الإسلام يقتل نفسه... هذا هو الإنطباع السائد في الغرب، وهو ينظر إلى حال المسلمين اليوم. قد يكون هذا الموقف غير مقبول عندنا من وجهة نظر توجهها عاطفة الإيمان الروحي، لأننا نحاول أن نقنع أنفسنا، والآخرين أيضا، أن السلوك الذي كون هذا الإنطباع لا يعبر عن حقيقة هذا الدين. لكن واقع الحال يثبت أن الموقف المذكور يستند ( للأسف)على قدر كبير من الدقة والمعقولية . فقد كشف المسلمون خلال السنوات الأخيرة عن كثير من العدوانية والدموية ، وأصبحت الجماعات الإسلامية تتنافس وتتفنن في إنتاج وصناعة الموت وإبداع أساليب القتل والإرهاب من طالبان إلى القاعدة إلى بوكو حرام إلى النصرة إلى داعش... واللائحة مازالت مفتوحة على مصراعيها. لكن الغرب يدرك أن فعل القتل الذاتي هذا لا يؤذي المسلمين وحدهم، بل يهدد الأمن العالمي أيضا، لذلك بادرت الدول الصانعة للقرار الدولي إلى تحالف جديد ضد الإرهاب، يستهدف في نسخته الثانية هذه المرة تنظيم داعش في سوريا والعراق بعد القاعدة وطالبان في أفغانستان خلال النسخة الأولى.
من المؤكد أن الإعلان عن وهم دولة الخلافة ليس خطرا في حد ذاته، ومن الواضح أيضا أن دولة البغدادي المزعومة لم تكن قرارا مستقلا بخلفية جهادية، بل هي بلة جديدة في طين الوضع العربي البئيس الذي تحركه كثير من الأيادي الظاهرة والخفية في إطار لعبة التجاذبات السياسية التي تقامر بمنطقة الشرق الأوسط وتضعها على شفير الهاوية. لكن ذلك لا ينبغي أن يشجعنا على تبني نظرية المؤامرة التي دأب العرب والمسلمون على التمسح بها لدرء هزائمهم وانكساراتهم وتخلفهم. ذلك أن كل مؤامرات العالم لا يمكن أن تنجح إلا إذا وجدت التربة الخصبة المناسبة لتنفيذ أجنداتها. والواقع أن أكبر المتآمرين على الإسلام هم المسلمون أنفسهم، وتحديدا هم هؤلاء الذين يعيدون إنتاج خطاب الوهابية، ويدعمونه سرا أو علانية تحت أي مسمى من المسميات. ولا فرق في هذا الإطار بين من يصنع الإرهاب ويموله وينفذه، وبين من يسكت عنه أو يبرره.
قبل ثلاث سنوات ونصف تمكنت القوات الأمريكية من قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وقد أدى مقتله إلى إضعاف التنظيم وتحجيمه، لكن خطر الإرهاب مازال قائما، لأن المرجعية التي ينتمي إليها فكر تنظيم القاعدة مازالت تفرض نفسها، والأسباب التي تتحجج بها في تبرير ممارساتها الإرهابية مازالت قائمة أيضا. فهي تنظر إلى العالم بمنظار " الإيمان والكفر". وبذلك تضفي على أنشطتها الطابع " الجهادي" الذي يدغدغ الشعور الروحي عند المسلمين. وهي ناجحة في مسعاها هذا، حيث لا نرى في الشارع الإسلامي على العموم ما يقاوم سلوك الإرهاب ويرفضه، فنحن يمكن أن نتظاهر ضد العالم بأسره لسبب أو بدونه، لكننا لا نفكر في الخروج إلى الشارع للتعبير عن رفض سلوك القاعدة وداعش وبوكو حرام وكل القتلة المأجورين باسم الدين... وما دولة البغدادي إلا حلقة جديدة في المشروع الإرهابي بمسمى مختلف، نتأثر بمشاهد الدم وصور الرؤوس المقطوعة التي تبثها وسائل الإعلام، لكننا لا ندفع التهمة عنا، لأننا اخترنا الصمت، وفينا الكثيرون ممن يبحث لصناع الموت عن الذرائع والمبررات.
يمكن للتحالف الدولي ضد داعش أن يدحر هذا التنظيم ويقضي عليه. وقد يستلزم ذلك وقتا قصيرا أو طويلا، غير أن ذلك لا يعني القضاء على شريعة داعش وسلوكها. فالأسماء والعناوين تتغير باستمرار، لكن الثابت هو ثقافة التطرف والإنغلاق والأحادية ورفض الإختلاف وكراهية الآخر. وكل حروب الدنيا لن تكون وحدها كافية لاستئصال هذا الورم الخبيث.
