مواضيع اليوم

شوارع بريطانيا وشوارعنا تثبت ان شعوبنا متقدمة على حكوماتها

زين الدين الكعبي

2011-08-10 15:12:35

0

 

 

كثيرون قبل الربيع العربي وأثنائه كتبوا عن حالة أسموها ، " تقدم فكر الحكومات العربية على فكر شعوبها " ، ساقهم الى ذلك أسباب ودوافع عديدة ، حيث أراد هؤلاء بدافع أو بدون دافع أن يقولوا أن الشعوب العربية همجية ومتخلفة بالفطرة ، وأن وجود حكومات تفصل الدين عن الدولة ولو بالقوة والأستبداد ، هو أفضل بكثير من هذه الشعوب اللتي لاتعرف لنفسها منهجاً غير منهج العنف والأقصاء وعبادة الأشخاص ، وبالتالي فهي غير قادرة على أحداث أي تغيير في واقعها المرير .

ينسب لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال : " أينما ذهب الفقر قال له الكفر خذني معك " .

ما قصده أبو ذر بالكفر في حديثه ، هو القتل ، السلب ، النهب ، قطع الطريق ، الغش التجاري ، الدعارة ، أدمان المخدرات والخمور ... كل هذه الأمراض اللتي حرمتها الديانات الثلاث نجدها تنتشر في الطبقات الفقيرة في أي مجتمع ، أكثر مما تنتشر في باقي الطبقات .

لو قارنا فقراء أوربا اللذين يحضون بانظمة الضمان الاجتماعي والصحي ، والنظم التعليمية في المدارس اللتي يرتادها أبنائهم ، وحقهم في أنتخاب الحكومة والمجالس المحلية ، واللذين يعيشون في مدن مثل باريس ولندن وميونخ اللتي لايمكن مقارنتها ببغداد والقاهرة والرباط وصنعاء من حيث الخدمات والنظافة والأمن ، بالفقراء في الدول العربية اللتي يعيش بعضهم في مدن من الصفيح والخيم ، فسيبدوا الأمر وكأننا نعقد مقارنة غير صحيحة ، فالفقراء في أوربا يعيشون في مستوى معاشي يفوق المستوى المعاشي للطبقة الوسطى في الدول العربية .

ألا أن هذا الكلام يظل غير صحيح أيضاً ، فتعريف الفقر تعريف نسبي يختلف من بلد الى بلد ، وسيظل الاوربي الفقير اللذي لا يستطيع العيش كما يعيش متوسط الدخل والغني في لندن وميونخ وهو يشعر بالغبن والظلم ، وسيحمل المجتمع والحكومة كل مشاكله وأحباطه ، تماماً كما يفعل الفقير العربي والهندي والأفريقي ، بالرغم من الفرق الكبير بين الحالات هنا وهناك .

وكأننا في أحدى دول العالم الثالث ، أنتفض الفقراء في بريطانيا ، وخرجت مجموعات من الشباب الذين اخفوا وجوههم لينهبوا المحال ويحرقوا السيارات والابنية في مناطق من العاصمة لندن ، حيث اندلعت شرارة العنف قبل ثلاثة ايام ، وأمتدت الى خارج العاصمة في مدن برمنغهام وليفربول وبريستول ، وقد أتت نيران الغضب في بعض المناطق على محال ومباني تأريخية .

في تحقيق نشرته أيلاف ، قال أحد شهود العيان أنه سمع احد المراهقين المشاركين في العنف الهمجي اللذي يضرب مدن بريطانيا منذ أربعة أيام يقول : " الحكومة تأخذ كل شيء ، اموال التعليم وكل شيء ، والان جاء دورنا لنأخذ ما نريد ".

أي أن العنف اللذي أندلع أحتجاجاً على مقتل أحد الشباب البريطاني على يد الشرطة أثناء أعتقاله قد أخذ منحى آخر ، ليتحول الى تنفيس عن غضب عارم يشعر به قسم كبير من الشباب البريطاني العاطل ، والفقير ، واللذي تعصف بأحواله الأزمة الأقتصادسة العالمية .

على الرغم من الهيجان الجامح للمحتجين البريطانيين ، فأن موقف الشرطة البريطانية كان مشرفاً برأيي المتواضع ، حيث اجلت أستخدام القوة ضد المتظاهرين حتى اللحظة الأخيرة ، وهي لازالت حتى الآن ، تدرس مع الحكومة ، أخلاقية وقانونية أستخدام الرصاص المطاطي اللذي تستخدمه ضد الثوار الآيرلنديين ، في تعاملها مع المحتجين البريطانيين !، وهذا الموقف مبني على أسس قانونية وتأريخية ، ولم يأتي من فراغ .

مع كل الفروقات اللتي ذكرناها في الأحوال المعاشية والمجتمعية بين الفقير البريطاني المتمتع بالأمتيازات اللتي يحلم بها معظم العرب ، والفقير العربي المعدم تقريباً ، فأن فرقاً واضحاً قد برز في طريقة الأحتجاج العربية اللتي وقفت في وجه العنف والبلطجة ، وبين طريقة الأحتجاج البريطانية اللتي تبنت العنف الهمجي في التعبير .

بينما على العكس تماماً ، ضربت الحكومة والشرطة البريطانية مثالاً حياً في كيفية أحترام الشعب اللذي تمثله ، وهو مثال يجب أن يدرس في بلدان العالم الثالث ، وأولها بلداننا اللتي لازالت تتلمس طريقها نحو الحرية والديموقراطية .

 لانريد أن نقول بأن شعوبنا لاتعاني من أمراض أجتماعية وفكرية كثيرة ، ولكن الأمراض الأجتماعية والفكرية ليست حكراً على مجتمعاتنا ، والصاق المثلبات بشعب أو مجتمع ما بمعزل عن الظروف السياسية والأقتصادية والأجتماعية والتأريخية يعني ظلماً لهذا الشعب أو المجتمع ، وتحامل غير مقبول ، قد يعبر عن عنصرية وكراهية مقيتة .

فلقد كشفت الأزمات الأجتماعية والأقتصادية الحالية في اليونان وأسبانيا وبريطانيا .. خللاً كبيراً في المنظومة الفلسفية اللتي تحكم الغرب الرأسمالي العلماني ، وأن أصلاح هذا النظام بات أمراً ملحاً كما يؤكد الخبراء في الغرب .  

ولقد أثبت الربيع العربي أن شعوبنا بجميع طوائفها وقومياتها وأديانها هي شعوب عادية لا تختلف عن الشعوب الأخرى ، وأنها أكثر تطوراً من حكوماتها المستبدة والظالمة واللتي أستخدمت العنف والبلطجة ضد شعوبها اللتي حمت الممتلكات العامة ومرافق الدولة من أسلوب الحرائق اللذي أنتهجته هذه الحكومات اللتي جرت الويلات على الشعوب ، على عكس مايجري  في بريطانيا ، وهذه حالة تستحق منا الأشادة من جديد ، كما تستحق الأشادة اللتي حصلت عليها من الحكومات والمؤسسات الغربية والعالمية اللتي دعت شعوبها الى الأقتداء بثوار ربيعنا  .

http://www.elaph.com/Web/news/2011/8/674853.html?entry=homepagemainmiddle

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات