شبح نموذج الإجابة

جلست منذ عدة سنوات مع طالبين متفوقين من الثانوية العامة وكان في السنة الثانية وكدت أطير من السعادة لما سمعت أحدهما يقول بعد أداء الامتحان وقبل ظهور النتيجة : أخاف من نموذج الإجابة...قلت ولماذا تخاف؟ ...قال لي لأن المصحح أمامه نموذج أو اثنين للإجابة ولو كانت إجابتي مخالفة للنموذج فسوف تحسب خطأ مع أنها صحيحة!!! ...تابعت الحوار معه لأستجلي فكرته جيدا حتى أطمئن أنني فهمته على وجه صحيح...!! قلت له أعطني مثلا...قال لو قمت بحل المسألة الرياضية مثلا بقوانين تتقدم على دراستي لحسبها المصحح خطأ وهو يعلم أنها صحيحة..أو لو قمت بحل مسألة في الهندسة المستوية بقوانين الجبر لكانت إجابتي خاطئة من وجهة نظر النموذج الشبح...قلت وماذا أيضا؟ قال لو اخترت مرادفا صحيحا للكلمة غير الذي في النموذج لكان خطأ أيضا وقس على ذلك الكثير مما أخاف عليك من ذكره لكي لا تمل !!! هكذا قال لي هذا العبقري ...يخاف من عقلية المصحح الجامدة أو تقييده حتى لا يكون له رأي وأضف إلى كلامه أنه يخاف على من الملل!!! شخصية كهذه تنظر إلى المصحح والمحاور من فوق هي بالتأكيد شخصية عبقري ..لقد صدقته واقتنعت بما يقول لأني فهمته وعرفت أنه يعني ما يقول وبخبرتي وتعليمي أستطيع أن أحكم عليه أو له...وفي هذا المجال أذكر أستاذا في كلية الهندسة بجامعة عين شمس أعطاني تقدير جيد جدا على حل مسألة ونصف من سبعة أسئلة في الميكانيكا لأني قمت بحل مسألة في الميكانيكا بقوانين الجبر البسيطة وللمتخصصين أذكرها بين قوسين (في الحركة المقيدة قذف مقذوف بسرعة جذر كذا من أعلى نقطة في سلك معادلته كذا فكتبت في ثلاثة أسطر هذه السرعة  تجعل الحركة كأنها غير مقيدة فتفاضلها يعطي السرعة وتكون كذا وعجلتها تنتج بالتفاضل مرة أخرى فتكون كذا) لم يخطر هذا الحل على بال أحد حتى أنني سألت المعيد بعد الامتحان فقال لي بالحرف إن حلك صحيح ومنطقي ولكني لا أعرف إن كان الأستاذ يريد ذلك الحل ....في أول السنة التالية وفي أول محاضرة قال الأستاذ بعد الترحيب بنا في السنة الثالثة ...احد زملائكم حل مسألة كذا بالطريقة كذا وكنت أريد أن يرسب في المادة لأنه لم يحل إلا هذه المسألة ولكني أعطيته تقدير جيد جدا وهو يستحق الامتياز ...لم أجرؤ على الإفصاح عن شخصيتي بسبب الخجل...لماذا أحكي هذه القصة؟ أحكيها لأحيي هذا الأستاذ الذي رحل عن الدنيا بعد أن علمني درسا مفيدا وأحيي روحه لأنه كان حريصا على قراءة أوراق الإجابة بعمق ولا يترك فيها حرفا وأنه يبحث بذكائه عن طلبة العلم الذين يفكرون ولا يحفظون المعلومات بالتلقين وينسونها بعد الامتحان ,,,لم يكن يبحث عن النمطيين أو الموظفين ...ولذلك أتمنى ان تتغير أساليب الامتحان !! كيف يكون ذلك ؟ لا أدري هذه مهمة المطورين لأنظمة التعليم في بلدنا بعد الثورة.....رحم الله  الدكتور كامل يوسف مكاري (أو مسعود كامل مسعود) لا أذكر أيهما هو الاسم الصحيح فقد مر على ذلك ثلاث وأربعون عاما ...ولكني بعد هذا الزمن الطويل أحيي هذا الأستاذ من أساتذة الأجيال في هندسة عين شمس كما أحيي من كانت هذه طريقته في تعليم المهندسين