شهادة الترابي على العصر
حلقة (7)
مصعب المشرف
4 يونيو 2016م
كان أهم ما تداوله الترابي . ومن خلال أجوبته على أسئلة محاوره أحمد منصور في الحلقة السابعة من شهادته على العصر هو الآتي:
1) الهيكل التنظيمي للحزب . وتشكيلاته السرية.
2) التبعية لمصــر.
2) إنتفاضة أبريل 1985م ضد نظام مايو الشمولي الحاكم.
...............
1) الهيكل التنظيمي :
وفيما يتعلق بالهيكل التنظيمي للحزب ؛ فلربما لا يكون لهذا الأمر أهمية بالنسبة للغرض الأساسي من كتابة هذه الحلقات ؛ بوصفها إنما تعنى بالعلاقة ما بين جماعة الإخوان المسلمين من جهة ، والشعب السوداني قاطبة من جهة أخرى.
وغاية ما فهمناه من حديث الترابي هنا ؛ أنه قد أقـر لنفسه بأنه هو الذي صمم هذا الهيكل .. وأن الأمر قد ظل بعد ذلك شورى بينهم تحت مظلة الإطار العام.
وفي الوقت الذي لم يقل فيه الترابي ما سيأتي في هذه الفقرة ... فإن الشعب السوداني يدرك أن الإطار العام الذي يشكل مقاصد هذا الحزب إنما يتمحور في إتخاذ الإسلام (شعار) كوسيلة للوصول إلى كراسي الحكم .... أو بما أصطلح عليه بـ "الإسلام السياسي".
ولكن .... وينبغي أولاً التأكيد هنا على أن القناعة بنظام ديمقراطي ليبرالي حر ؛ تقتضي أولاً التأمين بضرورة ترك الباب مفتوحا أمام كافة الأحزاب السياسية وحرية تشكيلها ..... وأن الخلاف مع الترابي وتلاميذ الترابي إنما هو في الأصل خلاف على ماضي وحاضر ومستقبل السودان لمصلحة الوطن الذي ننتمي إليه ويجمعنا جميعاً . وليس دعوة إلى تصفيتهم والحجر على أفكارهم ..... على العكس مما يدعون إليه من حجر تام على الغير في إستغلال مقيت رخيص للدين.....
2) التبعية لمصر:
يلتقي البعض السوداني مع الترابي في جزئية هامة أرى أنها تحسب له على مدى التاريخ .... وهذه الجزئية متعلقة بقدرة الترابي طوال الفترة من 1964م إلى تاريخ وفاته مارس 2016م في النأي بنفسه وبحزبه عن "التبعية" الفكرية والتنظيمية لحزب الإخوان المسلمين المصري...... أو خضوعة لأية إملاءات مصرية كتلك التي تخضع لها أحزاب سودانية طائفية وسياسية تقليدية أخرى.
لا بل ونحمد للترابي أنه حين أفلح في النأي بأفكاره ونفسه ، وحزبه عن التبعية لمصر . فإن هذا النأي لم يأتي مصادفة تاريخية .. وإنما جاء على واقع تخطيط محكم وسبق إصرار مبدع.
وإزاء ذلك فقد أبرز حسن الترابي جوانب إيجابية ودهاء مطبوع .
والشيء الذي لفت الإنتباه بقوة إلى نجاح الترابي في منحاه هذا .... الذي لفت الإنتباه هو إصرار محاوره أحمد منصور طوال الحلقات الست الماضية إلى إستجلاب الظلال المصرية إلى سماء حزب الترابي الإسلامي بوجه خاص ... ولكن دون جدوى.
وعلى الرغم من فقدان محاوره المصري أحمد منصور لتوازنه وخواره وتقافزه ؛ وإلتفافه ودورانه حول الفكرة ... إلا أن الترابي ظل على موقف ثابت من رفضه للفكرة .. وإصراره على تبرئة نفسه من تهمة التبعية لمصر .. أو مجرد الإحتفاء بالتجربة المصرية الإسلامية... وإنما ظل دأبه الدائم السخرية منها ؛ والحط من شأنها الفكري عند مقارنتها بالتجربة السودانية.
