مواضيع اليوم

شخصية هيرودس في الاناجيل عرض ونقد

www.lik.ps لايك

2010-03-08 08:02:58

0

شخصية هيرودس
هيرودس هو الشخصية الشريرة الثانية من غير اليهود التي ساهمت في محاكمة يسوع كما ذكر لوقا, كما انه هو من قام بقتل يوحنا المعمدان بطريقة نزقة كما تذكر أناجيل متّى ومرقس ولوقا, ومع هذا الشرّ الكامن في هذه الشخصية إلا أننا نجد انه لم يحظ بتلك النسبة العالية من الكراهية ولا قومه كما حدث مع رؤساء الكهنة واليهود, وأول ما يطالعنا في الأناجيل من إهمال الكراهية لهذه الشخصية هو إغفال ذكره في إنجيل يوحنا مطلقاً مع انه قام بقتل يوحنا المعمدان وشارك في محاكمة يسوع وهو ما يشير إلى أن كتبة الأناجيل كانوا حريصين على تركيز الكراهية والحقد على اليهود ولا أُريد القول إن إغفال يوحنا لذكر هيرودس وقيامه بقتل يوحنا المعمدان دليل على أن هذه الشخصية خيالية من نسج كتبة الأناجيل الآخرين! ومع هذه الملاحظات إلا أننا سندرس شخصية هيرودس كما ذكرتها الأناجيل الثلاثة على الرغم من إغفال يوحنا لذكرها.
أول ذكر لهيرودس جاء في إنجيل لوقا في هذا النص:
- وفي السنة الخامسة عشر من سلطنة طيباريوس قيصر إذ كان بيلاطس البنطي والياً على اليهودية وهيرودس رئيس ربع على الجليل وفيلبس أخوه رئيس ربع على ايطورية وكورة تراخونيتس, وليسانيوس رئيس ربع على الابلية في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا كانت كلمة الرب على يوحنا بن زكريا في البرية. (لوقا3/1-2)
في هذا النص نجد أن هيرودس كان رئيس ربع على الجليل, في زمن طيباريوس قيصر روما, وفي ذلك الوقت كانت كلمة الرب على يوحنا المعمدان الذي بدأ يُعمّد الناس في نهر الأردن ومن ضمن الذين عمّدهم يسوع الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد.
وفي ذلك الوقت ألقى هيرودس يوحنا المعمدان في السجن, وكان هذا خلال تجريب الشيطان ليسوع, لأن يسوع كما ذكرت الأناجيل الثلاثة بدأ يكرز أو يدعو بعد أن أُلقي يوحنا في السجن بعد التجربة وان كان خالفهم يوحنا في إنجيله بقوله إن يسوع بدأ يكرز قبل إلقاء القبض على يسوع وان أول تلاميذ يسوع كانوا من تلاميذ يوحنا وأنهم تبعوا يسوع عندما سمعوا يوحنا يقول عن يسوع هذا حَمَل الإله.
ثم تخبرنا الأناجيل الثلاثة عن قصة قتل هيرودس ليوحنا المعمدان فيذكر متّى القصة على النحو التالي:
- فان هيرودس كان قد امسك يوحنا وأوثقه وطرحه في سجن من أجل هيروديا امرأة فيلبس أخيه,
لان يوحنا كان يقول له لا يحل ان تكون لك,
ولما أراد ان يقتله خاف من الشعب, لأنه كان عندهم مثل نبي,
ثم صار مولد هيرودس رقصت ابنة هيروديا في الوسط فسرّت هيرودس, ومن ثم وعد بقسم انه مهما طلبت يعطيها,
فهي إذ كانت قد تلقنت من أمها قالت أعطني ههنا على طبق رأس يوحنا المعمدان, فاغتم الملك من أجل الأقسام والمتكئين معه أمر أن يُعطى, فأرسل وقطع رأس يوحنا في السجن,
فأُحضر رأسه على طبق ودُفع إلى الصبية فجاءت به إلى أمها,
فتقدم تلاميذه ورفعوا الجسد ودفنوه ثم أتوا وأخبروا يسوع. (متّى14/3-12)
ومرقس ذكر قصته بسياق مشابه لقصة متّى مع اختلافات في بعض التفاصيل كما في النص التالي:
- لان هيرودس نفسه كان قد أرسل وأمسك يوحنا وأوثقه في السجن من أجل هيروديا امرأة فيلبس أخيه اذ كان قد تزوج بها,
لان يوحنا كان يقول لهيرودس لا يحل ان تكون لك امرأة أخيك
فحنقت هيروديا عليه وأرادت ان تقتله ولم تقدر,
لان هيرودس كان يهاب يوحنا عالماً انه رجل بار وقديس وكان يحفظه,
وإذ سمعه فعل كثيراً وسمعه بسرور,
وإذ كان يوم موافق لما صنع هيرودس في مولده عشاء لعظمائه وقوّاد الألوف ووجوه الجليل,
دخلت ابنة هيروديا ورقصت, فسرّت هيرودس والمتكئين معه, فقال الملك للصبية مهما أردت اطلبي مني فأعطيك,
وأقسم لها ان مهما طلبت مني لأُعطينك حتى نصف مملكتي,
فخرجت وقالت لأمها ماذا أطلب, فقالت رأس يوحنا المعمدان,
فدخلت للوقت بسرعة الى الملك وطلبت قائلة أريد أن تعطيني حالاً رأس يوحنا المعمدان على طبق,
فحزن الملك جداً, ولأجل الأقسام والمتكئين لم يرد أن يردها,
فللوقت أرسل سيافاً وأمر ان يؤتى برأسه,
فمضى وقطع رأسه في السجن, وأتى برأسه على طبق وأعطاه للصبية والصبية أعطته لأمها,
ولما سمع تلاميذه جاءوا ورفعوا جثته ووضعوها في قبر. (مرقس6/17-29)
وأما لوقا فلم يذكر قصة قتل هيرودس ليوحنا المعمدان كما ذكرها متّى ولوقا وانما أشار اليها باختصار كما في النص التالي:
- وأما هيرودس رئيس الربع فاذ توبخ منه لسبب هيروديا امرأة فيلبس ولسبب جميع الشرور التي كان هيرودس يفعلها,
زاد هذا أيضاً على الجميع انه حبس يوحنا في السجن. (لوقا3/19-20)
من هذه النصوص وخاصة النص الأول والثاني نجد أن يوحنا المعمدان جابه هيرودس بإنكاره لزواجه من امرأة أخيه فيلبس وأنها لا تحلّ له حتى قُتل وهو مصرّ على هذا الموقف.
والقصة بهذا السياق تطرح عدة ملاحظات:
الملاحظة الأولى هي عن الفرق بين يوحنا المعمدان ويسوع الاقنوم الثاني, إذ أننا نجد ان يوحنا المعمدان الذي تعتبره الأناجيل انه مثل نبي او نبي او اعظم من نبي يُصرّح ويُعلن رأيه بان زواج هيرودس من امرأة اخيه لا يجوز ويظل مصرّاً على هذا القول حتى قتل من أجله, بخلاف يسوع الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد الذي نجده لا يأمر برجم المرأة التي أُمسكت بالزنا مع ان الشريعة التي انزلها هو أو احد مكوناته باعتباره الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد كما تقول الكنائس ويتعلل بان من كان منهم بلا خطيئة فليرجمها بحجر!
والكنائس المختلفة تقول انه كان بلا خطيئة فلماذا لم يرجمها كما تقول الشريعة التي انزلها؟!
كما نجد يسوع الاقنوم الثاني لا يقول بعدم دفع الجزية لقيصر التي هي ممنوع إعطائها بحسب الشريعة لا بل نجده هو نفسه يعطي الجزية!
وغيرهما من الأمور التي كان لا يُصرّح بها يسوع الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد وخاصة الإعلان عن صفته انه الاقنوم الثاني, مما يطرح أسئلة جدية عن حقيقة هذه الشخصية ومدى قوتها او ضعفها مقارنة بشخصيات الأناجيل الأخرى.
الملاحظة الثانية على هذه القصة وهي التي تتحدث عن سبب سجن يوحنا أي أصل القصة.
ان قارئ الأناجيل وهو في غمرة العيش مع احداث الأناجيل التي تتحدث عن الاقنوم الثاني وكيف انه تجسد في هيئة بشرية ليُخلص البشرية من خطيئة أبيهم آدم التي تتوارثها جيلاً بعد جيل من خلال تعليق نفسه على الخشبة بعد ان يجلد ويستهزأ به ويبصق عليه ويلطم وجهه ويصبح ملعوناً من اجل رفع هذه الخطيئة كما قال بولس وغيره من رجال الكنائس, أقول إن القارئ وهو في هذا الجو ينسى التركيز على أحداث القصص الأخرى ولكننا في هذا الكتاب مهمتنا إن نعيد دراسة الأحداث بكل تفاصيلها مهما بدت بسيطة حتى نعلم ان كانت تلك القصص والأحداث وقعت حقيقة وإنها كتبت بسوق وإشراف الروح المقدس آم أنها كتبت بعيداً عن الواقع وعن الروح المقدس.
ان النصوص السابقة تقول ان سبب سجن هيرودس ليوحنا هو قول يوحنا لهيرودس ان زواجه من امرأة أخيه لا يحل له, وفي إيراد هذا السبب خطئان, الأول إن هذا القول مخالف لشريعة موسى التي يلتزم بها ليس يوحنا فقط بل يسوع الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد كما ذكرت الأناجيل, وكل من له علم بالعهد القديم يعلم ان شريعة موسى لا تقرّ زواج الأخ بامرأة أخيه فقط بل وتوجبه, خاصة إذا مات ذلك الأخ, وتفرض على احد أشقائه أن يتزوج امرأة المتوفى, وخاصة اذا لم يكن له أبناء, ويكون بكر تلك الزيجة منسوباً للأخ المتوفى وليس للزوج الحالي وهو ما ذكرته الأناجيل في قصة المناقشة التي حدثت بين يسوع والصدوقيين الذين ينكرون القيامة, فكيف يقول يوحنا المعمدان انه لا يحل لهيرودس الزواج بامرأة أخيه؟
الخطأ الثاني وهو كيف يخاطب يوحنا هيرودس بشريعة موسى, وهيرودس ليس من بني إسرائيل والشريعة انما أُنزلت ليتحاكم اليها اليهود وليس غيرهم, هذا اذا كان قوله لا تبيحه الشريعة فكيف يقول هذا القول وهو مخالف للشريعة!
الخطأ الثالث وهو اذا كان هذا الأمر لا يحل لهيرودس في شريعة الرومان فهل يعقل ان يوحنا يلتزم بالدفاع عن شريعة الرومان التي تخالف شريعة الرب وهو الذي حلّت عليه كلمة الرب؟!
الملاحظة الثالثة على هذه القصة هي قول مرقس لان هيرودس كان يهاب يوحنا عالماً انه رجل بار وقديس وكان يحفظه, وإذ سمعه فعل كثيراً وسمعه بسرور..
فإذا كان هيرودس يهاب يوحنا وكان يحفظه ويسمعه بسرور لأنه يعلم انه رجل بار وقديس وقام بقطع رأسه فماذا سيكون موقف هيرودس من يوحنا لو لم يكن يعلم انه بار وقديس, وهذا يعيدنا إلى ان كتبة الأناجيل والكنائس من بعدهم لم تكن تسعى لنشر الكراهية ضد الرومان وخاصة رجال الدولة ولكنها كانت تركزها ضد اليهود! فهيرودس الذي قطع رأس يوحنا من أجل راقصة يقول لنا مرقس انه كان رجلاً يسمع يوحنا بسرور وكان يهابه وكان يحفظه!
وأما قول مرقس عن هيرودس انه سمعه فعل كثيراً فهو يشير الى ان يوحنا فعل أموراً كثيرة تستحق الإعجاب مع ان يوحنا كاتب الإنجيل ذكر ان يوحنا المعمدان لم يعمل أي آية في حياته كلها فكيف نوفق بين قول مرقس وقول يوحنا؟
- وقالوا ان يوحنا لم يفعل آية واحدة. (يوحنا10/41)
الملاحظة الرابعة قول مرقس وأقسم لها ان مهما طلبت مني لأُعطينك حتى نصف مملكتي, هذا القول يشير بإلحاح على ان هذه القصة بحاجة الى مراجعة من الكنائس اذ ان هيرودس لم يكن ملكاً, كما انه لا يستطيع التصرف بحبة تراب من الجليل بعيداً عن أوامر قيصر فكيف يقول انه سيهب نصف مملكته والتي هي ليست مملكته للراقصة؟
ثم تنقلنا الأناجيل الى جانب آخر من علاقة هذه الشخصية بيسوع كما في النصوص التالية:
- في ذلك الوقت سمع هيرودس رئيس الربع خبر يسوع فقال لغلمانه هذا هو يوحنا المعمدان قد قام من الأموات. (متّى14/1-2)
- فسمع هيرودس الملك لان اسمه صار مشهوراً,
وقال ان يوحنا المعمدان قام من الأموات ولذلك تعمل به القوات,
قال آخرون انه نبي أو كأحد الأنبياء,
ولكن لما سمع هيرودس قال هذا يوحنا الذي قطعت رأسه, انه قام من الأموات . (مرقس6/14-16)
- فسمع هيرودس رئيس الربع بجميع ما كان منه وارتاب,
لان قوماً كانوا يقولون ان يوحنا قد قام من الأموات وقوماً ان إيليا ظهر وآخرين ان نبياً من القدماء قام,
فقال هيرودس يوحنا أنا قطعت رأسه, فمن هو هذا الذي أسمع عنه مثل هذا وكان يطلب ان يراه. (لوقا9/7-9)
إن قارئ الأناجيل لأول وهلة وهو يقرأ هذه النصوص يظن أن قيامة الناس من قبورهم كانت في ذلك الوقت كقيامة الناس في عصرنا هذا من نومهم!
والعهد القديم لم يخبرنا ان الناس كانوا يخرجون من قبورهم كما يخرج الانسان من بيته فكل ما ذكره العهد القديم عن إحياء الموتى لا يتجاوز أربعة قصص ولم يكن من عادة الأموات ان يقوموا من قبورهم, كما ان الأناجيل لم تذكر لنا سوى ثلاث قصص عن إحياء يسوع للموتى.
فمسألة خروج الأموات من قبورهم ليست بهذه البساطة حتى يتعامل معها هيرودس بهذه السذاجة والرعونة فهي مسألة لو شوهدت عياناً لانتهت خلافات ومشكلات البشرية, وصراعها مع الشر.
وما يهم هنا هو الفارق بين تسمية متّى ولوقا لهيرودس مع تسمية مرقس, فمتّى ولوقا كتبا رئيس الربع وأما مرقس فكتب الملك, وهذه التسمية كتبها كي تتوافق مع ما كتبه من وعد هيرودس للراقصة انه سيعطيها نصف مملكته فلو كتب رئيس الربع لانكشف كذب هيرودس لان رئيس الربع ليس ملكاً وبالتالي لا يستطيع التصرف لا بنصف ما يحكم ولا حتى بحبة تراب دون إذن من قيصر.
ثم يكتب لنا لوقا ان الفريسيين قالوا ليسوع ان هيرودس يريد ان يقتله كما في النص التالي:
- في ذلك اليوم تقدم بعض الفريسيين قائلين له اخرج واذهب من ههنا لان هيرودس يريد ان يقتلك,
فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها أنا أخرج شياطين وأشفي اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أكمل,
بل ينبغي ان أسير اليوم وغداً وما يليه لأنه لا يمكن ان يهلك نبي خارجاً عن أورشليم.
