بكل ما أوتي من قوة انحني ليميل على صخرة ضخمة يحيطها بكلتا يديه وذراعيه ويسندها إلى صدره ثم يرفعها على كتفيه أو رأسه.. ويصعد بها من قاعٍ سحيقٍ إلى ذروة قمة شاهقة منحدرة انحداراً ذا ميل شبه عمودي يزيد عملية صعوده رهقاً وصعوبة ..
بعناء بالغ.. وبجهد شديد ما إن يكاد يصل حافة القمة محاولاً إرساء الصخرة الجبارة عليها فإذا بها تتدحرج وتسقط من بين يديه وتهوي إلى القاع ويهوي هو خلفها يائساً شقياً!! ..
مرات ومرات يظل هكذا يكرر المحاولات بلا انقطاع.. وتبوء دوماً بالفشل ..
وهكذا قضي عليه بهذا العذاب المقيم إلى الأبد ..
إنه " سيزيف" بطل الأسطورة الإغريقيةالشهيرة .. الذي أغضب الآلهة فحكمت عليه بهذا الحكم الرهيب..
ويبدو أن هذه الأسطورة لها ظل موازي في الواقع .. ولها نظير في الحقيقة .
فبنو اسرائيل الذين أفاء الله عليهم من نعمه وأنجاهم من فرعون وآله الذين كانوا يسومونهم سوء العذاب.. وآتاهم الله الكتاب والحكم والنبوة وجعلهم ملوكاً وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين .. وأخذ ميثاقهم ورفع فوقهم الطور.. وأورثهم –آنذاك – مشارق الأرض ومغاربها – وبوأهم مبوأ صدق ورزقهم من الطيبات .. وظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى...
عفا عنهم وتاب عليهم وبعثهم من موتهم لعلهم يشكرون ..
وفي ذلك أمرهم ربهم بأن يتقوه ..و بألا يلبسوا الحق بالباطل ويكتموا الحق وهم يعلمون ..
كما أمرهم بألا يعدوا في السبت .." أي لا يأكلوا الحيتان ولا يعرضوا لها يوم السبت"..
وأخذ منهم في ذلك ميثاقاً غليظاً ..
إلا أنهم في كل ذلك ماذا كان شأنهم ::
نقضوا ميثاقهم مع ربهم !! وأشركوا به!! وزعموا أن ( عزير) ابن الله !! وعبدوا العجل الذي صاغه لهم السامري!! وعدوا في السبت !! وأخذوا بالربا ! وأكلوا السحت ! وأكلوا أموال الناس بالباطل!! وسارعوا في الإثم والعدوان!! !!! وألبسوا الحق بالباطل !! وكتموا الحق وهم يعلمون !! وكفروا بآيات ربهم !! وسعوا في الأرض فساداً! وقالوا قلوبنا غلف !! وأن يد الله مغلولة !! و أن الله فقير ونحن أغنياء!! وقتلهم النبيين بغير حق ! وقولهم لنبيهم إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون !! وتكذيبهم الرسل !!ورميهم مريم البتول بالبهتان العظيم!!
فانظر ماذا كان الجزاء؟:
0غُلت أيديهم.. ولعنهم الله بما قالوا .. ولعنهم بكفرهم.. وجعل منهم القردة والخنازير وعبدة الطاغوت ..وبظلمهم حُرمت عليهم طيبات سبق أن أُحلت لهم .. وزِيد كثير منهم طغياناً وكفرا.. وألقيت بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ..وكلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله .. وضُربت عليهم الذلة والمسكنة .. وطفقوا يتيهون في الأرض .. وباءوا بغضب من ربهم
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)
كان هذا الجزاء بمثابة عقاب شديد اهتزت له ومنه مقولة أنهم ( شعب الله المختار) هزة رعدية طاحت لها وسقطت من إثرها تلك (النقطة) المستقرة فوق حرف (الخاء) في عبارتهم تلك..
فانقلبوا من شعب الله ( المختار) وصاروا شعب الله (المحتار)!!
فحاروا في تيههم!! وتشتتوا في حيرتهم !! وضلوا في شتاتهم !!
عشرات المئات من السنين ووعدُ الله .. وجزاء الله .. وعقاب الله قائم عليهم ..
وهم كما هم في عداوة وبغضاء مع أنفسهم ومع غيرهم إلى يوم القيامة ..
واليوم يحلون علينا من شتاتهم ليسرقونا ويسرقوا تاريخنا ويسلبونا أراضينا وبلادنا وأعمارنا ويقتلوا أبناءنا ويستحيوا نساءنا ..
جاءونا بوهم أن بلادنا إنما هي أرض ميعادهم ومعادهم ..
وأن لهم حقاً هنا !!إرثاً هنا!! أرضاً هنا !! ملكاً هنا!! تاريخاً هناً!! هيكلاً هنا!!
قاتلونا من قبل بعساكرهم وجندهم !! ويقاتلون اليوم عقولنا ليفسدوها !!
فلا أجمل ولا أجل ولا أدق ولا أروع ولا أفضل من وصف الله إياهم في هذا الشأن 00
00وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة 42]
فقد أتوا ذلك عندنا .. وصاروا يجادلوننا من مواقعهم وخنادقهم وثكناتهم ..
يوهموننا ببراءتهم وهم المجرمون .. بصحة تاريخهم وهم المزورون.. بسلامة قضيتهم وهم المزيفون .. بثبوت حقهم وهم السارقون .. بأمانهم وهم المعتدون .. بأمانتهم وهم الخائنون .. بعهدهم وهم الناكصون.. بنصرهم وهم الخاسرون المهزومون بإذن الله ..
يحاولون كمثل (سيزيف ) أن يحملوا - على أعناقهم - تلك الصخرة - أقصد "النقطة" الساقطة من حرف "خائهم" والتي أسقطتها معاصيهم وكُفرهم وشِركهم ورِباهم وسُحتهم وظُلمهم وقَتلهم وفسادهم ..
يحاولون حملها ورفعها إلى سطح حرف ( حائهم ) إلا أنها أثقل عليهم من" صخرة" " سيزيف "
إن هذه "النقطة" انما هي "صخرة" ذنوبهم ومعاصيهم وكفرهم وإجرامهم ..
فكلما صعدوا وارتفعوا بها تهوي ثانية ويهوون خلفها إلى درك ذلهم وذلتهم..
إنه الوعد الحق بيننا وبينهم .. وعد لا يحتاج إلى فتوى .. أو شيخ نكذبه أو نصدقه .. أو رعديد يمالئهم ويواليهم .. أو خائب يداعبهم ويلاطفهم .. أو جاهل يجاريهم ويسايرهم ..
إنه وعد ربنا ..
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
وكان وعد ربنا مفعولا..
فقد سقطت "النقطة" بلا عودة
وانقلبوا من شعب الله (المختار)
إلى
شعب الله (المحتار) وإلى الأبد!!!!
ولكي لا ننسى..
التعليقات (0)