بسم الله الرحمن الرحيم
كانت نشأة شمبات في عهد ما قبل السلطنة الزرقاء على الضفة الغربية لنهر النيل بأم درمان بمنطقة العجيجة القريبة من خور شمبات المشهور ولعل هذا هو أحد اسباب تسمية المنطقة بهذا الاسم وكان سكانها الاصليين من قبيلتي العبدلاب المعروفة والجباراب الذين هم نتاج تصاهر بين العبدلاب والجلعيين من منطقة الجبارات القريبة من الدامر . وكان النشاط الاقتصادي لأهل المنطقة كما هو حال معظم القبائل السودانية في ذلك العهد يقوم على زراعة الخضروات والذرة والرعي . وكان اميرهم وفارسهم في ذلك الزمان (بابكر ود أمحمد الامين) الذي استشهد مع ابنه في معركة كرري . حيث يعيش احفاده بشمبات الحلة حالياً .
وفي عهد الخليفة عبد الله التعايشي بدأ اهل شمبات والذين لم يكونوا على وفاق معه بالهجرة إلى الضفة الشرقية لنهر النيل واستقروا بمحاذاة النيل واستمروا بممارسة الزراعة والرعي مستخدمين السواقي والشواديف لري محاصليهم . إلا ان البعض منهم استمر بالعيش بامدرمان وهذا ما يفسر سر العلاقة الحميمة التي تجمع بين أهل شمبات الحاليين وسكان بعض الأحياء العريقة بام مدرمان وقتها كان التواصل الجميل يتم بين العشيرتين باستخدام القوارب حيث ماتزال اثار المرسى تحكي فصولاً عن تاريخ العلاقات الاسرية والاجتماعية الممتدة بين الاسرة الواحد على الضفتين والنيل هو الحبل السري لهذه التواصل الحميم لذا لا عجب بولهة وعشق الشمباتيين لنهر النيل . فتغنى الكثير من شعرائهم وفنانيهم بقصائد عذبة تحكي وتؤرخ لجمال النيل وسحر شمبات الذي لا يقاوم .
في ذلك الزمان تعايش أهل شمبات مع المحس الذين كانوا يحترفون تصنيع السواقي والشواديف ويقومون بتدريس اهل المنطقة من العبدلاب والجباراب اللغة العربية وتعليمهم القرآن فتزاوجوا وتصاهروا معهم . كما تداخلوا مع الحضاراب الذين ينتسبون إلى العبدلاب بجدتهم أبنة شاور ود عجيب المانجلك ، كما وفد إلى منطقة شمبات ايضا الدويحية الذين تعود أصولهم إلى الشمالية من منطقة (ديم ود حاج) وجاء إليهم الخيراب والذين يعودون بجذورهم إلى العوايده . هذا الخليط من القبائل الاربعة الرئيسية هي التي تكون مجتمع شمبات الحالي.
وبعد أن ضاقت الاراضي الزراعية بأهل شمبات كنتاج طبيعي للنمو السكاني المتزايد وخوفهم من الفيضانات والسيول التي غمرت اراضيهم وجرفت ممتلكاتهم وبخاصة فيضان 1964 بدا الاهالي بالانتقال بعيدأ عن ضفة النيل فنشأت ما يعرف الآن بشمبات الحلة والتي يحدها جنوباُ حي الشعبية وشمالاً السوق المركزي وشرقاً شارع المعونة وغرباً شارع الزراعة .
فانعقدت للعبدلاب القيادة الدينية الروحية فأسسوا المساجد والخلاوي فأسس شيخهم عثمان اونسة المسجد الذي يحمل اسمه في حي المزاد والذي تم تحويله فيما بعد إلى معهد ديني وقام ببناء خلوه له بشمبات التي ماتزال تقام فيها الصلوات وتدرس بها علوم القرآن وينعقد بها مجلس يومي بعد صلاة المغرب وخلفة يضم لفيف من أعيان شمبات ووجهائها وخلفه الشيخ أبنه الشيخ الخاتم عثمان اونسه ومن بعده الشيخ اونسه الملقب بالشيخ فخر الدين .
اما الجباراب فكانت لهم العمادة فكان اميرهم المجاهد بابكر ود امحمد الامين أول عمدة وبعد استشهاده انتقلت العمادة إلى حفيده العمدة الامين ود عبد الله وكان يساعده في العمادة الشيخ إدريس حضرة ، والشيخ وداعة الله عبد الرحمن، والشيخ ابراهيم حماد ،ومن بعده الشيخ محمود شيخ ابراهيم . ومن احفاد العمدة بابكر ود أمحمد المراجع المالي الضليع محمد عبد القادر المشهوربـ (طلب) والمعلم الفاتح محمد احمد . واستمرت الادارة الاهلية في حكم شمبات منذ العهد الانجليزي وحتى قيام ثورة مايو حيث قام الرئيس الاسبق جعفر نميري بحلها.
وكان لهذه الأسرة العريقة الفضل الاكبر في نشر التعليم الديني والتعليم الاهلي حيث تم بناء أول مدرسة للكتاب مايعرف (مرحلة الاساس) على ايديهم . وفي مجال الصحة قاموا ببناء اول شفخانة بشمبات وكانت بجوار المدرسة . كما انهم اول من ادخل طلمبات الري التي تعمل بالوقود بديلا للسواقي ، وكان يتم تشغيل هذه الطلمبة باشعال النار على خرق من القماش لتوليد شرارة اشتعال الوقود لتشغيل الماكينة .
كما قام شيوخ هذه الاسرة ببناء وتأثيث دار حفظ القرآن بشمبات نذكر منهم الشيخ عثمان الصديق بلال الذي ينتمي إلى الجبارات من ناحية الأم ومعه والشيخ وهبي الامين والشيخ موسى بلية عم الفريق عثمان أحمد بلية النائب بالمجلس التشريعي لولاية الخرطوم ، والشيخ الطيب حاج ابراهيم والد البروفسور عبد المعز الطيب واخوانه ومن احفاد هؤلاء نذكر اسرة البروفسوراحمد عبد الرحمن العاقب الذي يعد احد اشهر المراجع الملمة بتاريخ شمبات وتركيبتها السكانية والفريق محمد علي عربي قائد سلاح الطيران الاسبق واللواء عمر عبد العزيز الامين القائد الاسبق لسلاح المدرعات وشقيقه الدكتور محمد المختار عبد العزيز المحاضر بجامعة السودان ، والبروفسور محمد عبد الغفار الامين الذي عمل مديرا للابحاث البيطرية بسوبا ، والمرحوم محي الدين وهبي الامين وكيل وزارة التربية والتعليم ، والمهندس عز الدين وهبي الامين وكيل وزارة الاشغال والذي عُين وزيراً في عهد الانقاذ ، والدكتور الطاهر فضل من اوئل الذين تخصصوا في علم التخدير. وغيرهم الكثير من اثروا الحياة العلمية والدينية والاجتماعية بشمبات فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
التعليقات (0)