مازالت جرائم الشرف في العديد من بلدان الشرق"الاسلامية منها بوجه خاص"، تسجل ارقاما قياسية و تحمل في طياتها الکثير من العبر و الدروس البليغة المذهلة بحيث يسيطر العديد منها و بجدارة على الواجهات الاعلامية"المحلية و العالمية" کعناوين رئيسية.
شرف البنت زي عود الکبريت ميولعش إلا مرة، جملة مشهورة أطلقها عميد المسرح العربي الفنان الراحل يوسف وهبي و هي في واقعها تمثل تجسيدا قويا و بليغا لموقف الرجل الشرقي من مسألـة الشرف و فهمه و تحليله لها و بالامکان إعتبارها بمثابة نظرية فکرية محددة المعالم لذلك الرجل من مسألة الشرف.
ولئن کانت المتغيرات التي طرأت على الواقع الشرقي المسلم من النواحي السياسية و التکنولوجية ملفتة للنظر، لکن الامر الجدير بالملاحظة و التدقيق ان أي تغيير يذکر لم يطل البنى الفکرية ـ الاجتماعية ومازالت نظرية"شرف البنت زي عود الکبريت"، هي القاعدة و الاساس المعمولين بهما و ماخلاهما فليس إلا إستثنائا او نشازا او تغريدا"مشوها"خارج السرب.
جرائم الشرف التي حملت البعض منها بصمات بالغة القسوة و الهمجية بحيث طالت الملامح و الشکل الانساني ذاته و شوهته بصورة مقرفة، و حمل البعض الآخر منها بصمات وحشية و دموية موغلة في السادية بأعنف صورها حتى لم تکتف بسلب الروح و إمکانية الحياة وانما کان لسان حالها يقول بمنتهى البربرية الخالية من أية مضامين انسانية؛ هل من مزيد؟!
ومع کل جريمة شرف تقشعر لها الابدان و تشمئز منها النفوس، لن تجد هنالك على الارض أي إجراء قانوني واضح المعالم يقف على النقيض من تلك الظاهرة السلبية و يضع لها حدا وفق السياق الحضاري للأنسانية وانما نتلقف هنا و هناك مجرد تصريحات"سطحية"و"إرتجالية"و"توافقية" تهدف اساسا لإمتصاص ردود الافعال و التداعيات الناجمة عنها ليس إلا، وفي کل جريمة ترتکب أساسا ضد إنسانية الانسان الذي لايملك حولا او قوة للدفاع عن نفسه(کما هو الحال مع المرأة الشرقية)، تتخذ إجرائات شکلية و سطحية بحق تلك الوحوش البشرية التي مازالت تصر على التفکير بمنطق ماتحت الصرة و تحصر اسلوب تعاملها الفکري و الاجتماعي مع الانثى بمايتعلق بتحت الملابس الداخلية.
هذه الجرائم المخلة بالشرف و الوجود الانساني و المنتقصة اساسا من إنسانية الانسان، يحلو للعديد من الباحثين و الکتاب و المثقفين إلصاقها بالعامل التکنلوجي من حيث تأثير الانترنيت و الفضائيات على الواقع و دفعه بالامور الى هکذا محصلة، بيد ان هذا الفهم هو فهم مشوه لجوهر القضية و أقرب منه الى مسخ غير محدد العمالم، ذلك أن المسألة قد تکون لها ثمة علاقة"جانبية" او حتى مجرد إفتراضية بذلك، لکنها لن تصل أبدا الى مستوى العامل الحاسم او الاکثر و الاکبر تأثيرا في السياق العام لإقتراف تلك الجرائم، وان سعي عجوزا يبلغ 65 عاما من عمره و يعاني من إلتهاب الکبد الوبائي للإقتران بطفلة في الحادية عشر من عمرها، او تلك الطفلة التي قضت نحبها من جراء ذلك النزيف الذي حدث لها ليلة تقديمها ضحية على معبد شهوة الرجل وليس ليلة زفافها، لم ولن يکونا بسبب من الجانب التکنلوجي او التأثير الغربي کما يحلو للبعض منهم، وانما هو اساسا بسبب مباشر من تلك العقلية الشهوانية ـ الحيوانية التي يحملها للأسف البعض من الرجال خصوصا إزاء صغيرات السن من البنات بل وان هنالك بلدانا ترکز فيها مجتمعاتها ذات السيادة الرجولية على صغيرات السن بحيث أن الفتاة التي تصل الى سن العشرين تعتبر في حکم"البائرة او العانس". کما أن الإنتقام"الذکوري"لبعضهم في بعض من البلدان التي للأسف باتت هذه الجرائم تشکل فيها ظاهرة بحيث يمکنها أن تدخل و بجدارة في کتاب جينس للأرقام القياسية، هو الآخر لايخضع لإستثناء الجانب التکنلوجي لأن نظرة واقعية على طول و عرض الساحة الاجتماعية الشرقية تؤکد لنا من أن الجانب التکنلوجي مازال ليس متاحا بالصورة التي يمکن التعويل عليها کسبب او عامل مباشر في حدوث جرائم الشرف وانما الامر مازال رهين التفکير و الفهم الرجولي"الاحادي"للمسألة وکما هو واضح و جلي فإن الطرف الآخر و صاحب الشأن الاساسي مقصي تماما من عموم الخط العام للقضية.
شرف البنت زي عود الکبريت، حقا أن مرور کل هذه العقود و الاعوام الطويلة لم ولن تتمکن من النيل او التأثير في هذه النظرية"المرعبة"أنثويا و انسانيا و مافتأت هذه النظرية هي الاساس وکل ما قيل او يقال من"کلام نواعم"او ماتسطره "سيدتي" و تطبل له هذه الوزارة او تلك في عموم بلدننا الشرقية ليس إلا هواء في شبك إذ أن القانون و القانون الرادع لوحده کفيل بلجم و وأد هذا النوع من الجرائم والى الابد وحتى تصدر هکذا قوانين في بلداننا الشرقية في الالفية الرابعة او الخامسة من الميلاد على أقرب تقدير، ليس في وسعنا إلا متابعة المزيد و المزيد من جرائم الشرف و الصراخ و الزعيق عند نواصيها!
التعليقات (0)