أو بداية جوع جديد .

 

يحكون أن الصفر وجد عملا ، أصبح ذا جاه ومال ،، قصده المليون ليتوسط له في العثور على عمل ، وقف منتظرا بباب المعمل وما خرج الصفر ، فجأة تراءت له الثمانية قادمة ،سألها عن الصفر ، ضحكت حتى استلقت على قفاها ثم قالت أنا الصفر يا عزيزي ، من شدة الجوع عصبت بطني وها أنا كما ترى .صفران*1 .مأساة الصفر أنه يصبح صفرين عندما يتحزم ويترزم – تصوروا الصفر مشدود الوسط –العامل أكثر بطالة من العاطل . ماذا تريد ؟ألا تزال مصرا على البحث عن عمل أيها الرقم الضخم ؟ سمع ديك الجن ما سمع وعاد من حيث أتى إلى جوار ورد وأملى عليها قصيدة متراجعة عن التكسب – بطنا منتفخة بالبرد والقر تقول  بصيغة المفرد لو كان جداري زجاج لرأيت الدجاج وحليب النعاج وعرق بنت الحجاج *2أو بطنا تقول لو كان جداري زجاج لرأيت الزجاج خلف الزجاج يسحق الأمعاء والماء المهين متدفقا بين الصلب والترائب يقفز فوق ورد ليصنع في غمرة الأنفاس البخار العظام الحديد مشروعا لديك جن آخر يبدأ من حيث أنتهي وينتهي إلى ما انتهيت إليه صانعا ديكا جنيا آخر يتوله عشقا يعانق وردا ويقتلها محبة وغيرة وبدافع كل المشاعر الإنسانية.حنانيك . كيف نبحث عن عمل يا ديك الحن ونحن رأسمال وأرباب وعمال معمل ورد لتفريخ الديكة الجنية ؟

 

ينـزل القلم مستريحا على حافة المرمدة خطأ ، لفافة التبغ ترحل خطأ أيضا على امتداد الصفحة العذراء حريقا حرائق ، أنتيه .أمسك القلم باليمنى السيجارة باليسرى وأتعلم ضبط الأمور ،الكتابة بالقلم تدخين السيجارة ،وتسرقني فكرة فأكتب بالسيجارة وأنفض رماد القلم ، أتعلم من جديد ضبط الأمور الأمور ،لو نصبوا الألف المهموز لكان الوصول إلى الحب ولو مترجما ،" أمور " الحب أمور ،الحب بالفرنسية أحلى هكذا تعلمت تعلمنا يا ديك الجن ، مرت أيام غزانا خلالها الإفرنج خلفوا ورد نصرانية وما كانت rose أو  ..   fleur ورد كانت وردا ، امرأة على كل حال ، دلفنا بيوت النساء وغادرناها بحثا عن المرأة وما وجدنا المرأة لذلك اكتفينا بورد ،، وورد واحدة قلنا لها كوني كل النساء فكانت ،كوني المرأة المطلق في عهد العباسيات ، أصلا ونسخا للجواري والعارضات اللحم والأزياء بالبولفار الشيخات بالكباري العوانس بالحدائق المصونات المحتجبات بالسطوح بائعات الهوى بالدور والفنادق المراهقات بأبواب السينما والمدارس التجريبيات بالصالونات والفيلات رفيقات العمل الدراسة الحافلات ،الشمطاوات الكواعب القاصرات ، كوني المرأة المطلق فكانت ، آه صباحك غير طالع ياهذه ، قطارك تجره السلاحف عبر سكك قصبية تقضم السكة جوعا لا تحلم بالوصول إلى المحطة بقدر ما تحلم بالشبع والمغامرات ، سجلوا تأخير وصول قطار الشيخة إلى المحطة التي تعرفتم فيها على الإنتظار الثقيل ،سجلوا التأخير تعودوا على التأخير وتسجيل التأخير ، مهمة الرحالة مدمني الأسفار سيكتبها التاريخ للتاريخ التاريخ ، صباحك غير طالع أيها الشيخة ولو قلت bonjour، وأضحك وأضحك بالعربية ،شكرا لمن يصف الديك ضاحكا ، شكرا وشكرا لمن يصف جنيا ضاحكا ، وألف التشكرات لمن يصف ديكا جنيا غارقا في ضحكة واحدة ، ضحكة عربية ، عربية في عهد العباسيات والعباس هذا جد رأى حلما مزعجا فاستيقظ عابسا ، بالغ في العبوس وهكذا أسموه عباسا ،ورغم أن الأطفال يضحكون ما اجترأ أحد أن يسميهم بني الضحاك ، ورغم أن الأطفال يكبرون ما فكروا في تغيير أسمائهم دفعا للشرور والبلاء والحسد ،، دعوني أضحك أضحك بالعربية ، من قال ورد نصرانية وورد تروي الأشعار تجيد الضرب على العود والقلب وتصلي في اليوم خمس مرات ، من قال ورد نصرانية ومنذ أعتقناها يا ديك الجن من سوق النخاسة بالنفس والنفيس ونحن نحيا الألف ليلة وليلة بالعربية.بيتنا الليلة الأخيرة لا تغشاها عيون التجار أقنعة هارون ومسرور ،، أغار عليك ياورد ، أعلم أنهم لو سمعوا عبر شقوق الباب غناءك العربي لأحيوا بصوتك ألف ليلة أخرى ، لو سمعوا فقدتك  حضنا وجدانا ومعملا لخلق الأيام ،يمسخونك جارية عادية يستنزفون طاقاتك شعرا وطربا ، يغرقونك خمرا وذهبا ، يقتل بعضهم بعضا للفوز بك على انفراد ثم يبيعونك في نصف الليل للتجار صوتا مشروخا جفنا منفوخا رأسا مطبوخا لإعادة بعض التوازن الفضي الذهبي وتغطية عجز بيت مال المسلمين ،،أريدك يا ورد لي ، أريدك وأغار أيتها المرأة المطلق .

 

لم يمنحك العباسيون يا ديك الجن جواز سفر لبيكال أو السويد أو الدنمارك أو هايد بارك ترى الحريم  عاريا بالشارع عاديا ، لذلك كنت أسير ورد ، مكبوتا رغم إدمان التفريغ ، لا تقل المواخير أو البيوتات لا تقل ،حبهم عملية تجارية يكون الخاسر فيها مسمار يدفع درهما أو بنك طائي يدفع أكثر لتكون السلعة أفضل .كلما زاد الدفع كان الوصول إلى تجاوب أروع مرورا بطريق  معبد وأسلوب غير معقد ، / حب يتحقق على مستوى الكذب والاضطرار بإضافة ما ينقص من دراهم إلى الطرف الضعيف في المعادلة / ونحن فقراء حتى ولو طرنا إليهم في شوارعهم المتمدنة بدل الأقبية والكهوف . فقراء ننتظر أيام الكساد لنقتني ما نعشق بأبخس الأثمان أو كلمة حنان أو بالمجان . لا يا ديك الجن ، لا ، لدينا ورد وورد لست أدري كيف تعلقت بتلابيبي وجاءت إلى الدار / الحب / والحب كما علمتني وعلمتك مبهم مرفوع إلى القوة الخفية العليا طرف في معادلة ذات ألف مجهول أحد مجاهيلها القلب الباحث عن المرأة المطلق /الحب/ دعني من حب كل الناس ، المعادلة ذات المجهولين سين الأولى وسين الثانية وعلامة تساوي التساوي قهرا وميلاد الحب كما تيسر ،حب كل الناس معادلة ذات مجهولين ، معلومة مغلوطة ،طرفاها خطأ يستدرج خطأ ، ،ياديك الجن ..آه وآه  وأي التأوهات أحلى عند سدنة العشق الشعر فنكتبها لنكون عشاقا شعراء ... وكتبت لي بائعة حبلى بغير ديك الجن ،، ألم أقل لك يا ديك الجن إننا جد وابن ، قتلتها بسلاح سارتري معاصر لا تعرفه أنت ،أعدمتها وجوديا ، تجاهلتها ، ماذا نقول ياديك الجن لورد ، نغار عليها ونخون ،نقتلها لمجرد الشك فيها في خيانتها ونخون ألف مرة ، وبعدها نحلم بجوازات السفر والتجريب .