والطريف أن الترابي على العكس من معظم السودانيين ضيوف الساحات الإعلامية المصرية أو التي يمتلك زمام المحاور فيها مصري الجنسية .... فيميلون إلى مجاملة المصري على سبيل التفويت ولدواعي الحياء من المضيف .... فإن الترابي على العكس من هؤلاء أبدى قوة شكيمة وإحترافيـــة منقطعة النظير ؛ حين رفض أن يجامل مضيفه المصري أحمد منصور لجهة محاولة الأخير توثيق جانب للتبعية إلى مصر.
ولا أدري هل سيتمكن تلاميذه من مواصلة نهجه لجهة المضي قدماً في تعميق التجربة الإسلامية بعيدا عن مزالق التبعية لمصر . وبما يكفل لهم الفخر بعذريتها عند المقارنة بالتجارب السودانية الحزبية والأطروحات الفكرية الأخرى .. أم أنهم سيقعون في الفخ ويضعون أقدامهم على أول الطريق المؤدي إلى الإفلاس الفكري والفناء والتلاشي..... أو التحول في أفضل الأحـوال إلى "بوابين" ؛ وخفراء مياه؟
ثم ؛... هل سيتمكن تلاميذ الترابي من تطوير فكره إلى طرح وطني إسلامي ؛ بديلا عن إسلام سياسي يلهث خلف كراسي الحكم .. يجافي مكارم الأخلاق ... ويعنى فقط بالمسلك الذي يتوقف عند إرتداء الحجاب وإعفاء اللحى وحف الشوارب وتطبيق الحدود على الغير ؟
أكثر الظن أنهم لن يفلحوا ... وذلك لما أراهم عليه (بعيداً عن الترابي) من إنعدام للكاريزما .. وإنشغال عن الإنتاج الفكري والفلسفي بالتقرب إلى القصر الجمهوري ، وتسلق كراسي الوزارة والأوقاف والزكاة .... والثرثرة الغير منتجة .. والإنشغال بالملذات والرفاهية وبذل الغالي والرخيص في سبيل ذلك تحصيلها والإحتفاظ بها ......
وللأسف يظل إفتقار فكر الترابي إلى جانب الأخلاق .. يظل الثغرة الأوسع في قماشته .... وحيث لا يعقل أن يستمر هذا الفكر في طرح إسلام بلا مسلمين يطبقونه على أنفسهم قبل غيرهم... أو كما قال الله عز وجل في سورة الصف : [يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ( 2 ) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (3)].
أو كما قال أبو الأسود الدؤلي:[ لا تنهى عن خلق وتأتي بمثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم]
يزهو الترابي بتجربته الإسلامية لجهة عدم لجوء حزبه إلى ممارسة الإرهاب المسلح الممنهج الذي تمارسه جماعة الإخوان المسلمين المصرية . وما نجم عن هذا المنهج من إفلاس فكري للجماعة المصرية ؛ التي لاتزال تقف عاجزة عن تلبية حاجة هذا الشعب الفرعوني إلى أريحية تجذبه للصلاة داخل فسطاط عمرو بن العاص ... وشخصية مصرية يلين لذكورها وإناثها مذهب الإمام الشافعي ؛ ورغم أنف الشاعر المتنبيء .
حاول محاور الترابي في برنامج "شاهد على العصر" .. المصري أحمد منصور .. حاول قدر طاقته إستنباط وجوه ترضيه وتعالج فيه "عقدة التفوق" تجاه السوداني. فلجإ إلى توجيه سؤال للترابي في الحلقة السابعة يستفسر عما إذا كان هناك تنظيمات سرية تابعة للحزب أو أن هناك جهاز أمني للحزب .....
ولإستدراج الترابي نحو فخ توثيق فرضية التبعية السودانية لمصر ... فقد أقحم أحمد منصور توثيقا مصورا لقائد التنظيم السري للإخوان المسلمين المصري الذي أسسه حسن البنا عام 1940م بزعم تحرير فلسطين ...
وكان ردة فعل الترابي أن تجاوز وترفع عن مجرد الإهتمام بهذا العرض والإستعراض الوثائقي الإخواني المصري. ولكنه أقر بوجود جهاز أمني للحزب واقتصاره على المتابعة وجلب المعلومات.
ونحن في السودان نستغرب في جماعة الإخوان المسلمين المصرية هذه الإحتفالية الحمقاء بما يسمى بالتنظيم السري.
ويثور التساؤل هنا ؛ لماذا يظل مبدأ الإغتيالات السياسية ؛ وممارسة الإرهاب في الشارع العام جزءاً من العقلية الإخوانية المصرية ؛ على الرغم من ثبات عدم إنتاجيتها . وأنها دائما ما تأتي عليهم بالشر الماحق في ظل قدرات الأجهزة الأمنية الإستثنائية للدولة المصرية.
في عام 1940م أنشأ حسن البنا هذا التنظيم السري بزعم مقاومة الإحتلال البريطاني وتحرير فلسطين ... ولكنه سرعان ما إنحرف عن أهدافه (الرومانسية) هذه . وتحول إلى محض تنظيم إرهابي متخصص في الإغتيالات السياسية وتصفية الخصوم والمنشقين... وتفجير القنابل داخل دور السينما والملاهي الليلية ... ومحطات القطار والتورماي.
نعم ؛ ... أبرز حسن الترابي جوانب إيجابية ودهاء مطبوع ؛ حين تمكن على نحو ملحوظ من نشــل حزبه من التبعية الفكرية والتنظيمية لجماعة الإخوان المصرية عقب توليه منصب الأمانة العامة للحزب عام 1964م .
ولكن ربما كان على الترابي أن يقدم تفسيراً مقنعاً وكشف حساب محكم عن إتهامات لتلاميذه (على الأقل) بإرتكاب أو التخطيط لعمليات تصفيات جسدية للعديد من الشخصيات التي كانت تخشى جانبها أو تظن أنها تمتلك أسراراً لا ينبغي لها بها.
هناك قائمة من أمثال اللواء الزبير .. والعقيد إبراهيم شمس الدين .... وملازم أول مكتب والي الخرطوم الشاب ... وحتى المطرب خوجلي عثمان طيب الله ثراه.
كذلك يعيب المجتمع السوداني على شباب الإخوان في الجامعات خاصة مسارعتهم إلى حمل وقذف الطوب والحجارة ؛ والطعن بالمطاوي والخناجر ؛ والضرب السيخ والهراوات في تعاملهم مع غيرهم من زملائهم وزميلاتهم أصحاب الرأي الآخر ..... وبما يعزز الإنطباع بأنهم يفتقرون إلى قدرات النقاش والإقناع في ذات الوقت الذي يزعمون فيه بأنهم حملة القرآن العظيم وحماة الدين ... وعلى سنة وهدي أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم .... ونهج الخلفاء الراشدين!
3) إنتفاضة أبريل 1985م
عند الحديث عن إنتفاضة أبريل ؛ إعتدل الترابي في تقديره لذاته وحجمه ، وأهميته في الأحداث التي شهدتها اليلاد فيما ما عرف بإنتفاضة أبريل 1985م التي أدت إلى إسقاط جعفر نميري ، وزوال نظامه الشمولي السطحي المفتقر إلى الفكر ووضوح المنهج.
ولكن .. وكما يقولون فإن العرجاء إلى مراحها .... حيث لم ينسى الترابي نفسه وحظه من الدنيا ........ فقد جاء في جنايا إجابته أنه كان خلال فعاليات تلك الإنتفاضة حبيس سجون نميري .... ولكنه واصل فتباهـــى بأن نظام نميري قد سارع إلى نقله من سجن كوبر إلى سجن الأبيض خوفاً من قدراته في التأثير على الشارع.
وأغفل الترابي أن من بين أهم أسباب إنتفاضة أبريل 1985م ؛ إنما تأتي على وقع قوانين سبتمبر 1983م السيئة السمعة التي أصدرها نميري بعد إستشارته له.
التعليقات (0)