شباب القنيطرة واقع مر وغد دون معالم مضيئة
ثلثاهم تقريبا عاطل عن العمل أو منقطع عن الدراسة
القنيطرة مدينة مغربية تقع على بعد 40 كلم شمال العاصمة الرباط أسسها الاستعمار الفرنسي الذي كان يعتبرها بمثابة واجهة لإخفاء وجهه الحقيقي ويطلقون أبنائها اسم حلالة عليها
من الأكيد أن شباب "حلالة" يكابدون واقعا مرا بجميع المقاييس وبشكل لم لجيل سابق أن عايشه. إن الإحصائيات الموثوق بها والنزيهة غير متوفرة، إلا أنه بالاعتماد مع المعطيات الرسمية المعلن عنها بعد إجراء التقاطعات والقيام بإسقاطات حسابية استنادا على معطايات قطاعية وفئوية بالتحقيق والمعاينة، يبدو أن ما يعادل ثلثي ( أكثر من 60 بالمائة) الشباب بمدينة القنيطرة الذين تتراوح أعمارهم بين سن الخامسة عشر والتاسعة والعشرين عاطلون أو منقطعون عن الدراسة. علما أن هذه الفئة العمرية تكاد تشكل أكثر من 24 بالمائة من مجموع ساكنة "حلالة" . كما يمكن استشفاف من المعلومات المحصل عليها أن حصة الأسد من مجموع العاطلين بالمدينة تهم من انقطعوا عن الدراسة، أي ذوو مستوى تعليمي لا يتجاوز الشهادة الابتدائية أو السنوات الأولى من التعليم الإعدادي. كما أن أكثر من نصف من المتوفرين على تكوين جامعي وحاملون لشهادات عليا من عداد العاطلين والباحثين عن العمل، ومنهم من ظل على الحال ولازال منذ عقد من الزمن. وقد سبق أن تم الإقرار رسميا داخليا وخارجيا من مؤسسات دولية أن العاطلين على المستوى الوطني ذوي المستوى التعليمي العالي لا يشكلون سوى نسبة 4.7 بالمائة من إجمالي العاطلين في الوقت الذي تشكل فيه فئة العاطلين الأميين، نسبة تقارب العشرين في المائة، أما فئة العاطلين الذين يتوفرون على تعليم من المستوى الإعدادي فتصل نسبتهم إلى 28.8 بالمائة، في الوقت الذي تصل فيه نسبة العاطلين الحاصلين على مستوى تعليمي ثانوي إلى 16.3 بالمائة. إلا أن هذه الأرقام لا تعكس الواقع الذي يتجاوزها اعتبارا لتعريف البطالة المعتمد وطريقة حساب معدل البطالة كما هو مبين أسفله.
الإقصاء الممنهج من سوق الشغل
دأبت جمعيات حاملي الشهادات المعطلين بالمدينة على تحميل المسؤولية للدولة بخصوص وضع العاطلين، وظلوا ينددون بما ينعتونه بسياسة الإقصاء والتهميش الممنهجة من طرف المسؤولين في نظرهم. كما استمرت هذه الجمعيات في المطالبة بحقها الشرعي في التشغيل كحق دستوري ومنها من رفع شعار "إما الشغل أو الممات" في أكثر من مناسبة.
التفسير الرسمي للبطالة
لابد من معرفة أو على الأقل محاولة معرفة، التفسير الذي يعطيه أصحاب "المناظرة " لقضية البطالة و سبل القضاء عليها، و هو فهم يتقاسمه كل الرأسماليين مع وجود بعض الفروقات الطفيفة.
لكن ما هي البطالة؟ ومن هو العاطل؟
تعرف منظمة العمل الدولية العاطل كما يلي: " كل من هو قادر على العمل و راغب فيه، و يبحث عنه، و يقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى " . لكن هذا التعريف لا يعتبر من العاطلين من فقد الأمل في العثور على عمل، وأصحاب العمل المؤقت، من يعاني من نقص الاستخدام، ففي نظر هذا التعريف المعتمد من طرف دولتنا، يعتبر ماسح الأحدية وبائع علبات مناديل "كلينيكس" وماسح زجاج السيارات دون طلب بالإشارات الضوئية للمرور غير عاطلين. وهذا التعريف يروم تقليص الرقم الحقيقي للعاطلين، وبالتالي فإن الأرقام الرسمية المعلن عنها بخصوص البطالة عندنا لا تعكس الواقع الفعلي ويراد لها أن بعيدة عنه حتى لا تبدو مهولة.
فكيف يتم حساب معدل البطالة بالمغرب؟
إن معدل البطالة المعلن عنه رسميا يحتسب كما يلي:
معدل البطالة = عدد الأفراد العاطلين مقسوم على عدد الأفراد القادرين على العمل. علما نسبة العاطلين تختلف حسب الوسط، حضري أو قروي، حسب الجنس، السن، نوع التعليم و المستوى الدراسي.
انعكاسات البطالة
للبطالة نتائج وخيمة على النسيج الإقتصادي و على المجتمع و الكادخين الذين لا يملكون إلا بعض المعرفة ( شهادة أو تخصص) أو قوة عمل و الذين يعشون في ظله. فهي من جهة تمكن أرباب العمل والباطرونا من شراء قوة العمل وتلك المعرفة أو الدراية كسلعة وهي كاسدة عموما في أيامنا الحالية، بأقل ثمن ممكن و الوصول متى وأين ما شاؤوا إلى يد عاملة رخيصة. وهذا يمكن أصحاب الأموال ورؤوس الأموال، كفئات سائدة في المجتمع من الاحتفاظ الكادحين والفقراء خاضعين لاستغلالهم و سلطتهم وتنكيلهم من خلال إغراق المشتغلين في رعب دائم من مغبة فقدان مورد عيشهم إن هم طالبوا بأجور أعلى أو حقوق اجتماعية واقتصادية أخرى منصوص عليها في القانون، وذلك لأنه يوجد من هو مستعد للعمل بأجر أقل وفي ظروف أسوأ جراء تفشي البطالة بالجهة .
و من جهة أخرى ما دامت البطالة بجهتنا قد تجاوزت كل الحدود المطاقة، فإنها باتت تشكل تهديدا للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأسري.
و لا تقل نتائج البطالة كارثية على المستوى الاجتماعي، لا تقل نتائج البطالة كارثية حيث أصبح من المؤكد اليوم أن الجريمة بجميع أشكالها وتلاوينها و الأمراض العضوية و النفسية و استهلاك المخدرات و الدعارة ... تلعب البطالة بما يرافقاها من بؤس دورا محوريا و مشجعا فيها. وهذا أمر أضحى واضحا للعيان بمدينة القنيطرة ونواحيها.
الحلول المعتمدة من طرف القائمين على أمورنا
لا يرى القائمون على الأمور حلا لمشكلة البطالة إلا في اتجاهين أساسيين:
اتجاه أول يرى للخروج من البطالة ضرورة:
- رفع وتيرة النمو الاقتصادي بشكل يمكن من خلق مناصب الشغل علما أنه في ظل الرأسمالية المعولمة يمكن تحقيق النمو دون خلق فرص الشغل، وهذا ما عايناه بوضوح في أكثر من المناسبة .
- خفض تكلفة العمل أي تخفيض الأجور وتناسي جملة من الحقوق (التغطية الاجتماعية والصحية كمثال).
- تغيير شروط سوق العمل الذي يعني المطالبة بحذف الحد الأدنى للأجور، خفض تحملات التغطية الاجتماعية و الضرائب، وعدم الإقرار التعويض عن البطالة وتخفيض الأجور و ساعات العمل وهذا ما يسمونه بالمرونة في الأجور و ساعات العمل.
اتجاه ثاني يرى للخروج من أزمة البطالة عبر ضرورة تدخل الدولة لضبط الفوضى الاقتصادية و التوازن الاجتماعي أو ما يسمى دولة الرعية الاجتماعية. إلا أن هذا الاتجاه لا يستعمل إلا في الخطاب ليس إلا. في حين يظل الاتجاه الأول هو القاعدة العملية. علما أن
الجذري لقضية البطالة يكمن بالأساس في بناء مجتمع آخر غير القائم حاليا لا يكون فيه نجاح الأقلية في العيش المترف فوق الحد المقبول أحيانا على حساب العجز البنيوي المستدام للأغلبية في الوصول إلى الحد الأدنى من العيش الكريم الذي من شأنه تشجيع الاطمئنان عن الغد القريب.
على سبيل الخلاصة
ومهما يكن من أمر وبالرغم مما يقال، من الأسباب التي ساهمت في المزيد من تعقيد معضلة البطالة ببلادنا، إقصاء الشباب من مختلف الفرص المتاحة، كما أنهم لم يستفيدوا من عقد من النمو الذي عاشته البلاد ولم يكن لديهم صوت في دوائر صناعة القرار.
إدريس ولد القابلة
التعليقات (0)