جريدة المساء الخميس 02 فيفري 1989 م العدد : 1043
عندما نتعرض لموضوع كموضوع انتماء او عدم انتماء بعض الأسر إلى النسب الشريف نسب النبي (صلى الله عليه وسلم) ، نتصور ما نثيره من منافشات أو ردود فعل واحتجاجات عند من يعتقدون بأنهم قد أقصوا من هذا الشرف بمجرد عدم التنصيص عليهم .
والحديث عن شرفاء أولاد سيدي بوزيد وحدهم أكثر حرجا خصوصا إذا عرفنا أن جبال العمور ونواحيها توجد بها طرق دينية ذات نفوذ كبير مثل التيجانية وأولاد سيدي الشيخ ، ونجد بها أسرا كبيرة من المرابطين بدليل أضرحة الأولياء الكثيرين بالجهة وسمعتم لدى الناس .
والغرض من هذه الكلمة هو مساعدة من يهمهم الموضوع وتقديم معلومات لهم تعين على استقصاء البحث عن نسب أولاد سيدي بوزيد والسبب الذي أدى إلى انتشارهم في أقطار المغرب وغيرها .
وقد يكون من المفيد قبل ذلك أن نحدد وجودهم في الجهة الجغرافية والبشرية التي توجد بها " بلدتهم " الذي لا تزال تحمل اسم الولي سيدي بوزيد ويوجد بها ضريحه
تقع هذه القرية على بعد 35 كلم شرقي مدينة أفلو ، متكئة على جبال في اتجاه الجنوب الشرقي متصلة بجبال " سنالبة"التي تعتبر امتدادا طبيعيا لجبل العمور وهي تشرف من ارتفاع 1500 متر على سهل من سهوب الحلفاء المترامية الأطراف .
وفي اتجاه الجنوب وعلى بعد ثلاثين كيلومترا من " القصر " يوجد الحصن الصخري المسمى " بالقعدة " وهو جبل في شكل هضبة ويمتد في وديان محصورة على مسافة خمسين كيلومترا ، وتغطيه في بعض أجزائه غابات من الصنوبر و العرعار .
وتكثر نسبيا عيون المياه في منطقة سيدي بوزيد وحول أفلو ، بحيث تولدت عنها وديان مثل الوادي الطويل الذي يسمى في الشمال الشرقي وادي الشلف ، ووادي مزي الذي يجانب الأغواط ثم ينقلب إلى وادي جدي جنوبي الواحة .
لم يزد عدد السكان في " القصر " على اكثر من (1500) الف وخمسمائة نسمة ، يخرج بعضهم دوريا للانتجاع والارتحال وجلب كميات من الشعير والقمح من المزارع المنتشرة في الجهة .
ويوجد قصر سيدي بوزيد في مسارح أولاد ميمون " الشراقة " جيران ابناء عمومتهم " الغرابة "(1) و " العجيلات "وأولاد ابراهيم من الهلاليين الاثبج هم أيضا .
وهم يدعون عموما بالعصور باسم جدهم عمرو بن عبد المناف ، وقد نزلوا كلهم تباعا في القرن الخامس الهجري .
ووصف جاك برك " العمور "(1) فقال : (إن هؤلاء الرعاة الذين انحدرت منهم الفرق المشهورة بالفروسية أعني الفرق التبلية مثل أولاد ميمون لم تزل بالمنطقة بدون حرب مع سكانها السابقين ، وقد لحقت عناصر أخرى خلال العصور بالعناصر القديمة وذابت فيها والفت مجموعة من المقاتلين ...
ولاحظ المؤلف قبل هذه الفقرة بالذات أن "الوهاد كانت تلقن بها الفروسية واشتهرت بها خاصة فرقة أولاد ميمون " (انتهى)
من بين اولاد ميمون هم أساسا أولاد سيدي عبد الله وأولاد علي وأولاد سيدي خالد الذين يدعون أنهم من الشرفاء بينما يدعى أولاد سيدي بوزيد أنهم من نسب الولي الذي يحملون اسمه .
وقد أولى الباحثون والمؤرخون والاثنزلوجيون الذين اعنوا بهذه المنطقة اهتماما محققا بشرفتها ، وبصورة خاصة " بالبوازيد " .
ولاحظ رمنفام (2) أن سيدي بوزيد شريف ادريسي قدم من فاس في بداية القرن السادس الهجري (القرن 12 الميلادي) وان له ذرية عديدة مبثوثة في جبل العمور وايضا في الهامل وسيدي بلعباس ومستغانم وأولاد جلال وحتى في السوس ببلاد المغرب وقد أوضح ان زاوية سيدي بوزيد تنتمي الى الطريقة الرحمانية وانها مرتبطة بالهامل .
وبين ج.ديبوا (1) أن " سيد بوزيد اقدم واكبر الاولياء المرابطين بجبل العمور ".
وقد اعتمد هؤلاء الكتاب وغيرهم ايضا مثل الكولونيل ديران (1895) وم.وا.غوبيون (1920) بشأن هؤلاء الشرفاء على الاخبار المحلية المنقولة شفاهيا أو على ترجمات للولي مثل الترجمة التي وضعها محمد بن بوزيد في سنة 1870 أو سيدي بوزيد بن الحاج بلقاسم في 1932 .
وعلى سبيل المثال فان محمد بن بوزيد من اولاد خالد قد بين في مخطوطه ، "كتاب التحقيق" (1870) المخص للحديث عن نسب الشرفاء واستقرارهم بالقطر الجزائري ( ترجمة ارنوفي 1873 المترجم العسكري انذاك ) أن الجزء الاكبر من حفدة سيدي بوزيد قد كونوا قبيلة زردال ( في القطر التونسي )
إما في الترجمة التي قام بها أ.جيموبتي عن (2) " كتاب النسب " المشهور (القرن الرابع عشر الميلادي) الذي صنفه محمد الاشماوي في صورة انساب الشرفاء اعتمادا على مصادر ومصنفات قديمة فقد ذكر وصفا بدنيا وأخلاقيا عجيبا بتفاصيله بالنظر إلى أشخاص آخرين ورد فقط ذكرهم بصورة عادية في الكتاب . فقد قال في بداية هذا الوصف : " لقد كان ازعر ، وحاجباه متصلان وخفيف شعر الذقن ، وقد كان جميلا انيقا وكان له علامة اسفل العمامة في اعلى الجبهة . وكانت هذه العلامة اثر اصابة مثل الاصابات التي يتلقاها رجال الحرب والقتال الذين يمتطون الخيول الاصيلة وقد لحقته هذه الاصابة في مكة المكرمة .
وخلف سيدي ابوزيد أربعة أولاد هم محمد وعلي وعبد الله وعبد الرحمان " (انتهى النقل) : اما الاشماوي فقد ذكر من جهته ان ذريته كثيرة مفرقة في وجدة ومراكش ، وفي بلاد سويد (في منطقة تيارت) وبجاية .
وقيل ان فرقة هي فرقة أولاد سيدي محمد موجودة في الأرباع .
ومن ولده عبد الله انحدر البوازيد اللذين استقروا بمنطقة جبل العمور ، والذين نجدهم الى اليوم في سيدي بوزيد ، وفي الناحية عند اولاد سيدي عبد الله وأولاد علي واولاد احمد .
ونصت بعض المؤلفات الأخرى على أن سيدي بوزيد قد خلف اربعة اولاد رابعهم هو احمد لاعبد الرحمان . وهذا الرأي هو السائد في منطقة جبل العمور ، خلافا لما ذهب اليه الأشماوي .
إلا إذا كان عبد الرحمن واحمد يمثلان شخصا واحدا وصحح بعض النسابين الآخرين هذا الرأي ملاحظين ان رواية الاشماوي سليمة وان احمد هو في الواقع ابن لعبد الرحمان أي حفيد سيدي بوزيد .
وعلى هذا ، فان احمد وذريته هم الذين نجدهم فيما بعد أولاد مقران بمجانة .
وذكر ج . دبوا أن أولاد عبد الله قد بقوا في سيدي بوزيد بينما انتقل آخرون إلى الهامل والى طاقين ومعسكر (اولاد سيدي العيد) وفرندة (أولاد عبد المالك) .
أما أولاد سيدي علي فقد انتقلوا إلى نواحي غليزان والى مستغانم (1) أعني اولاد بوزيد بن عبد الله والى توزر في القطر التونسي (أولاد سيدي ابوبكر) والى نفطة (أولاد إبراهيم بن احمد) .
ونقل برك من كتاب "زهر البسيم " (2) انه من المؤكد أن سيدي بوزيد هو أصل أغلبية شرفاء المغرب الأوسط .
وتذكرنا الروايات المعروفة في زوايا الهامل والبوازيد أن الولي سيدي بوزيد كان تلميذا لأحمد أخ حجة الإسلام أبي حامد الغزالي .
أما بخصوص نسب سيدي بوزيد فان الاشماوي يرجع أسفله إلى إدريس الثاني ابن إدريس الأول وهو بنفسه ابن عبد الله الكامل حفيد الإمام علي بواسطة الحسن السبط.
ونعرف من رواية ابن خلدون أن إدريس الأول وأخاه سليمان وآخرين من أسرته قد لجأوا إلى المغرب ونزلوا على بعد كيلومترات من قولوبيلاس (في مولاي الزرهون) . وقد أسس إدريس الثاني مدينة فاس وبعد وفاته اقتسم ابنه محمد وإخوته المملكة الادريسية التي تشتت بعد ذلك بضربات الفاطميين والأمويين . وكتب (3)ابن خلدون نقلا عن ابن حزم بشأن اندثار الاسر الادريسية قائلا :وبقي عدة أفراد من هذه الاسرة يعيشون متفرقين في الجبال مع برابرة المغرب ، وكان ذلك في نهاية القرن العاشر الميلادي .
ولكن حفدة الادارسة استمروا يعيشون في هذه الجبال متمسكين بنسبهم الشريف ، وكونوا حولهم "هالة" من التقوى والشجاعة والفروسية مثل ما فعل الشريف سيدي بوزيد .
وكانت أركاب الزوار غفيرة في العقود المتأخرة بمناسبة الموسم الذي ينظم في كل سنة في سيدي بوزيد وكانت هذه الاركاب من مستغانم والهامل واولاد جلال واولاد مقران من مجانة وحتى من نفطة .
وكانت العلاقات مع زاوية سيدي محمد بن بلقاسم شيخ الهامل علاقات متينة . ومن حفدة سيدي بوزيد جماعة ابو مدين الذين كانوا تلامذة شيخ الهامل .
وتقول الروايات (1) أن مكان زاوية الهامل نفسه (2) قد اختاره حفدة سيدي بوزيد أهل جبل أهل العمور في طريق رجوعهم من حج بيت الله الحرام ، ولا زلنا نجد إلى اليوم في الشعر الملحون قصائد تروج من جهة لأخرى عن حياة وخصال سيدي بوزيد رحمه الله .
هوامش :
1)لا صلة باولاد ميمون (الغرابة) بالسكان الذين يسمون بنفس الاسم المقيمين في القرية وحول المحلة المسماة سابقا بلامور سدير فجد هؤلاء هو محمد بن ميمون .
•في هذه المنطقة التي لا تزال نجد بها اسماء الاماكن او السكان تسميان الفرعين التابعين لبني عمرو (مرة وعبادلية)
1)جاك بيرك : في أعماق المغرب : من القرن 15 الى القرن 19 – بالفرنسية
2)اميل درمنغام
1)" في أعماق المغرب " ذكر أن الشيخ أبوزيد كان يعيش عيشة بسيطة في مقاطعة غمارة ، وكان ينظم قصائد جيدة وقد دفن في الزاوية العلوية بمستغانم .
2)كتاب " زهر البسيم " تونس 1890
3)ابن خلدون : تاريخ البربر ترجمة روسلان يلان ج.الثاني
1)نقل ذلك زهر البسيم (1890) وبرك في أعماق المغرب
2)أسست الزاوية في بداية القرن التاسع عشر .
التعليقات (0)