لو كان الغباءُ رجلا لطاردته من بيتٍ إلى بيت، ومن زنقة إلى زنقة!
لماذا لا نقوم بتفجير كل كنائس مصر وأديرتها لعلنا نعثُر على كاميليا ووفاء؟
ولكن تبقى المشكلة في البحث عن الجهة التي سنقوم بتسليمها المختطـَفتين، فنحن لسنا معارف أو أقارب ولا تربطنا بالسيدتين أي صلة، فمن يتسلمهما بعد تدمير الكنائس؟
السلفيون لم يخرجوا مرة واحدة ضد الحـُكم البائد لعائلة مبارك مطالـِبين بالافراج عن آلاف المعتقلين( السلفيين ) الذي حَرَمَهم الطاغية من أهلهم ومن الحرية ومن الكرامة.
أنا أفهم أن يتقدم والد كاميليا شحاتة أو والدة وفاء قسطنطين ببلاغ في قسم الشرطة، ثم عمل محضر، ويتم استدعاء الشهود والأصدقاء والجيران، فهنا حالة اختفاء يمكن للعدالة أن تضعها بين دفتي ملف قضائي أو أمني أو عدلي!
ولكن أن يستند شخص مجهول إلى قصاصات صحف، وشائعات روّجتها جلسات المقهى، ثم تشتعل النار في عروقه، و تتمزق حبال صوته، ويرفع المصحف الشريف أمام وجهه فتختفي لحيته المحصورة بين عينين مكحلتين وجلباب أبيض غير ناصع، ويطالب بالافراج عن الرهينتين كأنه في فيلم لكلينت ستوود أو توم كروز!
إنني أتحدى أي سلفي خرج في مظاهرة مع المهووسين أو اشترك مع المرضى بالتعصب والتطرف في اعتصام أمام كنيسة أن يدلي بأي معلومات عن كاميليا ووفاء تمنحه الحق في البحث، ورفع دعوى قضائية، أو اثبات أن الرهينتين استغاثتا به، وأنه سيعيدهما إلى بيتهما، وإلى أحضان عائلتيهما!
شهور طويلة واللاقضية تشغل المثقفين والاسلاميين والمفكرين، ولم يبق إلا أن يعلن المسلمون الحرب على الأقباط، واقتحام الكنائس والأديرة بمساعدة المرشد العام للاخوان المسلمين وأمراء الجماعات الاسلامية حتى لو احترق الوطن كله، واشتعلت الفتنة في كل بيت!
كنت أخشى على مصر من المتطرفين، ومن أجهزة أمن الدولة، ومن الطغاة الصغار، ومن قوى الفساد في كل الصور.
أما الآن فأنا أخشى على أم الدنيا من الأغبياء، فوطنٌ يقع بين براثنهم يتراجع إلى الوراء عقدا في كل عام!
لست بصدد البحث عن صدق أو كذب الحكايتين لسبب بسيط هو أنني لم أعثر على وقائع أو تفاصيل أي حكاية رغم متابعتي لعشرات المقالات التي ينخفض مستوى الذكاء بعد كل منا، لكن ( الجماعة ) لا تكترث لاختفاء الصحفي رضا هلال، ولم تنبس ببنت شفة عندما كانت وزارة الداخلية تأمر باختطاف الذين برأتهم المحاكم، ولم تُعِر اهتماما لمليون مسلم تنصروا في إندونيسيا وتطالب بتسليمهم لاستتابتهم!
هذا ليس صكَّ براءة للأقباط، رغم إيماني أن حقوقهم واجباتي كمسلم، فالفتنة الطائفية، التي لازلت مقتنعا بأننا نحن المسلمين نتحمل المسؤولية الأكبر في اشعالها، عبارة عن صراع الحماقة مع الغباء، والنتيجة النهائية تأتي في صالح التطرف الأعمى!
ماذا لو كان هناك مسجد تحيط به كنائس أربع فلا توليّ وجهك فيه شطر قبلتك إلا وتصطدم عيناك بجرس كنيسة؟ هل هو انتصار للمسيحية وهزيمة للاسلام؟ هل هذا يعني أن حساب الآخرة سيكون لصالح أتباع من يملكون أكبر عدد من المعابد أو .. بيوت الله؟
خلال أيام ثورة شباب مصر التي حصل فيها إبليس على عطلة غير مدفوعة الأجر كان المسلمون المصريون يقومون بالصلاة على الجسر، ويسلط ساديو النظام الأمني للطاغية مبارك خراطيم المياه الساخنة عليهم، فيتدافع الأقباط لحمايتهم.
ونفس الأمر حدث عدة مرات في كل جمعة غضب، فيُصَلّي المسلمون في حماية الأقباط، فالشيطان يَفِرُّ فزعا عندما يتخضب المصري بتراب الوطن، ويخشع قلبه لصوت الآذان وجرس الكنيسة، أو على أقل تقدير يحترم لحظات خشوع أصحاب الدين الآخر.
هؤلاء الحمقى من المسلمين والأقباط الذين يظن كل واحد منهم أنه قادر على إزالة دين الآخر من الوجود، واقناع شريك الوطن أن الله، عز وجل، سينحاز للأقلية أو الأكثرية، وسينتصر لصاحب دين ليس له فضل في اختيار بطن أمه أو معبده أو إمامه أو قسه أو كتابه المقدس.
يحترق الوطن عندما يختار بعض أبنائه أقل القضايا أهمية فيتشبثون بها كما يلتصق الخفاش بوجه مقتحم كهفه، عندئذ ينزوي القانون في ركن قصي، ويبدأ مزاد التفسير، والمرافعات، والدعاوى، والادعاءات، والمزاعم حتى يطالب مسلمون بلهاء باستدعاء البابا شنودة ليتحدث عن الرهائن المسلمين في الكنيسة، ويطالب أقباط أكثر بلاهة بدولة قبطية في جنوب مصر.
ليس هناك شهداء تحت راية الحقد، وشرط دخول الجنة أن يأتي المرء إلى الله بقلب سليم.
محراب الوطن الوحيد الذي يقبل الله فيه الصلاة هي مساحة التسامح مع الآخر، فكما أن من نام شبعانا وجاره جائع فإن الملائكة لا تتنزل عليه، فكذلك من نام وقد قاطع شريك وطنه لأنه مختلف عنه في الدين أو العقيدة أو المذهب فلن يرضى عنه الله ولو اعتكف في المسجد أو الكنيسة سبعين يوما!
عندما تختفي سيدة أو يتم اختطافها فإن الجهة المسؤولة عن اقتفاء أثرها، وتحريرها، واعادته إلى أهلها هي جهاز الأمن، ماعدا ذلك فهي بلطجة ولو رسم صاحبها على وجهه مئة صليب أو هلال.
دور الدولة في الحفاظ على الأمن ينبغي أن يتعاظم بعد ثورة الشباب، أما قانون الغاب فيجب أن نزيله حتى لو ادعى صاحبه أن لديه فتوى من شيخ الأزهر أو بابا الأقباط.
عندما يصبح المجانين شهودا على محرقة وطن، ثم يتوهم الشهود أن معركة الغاء الآخر تجعلهم شهداء فإن حاجتنا لمستشفيات أمراض نفسية وعصبية متنقلة تصبح الأكثر أهمية، وانقاذ البلد يبدأ من رحلة علاج أبنائه!
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في الأول من ابريل 2011
Taeralshmal@gmail.com
التعليقات (0)