شخصيتي الورقيــة !

مشهد الأوراق العذراء يُصيبني بالذهول ، ويجعل نبض قلبي يتسارع ، وآلاف الأفكار تتدفق إلى وعاء عقلي ، مُسببة فوضى عارمة والكثير الكثير من الإرتباك ! .. أما لو إكتمل المشهد بإستنشاقي لرحيق رطوبة الباقة الورقية ، فإن مسامات جلدي تتفتح فأجدني غارقا في عرقي ، ومُصابا بظمإٍ لاأرتوي منه إلا بضم الباقة كالمجنون أو كالأم المُفارقة ! ..حتى إن زملائي في العمل تنبهوا لعشقي الغريب للورق ، فأصبحوا يتعمّدون وضع رامات الورق على مكاتبهم ، فلا أشعر بنفسي إلا وأنا جالسُ قبالتهم ، وحين أرفع عيناي مِن على الورق أجد الواحد منهم يموت من الضحك على تصرفاتي الجنونية في حضرة الورق ! ..

لا أستطيع أبدا أن أقاوم رغبتي في جمع الأوراق البيضاء ، لأنني أعتبرها صكوكا ثمينة تستطيع تحرير مشاعري الدّفينة ، وأفكاري السجينة ! ..

الأوراق البيضاء مطاراتٌ تحط فوقها طائراتٌ متعددة العناوين والتسميات ، ومُحمّلة جميعاً بركاب أعزاء ولهم وحشة ، هم أبناء وبنات أفكاري الغوالي ، الذين أُسرّ كثيرا بهبوطهم سالمين مِن تلك الأجواء ! ..

الأوراق البيضاء جزيرة أنآى فيها بنفسي عن ضجيج الحياة ، وفيها أقارع ضجيج أفكاري بالتركيز العميق في محاولات لترتيب فوضاها ، وتنظيم سيرها في طرقات عقلي ! .. حتى أن الضجيج أصبح مهربي وملجئي ! ..

الأوراق البيضاء مرايا تجعلني أرى (أنا) الآخر .. أنا الذي أعرفني جيدا ، ويعرفني (بعضٌ) من غيري ، وأكثرهم بي وبما أهذي به جاهلون .

ـــــ

تاج الديــن : 09 ـ 2010