حاولت أن أفهم هؤلاء الذين يطالبون بالفدرالية فلم أجد في كلامهم منطقا سوى دعوة إنفصالية أودعوة لإستقلال برقة .. نحن الليبيين نعرف الفدرالية أكثر من غيرنا فقد قسمتنا في فترة النظام الملكي وكل من عاش تلك فترة الفدرالية لا زال يتذكر كيف فرضت الفدرالية وماذا كانت أثارها وموقف أغلبية الشعب منها . والتاريخ لا يزور في وجود الأحياء الذين عايشوا أحداث إنشاء دولة ليبيا . وقد أستيقط ساستنا في العهد الملكي وعلى رأسهم الملك إدريس رحمه الله الذين فرضوا الفدرالية بعد أن تأكدوا من مساوئها مؤخرا فقرروا الوحدة ، لكنهم لم يطبقوا الوحدة بالمعني الكامل للوحدة فبقت العقلية الفدرالية تحكم البلاد حتى فقدت إستقلالها وحريتها على أيدي طغمة فاسدة إستغلت التقسيم الذي أرسته الفدرالية في العقول .فما معنى الوحدة التي أعلنت ووزير الداخلية ليست لديه سلطة على المحافظات الشرقية وقوات الأمن في طرابلس ليست لها علاقة أو إتصال بقوة دفاع برقة في المنطقة الشرقية التي لا تخضع أيضا لوزير الداخلية . والحكومة بقت في مدينة البيضاء التي تبعد عن العاصمة طرابلس 1250 كم وبها وجود مقر الملك ورئاسة الحكومة ومجلس الوزراء ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع وقيادة الجيش الليبي وأقوى قوة دفاع وشرطة . فالسفراء والدبلوماسيون ومن يريد مقابلة رئيس الوزراء أو وزير الخارجية أو أي مسئول ليبي عليه أن يستقل طائرة إلى بنغازي ويواصل السفر بالسيارة مسافة 200 كم ألى البيضاء ليقابل المسئول الليبي لفترة نصف ساعة ثم يعود إلى مقره في طرابلس . لقد حاولت الحكومة إقناع السفارات ببناء مباني في البيضاء فرفضوا لأنهم كانوا يعرفون أن الوضع غير عادي ولن يدوم وغير مستعدين لتبذير أموالهم كالليبيين والبناء في مدينة البيضاء . كما أن موظفيهم سيطلبون نقلهم من ليبيا أو مضاعفة مرتباتهم ومن يبقى منهم سيترك عائلته في طرابلس ويسافر أليها أسبوعيا وستتحمل الشركات هذا السفر الأضافي . لأنهم يريدون العيش في مدينة عامرة بالأجانب من كل الطوائف والثقافات . طرابلس كانت مدينة مفتوحة وجاليات أجنبية كثيرة التي لها مجتمعاتها الأوربية والأمريكية الخاصة . نفس الشئ حصل لشركات النفط عندما أصرت الحكومة عليها الأنتقال إلى بنغازي العاصمة الثانية للبلاد .وهذا ليس فريدا فالسعودية معظم موظفي وعمال النفط فيها يتركون عائلاتهم في البحرين أو الأمارات أو في أوطانهم ويسافرون أسبوعيا إليها في عطلة نهاية الأسبوع، والشركات تدفع التكاليف الأضافية لهذا الوضع . حتى في طرابلس بعد الأنقلاب وسفرالجاليات الأجنبية المتعددة الثقافات ترك معظم الموظفين عائلاتهم في دول خارج ليبيا مثل مالطة وإيطاليا أو في أوطانهم وأضطرت شركات النفط في ليبيا إلى أعطاء عمالها الأجانب تكاليف السفر لأجازة نصف سنوية لقضائها في تونس أو مالطة بالأضافة ألى تكاليف السفرللأجازة لهم وعائلاتهم إلى بلدانهم الأصلية .
الفدرالية التي تطبق في سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية تحتاج ألى وعي شعبي متقدم وساسة لا يسعون للسلطة وللحكم والنفوذ وخدمة المصالح الشخصية وإنما لخدمة مواطنيهم ويحترمون غيرهم من حكام الولايات ويخضعون للحكومة الفدرالية .
وفي سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية يوجد عدد كبير من الولايات بحيث لا تفكر ولاية منافسة أو تحدي الأتحاد في أختصاصاته أو الحصول على مزايا تزيد عن الولايات الأخرى .
وسويسرا تضم 26 كانتونا (ولاية ) وكل كانتون في سويسرا يحتوي على عدد من الكامونات(بلدية) ويبلغ عددها 2890 كامونا(بلدية ) في سويسرا، وجنيف تحتوي على 45 كامونا . وكل كانتون أو كامون يعرف إختصاصه ويعالج المسائل المحلية ولا يتنافس مع غيره من الكانتونات والكامونات العديدة ، والكل يلتف حول الحكومة الأتحادية التي تتألف من سبعة مستشاؤين (وزراء) يعين احدهم رئيسا للأتحاد كل سنة ، وهي تراقب عمل الولايات بحيث لا يخالف القوانين السائدة أو وحدة الأتحاد ولا يعتدي كانتون على أختصاص كانتون اخر ، نظام حكم اقل ما يوصف بفسيفساء السلطة لا يمكن لأي دولة أن تقتدي به لأنه تطور خلال عقود طويلة في سويسرا . وفي الولايات المتحدة 50 ولاية وهذا جعل الولايات فيها ترتبط أكثر بالحكومة الأتحادية وينعدم التنافس على السلطة بين الولايات والأتحاد . وفي الدول التي فيها ولايتان أو ثلات كما حدث في ليبيا في العهد الملكي حيث تشعرالولايات بثقلها في الأتحاد وقدرتها على إتخاذ القرار دون الرجوع إلى الأتحاد فتحاول تحدي حكومة الأتحاد للحصول على المزيد من السلطات قد يؤدي إلى الأستقلال الكامل . كما أن النظام الفدرالي لا يتمشى مع العقلية العربية ولهذا لم يطبق في الدول العربية رغم أن بعضها أكبر من ليبيا في حجم سكانها ومساحتها ومراكز سكانها تبعد عن بعضها مئات وألاف الكيلومترات . بعض الفدراليين يضربون مثلا باتحاد مشايخ الأمارات على انه أتحاد فدرالي والمشيخات لم تكن مشيخة موحدة في يوم من الأيام . الفدرالية تخلق كيانات وحكاما والحاكم العربي لا يخضع لغيره كالسويسري والأمريكي . حدث هذا في ليبيا خلال النظام الملكي فحاولت الولايات الأستقلال وطالبت بأن يعين الولاة بأمر ملكي ورئيس المجلس التنفيذي والنظار بمراسيم ملكيىة يوقعها الملك والوالي ، كما يحدث في تعيين رئيس الحكومة الأتحادية بأمر ملكي والوزراء بمرسوم ملكي يوقعه رئيس الوزراء . حتى الشئون الخارجية كانت تتم بين السفراء المعتمدين في ليبيا والولايات في الشئون التي تهمها . وقد أضطر أول رئيس لوزراء ليبيا رفع الأمر إلى المحكمة الأتحادية العليا فحكمت المحكمة بعدم دستورية كل المراسيم التي تصدر بدون توقيع رئيس الوزراء ، ولم ينفذ قرار المحكمة العليا فأستقال، وحدث نفس الشئ مع رئيس الحكومة الثانية فأستقال ، وبعد ذلك حلت المشكلة على الورق بتنفيذ قرار المحكمة العليا وإستمر الوضع وأصبحت المراسيم الولائية ترسل من الديوان الملكي موقعة من الملك ألى رئيس الوزراء لمجرد التوقيع دون أن يكون له راي فيها. وأستمرت المشكلة حتى إعلان الوحدة وإلغاء منصب الولاة ورؤساء المجالس التنفيذية والمجالس التشريعة ، لكن العقلية الفدرالية إستمرت في تسيير شئون البلاد وتعشش في الرؤوس بعد الوحدة .
الفدرالية لا تحل مشكلة المركزية بل تزيدها تعقيدا وهذا ما تعاني منه الدول الفدرالية الأن . خاصة أن التقدم التكنالوجي جعل العالم قرية واحدة لتقدم وسائل الأتصالات والمواصلات فما بالك بأثره الكبيرعلى توحيد أجزاء الدولة . و اللامركزية لا تتحقق إلا في نظام موحد تتولى فيه البلديات والمحافظات أدارة شئونها المحلية وتوفير إحتياجاتها وتقريب الخدمات من المواطنين دون الرجوع الروتيني ألى الوزرات إلا في الحالات التي تتطلب تنسيقا على مستوى الدولة في الشئون المتداخلة في إختصاصات الولايات . لا اعرف أهداف دعاة الفدرالية إلا إذا كانوا يريدون إقامة دولة في برقة أو إتحاد مع مصر التي تنظر الى برقة منذ عهد السادات بانها جزء منها وتحتاج إلى موارها النفطية وقد منع الرئيس الأمريكي كارتر السادات من تنفيذ أهدافه ولكن الولايات المتحدة اليوم تنظر إلى مصر بنظرة أخرى وتريد االتعاون وأرضاء حكومة الأخوان المسلمين للمحافظة على حيادها والأعتراف بأسرائيل والأتفاقيات التي عقدت معها . كما تعرف أمريكا أن هذا التعاون لا يتحقق إلا بمساعدة مصر ماليا ووضع أمريكا المالي أصبح صعبا لهذا فقد يكون إنضمام برقة إلى مصربدعم أمريكي فيه الحل لأحتياجات مصر المالية إذا شعرت امريكا أن برقة تفضل الأنفصال عن طرابلس . وكثيرون يتساءلون هل هذه الدعوة الفدرالية مبنية على فائدة مواطني برقة مع ان المفروض ان المناطق الجغرافية في الدولة تتوحد عادة لفائدة مواطنبها لزيادة التعاون الأقتصادي والسياسي بينها لتكوين دولة ، حتى الدول تتوحد لأقامة إتحاد بينها ، وشعوب العالم بإختلافاتهم العرقية واللغوية والثقافية والأقتصادية تتوحد تحت علم الأمم المتحدة لفائدتها الإقتصادية والسياسية لهم وتخضع لقراراتها وتتنازل لها عن بعض سيادتها. إذن ما هي دوافع دعاة الفدرالية هل هي دوافع شخصية لأن نظام الولايات يوفر المناصب وفرص العمل والتجارة لفئة معينة من المواطنين كما حدث في الماضي . نحن لا نلوم المواطن العادي والعامل في برقة لقبول فكرة الفدرالية عندما يقول له دعاة الفدرالية أن الطرابلسية يأخذون بتروله ويحتفظون بمركز الشركات والمؤسسات عندهم ويحرم سكان برقة من العمالة التي توفرها هذه الشركات ، وإن اقامة ولاية لبرقة سيحول كل البترول الموجود في برقة أليهم وتعمر بنغازي بالشركات وتتوفرفرص العمل لهم . وقد لا يعرف المواطن العادي أن الدعوة الفدرالية تهدف لخدمة فئة معينة من الساسة والتجار ويجهل المزيا والفوائد الذي يوفره نظام الوحدة وتولى المحافظات الشئون المحلية والتنمية المتكاملة بالتنسيق مع بقية أجزاء ليبيا لتوفير العمل والرفاهية للجميع . ولذا فعلى دعاة الوحدة مواجهة طلاب الفدرالية بحملة مضادة لتبيان فوائد الوحدة التي تربط ين أجزاء ليبيا وتحفظها من أطماع الطامعين وإجراء إستفتاء قبل تنفيذ رغبات دعاة الفدرالية . ليبيا يجب أت تقسم الى 15 محافظة بها مجلس محلي منتخب ومحافظ منتخب وتتولى المحافظة كل الشئون المحلية وخدمات المواطنين وفقا للقانون دون الرجوع الروتيني ألى الوزارات ، وتتألف الحكومة المركزية من وزارات سيادية مثل الخارجية والدفاع والعدل والداخلية ووزارات خدمات تتولى وضع الخطط والقوانين في مجالاتها بالتنسيق مع المحافظات التي تتولى سلطة التنفيذ لمشاريع التنمية وأدارة شئون المحافظة والخدمات فيها ولها شرطتها الخاصة المحلية لحفظ الأمن بالتسيق مع وزارة الداخلية وقضاتها ومحاكمها بالتنسيق مع وزير العدل .
التعليقات (0)