صحت العجوز من النوم, كانت تنام على دكه في فناء البيت الواسع ، ثلاث بقرات مربوطات إلى جانب السور ، إحدى البقرات واقفة تمد رأسها في المذود، وتملأ فمها من القش، وتمضغه على مهل ،وباقي البقرات راقدة على ألأرض، تجتر طعامها . ويتحرك الحمار من مكان إلى آخر حول الوتد المربوط إليه ، دخان الطابون يتصاعد فتعرف العجوز من ذلك اتجاه النسيم ، تذكر العجوز اسم الله الفتاح ،وتنظر إلى السماء كانت هناك نجمة في الشرق ترتفع قليلا في ألأفق .
قامت العجوز من فراشها، ودخلت البيت والذي يتألف من بناء كبير معقود ، صعدت بضع درجات إلى حيث الراوية ،كان ينام هناك ابنها وزوجته وطفلهما ، كان يغطي المدخل ستارة من قماش رخيص ، وقفت العجوز خلف الستارة ونادت ابنها : يا أبا القاسم , كررت العجوز النداء عدة مرات وبصوت منخفض حتى لا توقظ الرضيع ، تقلب أبو القاسم في فراشه عدة مرات قبل أن يجيب ، قالت العجوز أن الفجر بات قريبا وأنه قد تأخر ، قام الابن من فراشه وهو لا يزال يغالب النعاس , نظرمن شباك الراوية إلى حيث النجم وقال:- لا حول ولا قوة إلا بالله- يا أمي إن الوقت لا يزال مبكرا ، فردت العجوز أن نجمة الصبح قد ارتفعت كثيرا في السماء, وأن الديك صاح ثلاث مرات ، فقال لها أن هذه نجمة ( الغرارة ) وان الفجر لا يزال بعيدا .
نزل أبو القاسم إلى ساحة الدار يتعثر في مشيته من أثر النعاس ،وشرب قليلا من الماء من الزير الموضوع تحت شجرة في وسط الحوش ،كان الماء باردا فشعر قليلا بالانتعاش ثم رجع إلى فراشه وحاول النوم ولكنه لم يستطع ، تقلب في فراشه وقرأ ما تيسر من القرآن ولكن النوم جافاه، لم يعرف المدة التي بقيها على هذا الحال ولكنه شعر أن الفجر بات قريبا فقام من الفراش، فوجد أمه تتحضر لإعداد الخبز بالطابون ،غسل وجهه وخرج خارج البيت إلى ساحة الدار، نظر إلى ألأفق كانت نجمة الصبح قد بدأت ترتفع في ألأفق الشرقي، فذهب إلى حيث والدته تعد الخبز وأخذ منها رغيفا ساخنا وعاد إلى داخل البيت، وصعد إلى الراوية ليجد أن زوجته قد أفاقت وجلست في فراشها ترضع الصغير،حياها فابتسمت ووضعت الصغير في سريره ، نظر إليه كان ينام في هدوء ويبتسم وهو نائم، اقترب من سريره وقبله، قامت الزوجة من الفراش وأخذت الرغيف وذهبت إلى الطاقة حيث جرة الزيت، أمالتها قليلا فانساب الزيت على الرغيف وقالت لزوجها : سألفه لك مع حبات من البندورة وقليلا من الزيتون . خرج أبو القاسم إلى الساحة وفك رباط البقرات وحمل زاده وما يلزمه ووضعه في الخرج، ووضع الخرج على الحمار وركبه وساق البقرات وسار مبتعدا عن القرية باتجاه النبع الذي يقع في الجهة الشرقية من القرية،كان يعرف في الطريق مرجه ينمو بها نبات الزعتر، نزل عن الحمار وقطف شيئا من أغصان الزعتر الطرية ووضعها في الخرج وأخرج قطعة من الخبز ووضع لقمة في فمه ووضع قليلا من ورق الزعتر على اللقمة في فمه ،وسحب الحمار وسار باتجاه النبع .
كان المؤذن يأذن لصلاة الفجر ، ترك الحمار والبقرات في الطريق بعيدا ونزل إلى حيث النبع ، شرب ملأ كفيه ثم أخذ زمزميته وملأها ماء، كانت صورة النجوم تنعكس عن صفحة الماء ، فكر كيف أن أهل القرية يعتقدون كيف أن هذا النبع مسكون بالجن ،وكيف أن الجن خرج لأم زيد على شكل نور أخضر، وكيف قالت أنها سمعت صوت طقطقة وأحست بوخزه في وجهها ورقبتها عندما أمسكت شالها لتصحح وضعه على رأسها ، وكيف قال أبو رفيق أنه سمع ركض خيول وصهيلها في الطريق فوق النبع عندما نزل إلى النبع ليشرب أخر الليل ، وما قاله أبو علي أنه سمع أذان الفجر يتراكض مع الغيوم وكأن ألأذان ينطلق من السماء ، انتابه إحساس بالرهبة وشعر بالخوف فوقف ونظر فوق النبع كان هناك شبحا يلبس ألأبيض تخيل أبو القاسم أن رجلي الشبح على ألأرض وأن رأسه فوق الغيوم ،كان الشبح يرفع يديه ويفرد كفيه بمحاذاة أذنيه كأنما ينوي للصلاة ،خاف أبو القاسم وأخذ يرشق الشبح بماء النبع دون وعي، بعدها نظر أبو القاسم فلم يرى الشبح ، قرأ المعوذتين ثم توضأ للصلاة ورجع إلى بقراته وساقها إلى حيث أرضه واشتغل حتى بعد الظهر، ورعى بقراته وعاد إلى القرية ولم يغب أمر شبح النبع عن باله .
في المساء أطعم الحمار والبقرات وتعشى ثريدا من العدس وبعض الزيتون الكبيس ثم ذهب إلى المسجد وصلى العشاء جماعة، وبعدها ذهب إلى المضافة ، كان في المضافة بعض الشيوخ وكان الحاج أبو يوسف الطويل يقول لهم : نعم بعد أن توضأت من النبع ووقفت أنوي للصلاة فوق النبع خرج لي شبح النبع من الماء، كان اسودا حالك السواد، كان ضخما كأنه جبل ، يملأ جسمه محيط النبع كله ويداه كأنهما شجرتي سرو وأخذ يرشقني بالماء حتى بلل ثيابي ....... فهربت ...!!!!! .
التعليقات (0)