الإنسان الفاشل يعرف في نفسه ذلك ، وبدون حاجة لأن يخبره غيره بذلك . بل إنه يشعر بطعم فشله المر في كل شؤون حياته . والمفارقة تكمن في تلك المعرفة ، وذلك التشخيص الذي يبقى حبيس يومياته البائسة ، وحبيس أرشيفه العقلي والإدراكي ، ليروح ضحية تعاقب الدهور عليه ، ملقى في طرقاتها جسدا خائر القوى لايستطيع تحريك ساكن ..؟!
الفشل مرض وهمي يتسلل إلى نفس الإنسان الضعيف فيجعله يستسلم في أول عقبة تواجهه . يجعله يجلس في الحضيض ، وينزع أول ماينزع في جلوسه سترة الإرادة . ويُتبعها بروح المثابرة . ويظل يطرح عنه ثيابه حتى يتجرد منها جميعا . الثياب لابد لها من شمّاعة ، وشمّاعات الفشل أكثر من أن تعدّ وتحصى . فهذا يبرر فشله بالحظ ، وذاك بالمكتوب على الجبين ، والآخر بالظروف ، وغيره بالدنيا ، وغيره بالزمن ، و .. ؟!
هي هويات مزيفة ينتحلها في كل زمان ، وفي كل مكان ، ملايين البشر الهاربون من مواجهة الظروف لإحتلال مراكز متقدمة في الحياة ، والرّاكنون إلى الخنوع والإستسلام على تحقيق إنجازات هم قادرون عليها ، والمخفقون في بلوغ نجاحات هم يملكون إمكاناتها .
وفي سياق الموضوع تحضرني ذكرى لي عندما كنت أؤدي واجب الخدمة الوطنية ، أني كنت أكتب مذكراتي تحت عنوان (مذكرات رجل فاشل) ، والغريب أن تلك الكتابات لم تكن عن رجل فاشل حقيقي ، بل كانت أقاصيص رومانسية ، وأشعار غرامية ، وآراء حياتية . أنهيت خدمتي الوطنية ، وتقدمت في حياتي لكنني لم أستطع نسيان تلك المذكرات ، لأنها بقيت مع قائد الوحدة الذي صادرها في (تقليد) التفتيش قبل الخروج النهائي من المؤسسة العسكرية . واعتبرت خسارتها فشلا لم تمحي آثاره نجاحاتي بعد ذلك . وأيقنت بأنه لا مناص لي من العودة إلى الماضي واسترداد (مذكرات الفشل) . وقد فعلت . عدت إلى الثكنة بعد حوالي الثماني سنوات . ووجدت قائدي القديم قد ترقى إلى مرتبة أعلى . لكنه لم يكن بنفس الهيبة التي كنت أراه بها حين كنت مجندا في وحدته ، ولم تكن رتبته الجديدة لتثني عزيمتي على إسترجاع مذكراتي التي غيّرت مصطلح الفشل في عنوانها بمصطلح النجاح.
وقررت بعدها الإستغناء في حياتي عن الشمّاعات لتعليق ثيابي ، فكيف بتعليق خيبتي ، وتقصيري ، وفشلي ؟!.
ــــــــــــــــــــــــ
التعليقات (0)