مواضيع اليوم

شعب يحب الألوان..

محمد المراكشي

2011-04-10 18:37:47

0

 

غريب أمر الأنظمة العربية التي تقهرنا من المحيط إلى الخليج..فهي في زمن لاتنتمي إليه ، تصر على التحكم بأساليب أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها سياسة "الامعان في إغاضة الشعوب"!!بل إنها تحاول ماأمكن عبر أعمار حكامها الطويلة ،إطالة هذه الإغاضة. 

وغريب كذلك أمر الشعوب التي تستطيع الصبر على أبشع طريقة تعذيب في التاريخ الانساني مددا تصل إلى النصف قرن..وكل شعب و حسابه...
أبرز نموذج لهذا النوع من التضييق على النفس الانسانية و مشاعرها و قدرتها على تنفس الحياة دون عناء أو كدر،هو النموذج الليبي..
الشعب الليبي منذ أن ارتهن بيد ثائر بلا ثورة ، وهو كل يوم يستفيق على التسبيح بعبقرية القائد،الثائر المسلم ، الثائر الأممي ...حتى أن الرضيع حين يعطس قد يجد أمامه عضو لجنة ثورية مما يجعله يهتف بحياة الزعيم..
الليبيون المساكين ، عاشوا وضعا لا أظن أن منا من يتفهمه أو يفهمه بسهولة،لأنه ببساطة نابع من خيال مجنون لا يمكن أن يقع حتى في المريخ..تصور أنك تخرج صباحا للذهاب إلى عملك ، فتجد صورة الزعيم نافرة أمام عينيك ، وما أن تلف إلى شارع آخر حتى تجد نسخة أخرى أكبر منها. نظام العزيزية الشعبي حاول تسهيل الهضم حين اكتشف القائد اصوله الافريقية حالما بولايات متحدة تكون طرابلس واشنطنها ، فجعل الصور تختلف حسب الازياء العجيبة للزعيم..من قميصة البني بافريقيا الخضراء شعارا إلى النسخة الليبية من لباس تراوري..
لنتصور مدى جلادة هذا الشعب الذي اخضرت الحياة بكاملها أمام عينيه ، فقط لأن قائده اخترع كتابا فيه افكار ممططة و فارغة –تبين للناس الفرق بين الرجل الذي لا يحيض و المرأة التي تمرض على الدوام- التي لم تجد لها إلا غلافا أخضر..فاستبدل علمه الملون بلون واحد أخضر ،وغيرألوان المباني الزرقاء القديمة الجميلة إلى الاخضر ،وفرض الخط العريض في القناة الفضائية و الجرائد كلها بالاخضر..
في ليبيا الخضراء ، يصعب عليك أن تبحث عن ألوان أخرى ليلون طفلك الصغير رسومه..فمناهج الثورة حسمت مع الألوان ليسود الأخضر..
هل تصدقون أن هناك شعبا يستطيع التخشب أمام التلفاز لساعات و هو ينصت لخطابات الزعيم المتناثرة الكلمات و الافكار و الاتهامات و التهديدات و المليئة بالعجرفة الخضراء؟؟ ! 
إنه الشعب الليبي العظيم،الذي لم يصدق قائده أن صبر أربعين عاما قد نفد و أن رموزه الخارقة للعادة تهدم، وصور نبوغه الذي لم يشهد التاريخ له مثيلا تحرق ، وعلمه الأخضر الفاقع يرمى ..ذاك الذي جعلنا نحن البعيدين عن ليبيا نكرهه ونقتل فينا اللون عن بكرة أبيه..
ولإنه مثل كل القادة العظام الذين توهموا أنهم يغيرون مجرى التاريخ ،فقد صدم وانهار واقدم على ما يقدم عليه الآن...
إن "القائد" لم يفهم أنه لمدة أربعين عاما و نيف وهو جاثم على شعب يريد استنشاق الحياة بكل ألوانها ، و يقرأ الشعر و النثر بعيدا عن كتابه المقدس، ويصبح على الورد و الفل و الياسمين لا على صوره ونياشينه..ويسمع ما تعود عليه العالم كله :جمهورية لا جماهيرية،وبرلمان لا لجان وديمقراطية لا "ديمومة الكراسي".
ومع ذلك ،أمام الليبيين مهمة أكبر من الاطاحة بهذا العبث ،وهي إصلاح البنية النفسية و التفكيرية لأربعة أجيال لاتعرف إلا لونا واحدا وتقويما سنويا عجيبا وصورة إعلامية مزجت أمزجة الزعيم ورسختها في دواخل النفوس الخائفة..
لنا كامل الثقة في قدرة الليبيين على فعل ذلك، فهم كباقي أمم الأرض شعب يريد الحياة.. 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !