مواضيع اليوم

شعر الغزل لدى أمرؤالقيس بن حجر (حلقة 7)

مصعب الهلالي

الحلقة (7)

 

إيـْرَادُ وشَرْحُ غـَـزَل المَلِكْ

(محاولة لربط الماضي بالحاضر)

 

قصيدته في أمّ جُنْدُبْ

جرى التطرق في الحلقة السادسة بالشرح والتعليق على أبيات من قصيدة الملك في زوجته أم جندب الطائية ونستكمل في الحلقة التطرق إلى ما تبقى من أبيات هذه القصيدة وهي قوله:

                         ألَمْ تَـرََيـَانـِي كُـلّـمَا جـِئـْـتُ طَـارقَــا ً ....

       وجَدْتُ بــِهَا طِـيـبـَا ً وإنْ لـَمْ تـَطَـيّـبِ

عَقِيلَةُ أتْرَابٍ لَهـَا لا دَمِيمَةٌ ....

ولا ذَاتُ خَلْق إذا تَأمّلْتَ جَانـِبِ

ألا لَيْتَ شِعْريِ كَيْفَ حَادِثُ وصْلِهَا ....

وكَيْفَ تُرَاعِي وُصْلَةَ المُتْغَـيّبِ

أقَامَتْ عَلىَ مَا بَيـْنَـنَـا مِنْ مَـوَدّةٍ ....

أمَيْمَةُ أمْ صَارَتْ لِقَـوْلِ المُخَبـِّبِ

فَـإنْ تـَنـْأ عَنْهَا حِقْبـَةً لا تـُلاقِهَا ....

فَإنـّكَ مِـمَا أحْدَثـَتْ بالمُجَرّبِ

فعند قوله:-

ألَمْ تَـرََيـَانـِي كُـلّـمَا جـِئـْـتُ طَـارقَــا ً ....

وجَدْتُ بــِهَا طِـيـبـَا ً وإنْ لـَمْ تـَطَـيّـبِ

هو  من جملة الأبيات النمطية في الشعر العربي قديمه وحديثة يهدف إلى المبالغة في مدح المحبوبة وإضفاء جانب خيالي عليها حيث يقصد الشاعر بقوله في هذا البيت أن أم جندب هذه تنبعث روائح العطور الجذابة من جسدها حتى ولو لم تتعطر .. وأنه كلما أتى إليها سواء على موعد أو غير موعد يجد فيها هذه الرائحة العطرية الجميلة ..... 

 

وفي قوله :

عَقِيلَةُ أتْرَابٍ لَهـَا لا دَمِيمَةٌ ....

                 ولا ذَاتُ خَلْق إذا تَأمّلْتَ جَانـِبِ

كذلك لا يوجد جديد هنا فهذا البيت كسابقه يعتبر إضافة نمطية متكررة في شعر الغزل العربي حتى اليوم  ومن ثم فلا يستدعي التوقف طويلا عنده اللهم سوى لشرح بعض معاني الكلمات وحيث:

عقيلة: العقيلة من النساء هي الكريمة النفيسة المصونة في خدرها.

أتراب: الأتراب هن المتقاربات في السن .... ويقال لهن في اللهجة العامية في زماننا الراهن : النديدات.

الدميمة : القبيحة ..... وقد يوصف الانسان بالدمامة إما في شكله وقوامه أو في أخلاقه ..... ولكن واضح أن الملك يقصد هنا الوجه لأنه حكى في شطر البيت الثاني عن حسن خلقها (بفتح الخاء) يعني قوامها وقدّها فذكر : ولا ذات خلق إذا تأملت جانب ....  والتأمل : هو التثبت في النظر ... والجانِبُ الـمُجْتَنَبُ: هو الـمَحْقُورُ .

أي أن خَلقها والذي يشمل صفاتها الجسمانية ، مكتملة السمات الجمالية من حيث القوام وتناسق الأعضاء.  

 

الأبيات التالية من ختام غزله في أم جندب يستوجب الأمر الوقوف عندها بالشرح والتحليل كونها تتطرق لمعضلة كانت تعاني منها العلاقة بين الزوج وزوجته كثيرا في الجاهلية وبعد الإسلام على حد سواء ولا تزال . وهي مشكلة الحالة النفسية والعاطفية التي تعاني منها المراة جراء غياب زوجها الطويل عنها لدواعي العمل والتجارة والغزو في معظم الأحوال .... ثم طرا خلال الحقبة الإسلامية غياب الزوج في ميادين القتال للجهاد ونشر الدين الإسلامي ويجري حاليا الهحرة والاغتراب من الدول والمجتمعات الفقيرة إلى الدول الغنية في مختلف أنحاء العالم من أجل العمل وكسب الرزق:

يقول الملك:

ألا لَيْتَ شِعْريِ كَيْفَ حَادِثُ وصْلِهَا ....

وكَيْفَ تُرَاعِي وُصْلَةَ المُتْغَـيّبِ

أقَامَتْ عَلىَ مَا بَيـْنَـنَـا مِنْ مَـوَدّةٍ ....

أمَيْمَةُ أمْ صَارَتْ لِقَـوْلِ المُخَبـِّبِ

فَـإنْ تـَنـْأ عَنْهَا حِقْبـَةً لا تـُلاقِهَا ....

فَإنـّكَ مِـمَا أحْدَثـَتْ بالمُجَرّبِ

 

ألا لَيْتَ شِعْريِ كَيْفَ حَادِثُ وصْلِهَا ....

وكَيْفَ تُرَاعِي وُصْلَةَ المُتْغَـيّبِ

معاني الكلمات:

ليت شعري: ليتني كنت أدري.

حادث وصلها : الحادث قد يقصد به عدة معاني ولكن أقربها حسب مجريات البيت في القصيدة يمكن اختصاره في معنى : المستجد غير القديم أو قد يؤخذ على معنى : الخبر .

الوصل: هو الاتصال وهو نقيض الهجران.

المتغيب: الزوج الغائب عن زوجته.

يتساءل الشاعر بقوله : ليتني أستطيع ان أعرف حقيقة وفائها لي خلال الفترة التي غبت فيها عنها .... هل غدرت ونكثت العهد أم أنها حافظت على العهد والإخلاص لي أنا زوجها الغائب عنها وكيف صبرت على ذلك؟؟

 

أقَامَتْ عَلىَ مَا بَيـْنَـنَـا مِنْ مَـوَدّةٍ ....

                أمَيْمَةُ أمْ صَارَتْ لِقَـوْلِ المُخَبـِّبِ

أميمة : هي إسم إم جندب.

المخبب: المفسد الذي يدخل بين الحبيب ومحبوبته والزوج وزوجته والصديق وصديقه بغرض إفساد العلاقة بينهما.

ومعنى البيت : أن الشاعر يتساءل هنا هل استمرت أم جندب على الوفاء والإخلاص لعلاقتنا أم أنها استمعت لقول المفسد ؟  

 

فَـإنْ تـَنـْأ عَنْهَا حِقْبـَةً لا تـُلاقِهَا ....

                  فَإنـّكَ مِـمَا أحْدَثـَتْ بالمُجَرّبِ

تـنْأ : تبعد ، الحقبة: مدة زمنية غير محددة ، المجرّب: الخبير صاحب التجارب المماثلة السابقة.

يتسم هذا البيت بالغموض الشديد ويكاد المتلقي يشتم منه رائحة الشك من امرؤالقيس تجاه ما تفعله زوجته أم جندب ومدى وفائها وإخلاصها له عندما يكون غائبا وبما يوحي أنها لا تحتمل الاستمرار في فراغ عاطفي جراء غياب الزوج.

نستقي من هذه الأبيات إذن إن مصطلح "الزوجة المُغَيـّبَة" لم يكن وليد العصر الإسلامي كما حاول بعض المستشرقين من أعداء الإسلام الإيجاء به في مؤلفاتهم ، ووصفه بأنه ردة أخلاقية وعبء اجتماعي ونفسي شكل خللاً في بنية المجتمع العربي بعد الإسلام في شبه الجزيرة العربية ......

وفي واقع الأمر لا ننكر أن التوسع في نشر الدعوة الإسلامية خلال عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وما استلزمه من غياب الزوج لفترة طويلة عن بيته وزوجته بهدف الجهاد في ميادين القتال .... لا ننكر أنه أخرج هذا المصطلح إلى السطح مرة أخرى من غياهب العهد الجاهلي وبات في خلال العهد العمري مادة للنقاش ومطلبا لإيجاد الحلول .....

ويقال أن أول ما لفت إليه نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو حادثة قتل حدثت في المدينة المنورة تمحورت أسبابها كالآتي:

جاء في كتاب (تزيين الأسواق في أخبار العشاق) لداود الأنطاكي :

خرج رجل للغزو  فسمع جاره الملاصق له ذات ليلة صوت رجل غريب صادر من داخل دار جاره الغائب في الجهاد هذا وهو يردد أبياتا من الشعر على نشوة وتلذذ قائلاً:

 

واشعث غرّه الإسلام مني    خلوت بعرسه ليل التمام

أبيت على ترائبها ويضحى      على جرداء لاحقة الحزام

كأن مواضع الربلات منها      فئام ينتمين إلى فئام

 

الأشعث : المغبر الشعر  عرسه : يقصد عروسه . ليل التمام : هي اطول ما يكون من ليالي الشتاء (ويُسَنّ فيها القيام بقراءة البقرة وآل عمران والنساء) لحديث أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنها.

والمقصود من هذا البيت قوله أنه استغل غياب زوجها للجهاد والمكابدة من أجل الإسلام فخلا بها يضاجعها في ليلة من أطول ليالي الشتاء.

الترائب: تستخدم في الشعر للإشارة إلى موضع القلادة من صدر المراة .... وهي تقع مابين النهدين والترقوتين ... الترقوتين: هما العظمتان البارزتان أعلى الصدر أسفل العنق ومفردها ترقوة ... أما قوله عز وجل (يخرج من بين الصلب والترائب) فالمقصود بالترائب هنا أربع أضلاع من يمين الصدر وأربعٌ من يسار صدر المراة.

الضحى: حين تشرق الشمس ويتضح ضوءها . أو ساعة من ساعات النهار.  الجرداء: أرض شديدة القحط والجفاف.

والمعنى مفهوم وهو أنه يبيت في هذه الليلة الشتوية الطويلة على صدر هذه المراة المغيـّبة في حين  يصبح زوجها ويقضي نهاره يقاتل وسط أرض قاحلة.

الربـلات: مفردها ربلة وهي كل لحمة غليظة ... ويقصد بها في الشعر اللحم الطري حول النهدين والأثداء ويقصد بها كذلك باطن الفخذ ... والربال هي كثرة اللحم والشحم وتوصف المراة في هذه الحالة بأنها ربلة وربلاء أي طرية الجسم ندية لكثرة اللحم والشحم فيها.   

الفئام: حشوة لينة تحشى بها قاعدة الهودج لتجلس عليها الظعينة (المراة في الهودج).

ينتمي: يرتفع من مكان إلى آخر (وهو ما يقصده الشاعر هنا)  أو ينتسب

ويقصد الشاعر هنا ان المناطق حول نهديها وباطن فخذيها زاخرة باللحم ومن الطراوة واللين واللدانة كأنها حشوات ومساند لينة تموج فوق بعضها البعض خلال ملاعبته أو مضاجعته لها.

..........................

قيل فدخل عليه هذا الجار فقتله وذهب يبلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فحبسه الفاروق عنده فترة حتى يستعلم عنه فعلم أنه غير متهم في دينه ولا أمانته فقال له : أقتله ... فقال الجار : قد فعلت. فاستحسن الفاروق منه هذا التصرف وكافأه ولم يلزمه بدفع الديـّة بالطبع . فأصبح ذلك عرفا في عدم دفع الديـة لكل من يـغوي أو يعتدي على إمرأة مغـيّـبـة فأستتب الأمر حينذاك واستتبع من فوره كذلك بإصدار قانون جديد يجبر الزوج الغائب في ساحات الجهاد على العودة كل أربعة أشهر إلى حضن زوجته فإختفت بذلك هذه الظاهرة أو كادت أن تختفي ... وظل هذا العرف متبعا حتى عهد عبد الملك بن مروان  . ولكن قيل ان مصعب بن الزبير خلال ولايته العراق نائبا عن أخيه عبد الله بن الزبير وقبل مقتله (في فترة معاصرة لعبد الملك بن مروان في دمشق) أقـرّ دفع الديـّة عن قتلى غواية ومغتصبي المغبيات.

..............

بالفعل شهدت تلك الفترة بعض الاستفحال حتى وصل إلى محاولات التهجم والاغتصاب واالإستغلال الجنسي السافر من البعض  للزوجات المغـيّبات . ولكن جرى القضاء على ذلك  في مهده سريعا وفق العرف الذي سنه الفاروق رضي الله عنه في ضحى الإسلام . على عكس ما جرى التعامل فيه بتراخي خلال العهد الجاهلي حيث كانت المرأة المغيبة التي تتورط في علاقة جنسية تكون عادة هي الضحية ويجري قتلها في حين يترك الرجل طليقا فلم يجدي هذا الأسلوب .

ومن بين ما ذكره داود الأنطاكي في هذا الشأن أيضا :

أن إمراة مغيّبة (يعني غاب عنها زوجها) أرسلت إلى عبد الله بن سيرة ، فلما جاء أخبرته أن رجلا يساومها نفسها بعد أن علم انها مغيّبة . فقال لها عبد الله بن سيرة : أبعثي إليه . فلما جاء الرجل وبدأ يشرع في تنفيذ ما جاء من اجله خرج إليه عبد الله بن سيرة من مكمنه وقتله .

قيل وكان عبد الله بن سيرة هذا فارسا ومن أعظم الناس مروءة في عصره حتى قيل أن شامياً إسمه فيروز خرج إلى مضارب بعض القبائل العربية يبيع العطر فوضع يده على عجيزة (مؤخرة) إمراة مغيّبة أعجبته فقالت : يا عبد الله بن سيرة . فبلغه استنجادها به وكان وقتها يجاهد في أذربيجان فخرج من هناك قاصدا  دمشق في طلب العطّار حتى اهتدى إليه فقتله .

 

(((((((((((((((((((((((((((((()

 المراجع:

مشار إليها في الحلقة الثالثة من هذه السلسلة.

 

(يتبع حلقات أخرى إنشاء الله)




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات