منذ اليوم الأول لخلع آخر الفراعنة الطاغية المخلوع حسني مبارك، وما تلا ذلك من أوضاع معقدة لا تزال الأحداث تلقي بظلالها على الكيان الصهيوني الذي تتابع قيادته السياسية والعسكرية عن كثب ما يطرأ من أحداث يومية في المرحلة الجديدة بعد نجاح ثورة 25 يناير، بانتظار من سيصل إلى هرم السلطة، خصوصاً أن منصب رئيس الجمهورية في مصر (منذ العام 1954م وحتى العام 2011م)، هو الذي كان يحدد ملامح السياسة الإقليمية والخارجية بشكل كبير.
ولا شك أن ما ترغب به حكومة (تل أبيب) هو فوز الشخص الذي سيحقق – طبقاً لسياسات قادة الكيان الصهيوني – التوازن في المنطقة، وأن يحترم الرئيس القادم أولاً وقبل أي شيء اتفاقات "كامب ديفيد" الموقعة معها.
ويلاحظ المراقب كيف أن حكومة العدو الصهيوني قد ظلت حتى سقوط مبارك في الحادي عشر من شباط (فبراير) تحاول جاهدة تفادي المجهول الذي يمكن أن تواجهه بالإصرار على إنقاذ النظام المصري السابق، عبر إرسالها تعليمات إلى عشرة سفراء لها في العواصم المركزية في العالم، مثل الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وكندا، واليابان، والدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي لإقناع زعماء هذه البلدان بضرورة الوقوف خلف مبارك بقوة، وإلا واجه الغرب ردود فعل مدمرة لمصالحه، خاصة في منطقة الخليج الغنية بالنفط وسرعان ما أبدت "تل أبيب" غضبها من المواقف الغربية المؤيدة للثورة على نظام مبارك، (صحيفة هآرتس العبرية 31 يناير/كانون الثاني 2012م).
وبدورها، فشلت هذه المحاولة ليجد قادة الكيان الصهيوني أنفسهم في مواجهة فشل مزدوج، حيث كان أحد مداخل إدراكهم أنهم أصبحوا في أتون شرق أوسط جديد يصعب سبر أغواره ورسم مسار التغيرات التي ستلحق به وتؤثر في الثوابت الإستراتيجية للعدو الصهيوني التي وضعت في العقود الثلاثة المنصرمة.
وقد عكست تحليلات الخبراء والمسؤولين في دوائر الحكم والقرار الصهيوني للأوضاع في المنطقة العربية، عقب خلع الرئيس مبارك في مصر، وعزل الرئيس اليمني، وقتل العقيد القذافي إثر اندلاع المواجهات في ليبيا بين قواته ومعارضيه، ومن قبلها فرار الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وتصاعد الحراك الثوري في البحرين وسورية، وتفاقم الأزمات في لبنان والأردن والعراق، وغيرها من البلدان العربية، أمارات الاضطراب الواضح، ولكنها اتفقت جميعاً على أن الشرق الأوسط القديم، لا بل الوطن العربي برمته قد اهتز، وأن الوضع المترتب على ذلك سيكون خليطاً بين القديم والجديد، وأنه في الأغلب لا يمد إسرائيل بعنصر للاطمئنان.
خطوط حمراء في وجه الرئيس القادم
يشير (ايلي افيدار) ممثل السابق لـ"إسرائيل" في قطر في مقالة له بعنوان :"سيطرة مزدوجة" (نشرت في صحيفة معاريف في 3/4/الماضي)، إلى أنه :وقع شيء في مصر في خطوة دراماتيكية للغاية منذ سقوط حكم مبارك، والوضع الراهن في مصر تغير بحيث لا يمكن التعرف عليه :فقد نشر "الإخوان المسلمين" الحجارة على لوحة الشطرنج وهم الآن يهددون بحسم المباراة وعلى القدس أن تتابع باهتمام التطورات وألا تسير أسيرة التصريحات المعتدلة للمحافل المتطرفة (أي المقاومة) إذا كان ثمة إمكانية لاستخدام روافع ضغط على الجيش المصري وعلى محافل أخرى كفيلة بوقف سيطرة الإسلام السياسي على الدولة، فهذا هو الوقت لعمل ذلك. بعد الانتخابات للرئاسة، يحتمل أن يكون حقاً لم يعد يتبقى مع من يمكن الحديث في القاهرة.
وفي مقالة للمحلل السياسي الصهيوني (إسرائيل زيف)، عنوانها :مع الوجه نحو القاهرة، (نشرت في معاريف في 11/3/الماضي)، يشير (زيف) إلى أن الوضع السائب في مصر، والذي يسمح اليوم بنقل السلاح إلى القطاع ليس فقط عبر السودان بل وأيضاً من ليبيا بعد سقوط القذافي، معناه تهديد استراتيجي على (إسرائيل)، ولكن بقدر لا يقل عن ذلك تجاه الحكومة المصرية الجديدة.
والقيادة في مصر ستكون مطالبة بتبني خط برغماتي وإيديولوجي أقل كي لا تفقد سيطرتها على حدودها وكي لا تتحول إلى قاعدة إرهاب إقليمية (أي قاعدة إسناد للمقاومة). وإلا، فإن من شأنها أن تعرض للخطر اتفاق السلاح مع (إسرائيل) واستقرارها الاقتصادي الذي ينطوي عليه ذلك.. وفي ضوء التغييرات التي تقع في المنطقة بشكل عام وفي مصر بشكل خاص على (إسرائيل) أن تصمم سياسة عملية ذات خطوط حمراء واضحة للرئيس المصري، الذي سينتخب في شهر حزيران / يونيو بالنسبة لمدى الإسناد الذي يمكن أن يمنح لمنظمات الإرهاب (أي المنظمات الفدائية) في القطاع.. الأهمية الإستراتيجية للسلام مع مصر ليست موضع خلاف، ولكن نمط حياة سكان الجنوب غير قابل للحل الوسط أيضاً.
شفيق.. صمام أمن وأمان العدو الصهيوني
إن كل التحليلات السياسية التي نطالعها في صحافة العدو الصهيوني تحذر من وصول مرشح حركة الإخوان المسلمين، متمنية وصول مرشح الفلول أحمد شفيق، الذي يعتبره الصهاينة الأكثر قدرة على المحافظة على مصالحهم الكبرى، المتمثلة ـ من وجهة نظر صهيونية ـ في: أولاً: ضمان بقاء اتفاقات السلام الموقعة بينها وبين كل من مصر والأردن.
ثانياً: الحفاظ على توازن القوى الذي كان قائماً في الشرق الأوسط بين معسكر المعتدلين الذي كانت تقوده مصر والسعودية والأردن، ومعسكر الممانعة بقيادة إيران وسوريا المتحالفتين مع حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة .
ثالثاً: ضمان التنسيق الأمني الذي كان قائماً بين مصر و(إسرائيل) فيما يتعلق بإدارة المعابر على الحدود مع غزة، وكذلك مراقبة عمليات التهريب من سيناء داخل القطاع بما تشمله من أسلحة وأفراد مطلوبين أمنياً لسلطات الاحتلال.
رابعاً: مواصلة الضغط على حركة حماس ومنعها من استغلال العمق المصري سياسياً وأمنياً وشعبياً.
خامساً: عدم التعرض لضغوط أوروبية وأمريكية لاستئناف مسيرة التسوية مع الفلسطينيين بشروط لا تقبلها (إسرائيل).
سادساً: استمرار حشد التأييد من جانب معسكر الاعتدال العربي لتشديد الحظر على إيران لمنعها من الوصول للعتبة النووية.
سابعاً: عدم تشكل محاور إقليمية جديدة تعتمد على تنسيق واسع بين قوى إقليمية كبرى، توجه جهدها لممارسة ضغوط سياسية وأمنية عالية على (إسرائيل)، وبالتحديد المحور الذي تسعي إليه إيران وتركيا بإضافة مصر إليه مستقبلاً.
وتدرك قيادة العدو الصهيوني جيداً أن المرشح الأوفر حظاً (الدكتور محمد مرسي) بخلفيته الإسلامية سيكون الأكثر تضامناً مع مظلومية الشعب الفلسطيني وقضيته، وهو يجاهر بعداوته لـ(إسرائيل).
وكانت صحيفة معاريف العبرية قد عقدت في أوائل هذا الشهر مقارنة بين مرشحي الجولة الثانية الدكتور محمد مرسي الفريق أحمد شفيق وتوقعت الصحيفة احتياج مرشح الفول الفريق شفيق إلى معجزة حقيقية حتى يتثنى له الفوز بمنصب الرئيس، ذلك أن «الأخوان» أكثر تنظيماً وأكثر مالاً، وأن انتشارهم جيد بشكل كبير في أنحاء مصر.
وأشارت الصحيفة إلى أن هناك حوالي عشرة ملايين قبطي في مصر يرتعدون من شدة الخوف بعد أن أتضح لهم عدم وجود شخصية يثقون بها وهاجر الأغنياء منهم إلى الخارج وتوقعت الصحيفة أن تكون أصواتهم شبه مضمونة للمرشح أحمد شفيق فلقد تحول في نظرهم إلى الأخ الأكبر الذي سيحمى الكنائس ويحافظ على فرصهم في العمل ويضمن لهم حياتهم.
واستعرضت معاريف تاريخ كلا منهما بإيجاز واحتمالات فوزه في جولة الإعادة وقد بدأت بالدكتور محمد مرسى وذكرت أن المؤيدون له هم :الإسلاميون والمعارضين لبقايا النظام السابق ومعارضي المنافسين العلمانيين.
وعن موقف د. مرسي من "اتفاقات كامب ديفيد" أشارت الصحيفة أنه لن يقوم بإلغاء المعاهدة، لكنه سبق وأعلن عن إعادة فتحها ومناقشة بعض بنودها. كما سيعارض التطبيع مع (إسرائيل).
أما الفريق أحمد شفيق ـ وفقاً لـ"معاريف" فهو :مرشح مستقل ويحمل درجة الدكتوراه في هندسة الطيران ومناصبه السابقة هي :قائد السلاح الجوي، فوزيراً للطيران المدني فرئيساً لوزراء مصر خلال الفترة التي سبقت تخلي مبارك عن منصبه والمؤيدون له هم: العلمانيون والأقباط وطائفة رجال الأعمال، وجميع المعارضين لتطبيق الشريعة الإسلامية
أما عن موقفه من "اتفاقات كامب ديفيد" فقد أشارت الصحيفة أنه :يؤيدها وسبق له أن أعلن أنه إذا استدعت الضرورة فأنه لن يتردد في زيارة (إسرائيل).
وذكرت الصحيفة أن شفيق يرتبط بصلة نسب بالعميل(رأفت الهجان) إلى تم تجنيده تجنيداً مضاداً من قبل جهاز (الموساد) ـ على حد تعبير الصحيفة العبرية.
أوس داوود يعقوب
النخيل
التعليقات (0)