(لوقا13/31-33)
هذا النص من غرائب النصوص التي تتضمنها الأناجيل خصوصاً والعهد الجديد عموماً, اذ انه بالإضافة لاحتوائه على معلومات تتناقض مع ما هو مكتوب عن هيرودس يحتوي على حقائق تهدم أركان قوانين الإيمان الكنسية.
فالنص يبدأ بقول الفريسيين ليسوع ان هيرودس يريد ان يقتلك, وهو ما يتناقض مع قول لوقا ان هيرودس كان يريد ان يراه, كما يتناقض مع ما كتبه لوقا نفسه عندما كتب ان هيرودس فرح جداً لرؤية يسوع كما سيأتي بعد قليل.
وهنا قد تقول الكنائس ان هذا القول كان من الفريسيين وليس من يسوع أو لوقا أو حتى الروح المقدس الذي كان يسوق كتبة الأناجيل, فلوقا نقل ما قاله الفريسيين ولا يعني ان قولهم هذا صدقاً بل ربما كان محاولة من الفريسيين لإخافة يسوع الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد!
وهذا الكلام يكون مقبولاً لولا كتابة لوقا جواب يسوع لهم بقوله قولوا لهذا الثعلب ها أنا اخرج شياطين وأشفي مرضى اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أكمل.
فذكر هذا الجواب دليل على ان الفريسيين لم يكونوا يكذبون لأنهم لو كانوا يكذبون لعلم يسوع هذا الكذب, إلا إذا أرادت الكنائس ان تقول لنا ان يسوع الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد لا يعلم الغيب ولا يعلم الصادق من الكاذب!
ثم هناك قوله انه لا يمكن ان يهلك نبي خارجاً عن أورشليم, ان هذا القول يهدم أهم ركن من أركان قوانين الإيمان الكنسية إذ ان يسوع يصف نفسه في هذا القول انه نبي لهذا فانه سيذهب الى أورشليم ليهلك هناك لأنه لا يمكن ان يهلك نبي خارجاً عن أُورشليم, فهل ترضى الكنائس بهذه الصفة ليسوع التي تصفه انه نبي؟!
كما ان هذا القول يحمل خطأ كبيراً, ان لم نقل جهلاً, لان من له أدنى علم بالعهد القديم يعلم انه يوجد عشرات الأنبياء هلكوا خارجاً عن أورشليم وأشهرهم موسى وهارون فكيف خفي هذا على يسوع الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد والذي يفترض أنهم هم من أنزل العهد القديم, كما تقول الكنائس المختلفة؟!
أم كيف خفي هذا الأمر عن لوقا وهو الذي عاش حياته يدعو للإيمان بيسوع بين اليهود؟
أم كيف سمح الروح المقدس بكتابة هذا الخطأ الواضح ولم ينبه لوقا عليه لو كان يسوقه عند كتابة الإجيل كما تقول الكنائس؟
فإذا كان ما كتبه لوقا هو الصحيح وانه لم يهلك من الأنبياء احد خارجاً عن أورشليم فهل ما ذكر في العهد القديم كان خطأ؟!
وأما أصل القول فهو خاطئ لان هيرودس لم يكن هو من حاكم يسوع بل إن اليهود سلموا يسوع لبيلاطس لأنه هو الوالي في أورشليم, وأما دور هيرودس في المحاكمة فلم يظهر في الأناجيل إلا في النص الذي ذكره لوقا فقط وذلك بوصفه رئيس ربع الجليل, وأظن انه ما كتب هذا الدور إلا ليتوافق مع ما كتب في هذا النص لان هيرودس لم يكن له أي أثر في المحاكمة سوى كتابة المزيد من الشتائم ضد يسوع في الأناجيل.
ثم ينقلنا لوقا في إنجيله إلى دور هيرودس في محاكمة يسوع وهو الوحيد الذي كتب عن هذا الجانب فيقول:
- فلما سمع بيلاطس ذكر الجليل سأل هل الرجل جليلي,
وحين علم انه من سلطنة هيرودس أرسله إلى هيرودس إذ كان هو أيضاً تلك الأيام في أورشليم. (لوقا23/1-7)
في هذا النص يكتب لوقا عن السبب الذي من أجله أدخل هيرودس في محاكمة يسوع فقال إن بيلاطس لما سمع أن يسوع جليلي أرسله إلى هيرودس ولكن لوقا لم يذكر لنا أن بيلاطس استشار هيرودس عندما خلط دماء الجليليين بدماء ذبائحهم لأنهم من سلطنة هيرودس وكذلك لم يخبرنا أن قول هيرودس بان يسوع لا توجد فيه علة توجب القتل كان له أثر في نتيجة المحاكمة مع أن هيرودس باعتبار ان يسوع من رعيته كان يجب ان يكون له كلمة في نتيجة المحاكمة بدلاً من خضوع بيلاطس لشرذمة من اليهود كانوا خاضعين له دافعين للجزية وهو ممثل أعظم دولة في ذلك الوقت!!
ثم يكمل الحديث عن دور هيرودس في محاكمة يسوع كما كتبها لوقا وحده دون الأناجيل الثلاثة الأخرى, فيكتب قائلاً:
- وأما هيرودس فلما رأى يسوع فرح جداً لأنه كان يريد من زمان طويل ان يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة, وترجّى ان يرى آية تصنع منه,
وسأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء,
ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه باشتداد,
فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأوا به وألبسه لباساً لامعاً ورده الى بيلاطس, فصار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما في ذلك اليوم لانهما كانا من قبل في عداوة بينهما. (لوقا23/8-12)
كما نقرأ في النص ان هيرودس فرح جداً عندما رأى يسوع مما يتناقض مع قول الفريسيين من انه كان يريد قتل يسوع.
ثم نقرأ ان هيرودس بدأ يسأل يسوع عن أشياء كثيرة وان لم يكتب لنا لوقا ما هي تلك الأسئلة ولكن يسوع الاقنوم الثالث لم يجب بشيء, وهذا ان دل على شيء فانه يدل على ان يسوع كان يخفي دعوته ولا يسعى لنشرها وخاصة بين غير اليهود وهو عكس ما قامت به الكنائس من التوجه لغير اليهود وعدم دعوة اليهود.
وباقي النص يتحدث عن تحقير هيرودس ليسوع وهو ما دأب كتبة الأناجيل على تسجيله عن يسوع وخاصة في المحاكمة.
وأما مداخلة لوقا بالقول ان هيرودس وبيلاطس أصبحا صديقين بعد هذه الحادثة فهي مردودة عليه لأن هذا الكلام يدل على اتفاقهما على إدانة يسوع وهو ما تخبر الأناجيل بعكسه ولوقا نفسه يقول انهما لم يجدا فيه علة فكيف سيصبحان صديقين بعد هذه الحادثة إلا إذا أراد لوقا ان يقول لنا انهما أصبحا صديقين لأنهما وقعا تحت ضغط اليهود!
إلى هنا ينتهي دور هيرودس في المحاكمة ولكن لوقا يذكر هيرودس على لسان بيلاطس وهو يحاول إقناع اليهود بعدم إجباره على الحكم بصلب يسوع فيقول:
- فدعا بيلاطس رؤساء الكهنة والعظماء والشعب وقال لهم قد قدمتم اليّ هذا الإنسان كمن يفسد الشعب,
وها أنا فحصت قدامكم ولم أجد في هذا الإنسان علّة مما تشتكون به عليه, ولا هيرودس أيضاً, لأني أرسلتكم إليه, وها لا شيء يستحق الموت صُنع منه. (لوقا23/13-25)
في هذا النص نجد ان بيلاطس الذي كان يخلط دماء أعدائه بذبائحهم يقف ويترجى اليهود الخاضعين لسلطانه الدافعين الجزية ان يسمحوا له ان يطلق يسوع لأنه لم يجد فيه علة ويستشهد بهيرودس وهما في ذلك الوقت ممثلا قيصر روما في أهم مناطق الأرض المقدسة فيرفض هؤلاء ويصرخون في وجهه ويطلبون بدلاً من يسوع باراباس الذي كان مشاركاً في فتنة ضد الإمبراطورية فيخضع لرغباتهم!
نهاية هيرودس
يكتب لوقا في رسالة أعمال الرسل عن نهاية هيرودس فيقول:
- وكان هيرودس ساخطاً على الصوريين والصيداويين فحضروا إليه بنفس واحدة واستعطفوا بلاستس الناظر على مضجع الملك ثم صاروا يلتمسون المصالحة لأن كورتهم تقتات من كورة الملك,
ففي يوم معين لبس هيرودس الحلة الملوكية وجلس على المُلك وجعل يُخاطبهم,
فصرخ الشعب هذا صوت اله لا صوت إنسان,
ففي الحال ضربه ملاك الرب لأنه لم يُعط المجد للرب,
فصار يأكله الدود, ومات. (أعمال الرسل12/20-25)
إن من يقرأ هذه النهاية العجيبة لهيرودس يجد أنها نهاية طبيعية لهذا الشخص الذي لا يُقدم المجد للرب, وهذا ما يُفرح قلوب أتباع الكنائس الطيبين!
إلا أن ما يجب على لوقا, والكنائس معه, الإجابة عن بعض الأسئلة قبل أن تقنع أتباعها ان هذه القصة حقيقية.
من قال ان هيرودس الروماني كان يؤمن بالرب؟
ان الجميع يعلم ان الرومان لم يكونوا مؤمنين بالرب في يوم من الأيام, لا بل ان حضارتهم قامت على الأساطير التي تقول بتعدد الآلهة وصراعها مع الإنسان, وعادة ما تقول تلك الأساطير ان الإنسان في صراعه مع الآلهة يخرج منتصراً ويكون إلههم مقتولاً ومهزوماً ومدفوناً في أحد الخرائب الكثيرة في بلاد الرومان!
والسؤال الثاني الذي يجب أن يجيب عليه لوقا, والكنائس, هو ماذا قال هيرودس عندما خاطب الناس في ذلك الوقت؟
لم يكتب لنا لوقا ولا غيره أي حرف مما قاله هيرودس!
والسؤال الثالث هو هل كان سكان صور وصيدا فعلاً يعتمدون على غيرهم فيما يأكلون, وكل من يعيش في هذه المنطقة يعلم أن أرض صور وصيدا ان لم تتفوق على الأراضي الواقعة تحت سيطرة هيرودس فانها تساويها في الإنتاج الزراعي فكيف يصبحون عالة على هيرودس؟!
وأهم من كل ما سبق وهو لماذا لم تحدث هذه النهاية العجيبة لهيرودس وهو يستهزئ بيسوع ويلبسه الثياب البراقة ويضع على رأسه إكليل الشوك كما كتب لوقا وحده عن محاكمة يسوع!
أم إن الاستهزاء بيسوع لا يعتبره لوقا عدم إعطاء مجد للرب؟!
أم ان لوقا لا يعتبر يسوع ولا يؤمن به كأُقنوم من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس لهذا لم يعتبر ما قام به هيرودس من استهزاء وتحقير ليسوع هو من باب عدم إعطاء مجداً للرب؟!
من هذه القراءة لسيرة هيرودس كما كتبت في الأناجيل وما أحاط بها من مسائل متناقضة هل يستطيع أحد أن يلمح فيها أي اعتراف بيسوع سواء كمسيح أو كأُقنوم كما تقول الكنائس المختلفة لأتباعها الطيبين.
وللاطلاع على المزيد من مواضيع الاناجيل ارجو التكرم بزيارة روابط المدونة

نادر عيسى




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات