تناقض واضح وصريح داخل أروقة الأمم المتحدة فيما يتعلق بالحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة عقب فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية في يناير/2006م، ويشتمل حصار غزة على منع أو تقنين دخول المحروقات والكهرباء والدواء والكثير من السلع الرئيسية، وكذلك منع الصيد في عمق البحر، وغلق المعابر بين القطاع وإسرائيل.
هذا الحصار هو بمثابة عقاب جماعي ضد السكان المدنيين في قطاع غزة وذلك بسبب الخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني الذي منح حركة حماس أغلبية برلمانية داخل المجلس التشريعي، وهذا مخالف للقانون الدولي الإنساني، ويعد جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي.
ما يهمنا في هذا المقال هو الزوبعة التي تركها السيد بالمر المكلف من قبل الأمم المتحدة للتحقيق في أحداث القرصنة الإسرائيلية ضد أسطول الحرية، والتي أسفرت عن استشهاد تسعة أتراك ممن كانوا على ظهر سفينة مرمره المدنية والتي كانت تحمل الدواء وحليب الأطفال لشعب غزة المحاصر والمنكوب، فقد جاء في تقرير السيد جيفني بالمر وهو رئيس وزراء نيوزلندا السابق وتحديداً في (المادة 69) والتي تنص على شرعية الحصار البحري الذي تفرضه إسرائيل، في تبني واضح للرواية الإسرائيلية والتي من شأنها إنقاذ إسرائيل من مأزق الجريمة والإدانة لعملية القرصنة البحرية في المياه الدولية ضد القوافل الإنسانية (أسطول الحرية).
السيد جيفني بالمر ارتكب مجزرة قانونية وأخلاقية عندما شرعن الحصار البحري على قطاع غزة، وسأتناول ذلك بشيء من التفصيل:
أولاً: المجزرة القانونية
لقد عمل السيد جيفني بالمر كل ما بوسعه من أجل إنقاذ صورة إسرائيل في العالم، فانقلب على مبادئ القانون الدولي، وأنا لست متخصصاً في القانون الدولي ولكن هناك مبادئ رئيسية لابد من سردها وقد يكون السيد بالمر قد أغفلها متعمداً وهي على النحو التالي:
1- قطاع غزة من وجهة نظر القانون الدولي هو أرض محتلة، لذلك تعتبر المقاومة مشروعة، والدول ملزمة بتقديم كل أشكال المساعدات وبكل الوسائل والطرق لمساعدة حركات التحرر الوطني في قطاع غزة.
2- الاحتلال الحربي في القانون الدولي لا ينقل السيادة إلى المحتل، وإسرائيل محتلة بقوة السلاح، ولذلك لا سيادة لها براً أو بحراً أو جواً.
3- حصار قطاع غزة هو شكل من أشكال العقاب الجماعي، وهذا محرم بالقانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م، والعهد الدولي الخاص للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1969م، والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
4- إن اعتراض إسرائيل للقوافل الإنسانية في أعالي البحار (المياه الدولية)، وإعاقة وصولهم المتعمد لقطاع غزة بما يحملونه من مواد اغاثية لشعب محاصر منذ سنوات فإن ذلك جريمة حرب طبقاً للمادة (8/2/ب/xxv) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
5- قد يكون السيد بالمر لم يقرأ دليل سان ريمو وتحديداً ما يخص النزاعات المسلحة في البحار، والذي حدد في فرعه الثالث سفن وطائرات العدو التي لا يجوز مهاجمتها وهي:
السفن المشاركة في مهمات إنسانية واغاثية، وأسطول الحرية لم تخرج عن هذا الهدف ولم تحمل سوى حليب الأطفال والدواء وغير ذلك من المواد الاغاثية.
6- خالف السيد بالمر في شرعنته للحصار على قطاع غزة من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي مؤسسته الأم (الأمم المتحدة)، فقد أدان السيد بان كي مون الأمين العام في أكثر من مناسبة الحصار على غزة، وطالب إسرائيل برفعه وتحسين الحياة المعيشية للسكان المدنيين، وكذلك قامت مؤسسة وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين بإدانة الحصار على غزة، ولكن الأكثر من ذلك كله ما جاء في تقرير بعثة ريتشارد غولدستون وهي منبثقة عن الأمم المتحدة للتحقيق في الجرائم المرتكبة ضد المدنيين إبان حرب الفرقان في ديسمبر/2008م، فقد جاء في تقريره (الفقرة 27): "ركزت البعثة (الفصل الخامس) على عملية العزل الاقتصادي والسياسي الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة والمشار إليه بصورة عامة باسم الحصار"، وفي (الفقرة 28): " رأت البعثة أن إسرائيل ما زالت ملزمة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة وإلى أقصى حد تسمح به الوسائل المتاحة لها، بضمان توريد المواد الغذائية واللوازم الطبية ولوازم المستشفيات والسلع الأخرى بغية تلبية الاحتياجات الإنسانية لسكان قطاع غزة دون قيد من القيود".
ما سبق يدفعنا للتساؤل هل الحصار شرعي من وجهة نظر السيد بالمر وغير شرعي من وجهة نظر غولدستون وبان كي مون ووكالة الغوث وكاترين أشتون والعديد من الدول الممثلة بالمؤسسة الأممية، أم هناك تسييس للتقرير وابتزاز سياسي مورس على غولدستون بعد إقرار تقريره، وقرأه بالمر مسبقاً فخرجت تلك الصورة من التقرير؟
نعم، إسرائيل هي مجرمة حرب، والموقف التركي في التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية صائب، وعلى الجميع التكاتف لفضح جرائم إسرائيل ومساندة الموقف التركي العظيم...
التعليقات (0)