الظاهرة اللافتة لنظر المراقبين هذا العام والتي بدأت ملامحها تبرز من خلال الشعارات التي تداولتها المواكب الحسينية التي احيت ذكرى استشهاد الحسين بن علي (ع) في عموم الساحة العراقية وليس حصرا في مدية كربلاء وحدها باعتبار هذه المدينة مكان هذه الواقعة وذلك حينما تجاهلت المواكب الحسينية كل التحذيرات والتحريمات التي كانت السلطات تلزم بها ادارات هذه المواكب وألجمتها بعدم رفع اي شعارات مطلبية أو سياسية..
حيث وجدنا لأول مرة شعارات تندد بالفساد والمفسدين وتردي الخدمات والفشل في ادارة الدولة والتخبط في مشاريع التنمية حيث كان وقع رفع مثل هذه الشعارات أن اعاد لإحياء ذكرى عاشوراء بهاءها وألقها وأعادها الى شواطئها الطبيعية التي لا تبتعد كثيرا عن هموم المحيط الاجتماعي باعتبار هذه المناسبة هي احياء لذكرى واحدة من اعظم الثورات المطالبة بتحقيق العدل الاجتماعي بعد ان عملت الأنظمة السياسية القمعية على تعاقبها على مر الدهور على أخذ هذه الممارسة بعيدا عن شواطئها الطبيعية وتغريبها عن اهدافها الثورية والتي لا تبتعد كثيرا عن هموم المحيط الاجتماعي الذي ينوء بالظلم الاجتماعي بكل صوره والذي هو ذات الظلم الذي تسبب في حصول ثورة الحسين برغم البعد التاريخي الذي يفصلنا عن هذه الواقعة الأليمة سواء أكان ذلك التغريب من خلال القمع الصدامي الذي حجم هذا الاحياء الى الدرجة التي ظن فيها صدام انه قد اقترب كثيرا من انهائها تماما لتصبح من اخبار التاريخ حيث كان هذا القمع هو اعتى وأقسى قمع تعرضت له قضية احياء ذكرى ثورة الحسين والذي ما ان سقط نظامه حتى عادت الظاهرة العاشورائية بشكل اقوى بكثير حتى من تلك المدة التي سبقت قمع البعث الصدامي لها وكأنها كانت في مدة القمع تلك تمد بجذورها تحت سطح الوجدان الشعبي لتعاود انباتها ونموها بشكل اقوى وأوسع بعد ان استبشرت الجماهير بالتغيير خيرا بعد زوال النظام المقبور، ولكن فوجئت الجماهير بقرارات حكومية في العراق الجديد أثرت على احياء الذكرى العاشورائية وحصرها في اجوائها التاريخية والدينية الى الحد الذي يبقي هذه الظاهرة في حدود الاستذكار لواقعة الطف ولا يتعداها الى ابعد من ذلك، تحت ذرائع عدم منح الفرصة أمام اعداء التحول الديمقراطي لاستغلال هذه المناسبة حينما منعت رفع اي شعارات مطلبية أو سياسية.
يشكل الإحياء الشعبي للقضية الحسينية اكبر حضور جماهيري في الشارع ليس على مستوى العراق وحده بل وعلى مستوى العالم قاطبة فلا توجد اية مناسبة في العالم تملك مثل هذا الحضور الشعبي سواء أكانت هذه الظاهرة دينية كموسم الحج أو شعبية كاحتفالات الريو البرازيلية، وبالتالي تركت مثل هذه الحشود لانتهازيي الفرص وطالبي المكاسب الذين هم في تقاطع تام مع قضية الحسين (ع) ومع قضايا هذه الجماهير التي تحيي ذكرى استشهاده برغم انتمائهم المذهبي يرتب مسؤولية ادبية وأخلاقية وتاريخية على القوى التي ترى في قضية العدل الاجتماعية احدى اهم متبنياتها العقائدية، حيث كانت هذه المسألة هي قضية الحسين التي ضحى من اجلها وبالتالي هم يشتركون مع الحسين ومع الجماهير التي تحيي ذكرى ثورته اكثر من اولئك الذين تسلقوا على جدار هذه القضية وأعادوا ذبح الحسين وقضيته من جديد من خلال ذبح طموح وآمال هذه الجماهير بدم بارد برغم انه لم تمر بالعراق فرصة للانطلاق في دروب التقدم والتحضر كما هي متوفرة الآن.
http://beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=22267
التعليقات (0)