شريعة القتل والسبي وقطع الرؤوس لا يمكن استئصالها إلا بالتربية على القيم الإنسانية الكونية، ومن خلال مراقبة وتنظيم الشأن الديني ومحاربة فوضى الفتاوى والقطع مع ثقافة التكفير، وإبراز الوجه الحضاري للإسلام في التربية والتعليم والإعلام من أجل تعبئة الرأي العام والتصدي لتفكير التكفير. وقبل هذا وذاك لا يمكن القضاء على التطرف إلا بانخراط الدول الإسلامية في الخيار الديموقراطي فكرا وممارسة، وحماية الدين من الإستغلال والتوظيف السياسي سواء كانت غايته تنويم الشعوب وإقناعها بطاعة ولاة الأمر، أو ترهيبها وتخويفها من طرف من ينصبون أنفسهم أوصياء على الإسلام والمسلمين.
محمد مغوتي. 21 أكتوبر 2014.
التعليقات (16)
1 - ljwjoeo@oidodd.com
امجد امجد - 2014-10-23 06:18:59
http://bchc.uobabylon.edu.iq/ http://www.uobabylon.edu.iq/
2 - ان كانت مشكلتكم الارهاب لماذا تدعمون الحكام
احمد جمال الدمشقي - 2014-10-23 13:12:42
كم قتلت القاعده من الناس ان كان على وجه التقريب خمسين او مئة الف من الجنود الامريكان وبعض المدنين بالعراق وافغانستان لكن كم قتل النظام السوري الحليف للغرب مليون انسان سوري وكم قتل السيسي ثلاث الاف مصري وكم قتلت امريكا عدد كبير اذن الواجب ان نتعاون مع بعضنا ونحارب الارهاب المتمثل بالحكام العرب ثم الغرب المتمثل بأمريكا هذه النبره الغير عادله بالغظ عن جرائم امريكا والانظمه الحاكمه وتسليط الضؤ على ماتسمونه ارهاب القاعده يوحي ان مشكلتكم ليست مع القتل بحد عينه انما في المشروع الذي يتبناه انصار القاعده والدوله الاسلاميه
3 - رد على أمجد
محمد مغوتي - 2014-10-23 18:40:06
شكرا على المرور.
4 - رد على الدمشقي
محمد مغوتي - 2014-10-23 18:44:52
أنا لست ضد المشروع الإسلامي ولست مع بشار أو السيسي. موقفي واضح جدا. أرفض الإستبداد والديكتاتورية. عندما أدافع عن المدنية والديموقراطية فهذا يعني أنني ضد الدولة الدينية أو العسكرية على السواء. أما السلوك الذي تتبعه القاعدة وداعش وغيرهما فهو يسيء لهذا الدين ولا يخدمه. شكرا لك. مع تحياتي.
5 - عزيزنا محمد
الدمشقي - 2014-10-23 21:13:21
اكره المجادله لكن ان اصريت على افكارك فهي كفر مخرج من المله لاتعتقد ان تكون مسلم وتعتز بأسلامك وبالوقت ذاته لاتريد حكم اسلامي كما امر الله هذا نفاق وبالدرك الاسفل ايضا اسأل الله لك الهدايه وان يجعلك ممن وفقهم الله للحق ويقال لهم ادخلوها بسلام لاتموت بهذا الفكر الحذر الحذر
6 - رد على الدمشقي
محمد مغوتي - 2014-10-24 18:40:29
ردك هذا يعبر عن حقيقة الذين يدافعون عن الدولة الدينية. لقد أصدرت الحكم إذن. التكفير. هذه هي الآفة الخطيرة التي تهدد الحريات في مجتمعاتنا. أصبح كل من يؤمن بالعقلنة ويرفض التطرف والإرهاب كافرا... هذه هي الشريعة التي تنادون بها. شكرا لك مع تحياتي.
7 - هذه هي الحقيقه تقبلها بصدر رحب
الدمشقي - 2014-10-24 21:30:40
نعم كافر لانك لاتريد حكم الله لست مخولا بالتكفير ولست مسؤلا عن العباد لكن الله قال من يرفض حكمي فقد كفر كأنك تعاتب الخالق بهذا القول انتهت العلمانيه بالشرق الاوسط وللابد وانت كالذي يتعلق بعود صغير من اخر اعواد الشجره العلمانيه المتساقطه
8 - نفس الفكرة والعنوان
ازهر مهدي - 2014-10-25 12:40:57
عزيزي مغوتي تحية لك مقالك في الصميم وقد كنت فكرت بكتابة مقال يحمل نفس العنوان لكن باختلاف في بعض الرؤى نعم الاسلام يقتل نفسه وقد لا نشهد اسلاما بعد نصف قرن او قرن ليتحول الى ديانة من الماضي الاسلام ينتحر بصمت وصخب ايضا تحياتي
9 - بصدر رحب
محمد مغوتي - 2014-10-25 13:03:35
عجبا. أنت تكفر الناس عن غير علم وتطلب منهم أن يتقبلوا الأمر عن صدر رحب. شخصيا لا أبالي بهذه التفاهات، لأني أدرك جيدا وأؤمن أن الله وحده هو الذي يحاسب عباده ويحاكمهم. أما أنت و من تواليهم ممن ينصبون أنفسهم أوصياء على إيمان الناس فلا مستقبل لكم. ولا يصح إلا الصحيح. مع تحياتي.
10 - إلى أزهر
محمد مغوتي - 2014-10-25 13:05:08
أهلا بالعزيز أزهر. أرجو أن تكون بأحسن حال. شكرا لك. أعرف أن مواقفنا مشتركة. مع تحياتي.
11 - إلى الدمشقي
ن ف - 2014-10-25 23:09:44
أرى أن رأسك بحاجة إلى مُعاينة. أتمنى أن تُطلعنا على صحتك العقلية في قادم الأيام، من باب الإطمئنان ليس إلا. أقول، لا المقالة ولا ما بين سطورها يوحي أنها ضد الاسلام أو شرع الله. المقال موجّه لثقافة التكفير والإرهاب الذي أصبح خُبزنا اليومي. ثقافتك وحتى اسلامك، يا أيها الدمشقي البائس، بحاجة إلى مراجعة وغربلة.. أرى إن الاسلام اليوم بحاجة إلى مسلم متسلح بثقافة جيدة كيما يدافع عنه بشكل حضاري ويُري وجهه الإنساني.
12 - بغداد ـ العراق
كريم الكعبي - 2014-10-26 07:04:48
الحققه والتي لابد ان يعرفها الجميع ليس هنالك فتاوي دينيه انما فتاوي سياسيه تبيح قتل الناس فهناك وعاظ سلاطين يفتون لمايريده الحاكم وليس مطلب دينيي وان الاسلام بدون هؤلاء وعاظ السلاطين يكون على احسن مايرام فكان الشيعه محقيين عندما قالوا ان ولي الامر ليس الحاكم انما الائمام الورع التقي الذي يحكم باسم الشرع وليس باسم الحاكم فليس ال الشيخ والعريفي ومفتي السعوديه بمتدينيين انما سياسيين بلباس الدين وان كل فتاويهم تصب بمصلحة اسرائيل وامريكا والغرب لان حكام الخليج سوى رعاة قطيع اغنام
13 - الى ن ف
الدمشقي - 2014-10-26 12:56:29
لاتعتقد بان الارهاب الذي تتشدقون به امر سيئ بالنسبه لنا بل امر محتوم علينا رفضتوا خيارات الشعب المصري وحملتوا السلاح على الابرياء وقتلتوا ثلاث الاف مصري بريئ فلاترميني بالارهاب لأنكم سلكتم طريقه لتثبيت حكمكم وسنسلك نفس الطريق لأزاله حكمكم وعقلي سليم جدا لاني لااشرب الخمر ياعلماني ولا افكر بالجنس على الدوام بل عندي ماهو اهم من هذه التفاهات انصحك بأن تعالج نفسك انت وتترك الاصحاء بحالهم
14 - رد على: ن ف
محمد مغوتي - 2014-10-26 13:11:24
شكرا جزيلا لك. للأسف، كل من يدافع عن العقلنة و يرفض التكفير والإرهاب يصبح كافرا في قاموس هؤلاء. إنه خطاب تكميم الأفواه. مع تحياتي.
15 - رد على الكعبي.
محمد مغوتي - 2014-10-26 13:15:45
شكرا لك. طبعا فوضى الفتاوى لها دور كبير في تكريس الغلو والتطرف. مع تحياتي.
16 - الى الكعبي بغد
ابن العراق العريق - 2014-10-26 14:51:56
ياكريم الكعبي لم اكن انوي الرد على كلامك لكن ليتضح للجميع انكم غير صادقين في حواراتكم اقصد هنا الشيعه جميع علماء الشيعه افتو بجواز القتال في سوريا من خامنئ والسيستاني الا اصغر شيخ شيعي لحماية نظام بعثي غير مسلم فمن الذي يستخدم الفتاوى للسياسه انتم ام نحن