مصعب الهلالي:
شقاء اليمن السعيد
كان اليمن منذ فجر التاريخ العربي لا يطلق عليه سوى اليمن السعيد .. وإليه تنسب جنة عدن .. وقيل أن آدم عليه السلام قد خلق وعاش فيها ومنهم من قال خلق في السماء وعاش في حنة عدن ومنها هبط ….. ومن اليمن السعيد خرج كافة العرب العاربة وانتشروا في جزيرة العرب بعد انهيار سد مأرب الذي كان سببا في رخاء اليمن وأمنها وسعادتها وسيادتها على ما جاورها من اعراب يوما ما …… وعلى مر العصور تغير في اليمن الكثير لكن الذي لم يتغير هو إنسان اليمن بخلقه الرفيع وحضارته وقلبه الرقيق وإحساسه المرهف .
في عام 1967 تأسس اليمن الجنوبي بعد تحرره من الاستعمار البريطاني …. وفي عام 1978م تولى علي عبد الله صالح رئاسة الجمهورية اليمينة في صنعاء ……. وبعد وصول الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض (قومي عربي) إلى رئاسة اليمن الجنوبي بعد النجاة باعجوبة من عدة محاولات اغتيال راح ضحيتها آخرون تم إعلان الوحدة الطوعية في 22مايو 1990م بين شقي اليمن السعيد …… وأصبح علي عبد الله صالح البراغماتي النزعة مقارنة بأدلجة علي سالم البيض القومي العربي …. أصبح رئيسا لليمن ورضي علي سالم البيض بمنصب النائب المغلوب على امره.
كان علي سالم البيض من أولئك النفر والجيل الناصري الثوري الأكثر إلحاحا وإيمانا وقناعة بالوحدة العربية فما بالك بوحدة اليمن .. ولأجل ذلك لم يتوانى في التضحية بمنصب الرئاسة من اجل تحقيق جزء من هذه الأحلام …..
ولكن يبدو أن الواقع لم يكن بحلاوة الأحلام الثورية وتباينت الممارسة مع التطبيق إلى حد بعيد كان من اهم إفرازاتها تفرد الجانب الشمالي بالحكم والسلطة والثروة واتخاذ القرارات في حين حرم الجنوبي حتى من إدارة الجزء الخاص به ناهيك عن (التدخل) في شئون الشمال وما يجري في أروقة صنعاء التي بات من حقها وحدها حكم كل أنحاء اليمن الموحد.
وفي أغسطس 1990م غزا صدام حسين الكويت وكانت الكارثة العربية الكبرى .. وانقسم العرب ما بين مؤيد ومعارض ومتفهم .. وكان موقف صنعاء أكثر ميلا إلى صدام من جهة معارضة التدخل الخارجي لتحرير الكويت …. ولكن الذي فهم من جانب الأكثرية العربية هو أنها (أي صنعاء) مائعة وتقف في الخفاء إلى جانب صدام بعد ان وعدها الأخير بجزء من خيرات الكويت .
وعلى هذا وبعد اتضاح الصورة في الكويت إثر إجلاء القوات العراقية منه بدأ التذمر الجنوبي في اليمن من جراء عدم التوازن في اقتسام الثروة والسلطة تتصاعد حدته وتتسع رقعته مستغلا عزلة صنعاء العالمية وعن محيطها العربي المؤثر.
ومزايدا على موقف صنعاء من غزو الكويت اعلن علي سالم البيض معارضته للغزو العراقي وكشف ان القيادة اليمنية التنفيذية لم تستشر أحداً من الجنوب في مجال الخروج بموقف سياسي عقلاني مبني على الوقوف مع الحق وحسن تقدير موازين القوى في المنطقة.
خرجت صنعاء إذن ضعيفة متهالكة محرجة من جراء هزيمة العراق وخروجه من الكويت بداية عام 1991م فكان أن وجدتها القيادة الجنوبية السابقة فرصة سانحة لإعلان معارضتها وتذمرها لما يجري من تقليم لأظافرها وتجاهل وتمييع لحقوقها التاريخية في تحرير وقيادة الجنوب وأن تبقى الوحدة على مبدأ التعامل ندا بند بين طرفيها الشمالي والجنوبي لفترة انتقالية على الأقل وحتى تنضج الوحدة الوليدة على نار هادئة.
وفي عام 1994م أعلن علي سالم البيض الغاء الوحدة من جانب واحد وفق حسابات سياسية كان يرى انها مواتية .. ولكن الخطأ الذي كان مميتا في اتخاذه لذلك القرار هو عدم وضعه في الحسبان للحسابات العسكرية والتفوق النوعي والكمي والعددي للقوات العسكرية الشمالية على رصيفتها الجنوبية فكانت الهزيمة العسكرية محققة وجرى سحق محاولة الانفصال عسكريا بالفعل .. ولكن جمرة الانفصال كانت ولا تزال تحت الرماد فما الذي طرأ من رياح لجعلها تشتعل مرة اخرى ؟
لاشك أن صنعاء تمر داخليا الآن بفترة صعبة للغاية نتيجة فشلها في القضاء المبرم على ثورة الشيعة الحوثيين وسط كهوف جبال مران في صعدة شمال اليمن ..
وعلى الرغم من المزاعم بان هؤلاء الشيعة لا يشكلون سوى 1% من سكان اليمن قاطبة (21 مليون تقريبا ) إلا أن هذه الثورة تكبد الجيش اليمني الكثير وتستنزف من ميزانية الدولة المتهالكة الشئ الأهم والأكثر في بلادنا العربية ..
صنعاء ايضا باتت خزينتها خاوية على عروشها بعد انهيار اسعار البترول ونضوب آباره القليلة العجاف لديها .
إذن باتت الوحدة اليمنية بين شماله (16 مليون نسمة) وجنوبه (4 مليون نسمة) على المحك الآن في ظل إصرار صنعاء على تجاهل تلبية أحلام وطموحات أهل عدن في النهوض بالجنوب وما كان يعدونهم به من الرخاء واقتسام السلطة والثروة وحيث لم تقدم الهزيمة العسكرية للجنوب في الميدان الحل الأمثل .
وربما لو تجاهلت الدول العربية المحيطة والمؤثرة في اللعبة اليمنية .. ربما لو تجاهلت فرض حل سلمي سياسي بين صنعاء وعدن وفضلت التضحية بالقوميين العرب في الجنوب لمصلحة براغماتية صنعاء أو تركت الحبل على الغارب ؛ فإن هزيمة على سالم البيض ومؤيديه سيكون ثمنها باهظا وهو حلول القاعدة محل القوميين العرب في الجنوب وبداية حرب استنزاف إرهابية وتفجيرات واغتيالات وقنابل بشرية تقضي على ما تبقى من الأخضر واليابس في اليمن السعيد....
التعليقات (0)