ليس سابقة أن يقتل الإنسان إنسانا ما دام قابيل فعل ما فعل . وليس سابقة أن أو بدعة أن تخلق ورد الخطايا بفتنتها / والفتنة أشد من القتل / ما دامت حواء قد خلقتها بتفاحها ،، مطرود يا ديك الجن من الدنيا إلى الدنيا عبر زجاج نافذة الإغاثة ، وابحث عن الورود بدل ورد ، عن النسخ بدل الأصل واغرق في ألف الخطايا ، فكل الخطايا إنسانية ،وكل الناس يمجدون ولو كذبا الإنسانية ،يمجدون خطاياهم لأنها خطاياهم .اغرق في الخطايا بدل خطيئة ، مرتكب الجرائم المتعددة يحاسب قانونا على جريمة واحدة كبيرة ، التعدد ظرف تشديد ليس إلا، وليكن التشديد التخفيف ، نحن يا ديك الجن نقضي عمرا كاملا وراء قضبان أو زجاج نافذة وكأن العمر دقيقة أو ثانية ، السجن الموضوع تخصيص للسجن العام ، اختصار للدنيا ، ما أحلى الاختصار ، ما قل ودل ، لا فرق البتة القهر التعذيب الجوع البرد،قهر تعذيب جوع برد ،سيان ، تخصيصا وتعميما ، عبث تشديدهم تخفيفهم ، عبث حتى الخطايا مادام قابيل فعل ما فعل ،وحواء فعلت ما فعلت ،أنا ديك الجن وأنت حفدة هذا الإنسان المفسد في الأرض المسجون بالأرض ، لذلك أنا برئ من قتل ورد براءتك  تماما ، برئ ما قتلت ورد ، برئ رغم أنني القاتل .

محرم أيها البهاليل والبهاليل تعني السادة ،مجرم فوق العادة ،أقول البهاليل ومفردها بهلول لأثبت فصاحتي وطول باعي ، أنا ديك الجن الحمصي ،شاعر مغمور مدمن العشق الوردي قاتله من أجل أن نحيا عشقا ورديا ،، ما رأيكم ؟؟ أيهما تختارون تشريفا البهاليل أم السادة ؟ مجرم فوق العادة ، وضعتها تحت سيفي ، أعربت لها عن شكي وخوفي ، قتلتها اضطرارا واختيارا ، قتلتها لأني أحبها وضيعت على البهاليل لذة المسيو "ساد " قتلتها .

 

الرواية الأولى

هو عبد السلام بن رغبان ، لقبوه بديك الجن لشدة احمرار وجهه /احتقان وجهه فائض أو ضغط دموي يتفجر شعرا ، خجل فطري يتبرعم في حضرة الملاء الوردي أو شاهد قبرها ،حياء مكتسب عن الرؤية والرؤيا في المرايا العباسية / عمره حمولة أطنان قبل الميلاد بعد الميلاد وكيلو غرام اليوم الزئبقي ، ديك الجن شاعر ، ولأن وزنه ثقيل جدا فهو يكره الوزن ،شاعر ولأن اللغة لا تعدو أن تكون أكثر من لغة كان الديك شاعرية موقف داخل اللغة لا لغة ، شاعر ، ولأن القافية روي يلتهم نفسه نازلا إلى الهاوية مستجديا التصفيق كان بلا قافية ، ولأن العالم يعيش أزمة ورق كان يكتب لا يترك فراغا بالصفحة يخجل أن يملأ سطرا عريضا بكلمة واحدة ليجرف سوق عكاظ إلى الإنبهار الإستحسان الإستهجان مقابل ضياع بياض قابل لاحتضان كلمة أخرى كلمات أخريات في ليل الأمية الجهل التجاهل ،، ولأن البحر الطويل طويل طول العذابات ، البحر المديد مديد امتداد الجوع ، البسيط بسيط بساطة العقول / لأن البحور بحار /اختار ساقية يشرب عندها الكاسات لا يترك شيئا للصباح مخافة التلف الحموضة الخسارة ،عاكفا على اللذات يبكي كلما فاضت الكاسة أو العين على أطلال كربلاء يخزن دمعه تقية / ديك الجن شعوبي ،كذلك قال الراوي ، لكنه رزين متزن عاقل ،نقطة ضعفه ورد ،لذلك تحطيم ديك الجن ، إبعاده عن الساحة ، جس نبضه يأتي عن طريق ورد،، مرة عاد الديك من سلمية *3وجد الإشاعات الأخبار التشكيك الأصابع تشير إلى ورد ، قتلها غيرة نقمة حبا ، ، هكذا كان القتل الأول ثم البكاء المناحات الندم .

الرواية الثانية

تركت الدار ،هجرت حمص ،اشتغلت بثديها ،ضاحكت من يضاحكها ، غنت بكل اللغات ، منحت أسهما من أسهم معمل التفريخ ، وزعت الحب كما تيسر وعادت ، عادت ، حائط يسلمها إلى حائط يسلمها إلى حائط ، وردا ذابلا بلا لون بلا طعم بألف رائحة كريهة ،، انهارت على صدري ، هوت ، فهوى فوقها حد السيف والقلب المخروق بسهم غدرها .

الرواية الثالثة

تقول الكتب إن ديك الجن فاجأ ورد تعانق غلاما ،، قتلهما معا ،أحرقهما ، صنع من رمادهما قدحين للشراب .*4 يشرب منهما ويبكي ، وعندما تنتهي الخمور ابتداء من الحمراء حمرة وجهه إلى الويسكي ، يبكي ويشرب دموعه ندما .

الرواية الرابعة

أبو الفرج الأصبهاني صاحب الأغاني ينفيك ياديك الجن وجودا وتواجدا ، ينسب حياتك إلى سليك ،، مرة كان هذا السليك ،عفوا ، كنت ياديك الجن بالغابة ، رموك بسهم ، عدوت هرولت إلى الدار نزيفا وكانوا وراءك ،، صعاليك القبائل ، خيرت ورد بين الموت أو الحياة بين أحضانهم ، خيرتها احتراما للشكليات ، قتلتها سواء وافقت أو رفضت ، قتلتها حبا واستئثارا بالورد يسقط مسبيا أمام الشوك . قتلتها وبكيت /أقتلك يا ورد أيتها المطلق ولا أتركك / وعندما طرقوا الباب وفتحت لهم ،، كان الأصدقاء يخبرونك أنهم تعقبوا الصعاليك وعادوا للاطمئنان عليك .*5 إبك بالخمر أيها العربيد مرفوعة إلى الدرجة الكحولية المائة واشرب الدمع اشرب الدمع جامدا إلى حدود الصفر ، هات منديل ديدمونا وتحسر عليها :

("أعملت سيفي في مجال وشاحها     ومدامعي تجري على خديها

ما كان قتليـها لأني لم أكن      أخشى إذا سقط الغبار عليها

لكن بخلت على الأنام بحبها       وأنفت من نظر العيون إليها

فوحق نعليها وما وطئ الثرى       شئ أعز علي من نعليها ")

ديك الجن

تعقيب :

لم يصدقوا يا ديك الجن أنك القاتل أني القاتل ..لماذا لا يرتاح الضمير يتنكب التبكيت الندم الشعور بالذنب ؟ قالوا انفلت الصعاليك وقتلوها . كيف قتلوها ؟لسنا ندري / لم تشرق الشمس أبدا/ قالوا وأخلصوا لنا التعازي وها نحن جنونا وحبا نهذي. ما قتلنا أبدا ما قتلنا. نحن الجنون الهذيان الحب العظيم فقط . أبرياء يا ديك الجن أبرياء طوال العصر الآدمي دون دفاع دون مرافعات ، للديكة فطور الصباح ، للجن أسبوع رقص وجذبة ، للإنس زردة وللحيوان قصارة . هات يديك نحن أبرياء ياهذا . هات يديك .سلام .

صيغة منقحة لمطولة كتبت ونشرت سنة 1978

هوامش

1-       نكتة شعبية بتصرف

2-       صيغة تهكمية شعبية بتصرف

3-       و4-عن كتاب العصر العباسي الأول للدكتور شوقي ضيف ،صفحة 325و326 طبعة 1972 بتصرف

5-       عن كتيب "القصة العربية القديمة "لمحمد مفيد الشوباشي صفحة 92و93 سلسلة المكتبة الثقافية عدد106 أبريل 1964 بتصرف




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات