في أولى جلسات محاكمة الرئيس المصري الأسبق و عدد من رموز نظامه السابقين، طالب أحد المحامين هيئة المحكمة بالكشف عن السيرة الطبية للرئيس المخلوع قبل 2004 و بعدها، كما دعا إلى إجراء فحص حمضه النووي للتأكد من هويته الحقيقية، و ذلك لأن الماثل في قفص الإتهام حسب المحامي ليس هو محمد حسني مبارك.
قصة شبيه الرئيس ليست جديدة في الواقع السياسي العربي، فقد تحدث الكثيرون خلال فترة التدخل الأمريكي في العراق عن شبيه لصدام حسين. بل إن بعض الروايات ذهبت إلى القول بأن الشخص الذي أخرجه الجنود الأمريكيون من مخبئه في الحفرة الشهيرة لم يكن سوى ذلك الشبيه المفترض. لذلك فإن عودة فكرة شبيه الرئيس في قضية محاكمة حسني مبارك ليست مفاجئة، بل تأتي في سياق عام تؤطره ثقافة اجتماعية تنتشر فيها هذه الأفكار مثل النار في الهشيم، وتجد لها قبولا واسعا لدى الرأي العام. لكن ما ذهب إليه هذا المحامي في تدخله أمام المحكمة يختزل جانبا نفسيا مهما في المسألة. فالمصريون الذين اكتووا بنيران نظام مبارك طيلة ثلاثين سنة، لم يكونوا أبدا يحلمون بمشاهدة الرئيس المخلوع في هذه المحاكمة التي تناقلتها مختلف وسائل الإعلام الدولية. و خلال المدة التي تلت نجاح ثورة شباب ميدان التحرير في الإطاحة بنظام مبارك، تكونت لدى فئات واسعة من أفراد الشعب المصري قناعة مفادها أن مجرمي النظام السابق سيفلتون من العقاب بطريقة أو بأخرى. لذلك يمكن أن نجد بعض العذر للذين ينظرون إلى ما يجري بكثير من الحذر و الشك أيضا. فهم لا يثقون في الرواية الرسمية، لأنهم تعودوا دائما على كثير من الأقوال التي لا تترجم إلى أفعال. و من تم فرؤية محمد حسني مبارك ممددا على سريره في قفص الإتهام تشكل صدمة لهؤلاء. و في موقف كهذا يمكن للمرء أن يقنع نفسه بكل الوسائل بأن ما يراه ليس إلا لعبة و تدليسا.
إن المشكلة الحقيقية التي تعيشها الشعوب " العربية " عموما، و هي التي تتشابه حد التطابق في أنماط تفكيرها، تتجلى في غياب الثقة اللازمة بين الحاكم و المحكوم. فقد دأب المواطن البسيط المغلوب على أمره على سماع كثير من الكلام المعسول على ألسنة السياسيين دون أن يجد لذلك أية ترجمة على أرض الواقع. و حينما يتعود المرء على هذا السلوك يفقد الثقة تماما في مؤسسات الدولة و خطابها، ويستقبل كل ما يصدر عن أصحاب القرار بالتشكيك و النفور. لذلك فإن الطلب الذي تقدم به محامي الدفاع في اليوم الأول من محاكمة رموز النظام البائد في مصر، ليس إلا تجليا من تجليات هذا التباعد بين الدولة و المجتمع. فالرجل الذي يرقد على السرير داخل المحكمة في اعتبار هذا المحامي ليس إلا وجها من أوجه مؤامرة غربية تستهدف مصر على اعتبار أن الرئيس الأسبق توفي منذ 2004. و ليس غريبا أن نسمع هذا الكلام في بيئة عرفت باستمرار حضورا كبيرا لنظرية المؤامرة التي تتردد على نطاق واسع في المنتديات العامة، و التي بموجبها أصبح المجتمع يجد التبرير لحالة الأزمة التي يعيشها في كل المجالات باتهام أطراف خارجية. و كأن الشغل الشاغل للولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل و الغرب عموما هو زرع الفتن بين العرب، و تنصيب عملاء يصنعونهم بطريقة " الفوتوشوب"، ويحكمون شعوبهم ب" الروموت كنترول". و بالتالي فإن التشكيك في شخصية الرجل الماثل أمام المحكمة تأتي في سياق ثقافة سائدة و متجذرة، و إن كانت في ظاهرها تعبر عن موقف شخصي موجه للإستهلاك الإعلامي.
لقد نجح المصريون في صناعة ثورة نالت الإعجاب في كل بقاع الدنيا. لكن نجاحها لا يتوقف على إسقاط نظام فاسد و محاكمته، بل يتأسس على تغيير حقيقي في العقليات أيضا. لذلك فإن إعادة الثقة في الدولة و قدرتها على ردم الهوة العميقة بين الأقوال و الأفعال و القطع مع ممارسات الماضي و التعاطي مع مختلف الملفات بكل شفافية و وضوح و تفعيل آلية المحاسبة، هي أمور تستوجب الاهتمام حتى لا تظل قصة المؤامرة مستحكمة في العقول دائما. محمد مغوتي. 05/08/2011.
التعليقات (0)