مواضيع اليوم

شبام حضرموت.. مدينة طين تعانق السحاب «أم القصور العوالي»

رشيد القحص

2009-06-23 17:40:13

0

 

تعد مدينة شبام حضرموت أعجوبة من أعاجيب الفن المعمارى فى العالم نظرا لفرادة طابعها الذى كان ولازال محط إعجاب من زارها وشاهد بأم عينيه أول ناطحات سحاب فى العالم مبنية من الطين وفقا لنظام هندسى دقيق توقف عنده الكثير من معماريى العالم. أطلق عليها الغربيون “مانهاتن الصحراء” وسماها أهل اليمن “أم القصور العوالي”.. إلى جانب تقليدها لعشرات الأسماء التى جعلت منها أشهر مدن حضرموت “جنوب شرق اليمن” تلامس صحراء الربع الخالى بدثارها المزين بأشجار النخيل وتلامس السحب بتاجها الطيني.

ومدينة حضرموت كما يسميها سكانها تتدثر بتاريخ موغل فى القدم كقدم وادى الأحقاف الذى يحتضنها والذى ورد ذكره فى القرآن الكريم كما ورد ذكر حضرموت فى الكتب السماوية القديمة كالتوراة حيث أطلق على حضرموت فى سفر التكوين “حضرمافيث” وتنسب شبام إلى بانيها الحميرى شبام بن الحارث بن حضرموت الأصغر بن سبأ الأصغر بن كعب بن سهل من زيد الجمهور ويرتفع النسب إلى الهميسع بن حمير بن سبأ الأكبر من قحطان ..وقد ذاع صيت المدينة مبكرا حيث وصفها المؤرخ العربى جورجى زيدان فى كتاب “العرب قبل الإسلام” بأنها من أشهر المدن فى الفترة بين القرنين الرابع عشر والسادس قبل الميلاد. وقد كانت شبام من أهم المحطات التى تمر بها تجارة اللبان أو ما كان يسمى قديما “طريق الحرير”.

وفى “معجم البلدان” لمؤلفه ياقوت الحموي، يأتى ذكر “شبام” كإسم أصيل لقبيلة يمنية شهيرة. فى حين يرجح المؤرخون أن “شبام” إسم علم عُرف به عدد من ملوك اليمن القديم المنحدرين من نسل أبى اليمن وأبى العرب جميعهم، ونعنى بالطبع يعرب بن قحطان بن عامر بن سام بن نوح عليه السلام.
وقد ذكرت مدينة “شبام” فى نقوش المسند باسم “شبم” ضمن مملكة حضرموت، ويعود تاريخ المدينة المعروف إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد. وهناك من المؤرخين من يشير إلى أنها سميت “شبام” نسبة لأهل شبوة، “وكان الأصل فى ذلك شباه، فأبدلت الهاء بالميم” وأصبحت شبام. على أن الرأى الغالب لجمهور المؤرخين يُرجع التسمية إلى مؤسس المدينة وملكها اليمنى شبام بن الحارث بن حضرموت بن سبأ الأصغر.

وفقاً للمصادر التاريخية والنقوش المكتشفة، فإن الملك “شبام” قد عاصر مملكة معين اليمنية فى القرن الرابع عشر قبل الميلاد “3400 عام من الآن” ثم عاصرت دولة سبأ ثم دولة حمير. حتى توحدت فى إطار مملكة سبأ وحمير وذى ريدان ويمنات وحضرموت وطودا تهامت على يد الملك اليمنى الموحد شمر يرعش ياسر يهنعم.
وقد شهدت المدينة على مر التاريخ العديد من الهجرات التى وفدت إليها حيث لم يسكنها غير العرب القحطانيون فى الأزمنة القديمة حتى القرن السادس والسابع الهجريين حيث حلت بها العديد من القبائل العدنانية كما يشير بعض المؤرخين. وقد انعكس تعدد القبائل فى المدينة والهجرات المتتالية إليها فى التاريخ القديم إلى تعدد الديانات التى شاعت فى المدينة بدء بعبادة الشمس والقمر والزهرة.
وقد اكتشف أخيرا فى حضرموت فى مدينة حريضة معبد للقمر سين فى آثار ريبون يعود تاريخه إلى القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، وكان يرمز للقمر بصور بعض الحيوانات كقرنى الثور والوعل كما انتشرت الديانة اليهودية والنصرانية قبل الإسلام.

وقد تعرضت المدينة للعديد من الحروب والأحداث التى تسببت فى دمار المدينة أو أجزاء منها غير مرة وقد كان الدمار الأول الذى تعرضت له المدينة- كما يقول العديد من المؤرخين- عند تهدم سد مأرب الذى كانت مياهه تصل حتى وادى حضرموت وذلك ما بين 420 و450 بعد الميلاد. أما الدمار الثانى فقد نتج عندما حاصرها القائد اسعد تالب الجدنى فى عهد الملك ذمار على يهبر فى الفترة من 320 -450 بعد الميلاد حيث دمرت أسوارها وحصونها ودكت الكثير من دورها.

وقد تبع ذلك العديد من الحوادث التى أتت على أجزاء من المدينة التى حافظت على طابعها المعمارى العام بالرغم من كل تلك الأحداث التى جعلت فى مرحلة ما من شبام حضرموت عاصمة لأول دولة اباضية فى التاريخ الإسلامى امتد نفوذها على يد مؤسسها عبد الله بن يحيى الكندى الذى اخذ امتدت رقعتها من صنعاء إلى مكة والمدينة فى العام 129 هـ. كما شهدت المدينة ميلاد العديد من الدويلات والسلطنات.

ويعد الفن المعمارى فى المدينة أبرز ما يميزها حيث بنيت المدينة بشكلها الباقى حتى اليوم فى العقد الثانى من القرن التاسع الهجرى حيث تضم حوالى500 منزل يتراوح ارتفاعها ما بين 25 الى 30 مترا تتكون كل بناية من حوالى ستة طوابق وتلتف المنازل بشكل مربع حول جامع المدينة الذى يقع فى المركز منها.
ويعود أقدم منازل المدينة والذى عملت اليونسكو على ترميمه والحفاظ عليه إلى حوالى أكثر من 750 سنة و”بيت جرهوم” إضافة إلى “حصن شبام” الذى بناه أبن مهدى عام 1221م.

ويحيط بشبام سور قديم من الطوب الطينى ولهذا يطلق عليها بالمدينة المسورة ويتراوح ارتفاعه من 7.5 متر إلى 9 أمتار.
ونظرا لضيق المساحة التى أقيمت عليها وحفاظا على الأراضى الزراعية بنيت المدينة بشكل رأسى جعل من المدينة وحدة معمارية وقلعة حصينة وتتميز المدينة باستخدام الطين والخشب كمواد أساسية للبناء. وتتميز منازل المدينة بتقسيمه الفريد الذى يلبى كل احتياجات الأسرة حيث يستخدم الدور الأرضى كمخزن للمواد الغذائية كما يستخدم الدور الأول للسكن فيما يستخدم الدور الثانى والثالث لاستقبال الضيوف، فيما يتم تخصيص الدورين الرابع والخامس للنساء. ويبلغ متوسط ارتفاع المنازل حوالى 29.15 مترا. ويترواح سمك جدران الدور الأرضى للمنزل فى شبام مابين متر ونصف ومترين، لكن هذا السمك يتناقص نحو الأعلى حتى الحافة العليا للبيت.
وما زالت المدينة تحافظ على العديد من المعالم التاريخية الهامة التى تأتى المعالم الإسلامية فى الطليعة منها حيث تم إحصاء أكثر من 30 مسجدا فيها.

وتشير العديد من التقارير الصادرة عن العديد من المنظمات الدولية المهتمة بالتراث العالمى إلى التفرد المعمارى الذى يميز المدينة التى لا يمكن الدخول إليها إلا من بوابة واحدة تفضى إلى ساحة كبيرة تسمى ساحة القصر نسبة إلى مقر السلاطين الكثيرين والقعيطيين الذين توالوا على الحكم فى المدينة حتى عام 1967، كما يتوسط مدينة شبام أشهر الجوامع التاريخية فى وادى حضرموت وهو جامع هارون الرشيد نسبة إلى الخليفة العباسى هارون الرشيد الذى بنى الجامع بأمر منه.

وقد دخلت مدينة شبام ضمن التراث الإنسانى العالمى إلى جانب مدينة “صنعاء القديمة” بحسب منظمة اليونسكو فى عام 1984. وحازت على جائزة الآغا خان العالمية للعمارة الإسلامية فى العام 2007 وتبرع لصالحها الأديب العالمى الحائز على نوبل جونتر جراس بمبلغ عشرة آلاف يورو للحفاظ على طابعها المعمارى عندما زارها فى العام 2005.

وحظيت مدينة شبام بالكثير من الاهتمام وقد وصفها بإعجاب كل من زارها بدء من الألمانى ليو هرش الذى زارها فى العام 1893، كما زارها المستشرق الانجليزى الدكتور سرجنت الذى أرسلته جامعة لندن لدراسة الشعر العامى فى حضرموت سنة 1947 وجمع بعض نوادرها وأصدر كتابا حمل عنوان “مختارات من الأدب العامى الحضرمي” كما زار المدينة الرحالة والسياسى فيلبى الذى اشتهر بالحاج عبد الله فيلبي. كما قال عنها الرحالة الهولندى فان دير مولين إنها تشبه الكعكة عندما يرش عليها السكر وذلك لبياض سطوحها ووصفها الألمانى هانس هافرتين بأنها شيكاغو الصحراء لموقعها المتميز وسط الصحراء فى تلك الفترة.

ووصفها الهمدانى فى كتابه “صفة جزيرة العرب” قائلا: “شبام مدينة فى حضرموت وسوق الجميع قصبة حضرموت، وقد تحدث عنها كثيرا المؤرخان ياقوت الحموى والقزويني، ومن ملوكها المشهورين قيسبة بن كلثوم السكونى الكندى المولود بشبام عام 6 قبل ميلاد الرسول “ص” والمتوفى العام 37 هجرية، وكان قائدا عسكريا شارك فى فتح مصر العام 20 هجرية.”

كما قال عنها ياقوت الحموي: “وشبام حضرموت إحدى مدينتيها والأخرى تريم، وقال عمارة اليمني: كان حسين بن سلامة وهو عبد نوبى وزير لأبى الجيش بن زياد، صاحب اليمن انشأ الجوامع الكبار والمناير الطوال من حضرموت إلى مكة، وطول المسافة التى بنا فيها ستون يوماً وحفر الآبار المروية والقلب العادية فأولها شبام وتريم مدينة حضرموت”.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !