شعارات وعناوين فارغة
بقلم: سلمان عبدالأعلى
كثيرة هي الشعارات والعناوين التي نُطلقها ونتظاهر بالالتزام بها دون أن يكون لنا نصيب كبير منها، إذ أنها في الحقيقة شعارات فارغة وخالية من المضامين التي توحي إليها، لأنها تنم عن عادات المجتمع وتقاليده أكثر من أي شيء آخر، فإذا رفع أحدهم شعار الإيمان والتقوى مثلاً؛ فهذا لا يعني أنه فعلاً ملتزم بها بقدر ما يعني أن المجتمع الذي يعيش فيه يحترم ويقدر هذه القيم والشعارات الدينية، فكلنا تقريباً ينتقي من الشعارات والعناوين تلك التي تكون مقبولة عنده ومؤثرة بمن حوله، بغض النظر عن ما إذا كان صادقاً فيها أو لا.
لذلك نرى الكم الهائل من الشعارات والعناوين المتداولة التي تناسب أجواء المجتمع (عاداته وتقاليده) الذي نعيش فيه، فهناك ما لذ وطاب من الشعارات التي تأنس بها أنفسنا وأنفس المحيطين بنا .. وبما أننا من المجتمعات المحسوبة على المجتمعات المتدينة، فإن غالبية شعاراتنا تنطلق من هذا المنطلق، حيث نجد ألسن الكثير من الفئات في مجتمعاتنا تلهج بذكر المبادئ والقيم الأخلاقية والدينية من الإيمان والتقوى والورع والزهد والإخلاص إلى العدالة والمساواة والحرية ومروراً بالصدق والأمانة وغيرها من القيم والفضائل الأخلاقية التي أكدت عليها المبادئ والقيم الدينية.
إن هذا هو حالنا أو حال أغلب الشعارات التي نتداولها دائماً في مجتمعاتنا، ولهذا نرى أثرها واضحاً ومنعكساً على الأحاديث التي تدور بيننا باستمرار، فالكثير منا نراه يبدع في الحديث عن هذه الأمور الدينية كالإيمان والتقوى والحق والحقيقة وغيرها من القضايا والأمور، لدرجة تجعل المستمع له يتصور أنه في قمة التدين والنزاهة والأخلاق والإنسانية، بيد أن هذا الأمر ليس بالضرورة أن يكون واقعياً، بل إننا نستطيع أن نقول بحكم احتكاكنا بالواقع واحتكامنا له أن الكثير من هؤلاء هم على غير ما يتظاهرون به ويدعون !
ففي الواقع نجد أن الكثير من الذين يتغنون بهذه الشعارات البراقة ويطربون مسامعنا بذكرها، هم من أكثر الذين ينتفضون في وجهها، ومن أشد الناس جرأة عليها ومخالفة لها، وبالخصوص إذا كان تطبيقها يتم في غير صالحهم، فحالهم كحال غيرهم من عامة الناس لا يختلف عنه بشيء يذكر، هذا إذا لم يكن أسوأ، فليس كل ما يعلنه الإنسان يكشف عن حقيقته وواقعه، وفي هذا يقول المفكر اللبناني علي حرب: ((ليس الإنسان ما يعلنه، ولا هو كما يقدم نفسه. ربما هو ما يستبعده من نطاق التفكير والوعي والعقل)) تواطؤ الأضداد ص 73
إن بعضنا قد ينكر ذلك ويظن بأن الشعارات التي يرفعها وينادي بها أهل السياسة هي فقط الشعارات الكاذبة / الخادعة / الفارغة .. ولكن هذا غير صحيح، إذ وإن كان هذا بارزاً عندهم بشكل كبير إلا أنه لا يمكن حصره فيهم، لأن مجمل الشعارات والعناوين المعلنة والمرفوعة من مختلف الأطراف والفئات هي من هذا القبيل .. ولكن بعض الفئات لا يروق لهم ذلك، فهم يرفضون وسيرفضون أن يوصف بعض الذين يتظاهرون بالالتزام الديني بهذا الوصف ولن يصدقوا به، حتى ولو أتيت لهم بالأدلة وأكثرت من ذكر الشواهد على ما تقول.
فمن الملاحظ أن الكثير من الناس لا يميزوا ولا يفرقوا – أو لا يريدوا أن يدركوا الفرق- بين ما يتمنون وما يتوقعون، فإذا سألت أحدهم عن أي شيء بقولك: ماذا تتوقع من كذا أو من جراء كذا ، فإنه سيجيبك بأمنياته ورغباته لا بتوقعاته ولا بنبوءات الواقع الذي يعايشه.
على كل حال، إن من العناوين الفارغة ما نلاحظه من بعض الألقاب والتسميات لبعض الشخصيات الدينية والاجتماعية البارزة وغيرهم كـ صاحب السماحة والفضيلة صاحب السمو.. سماحة العلامة .. حجة الإسلام والمسلمين .. المصلح الاجتماعي .. وغيرها من الألقاب التي نلاحظ أن الكثير ممن يحملونها أو يسمون بها لا تنطبق عن حقيقتهم وواقعهم، فمثلاً نسمع كثيراً بصاحب السماحة أو سماحة فلان .. ومع ذلك نرى أن الغلظة والشدة هي السمة البارزة فيه وليست السماحة، وهكذا مع بقية الألقاب والمسميات التي كثيراً ما تنطبق عليها مقولة أسم بلا مسمى.
مهما يكن الأمر فإن الكثير من الشعارات التي يرفعها أو يعلنها بعض المتظاهرين بالتدين مرهونة ومشروطة في تطبيقها بأن تكون في داخل أسوار المسجد وأماكن العبادة، إذ أن ما يمارسه الكثير أو ما يعرفه من التدين في خارج دور العبادة ليس أكثر من المسميات والعناوين .. فالبعض يتصرف مع التدين كما يتصرف مع ما يلبسه، فالتدين عنده رداء يلبسه وهو يدخل المسجد وينزعه في حال خروجه منه .. طبعاً هذا ليس بالضرورة أن يكون مقصود أو ملاحظ.
وفي هذه النقطة دار حوار بيني وبين أحد الأخوة في إحدى الجلسات الشبابية، إذ كان الحوار حول دور الدين في حياتنا، إذ كانت وجهة نظري التي ذكرتها، أن الكثير في مجتمعاتنا لا يعرف الدين إلا في الصلاة والصوم وحضور المجالس الحسينية والبكاء واللطم على الإمام الحسين عليه السلام، أي أننا نرى الدين والتدين بارزاً فقط في المساجد والحسينيات ودور العبادة، أما في تعاملاتنا الحياتية فنكاد لا نلحظ أحياناً أي أثر أو دور للدين، بمعنى أننا أحياناً ننسى أو نتناسى الدين ولا نمارسه إلا في أوقات الصلاة ومواعيد الصيام وأماكن العبادة ...
بعد سماع هذا الشخص لوجهة نظري، انتقدها مؤكداً أن كلامي مبالغ فيه وغير صحيح .. وما هي إلا لحظات وإذا يدخل علينا في تلك الجلسة أحد أصحابه ممن يلاحظ على ملامح وجهه الهدوء والسكينة .. المهم أنه بعد أن صافحنا وسلم علينا انشغل عنا بالتلفاز، وتفاجئنا عندما وضع المحطة التلفزيونية على أغاني ..
وقع صاحبي في موقف محرج، وكأن هذا الأمر جاء شاهداً على صحة كلامي السابق .. فقال لصاحبه وهو على استحياء: اقفل صوت الأغاني .. الأخ سلمان وأشار إلي لا يسمع الأغاني .. إذ أنه كان مستحي من صاحبه بأن يقول له بأنه هو لا يريد الأغاني فنسب الأمر لي لأن الرجل لا يعرفني .. وهذا يدلل على وجهة نظري السابقة .
ولا مبالغة فيما ذكرناه، إذ أننا نرى بعض دعاة التدين في أيام عاشوراء يرددون شعارات الإمام الحسين "لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد" ، "هيهات منا الذلة" فنسمع الصرخات المدوية والحزينة من بعضهم، ولكنه مع ذلك نراه ينسى هذه الشعارات في تعاملاته الحياتية، إذ أنه مستعد أتم الاستعداد لإذلال نفسه من أجل الحصول على منافع أو مصالح ذاتيه حتى ولو كانت بسيطة وتافهة .
للأسف أننا نجيد التظاهر بالشعارات أكثر من أي شيء آخر، وربما نتعصب لها في وجه من يحاربها أو من يقلل من شأنها أو لا يهتم بإظهارها، ولكننا مع ذلك نرى بعضنا كلما زاد تظاهره وتعصبه لشعاراته كلما زاد في مخالفته لها، وذلك لأنها ليست قناعات مستندة لأدلة وبراهين أتعب نفسه في البحث عنها، وإنما هي عادات ومألوفات تعود عليها ويستوحش من تركها أو من ترك التظاهر بها، ولهذا نرى التباين والاختلاف الكبير والملاحظ بين أقوالنا وأفعالنا !!
التعليقات (0)