مواضيع اليوم

شموع عملت في الظلال

أنس بارودي

2014-10-29 10:29:46

0

 

شموع عملت في الظلال 

 انقضت الإجازة الماضية كما انقضى غيرها من الإجازات سابقاً، وأصبح كل ما فيها، في أحسن الأحوال، ذكرى إن لم يخيم عليه ظلام النسيان. بعضهم يقول كانت ذكرى جميلة، والآخر يقول هي ذكرى حزينة، وثالث يتمتم بكلمات لا نفهمها، وآخر التزم الصمت.
عادة ما تحرر أيام الإجازة الكثير من الأحلام المؤجلة، وتفي بالكثير من الوعود السابقة، وتنفِّس عن كثير من النفوس المقهورة والمكبوتة.
أيام الإجازة هي للترويح عن النفس والأهل، وهي مساحة لتفريغ ما ترسَّب من ضغوط، ونافذة نغلقها حتى لا نستقبل المزيد من الأوامر والنواهي والطلبات. ينتظر الناس الإجازات للتلاقي مع أنفسهم، والخلو بها، بعد أن سرقتهم ظروف العمل، وحكمت عليهم أقدار الرزق، ونسي الكثير منهم أن له الحق في أن يعيش هو بذاته لا بصفته العملية.
سمعت كثيراً من المتخصصين الذين يقولون إن الإجازة هي جزء من العمل، كما أن الصيانة مطلب أساسي لاستمرار عمل الآلة، والتبريد ضروري لتمام جاهزيتها، وكذلك الراحة بعد العمل. عاد الناس إلى أعمالهم بعد إجازاتهم، عادوا إلى الروتين المعتاد، بعد فترة من الراحة والنزهة والانشراح والحرية، عادوا إلى أعمالهم ليستكملوها، أو عادوا إلى أعمال جديدة ليبدؤوها.
توقف كثير منهم عن العمل، لكن الحياة بقيت مستمرة، والدنيا لم تخرب بهذه الإجازة، ولم يتوقف سير الحياة بتوقفهم، بل سارت الحياة كما قدر الله لها أن تسير، مع انشغال الكثير عن معرفة كيف سارت الحياة من دونهم، أو كيف استمرت الحياة وهم متوقفون عن أعمالهم ينعمون بساعات الراحة المقتطعة من أيام عملهم. بالطبع ليس كل الناس ككل الناس، فهناك فئة منهم ضحوا بهذه الراحة لأجلهم، هده الفئة آثرت خدمتهم في أوقات راحتهم، وبدلت راحتها في سبيل راحتهم، عملت في أوقات إجازاتهم، وفضلت سير الحياة على إجازاتها.
هذه الفئة عاشت أياماً كالجنود المجهولين الذين يعملون في الظلال، أو كالشموع التي تنير الأوقات القليلة التي تنقطع فيها الأنوار، ووقفت كخطوط احتياط حتى تستمر عجلة الحياة بالتقدم. جمْعٌ ليس باليسير استمر في العمل في أيام الإجازات، يعمل، أو يسهر، أو يجتهد حتى ينعم القسم الأكبر من الناس بالراحة والاستمتاع.
انظروا حولكم، فالمستشفيات لم تغلق باب الطوارئ أبداً، ورجال الدفاع المدني لم يغادروا مطارحهم، ودوريات الشرطة والمرور لم تغادر شوارعنا ولا أحياءنا، وجنودنا لم يبرحوا ثكناتهم، حتى موظفو الخدمات من الماء والكهرباء والصيانة ظلوا في مواقعهم وفي أشغالهم، يستقبلون شكاواكم، ويعملون على إرضائكم وتلبية أوامركم دون كلل أو ملل.
ليس هؤلاء فقط هم من عمل في أوقات الإجازات، بل غيرهم كثير، ولكن العدَّ هنا على سبيل المثال لا الحصر، ولكم أن تنظروا في أي مرفق زرتموه أو قدم لكم خدمة أو لبَّى لكم طلباً، وستجدون الكثير. إن مثل هده الفئات تستحق منا كل الاحترام والتقدير، وترفع لهم القبعات، ولا بد أن ينظر لهم بعين الشكر والاهتمام، فلولاهم ما فرح أحد منا بإجازته، ولا ارتاح أحد منا بأيام راحته، ولانقلبت سعادتنا إلى أحزان لا يتمناها أحد منا.
أنصفوا هذه الشموع التي عملت في الظلال، فهم راحتنا وسعادتنا. 

www.facebook.com/pages/أنس-بارودي/7458136981

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !