مواضيع اليوم

شباب بلا امل

احمد سعيد عبدالنعيم

2012-05-18 18:16:07

0

 منذ نعومة اظافرهم إعتادوا اللعب سويا , يفرحون معا ويحزنون من اجل دمعة احدهم , الحياة فى نظرهم لا تتعدى الشارع الذى يعيشون فيه , مرت عليهم مرحلة الطفولة وكأنها عمر فى حد ذاتها , دخلوا مرحلة الشباب ليواجهوا مشاكل الحياة , تلك المشاكل التى كانوا ينظرون إليها وهم أطفال ويعبثون بها , لم يفكرو للحظة انها ستكون سدا فى حياتهم , اعتادوا ان يجلسوا يوميا على مقهى الاعيان فى نهاية الشارع الذى يسكنون فيه , كانت مناقشاتهم تدور حول البلاد واحوال العباد , وضيق الحياة وسوء الحظ الذى يصادفهم فى حياتهم , تشعر من كلامهم ان الدنيا تركت من عليها وتربصت بهم وعندما تنظر إليهم تحس انهم بلغوا من الكبر عتيا رغم صغر سنهم الذى لم يتجاوز الثلاثين , لكن الهموم بلغت بهم مبلغ الشيب , اصبحت حياتهم ككتاب صفحاته بيضاء لا تختلف صفحة عن اخرى سوى فى ارقامها , ادمنوا الجلوس على المقهى وكأنه دارهم والحديث عن مشاكل الحياة وهمومها هو زادهم , كان هناك رجل يراقبهم من بعيد ينظر اليهم ويبتسم عندما تلتقى العيون ويبكى عليهم عندما تتحاور القلوب , مل من كثرة متابعتهم , واحس بالرتابة والملل من حياتهم المتشابهة فقرر ان يقترب اليهم ويتحاور معهم , ولكنه شعر بالحيرة خوفا من الاحراج فلم يتبلقى له من الحياة سوى الشعر الابيض الذى يزين راسه , فقطع الشك باليقين واقترب منهم والقى السلام عليهم ثم قال مبتسما : أتقبلون عجوزا جليسكم , فرحبوا به وطلبوا له مشروبا ثم بدأوا يتسامرون , حكى لهم كيف تلاعبت به الدنيا وكيف كان يخرج من كل مشكلة بتجربة جديدة, وبعد ان انتهى من سيرة حياته قال لهم : وماذا عنكم ؟ رد احدهم مسرعا وكأنه كان راديوا وضغت على ذر تشغيله قائلا :منذ طفولتى وانا لااعرف طعما للسعادة فبعد وفاة والدى كنت اعمل بعد انتهاء اليوم الدراسى لاوفر لنفسى ما يكفينى ويساعد اهلى فى قضاء حاجة البيت , وكنت اسعى دائما لاكون متفوقا فى دراستى حتى ترحمنى شهادتى من ذل الحياة , ولما تخرجت وجدت نفسى خارج الحسابات لاى عمل اتقدم إليه فلا املك المال ولم تكن لى وساطة والا محسوبيه , ففعلت بى الدنيا كما يفعل الاطفال بالكرة فى الحارة , فلم اجد غير هذا المقهى بديلا لكى يحتملنى دون ضجر , وضحك الثانى وسبقت ابتسامته دمعة حزينة وقال : عشت قسوة البرد وشدة الحر وانا معتكف على الكتب وعندما اصبحت الاول على زملائى فى الكلية وجدت نفسى عاطلا , لآن الكلية لم تسعنى انا وابن العميد , فاتخذت قرارا بالسفر للخارج ويا ليتنى ما فعلت , لاننى عندما سافرت وجدت نفسى صفقة لكفيل معدوم الضمير , وانى لا املك سوى تذكرة السفر التى وصلت بها , تأوه الثالث وقال : يرحمك الله يا أبى وأدخلك فسيح جناتة وجعلك الله جليس النبى يا أخى , ثم صمت طويلا فقال له الرجل بلهفة : ما قصتك ؟ رد عليه بصوت مرتجف كان ابى محبا للعدل عاشقا لهذه البلد وعندما على صوته كان فريسة لأمن الدولة وذاق انواع العذاب إلى ان تغمدة الله برحمته دون محاسبة للجناة والطغاة , وعندما ارتفع صوت الحق كان أخى على رأس الذين نادوا بالحرية واسقاط مبارك ونظامه وكتب الله له الشهادة , وتحملت انا عبء أسرة راح اربابها ضحايا للظلم والقمع , والورشة التى كنت امتلكها وكانت مصدر دخلى الوحيد سرقها البلطجية وأصبحت خراب وأسودت الدنيا فى عيني ولم اجد غير هذا المكان بيتا , صمت الرجل طويلا وأغرقت الدموع وجهه , وادعى الابتسامة ثم قال : ولماذا لم تحاولوا مرة اخرى , أم الدنيا وقفت عن هذة اللحظة من حياتكم ؟ أأحببتم الفشل ؟ أم سيطر اليأس على قلوبكم ؟ ألم تروا النملة بصغر حجمها كيف تتخطى جميع الحواجز ؟ هل رأيتم طائر ينتحر بموت صغاره وإنهيار عشه ؟ أم أنكم أقل منهم ؟ إنى أراكم بخير فأحذروا أن يتمكن اليأس من قلوبكم , فعار على الشباب ان تكل عزيمتة فى مواجهة الحياة , عمركم الذى افنيتموه لتحقيق أحلامكم يضيع الآن هباءا على هذا المقهى , فالعمر كالمسبحة ان سقطت منه خرزة توالت الخرزات فى السقوط , فالدنيا كالسباق إما ان تصلوا لنهايته أو تنسحبوا وتعلنوا هزيمتكم , سكت الرجل وخيم السكون على المكان , وضع الشباب رؤسهم بين ايديهم , وفى هذه اللحظة شعروا بمدى العجز والكسل الذى يعيشون فيه , إستيقظوا فلم يجدوا إلا أنفسهم , بحثوا عن الرجل فلم يجدوه , شعروا بالانهيار , فتركوا القهوة وساروا فى الشوارع هائمين على وجوههم لا يعرفون قبلتهم , فرقتهم ظلمة الليل الحالكة , كل منهم يبحث عن ذاته فى كلام ذلك الرجل .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !