قال العرب قديما , ما حك جلدك مثل ظفرك , ويبدو ان معظم شعوب الارض قد فهمت معنى هذا المثل الا الشعوب العربية في كل ارجاء وطنها العربي الكبير اللذي تحول اسمه لغاية ما في نفس (ابناء) يعقوب الى الشرق الاوسط . اما الحكومات العربية فعلى العكس من شعوبها قد فهمت بالظبط معنى المثل ولماذا يضرب , ولذلك قامت هذه الحكومات بكل ما يلزم من تدابيرتضمن لها البقاء اطول فترة ممكنة على سدة الحكم , وتشمل هذه التدابيراجرائات امنية داخلية صارمة وقمعية اولا , وثانيا تحالفات دولية ترتئيهامهمة لحفظ انظمتها وكياناتها من الاخطار الخارجية .
وبنظرة سريعة لوسائل الاعلام المختلفة ستجد ان المواطن العربي يلوم انظمة حكمه ويلوم امريكا وايران وتركيا واسرائيل والمجتمع الدولي والاحزاب والمنظمات على ما الت اليه اموره وامور بلده , ولا يختلف في ذلك مواطنو الدول العربية الفقيرة عن مواطنو الدول الغنية . ولكن المواطن العربي لايلوم نفسه لذلك الا ما ندر .
لقد كانت اوربا قبل 400 عام عبارة عن مجموعة من الممالك تحكمها ملوك تاخذ شرعيتها من البابا او اساقفة الكنائس الاخرى , وكانت هذه الممالك مرتعا للامراض والبؤس والتخلف , وكانت الكنيسة والملوك تقتل معارضيها بوحشية بالغة تصل الى حد حرقهم احياء , وبينما كان البابوات والملوك يعيشون في ترف بالغ كانت الشعوب الاوربية تعاني الجوع الى درجة المجاعة , وتصور ان دولة مثل فرنسا كان شعبها لايجد حتى الخبز ليأكله , وعندما ثار الشعب لذلك سألت ماري انطوانيت زوجة ملك فرنسا عن سبب الثورة فقيل لها ان الناس لاتجد الخبز فتسائلت وقالت لم لا ياكلون البسكويت اذا . ومنذ اعلان الثورة الفرنسية بدأت شعوب اوربا نهضتها في كافة المجالات وبدأت تنتزع السلطات التشريعية من الكنائس والملوك وخسرت في سبيل ذلك الالاف من ابنائها مما ادى الى تقدم علمي واجتماعي وثقافي غير مسبوق مكنها من الوصول الى احتلال العالم وتسخير خيراته لمصلحة شعوبها وفتح اسواق لصناعاتها الى ان وصلت الى ما وصلت اليه الان من انظمة ديمقراطية غنية ومتقدمة .
وفي مثال من دول العالم الثالث كان شاه ايران يعيش في ترف ما بعده ترف بينما كان الشعب الايراني يعيش في بيوت من الصفائح , وعلى الرغم من ان نظام الشاه الدكتاتوري المرعب كان تحت الحماية الامريكية اللتي اعادته للحكم بعد ان اطاح به الشعب عام 1952 وعلى الرغم من علاقاته الوثيقة باسرائيل , استطاع الشعب الايراني من القيام بثورته سنة 1979 واسقط الشاه بعد ان خسر مئة الف من ابنائه , واقام نظاما ديمقراطيا خاصا به تتداول به السلطات بانتخابات عامة , وقد بدا الايرانيون يجنون ثمار ديمقراطيتهم هذه اقتصاديا واجتماعيا وعلميا وعسكريا مكنتهم من بناء مفاعلاتهم النووية الخاصة واطلاق اقمارهم الاصطناعية اللتي بنوها بانفسهم على ظهور صواريخ محلية الصنع مما جعل ايران لاعب رئيس وقوة يحسب لها الف حساب ليس في المنطقة فقط بل وفي العالم كله وجعلت بوش المسيحي الصهيوني المتطرف رئيس اقوى دولة في العالم اللذي يصف حروبه على العرب بالصليبية يرى جنوده وجنود اسرائيل يقتلون كل يوم بدعم ايراني واضح دون ان يستطيع الرد.
اما الشعوب العربية اللتي تعيش القهر والفقر والمجاعة في بعض البلدان وتعيش امراض التخمة المادية من مخدرات وتسيب الابناء وانحلال الاخلاق لعدم وجود المشاريع العلمية اللتي تبني الامم على اسس صحيحة في بلدان اخرى , واللتي تتعمد انظمة حكمها ابقاء الوضع على ماهو عليه وافهام الشعوب ان المشاكل هي من ايران وامريكا خدمتا لمصالحها الخاصة , فاما ان تصدق الحكومات او ان تستنجد بالاجنبي اللذي تحمله مسئولية تدهور احوالها لتغيير النظام او ان تكتفي بالصراخ والعويل اوتحاول الهجرة وترك الجمل بما حمل , والقادر منهم يذهب لحل مشاكله في فنادق الدرجة الاولى في منتجعات تايلند والفلبين والانغماس في الكيف والملذات . والنتيجة حروب اهلية في العراق ولبنان فلسطين والسودان واليمن والجزائر والمغرب , ودول لا تستطيع الدفاع عن نفسها تستنجد باعداء شعوبها .
ان مشاريع التغيير ان لم تكن نابعة من ارادة شعبية متكئة على قيم دينية وتاريخية مصحوبة بعزم لا يلين واستعداد للتضحية فلا فائدة ترجى منها , ورحم الله ابو القاسم الشابي حين قال . اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر .
التعليقات (0)