بغض النظر عن المواقف المتضاربة بخصوص التوجه السياسي لحركة 20 فبراير و الجهات المستفيدة من إنزالاتها المتواصلة منذ عدة أشهر في مختلف مناطق المغرب، ينبغي التأكيد على دور الحراك الشعبي الذي تقوده هذه الحركة في صياغة تفاصيل المشهد السياسي في كل الإستحقاقات التي عرفتها بلادنا سنة 2011. و إذا كان كل المراقبين يتفقون على أن الإصلاحات الدستورية التي عرفها المغرب امتصت إلى حد كبير أجواء الإحتقان و منعت رياح الربيع الثوري التي تهب على عدد من دول المنطقة من الوصول إلى بلادنا، فإن الطبعة المغربية من حراك " الفيسبوك" ظلت تشكل باستمرار الغائب ( أو المغيب) الحاضر في واقعنا السياسي. و ذلك ما تجلى في الإستحقاق الإنتخابي ل 25 نونبر.
طيلة الفترة التي سبقت الموعد الإنتخابي كان هاجس نسبة المشاركة يؤرق صناع القرار السياسي في بلادنا. و كانت حركة 20 فبراير جزءا أساسيا في هذا الأرق، و ذلك بالنظر إلى مواقفها المعلنة و الداعية إلى مقاطعة هذه الإنتخابات. و بالرغم من أن نسبة المشاركة التي أعلنت عنها وزارة الداخلية بدت إيجابية إلى حد ما، و حاول البعض استثمارها للشماتة في الأطراف التي كانت تراهن على المقاطعة، فإن ذلك لا يعني أبدا اندحارا ل 20 فبراير. بل إن التواجد المستمر للحركة في الشارع حول موقف مقاطعة الإنتخابات من مستواه العفوي و اللامبالي بسبب انعدام الثقة بين المواطن و النخبة السياسية التي تتسابق على الفوز بصوته إلى قرار واع نسبيا. أي أن شريحة واسعة من المقاطعين للإنتخابات اتخذوا هذا القرار إيمانا منهم بضرورة تغيير قواعد الممارسة السياسية و تخليقها و الضرب على أيدي المفسدين قبل كل شيء. لذلك أصبح أمرا عاديا أن نسمع في المنتديات الخاصة و العامة وصف العملية الإنتخابية ب "المسرحية". و قد كان هذا التوصيف في السابق مفهوما نخبويا، لكنه أصبح الآن رائجا بفضل شعارات 20 فبراير.
حضور حركة 20 فبراير يبدو مؤثرا أيضا في النتيجة التي آلت إليها هذه الإنتخابات. ذلك أن فوز حزب العدالة و التنمية كان منتظرا، لكن عدد المقاعد التي حصل عليها فاجأ كل المتتبعين. و الواقع أن " البيجيدي" مدين في جزء مهم من فوزه هذا للواقع السياسي الجديد الذي أفرزه الحراك الشعبي. ففي خضم استفحال الريع السياسي في المغرب و ضعف أداء الأحزاب السياسية، كانت كل المؤشرات تفيد بأن حزب "الأصالة و المعاصرة" سيكتسح الإنتخابات التي كانت مقررة سنة 2012. لكن الحراك الشعبي المغربي (الذي جاء في سياق الربيع الديموقراطي في منطقة شمال إفريقيا) عجل موعد الإنتخابات و غير كثيرا من تفاصيل الخريطة السياسية في بلادنا. و كان حزب الجرار أكثر المتضررين من إنزالات 20 فبراير. حيث تعرض لحملة شعبية اتهم فيها بعض رموزه بالفساد إلى جانب شخصيات أخرى. و هو الأمر الذي أضعف هذا الحزب كثيرا، و ساهم في نهاية المطاف في توجيه الكتلة الناخبة بطريقة أو بأخرى إلى التصويت لمصلحة حزب ينظر إليه على أنه " نظيف سياسيا" و لا بأس من اختباره من داخل تسيير الشأن العام. ثم إن صوت الشارع المغربي ساهم إلى حد بعيد في حرص الدولة على التخلي عن بعض ممارسات الماضي التي كانت تسيء إلى نزاهة الإنتخابات. حيث قطع " حياد " السلطة الطريق أمام التلاعب بإرادة الناخبين. و كان حزب العدالة و التنمية المستفيد الأول من كل هذه الإفرازات التي خلقتها حركة 20 فبراير. لكن و بالقدر الذي ساهمت به الحركة في توهج " المصباح" يمكن أن تسهم في إخماد جذوته أيضا. و ذلك يتوقف على الأداء السياسي للحكومة المقبلة و مدى استجابتها لتطلعات و آمال المغاربة.
لقد غابت 20 فبراير عن صناديق الإقتراع في الإستحقاق الإنتخابي الأول من نوعه في ظل الدستور الجديد. لكن تأثيرها ظل حاضرا بقوة في صياغة تفاصيل المشهد السياسي الجديد. لذلك تستحق هذه الحركة الشكر من طرف كل الفرقاء السياسيين سواء كانوا يتفقون مع توجهاتها أو يختلفون بشأنها، كما تستحق الشكر أيضا من طرف كل أبناء هذا الشعب، لأن التاريخ سيذكر الأجيال اللاحقة أن شوطا حاسما في طريق البناء الديموقراطي في المغرب بدأ من هنا. منذ 20 فبراير. محمد مغوتي.02/12/2011.
التعليقات (0)