مواضيع اليوم

شجاعة الدكتور محمد عفيفي

ممدوح الشيخ

2009-05-02 04:05:47

0

 

بقلم/ ممدوح الشيخ

mmshikh@hotmail.com

الأستاذ الدكتور محمد عفيفي أكاديمي ذو سجل استثنائي فهو أصغر من حصل على درجتي الدكتوراه والأستاذية من جامعة القاهرة، وهو في الوقت نفسه صاحب إسهامات مهمة تتجاوز في انتشارها وتأثيرها أسوار الجامعة إلى الشأن العام بمعناه الواسع، ومؤخرا صدر له كتاب مهم هو "المستبد العادل".

ويرى الدكتور محمد عفيفي أن الحاكم الذي يمكن وصفه تاريخياً بـ "المستبد العادل"  نموذج للشخص الذي لديه قدرة فائقة على إخفاء المشاكل لكن دون حلها! مثل جمال عبد الناصر، ثم جاء بعد ذلك الحاكم الأسوأ في التاريخ العربي الحديث "صدام حسين" والذي لم يعترف بالتعددية وفرض فكرة "الكل في واحد" معتقداً بذلك أنه يحمي الكيان القومي والوطني في حين تسبب في أكبر ضرر للهوية العربية.

والكتاب في الحقيقة يفتح صفحة جديدة في تاريخ الثقافة المصرية، أولا لأنه ينتقد – بجرأة تستحق الإشادة – الشيخ محمد عبده الذي يتحول لوثن في الواقع الثقافي الراهن، رغم أن ساهم في تخريب وعي المثقفين بالذات والآخر بأفكار كثيرة شكلت "مفاهيم مفصلية" لم يستطع التيارات الفكرية كافة الإفلات من سيطرتها، ولعل هذا مما يفسر الولع الشديد بالرجل من اليمين واليسار وغير قليل من الحركات الإسلامية، وقلما اجتمع هؤلاء الفرقاء!

ومحمد عبده الذي صك مفهوم "المستبد العادل" هو أول من بذر بذور قبول فكرة إمكان تعايش المتناقضات، فـ "العدل" و"الاستبداد" نقيضان لا يجتمعان، وقد نبهت إلى خطورة هذا المصطلح الملفق قبل فترة في مقال بجريدة الدستور المصرية. وفي الحقيقة فإن الخلط يصبح أكثر استحالة إذا تم بتبرير ديني، ووضعت رأسه عمامة!

وأهمية كتاب محمد عفيفي أيضا أنه لم يستسلم لهالة "التقديس" التي تحيط بالرجل، وأشار إلى الحجم الضخم للتأثير المدمر لفكرته في العالم العربي، إلى حد اعتبار القرن العشرين "قرن المستبد العادل". وما أعتقد أنه يحتاج إلى تعميق وتأصيل في هذا الاتجاه الجديد في النظر للتيار الذي يمثله محمد عبده (ومعه جمال الدين الأفغاني) ضرورة تتبع "المكون الفرنسي" في فكر هذا التيار وتأثيراته، وصلته بالفكر التنويري للثورة الفرنسية.

فلقد أدى الانحياز السافر من جانب محمد علي باشا وأبنائه لفرنسا سياسيا وثقافيا واتجاههم لاستنساخ التجربة الفرنسية النموذج الفرنسي في الثقافة والتنظيم السياسي، لا أقول بما فيه من حلو ومر، بل أقول بما فيه من "مر وأكثر مرارة"!

وهذا الجذر الفرنسي لتجربة النهوض التي شهدتها مصر وامتدت تأثيراتها عربيا، بتأثير دور مصر، سبب مسكوت عنه من أسباب الكارثة التي يعيشها العالم العربي، ذلك أن الأصول الثقافية للنظم السياسية من العوامل التي تؤثر بشدة في حظوظ الأمم من التقدم أو التخلف، والأصول الثقافية للنظام السياسي الفرنسي تتصف بقدر كبير من الشمولية والحدية والجذرية، وقد انتقلت هذه السمات إلى أكثر من تجربة من تجارب التحرر الوطني التي كانت فرنكفونية حتى النخاع، رغم شعاراتها العروبية!!

فمثلا نسبة انتشار الفرنسية في الجزائر قبل رحيل الاحتلال الفرنسي كانت قليلة جدا (أقل من 5%) بينما هي الآن تتجاوز 75%! وتونس بعد الاستقلال أكثر "فرنسة" تونس المحتلة وهكذا.

والتأثير الثقافي والسياسي لفرنسا على العقل المصري يحتاج لعمل أو أعمال ترصد وتحلل وتكشف في مواجهة سيل من الكتابات التي روجت وسوقت وبشرت بـ "الفرنكفونية" من رفاعة الطهطاوي إلى طه حسين مرورا بجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.

لقد كان من أسوأ من جناه هذا التيار إزالته الخيط الفاصل بين "الوطنية" و"الدين" والتالي تحولت الوطنية إلى دين وتحول الدين إلى مجرد "قشرة" يمكن استخدامها لإضفاء المشروعية الدينية على أي شيء وأي وضع وأي نظام. وبمجرد استتباب الوضع على هذا النحو أصبح رموز الوطنية – وفي مقدمتهم محمد عبده – محاطين بهالة من التقديس، ومن المؤكد أن يحسب للمؤرخ المفكر الأستاذ الدكتور محمد عفيفي أنه ساهم بعمل استثنائي في رفع إصبع الاعتراض على هذه الهالة، وأشار متهما محمد عبده بالمسئولية عن نقل هذه الفكرة وترويجها وتثبيتها في العقل العربي. كما أنه قدم للمكتبة العربية عملا شديد الأهمية.

   .. ..          




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !