مواضيع اليوم

شعر النكبة(2)

د. رمضان رمضان

2012-09-06 14:04:17

0

 

بقلم: د.رمضان عمر

 د.رمضان عمر

يمثل واقع القضية الفلسطينية- بعد النكبة- امتدادا طبيعيا لمسببات النكبة؛ فعلى المستوى السياسي بقي النظام العربي الهزيل يدور في فلك المؤامرة الكبرى التي قادتها بريطانيا لتسهيل مهمة الاحتلال، وترتيب أمر مشروع التهجير بعد سقوط البلاد؛ إذ سرعان ما أعلنت هذه الدول العربية انهزامها أمام عدوها في غضون أيام، وإخلاء الساحة أمام جماعات(الهاجانا والارجون ) لتُعمل السكين في رقاب المستضعفين العزل البسطاء المعزولين عن واقعهم وعن محيطهم.

وعلى المستوى الاجتماعي كانت بريطانيا قد زرعت بذور الشقاق بين العرب الفلسطينيين، وقسمتهم إلى مشارقة ومغاربة،وأذكت بينهم النعرات والثارات، وعملت لها طابورا خامسا، عاث في الأرض فسادا، كل ذلك والفقر يرزح تحت أقدام الفلسطينيين،ويتمطى فوق صدورهم،والمزارع ليس له من أرضه إلا الشقاء والتعب.
أما الثوار الذين امتشقوا السلاح، وساحوا في البلاد،ليقوموا بواجب الفداء ويستكملوا مسيرة التحرير، فقد تجوهلوا عربيا،وحوصروا عالميا، وجففت منابع الدعم لهم،تحت ذريعة أن الدول العربية ستقاتل عنهم،وان وجودهم يعيق عمل الجيوش،لكن هذه الجيوش سرعان ما تحولت إلى أسد هصور لا في وجه عدوها، بل في وجه الشعب، وأعلنت حالات الطوارئ وغصت المعتقلات بالسجناء من المجاهدين الذين شاركوا فالدفاع عن فلسطين، وقتل الشرفاء من أمثال الإمام حسن البنا لما علمت الأنظمة عزمه في الجهاد، وشوهت صورة المجاهدين،واتهموا بالخيانة تمهيدا لتصفيتهم وعزلهم عن الساحة. 
وأما الحالة الثقافية، فحدث عنها ولا حرج، فلا مدارس ولا صحافة ولا إعلام في فلسطين، إلا ما كان من أمر بعض المثقفين العرب في المدن الكبرى، فقد عملت(بريطانيا)،ومن بعدها(اسرائيل)على سياسة التجهيل، حتى أصبح من الندرة أن تجد في القرية متعلما أو مثقفا.
لكن هذه الظروف مجتمعة لم تمنع ميلاد حركة أدبية ناضجة كانت بذرة التكوين الحقيقي لما عاد يعرف فيما بعد بالأدب الفلسطيني المقاوم، وكان على رأس هذا الجيل من الشعراء ثلاثة نقشوا أسماؤهم في ذاكرة الوطن،وهم:" إبراهيم طوقان، وعبد الرحيم محمود، وعبد الكريم الكرمي "فقد عاش ثلاثتهم فترة الانتداب البريطاني،ورأوا بأعينهم الثاقبة كيف تعمل السياسة البريطانية، فتنبئوا بما هو آت،ففي قصيدته “مناهج” التي لا تتجاوز الأبيات السبعة فقط، يصرخ الشاعر إبراهيم طوقان بنبوءته المفزعة في العام،1935 وكأنه في مخيلته الشعرية النفاذة، يرفع الغطاء كله عن النكبة قبل وقوعها بثلاث عشرة سنة( ):
ابراهيم طوقان العمال الشعرية الكاملة،اعداد وترتيب ماجد الحكواتي، 
مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري،2002،ص28.

أمامكَ أيها العربيُّ يومٌ

 

 

تشيب لهوله سودُ النواصي

وأنتَ كما عهدتُكَ.. لا تبالي

 

 

بغير مظاهرِ العبث الرخاصِ

مصيرُكَ بات يلمسه الأداني

 

 

وسار حديثُه بين الأقاصي

فلا رحبُ القصورِ غداً بباقٍ

 

 

لساكنها،ولا ضيقُ الخصاص

لنا خصمان، ذو حَوْلٍ وطَوْلٍ

 

 

وآخرُ ذو احتيالٍ واقتناص

تواصَوْا بينهم.. فأتى وبالاً

 

 

وإذلالاً لنا ذاك التواصي

مناهجُ للإبادة.. واضحاتٌ

(..([2]

وبالحسنى تُنفَّذ،والرصاص

 

 



ولما حلت النكبة ووقع المحذور، تابع الشعر الفلسطيني دوره، حيث بدأت مرحلة التساؤل عن أسباب الهزيمة ودوافعها وملابساتها.
والمتابع للمنتج الشعري في هذه المرحلة( الخمسينات) يجده متسما بسمتين:فعلى مستوى المضمون تجده مثقلا بآهات الفاجعة صارخا ثوريا، وإن اتسم في بعض الأحيان بشيء من الواقعية التي تسللت إليه من خلال الأثر الماركسي حيث إن معظم شعراء هذه المرحلة مرحلة الخمسينات كانوا من شعراء اليسار الماركسيين، أما من الناحية الفنية فقد بدأ يتفلت من نمطه التقليدي المعهود، وينشد إلى تجارب التحديث التي ولدت في العرق على يد نازك و السياب.
لكن هذه الواقعية الشعرية لا يمكن أن تمثل الواقع الفلسطيني؛ لأن الواقع الفلسطيني كان متناقضا من خلال معادلة الاحتلال المعقدة،هذا من نحو،ولم يكن مجرد واقع ثوري ينتمي لارهاصات التغير الاجتماعي في ثورات الكادحين كما روجت الماركسية آن ذاك من خلال مثقفيها، بل لعل القضية الفلسطينية كانت تحمل في بذورها التاريخية أهم مشكل لها وهو البعد الديني الذي غيبته تلك الثقافة المقاتلة "الماركسية"؛ وقد تحدث الأديب اليساري غسان كنفاني في كتابه الأدب الفلسطيني في ظل الاحتلال عن واقع الأدب المقاوم في تلك المرحلة، محاولا ربط هذا الأدب بتلك الواقعية الثورية ؛ وهو وان أجاد في كثير من تصوراته إلا أنه أغفل كثيرا من الجوانب الجوهرية التي كان يمكن أن يضمنها تحليلاته الجيدة.
لم يقل لنا الماركسيون- لا في تحليلاتهم السياسية،ولا في منتوجهم الشعري- أن جانبا كبيرا من الاحتلال الصهيوني اتكأ على بعده الديني؛ يقول الدكتور: فايز رشيد في كتابه "خمسون عاما على النكبة " 
"على مدى تاريخها "وان بشكل نسبي بين المراحل" فإن تزاوجا عضويا قد تم بين المؤسسة الدينية باعتبارها التعبير العلمي والعملي عن الإيديولوجيا العنصرية على المفاهيم التوراتية والتلمودية وبين المؤسسة السياسية العسكرية 
الحاكمة المدعومة بالتكنولوجيا المتطورة،ولذلك لا.زلنا نشهد تأثيرا كبيرا لهذه المؤسسة الدينية في مجمل السياسات الإسرائيلية:والأمثلة كثيرة على ذلك: تعريف من هو اليهودي، تنازل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في العديد من الخطوات لصالح الحاخامات من تطبيقات دينية في الشارع الإسرائيلي، ولعل أبرز دليل على ذلك:ما أفرزته الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة للكنيست في عام 1996 من تنامي متصاعد للأحزاب الدينية وعموم اليمينية الإسرائيلية.وهنا لا بد من أخذ ملاحظات بعين الاعتبار:وهي إمكانية التنامي المستمر لهذه الاتجاهات في الداخل الإسرائيلي وبالتالي زيادة تأثيرها على مجمل السياسة لإسرائيلية،ونستطيع أن نتصور بالطبع تداعيات ذلك على مجمل الصراع العربي الصهيوني.(3 ) 
كانت السياسة الإسرائيلية على الأرض ترسم بخبث مستقبل الشعب الفلسطيني،من خلال المجازر المرعبة لترحيل السكان،والسياسات القمعية لضبط إيقاعات المنطقة بما يضمن استقرار الاحتلال لبدء عملية التطهير، وبناء الدولة.
أما الجانب الثقافي، فقد عنيت به هذه السياسة،وحاولت سحق مكوناته، وقد رسم الأديب اليساري غسان كنفاني صورة دقيقة للاحتلال الثقافي الذي تمثل في قوانين وإجراءات تعسفية لم تكن بأقل إجراما من المذابح والمجازر التي كانت تقوم بها الدبابات، بل إن سياسة التجهيل ارتبطت بنهج مبرمج لسحق الهوية وتفريغ الوطن، ولنقرأ هذا الكلام الخطير الذي يورده غسان على لسان مثقف صهيوني:"علينا أن نقصر خطواتهم، وأن نأخذ أراضيهم، كل عربي ينهي المدرسة الثانوية أو الجامعة لا نعطيه عملا، وليبحث عن عمل خلال ثلاث أو أربع أو خمس سنوات حتى ييأس ويفهم أنه لا مكان له في هذه البلاد،وليبحث عن بلاد أخرى،علينا أن نقنع العرب بعدم سماع الراديو العربي،علينا أن نقطعهم عن الثقافة العربية، ونضعهم تحت تأثير الثقافة اليهودية"(4 )
وإذا كانت آثار النكبة قد تمثلت في أبرز صورها بالتشريد والتهجير؛فان الشعر المواكب لهذه المرحلة لم يغيب عن المواكبة فصدر ديوان الشاعر عبد الكريم الكرمي "المشرد" عام 48 ليؤرخ فنيا لهذه المرحلة ولعل قصيدته المشرد خير شاهد على آثار النكبة الأليمة: 
وأول دلالة ذات قيمة فنية ومضمونية يحملها العنوان نفسه من خلال هذه الكلمة المفردة المبنية للمجهول؛ فكأن الشعب قد سلبت إرادته وشرد عنوة عن أرضه، ثم تأتي الأبيات تباعا لتحكي الحكاية بمقاطع دامية حزينة تكفيك عن التفصيلات والتحليلات السياسية:

يا أخي أنت معـــــي فـي كـل درب فاحمل الجرح وسر جنبا إلى جنـب 
نحن إن لم نحتـرق كيـف السنـا يـــملأ الـــدنـــيا وــيهـدي كـل ركـب 
سر معي فـي طــرق العمـر وقـل اين من يحمي الحمــى أو من يلبي ؟ 
فهنـا الأيــــتـام فــي ادمعــــــهـم وهــنا تـــهوي الــعذارى مثـل شهـب 
وشـيـوخ حـــمـلـــوا أعـوامـهـم مثقــــلات بشـــظــايــــا كــــل خـطـب 
هـم ضحايـا الظـلـم هـل تعرفهـم إنهم أهلي - على الـــدهر- وصـــحبي 
يـا فلسطيـن وكيــــف الملتـقـى هل أرى بعد النـــوى أقـــدس تـرب ؟
وأرى قلـبـي عـلــى شاطــئـهـا ناشـرا أحـــلامـه الـــعـذراء قــــربـي
وارى السمـراء تلهـو بالـهـوى تهــــب النــــور لـــعيـــنـي كـــل صـب
أيها الباكي وهـل يـــجـدي البكـا بعــدمــا أصـــبحـت فـي كـــل مــهـــب
كفكف الدمـع وســــر فـي افـق حافـــــل بالأمــــل الـــضاحـك رحــب
ننـثـر الأنـجـــم فــي موكـبــــــه موكـب الحريـة الحمــــراء يــــصبـي 
يـا أخـي مـا ضـــاع منـا وطـن خالـد نــحمـــلـه فـــي كـــــل قـــلــــب

 

[1] انظر علي الخليلي،شعر النكبة قبل ستين عاما، http://www.facebook.com/topic.php?uid=468538650022&topic=13923

[2] ابراهيم طوقان العمال الشعرية الكاملة،اعداد وترتيب ماجد الحكواتي،

مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري،2002،ص28.

[3] -فايز رشيد، خمسون عاما على النكبة،منشورات اتحاد الكتاب، 1999، ص 6.

[4] غسان كنفاني الأدب الفلسطيني تحت الاحتلال،(1948-1968)،بيروت،1968.ص18




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !