مواضيع اليوم

شرح الحدث (1) من صحيح البخاري

أيمن عرفان

2011-06-01 04:59:20

0

بسم الله الرحمن الرحيم
[1] – كتاب بدء الوحي
قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْبُخَارِىُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى آمِينَ
(1) - باب كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْىِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . وَقَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) النساء 163.
الوحي في اللغة : الإعلام في خفاء، والوحي الكتابة والإلهام والإيماء والإشارة، وقيل أصله التفهيم، وشرعاً الوحي هو الإعلام بالشرع، وقد يطلق الوحي ويراد به الموحى به وهو كلام الله المنزل على النبي ، بدأ الإمام البخاري صحيحه ببيان كيف كان الوحي إلى رسول الله  وكأنه يبين الغرض من جمع كتابه وهو جمع وحي السُّنَّة المُتَلَقَّى عن خير البرية. وكان أول حديث يذكره في صحيحه هو حديث النية وكأنه يقول أنني لم أفعل ذلك إلا طَلَباً لرضا الله فعملي خالص لوجه الله.
1 - عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ » . أطرافه 54 ، 2529 ، 3898 ، 5070 ، 6689 ، 6953 تحفة 10612 - 2/1
الْمِنْبَرِ: الألف واللام للعهد أي على منبر المسجد النبوي، ومعنى ذلك أن عمر رضي الله عنه قال هذا الحديث في خطبة له. إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ: هذا الحديث من الأحاديث التي لها مكانة عالية في الدين الإسلامي حتى قيل أنه ليس في أخبار النبي  شيء أجمع ولا أغنى ولا أنفع من هذا الحديث، حتى أن بعض العلماء اعتبر أن هذا الحديث هو ثلث الإسلام، فكسب العبد يقع بقلبه وبلسانه وبجوارحه، فالنية التي محلها القلب هي أحد الأقسام الثلاثة. وقال الشافعي أن هذا الحديث يدخل في سبعين باباً من أبواب العلم. الحديث ورد بعدة روايات "إنما الأعمال بالنيات" ، "الأعمال بالنيات" ، "العمل بالنية" ، الأعمال بالنية"، وفي جميع الأحوال فالحديث يشير إلى أن النية معيار لتصحيح الأعمال، فحيث صلحت النية صلح العمل، وحيث فسدت النية فسد العمل.
وهنا يجدر بنا الإشارة إلى أن الإخلاص في النية لا يدخل في أمور المباحات وإنما يراد به أعمال الطاعات، مثال ذلك إذا كنت تبني حظيرة للمواشي فلن أقول لك عليك أن تخلص النية، ولكن إذا كنت تبني مسجداً هنا يجب أن تكون النية في بنائه خالصة لوجه الله عز وجل. بل وعن طريق النية يمكنك أن تحول الكثير من العادات إلى عبادات، مثال ذلك قد تجلس في المسجد بعض الوقت على سبيل الراحة فهذه عادة، ولكنك إذا نويت بجلوسك هذا الاعتكاف تتحول هذه العادة إلى عبادة،والاعتكاف في أرجح الأقوال يكون في أي وقت وبأي مدة زمنية ولو لحظة.
وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى: هذه الجملة تقتضي أن العامل لا يَحْصُل له إلا ما نواه، فمن نوى شيئاً يحصل له، ولذلك رأى بعض الفقهاء أن من أراد أن يُسَلِّمَ على امرأة أجنبية ويصافحها بيده وفي نيته أن يتلذذ بلمس يدها، فلما صافحها لم يتلذذ بذلك ، ينتقض وضوؤه، لماذا؟ بالنية. وهذه النقطة يلحق بها بعض المسائل:
1- أن الإنسان قد يُحَصِّل فعلاً بعد أن نوى فعلاً آخر، مثال ذلك: لو دخل رجل المسجد فصلى الفرض قبل أن يقعد فإنه يحصل له تحية المسجد نواها أو لم ينوها، إذ أن المقصود من تحية المسجد شغل البقعة بالصلاة وقد حدث.
2- اشترطت العبارة تعيين المنوي كمن عليه صلاة فائته لا يكفيه أن ينوي الفائتة فقط بل عليه أن يعينها ظهراً أم عصراً.
3- النية تشترط في العبادة التي لا تتميز بنفسها، أما ما يتميز بنفسه كالأذكار والأدعية والتلاوة فإنها تنصرف بطبيعتها إلى ما وُضِعَت له، ومع ذلك لو نوى بالذكر القربة إلى الله لكان أكثر ثواباً، ولذلك قال الغزالي رحمه الله أن حركة اللسان بالذكر تحصل ثواباً لأنه خير من حركة اللسان بالغيبة وإنما هو ناقص بالنسبة لعمل القلب. ولذلك قال رسول الله  :"وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ". قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟. قَالَ: « أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا في حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟. فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا في الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ».
4- ما يقصد حصوله في الجملة لا يحتاج إلى نية تخصه. مثال ذلك من مات عنها زوجها هل يشترط أن تعلم بموت زوجها وأن تنوي أنها تقضي مدة العدة حتى تحسب لها مدة العدة؟ بالطبع لا، فلو انقضت مدة العدة كاملةَ دون أن تدري هي حتى بموت زوجها فعدتها قد انقضت، لأن المقصود براءة الرحم وقد حدثت.
5- الترك المجرد لا ثواب فيه، وإنما يحصل الثواب بالكف الذي هو فعل النفس، فمن لم تخطر المعصية بباله أصلاً ليس كمن خطرت المعصية بباله فكف نفسه عنها خوفاً من الله. والنبي  يخبرنا أن أحد السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله :" وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ"، فهل يأخذ نفس الثواب كل الذين لم يقعوا في جريمة الزنا؟ بالطبع لا.
فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ: سيرد الحديث في مواطن أخرى كاملاً وسنجد فيه :"فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ" ولكن هنا أتى بالشطر الثاني من التقسيم فقط. الهجرة الترك، والهجرة إلى الشيء الانتقال إليه عن غيره، وقد وقعت الهجرة في الإسلام على وجهين، الوجه الأول: الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن، كما في هجرتي الحبشة وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة. والوجه الثاني: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبي  بالمدينة وهاجر إليه المسلمون، وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة، إلى أن فُتِحَت مكة فانقطع الاختصاص وبقي عموم الانتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان باقياً لمن قدر عليه، والهجرة في معناها العام الشرعي هجرة ما نهى الله عنه لقول الرسول  :"الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ".
إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا: سُميت الدنيا دنيا لدنوها أي لقربها، لأنها تسبق الآخرة، وقيل بل سميت كذلك لدنوها إلى الزوال. يصيبها أي يُحَصِّلها لأن تحصيلها كإصابة الغرض بالسهم.
أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا: المرأة من أمور الدنيا والتنصيص عليها من الخاص بعد العام للاهتمام به، والمقصود الزيادة في التحذير لأن الافتتان بها أشد، وقيل أن سبب الحديث أصلاً أن رجلاً خطب امرأة يقال لها أم قيس، فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر وتزوجها وكان يسمى مهاجر أم قيس. وهنا نتساءل: لماذا عاب النبي  على ذلك الرجل فعله؟ أليس الانتقال من مكان إلى مكان بغرض النكاح أمر مشروع؟ بلى ولكن النبي  عاب عليه أنه أظهر أن الانتقال إلى المدينة كان المقصود منه الهجرة في حين أن حقيقة الأمر غير كذلك، فلما أظهر خلاف ما أبطن لام عليه النبي  وعاتبه.
فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ: من هذه العبارة يتبين أن: (1) من كان مظهراً أنه يهاجر من أجل الهجرة في حين أن نيته خالصة لطلب المرأة فهذا هو موضع الذم في الحديث. والحديث على عموم الأعمال، فمثلاً لو خرج الإنسان إلى الحج وهو يقصد بذلك التجارة مثلاً فلا ثواب له إذ أن الباعث والمحرك له في الأصل هو قصد الربح والتجارة.
أما إذا كان الباعث والمحرك له هو الحج وجاءت التجارة له تبع فله الثواب، وبالطبع هو لا يتساوى مع من كان خروجه خالصاً للحج فقط. (2) لا يجوز الإقدام على عمل قبل معرفة حكمه، لأن الطاعة تحتاج إلى نية، ولكن لابد في البداية أن تتأكد من أنها طاعة.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !