يمكننا القول هنا دون مقدمات ان شجرة الديكتاتورية العربية انبثقت من النظام الناصرى والايديولوجيا السياسية التابعة له خلال فترة الخمسينيات بعد الانقلاب العسكرى وسيطرة الجيش على الحكم فى مصر ،حيث اسس عبد الناصر القاعدة والاسس الرئيسية لدكتاتورية الانظمة السياسية العربية عبر الخطاب السياسى الناصرى الذى يستند اساسا فى مجمله على مبادىء الدعاية السياسية والشعارات التى تبرر القمع والاستبداد المطلق وعلى راسها شعارات القومية العربية الزائفة التى الغت الاحزاب فى العالم العربى وانتجت التخريب الشامل للحياة السياسية حيث تركزت كافة السلطات فى يد الحاكم المطلق وحده هذه الايديولوجيا الناصرية التى يهلل لها الكثير من القوميين الفاشيين العرب هى السبب الاول فى كافة الالنتكاسات والهزائم السياسية والعسكرية والثقافية المتكررة للعالم العربى وقد اثبت التاريخ مدى فشل الناصرية التى ادت الى هزائم عسكرية منها 1956 و1967 وغيرها من الاخفاقات المتلاحقة وقد افرزت الناصرية السياسية الكثير من نماذج الاستبداد السياسى المطلق والتى ما زالت قائمة تتعلق بالناصرية وتسير على نهجها ومنها نظام صدام حسين بالعراق الذى كان يعتبر جزء من النظام الناصرى وفلسفة البعث القومى الفاشلة والتى اثبتت المتغيرات مدى فشلها ايضا حيث سقط نظام صدام وبقوة عام 2003 لانه كان يعتمد فقط على الخطاب الدعائى والايديولوجيا الكلامية وخداع الشعب العراقى باوهام القومية والبعث والتحرر وغيرها من مفاهيم الحرب الباردة وخلق نظرية المؤامرة التى تصور للشعوب العربية ان الغرب يتربص بها ومن ثم الهاء هذه الشعوب التى تمتاز بالغباء السياسى عن ممارسات النظام القائم وافرزت التجربة القومية ايضا نظام البعث فى سوريا والتى قادها الشيشكلى والاسد حيث ادى الخطاب البعثى السورى الى ضياع الجولان عام 1967 فالخطاب القومى والبعثى هو ايضا صاحب مقولة القاء اليهود فى البحر وتفرعت شجرة الديكتاتورية العربية لتفرز نظام القذافى الذى ما زال قائما فى ليبا وهو امتداد طبيعى للديكتاتورية التى تتميز بها الانظمة القومية الفاشلة ولا يختلف خطابه السياسى عن الخطاب الناصرى والبعثى مما ادى الى فشل مثل هذه الانظمة البالية فى التعامل مع متغيرات العلاقات الدولية الراهنة التى تعتمد على لغة الحوار والمصالح المتبادلة اكثر من لغة الدعاية السياسية التى اصبحت جزء من تراث الحرب الباردة.
ومثلما توجد شجرة الديكتاتورية توجد ايضا شجرة للانظمة السياسية الجديدة والديمقراطية التى تعتمد على خطاب الواقعية السياسية والوعى بالمتغيرات الاقليمية والدولية هذه الشجرة الديمقراطية بدات بنظام الرئيس السادات الذى كان خطابه يعتمد على ادراك المتغيرات والبعد عن التهويل السياسى خلال السبعينات فثورة التصحيح خلال 1979 كانت البداية الحقيقية للديمقراطية وتعددية الاحزاب والافراج عن معتقلى السجون الناصرية اضافة الى اقامة العلاقات مع مراكز القوى الجديدة وهى الولايات المتحدة بديلا للقيصرية الروسية المتهاوية وسار نظام الملك حسين بالردن على نفس الدرب التصحيحى والديمقراطى فالملك حسين بن طلال كان بطلا للحرب والسلام فى الوقت ذاته وكان يتمتع بدهاء سياسى وعسكرى فريد وادت سياساته الناجحة بالفعل الى انفتاح الاردن وبرز دورها الاقليمى والدولى كدولة محورية مهمة فى الشرق الاوسط بجوار مصر ويعتبر نظام الرئيس مبارك امتداد طبيعى للديمقراطية الحرة التى ارساها السادات بل ان رؤية مبارك الجديدة والفريدة انتجت تجربة اكثر انفتاحا فى الحياة السياسة المصرية وافرزت تعددية حزبية وصحف مستقلة والغاء كثير من العقوبات المعرقلة للحريات بمبادرة رئاسية يطرحها مبارك ومنها الغاء عقوبة حبس الصحفيين وتعديل المادة 76 من الدستور المصرى كل ذلك بجانب الرؤية الموضوعية والمستنيرة لمبارك فى ادارة وحل ملفات الصراع فى الشرق الاوسط والتى يسىء البعض فهمها لضيق الرؤية السياسية لديهم او لتعلقهم بانظمة الماضى الفاشلة.
التعليقات (0)