شباب الفيس بوك وإرادة التغيير Error 404
بلال الشوبكي
إن "أي حركة عظيمة يجب أن تمر بثلاثة مراحل: الاستهزاء، ثم المناقشة، ثم التبني". هذا ما قاله الفيلسوف الانجليزي جون ستيورات ميل وبصمت عليه ثورتي تونس ومصر وما لحقهما من دول، فمن تتبع الوضع قبيل الثورات لأدرك أن استجابة غير جدية من قبل المراقبين والجمهور العربي كانت ظاهرة، بل إن البعض استهزأ بما يمكن أن تؤدي إليه دعوات الفيس بوك، وخاصة أن الدعوات لم تأت هذه المرة من نخب الفكر والسياسة والاقتصاد، وإنما من شباب حاصرهم المجتمع بتهم اللامبالاة والسطحية والانجرار وراء الثقافة الغربية.
استمرارية هذه الدعوات عبر الفيس بوك، ,والاستهزاء بها بداية، ومن ثم نقاشها وتبنيها وتنفيذها، دفع الكثيرين ممن تجاهلوا الشباب لفترة طويلة أو أساؤوا تقييمهم إلى الإعتذار. في ذات الوقت فإن شعورا بالثقة والرغبة في التغيير بدأ يتسلل إلى أفئدة الشباب في معظم دول الوطن العربي. شباب فلسطين لم يكونوا استثناءً وبدأت رغبة التغيير تترجم عبر دعوات متعددة على الفيس بوك، وأولها كانت دعوات إنهاء الإنقسام، وثانيها الزحف يوم النكبة وثالثها النفير يوم النكسة.
إن كل هذه الجهود الشبابية عربياً وفلسطينياً تستحق التقدير والاحترام، وتستوجب التقييم والتوجيه. إن أي محاولة للتغيير ستدفع لا محالة إلى تغيير شيء ما حتى لو فشلت المحاولة، وإن أي عملية تغيير لا يمكن الجزم بنجاحها لمجرد تغييرها للوضع القائم، فالتغيير له أسس أهمها:
- وعي بسوء الوضع القائم.
- ووعي بماهية الوضع المنشود.
المشكلة التي واجهها الشباب الثائر في الدول العربية، هي أن ثورته جاءت عقاباً للقائمين على الوضع القائم، لا تأسيساً لوضع منشود، لأن الشباب خلطوا بين الهدف والوسيلة، فزوال مبارك وبن علي لا يمكن أن يكون غاية من حيث المنطق، وحين يكون كذلك، فإن الثائر سيقف عاجزاً في مرحلة ما بعد سقوط النظام، ليرى نفسه يسلم ما أنجزته يداه لآخرين لديهم رؤية ما لإدارة البلاد، فيطالِبوا مرة أخرى بثورة أخرى بمسميات مختلفة فيتنازعوا ويفشلوا فتذهب ريحهم.
في فلسطين لم يكن الامر مختلفاً كثيراً عن الدول الثائرة بل بدا في جزء منه تقليداً متوقعاً، وهو ما لم يدفع حتى اللحظة إلى خلق حراك شبابي قوي وفاعل ومتوافق مع نسبتهم في المجتمع، فشباب فلسطين رغم نجاحهم في تحريك الشارع مؤخراً إلا أنهم لم يصنعوا قراراً بل لم يجبروا أحد على اتخاذ قرار، ورغم أن البعض أرجع المصالحة الأخيرة بين فتح وحماس إلى الخوف من الشباب إلا أنها كانت نتاجاً لمتغيرات إقليمية بشكل أساسي مضافاً لها بشكل جزئي دعوات إنهاء الإنقسام. في هذه السطور سنناقش بعض الإشكاليات التي تقلل من أهمية دور الشباب الفلسطيني أو تحول دون أن يكون لهم الغلبة في المجتمع.
أولا: تناقض السلوك
حين يخرج علينا آلاف الشباب بمسيرات أو عبر الفيس بوك بدعوة لإنهاء الإنقسام الفلسطيني فليس لنا إلا أن نقول لهم شكراً، لكن حين تكون الغالبية العظمى من الشباب المؤيدين لهذه الدعوة هم الترجمة العملية لهذا الإنقسام فعلينا أن نقول لهم تبّاً لكم، ألستم أنتم من ترجمتم خلاف قيادة فتح وحماس إلى إنقسام في المجتمع؟ إذا كان عشرات الآلاف من الشباب ضد الانقسام فمن ذا الذي يعتقل ويحقق ويعتدي ويشتم ويهدد ويخوّن بل ويقتل؟ إن كنتم حقاً ضد الانقسام فإنه لا حاجة لمسيراتكم ولا دعواتكم وما أنتم بحاجة له فقط أن لا تنقلوا خلاف الساسة إلى مدارسكم ومساجدكم وجامعاتكم. يا معشر الشباب: قد كنتم تنفخون في نار أشعلها القادة، بل إن منكم من كان وقودها، كويتم بها لأربع سنين واليوم تعانق مشعلوها.
سيشعر بالضيق من لم يرض لنفسه أن يكون مؤيداً لأي فصيل فلسطيني ويقول: لم نكن يوماً منهم ولا نتحمل مسؤولية الانقسام، بل إننا لم نشارك في الانتخابات من البداية. إن رفضكم للمشاركة في الانتخابات كرسالة احتجاج منكم على كل الفصائل الفلسطينية لا تسمن ولا تغني من جوع، بل هي تصريح لإدارة المجتمع كيفما شاؤوا، فما المسؤول الفاسد كما قال جورج ناثان إلا ذلك الذي تم انتخابه عن طريق المواطن الصالح الذي لم يصوّت. المسألة لا تقتصر على الصمت في الانتخابات، بل على أيّ أمر عام، فالصمت لا يمكن أن يكون موقفاً إيجابياً إلا إذا كانت نتائجه كذلك، أما أن يكون صمتاً على قاعدة (الحيط الحيط) فأنتم والساكت عن الحق سيّان.
ثانياً: المؤسسات الشبابية والتماهي مع المجتمع
أن يكون هناك انسجام بين المؤسسات والمجتمع فهذا أمر، وأن يكون هناك تماهي فهذا أمر آخر. المطلوب افتراضاً من أي مؤسسة شبابية أو أي مؤسسة يعتبر الشباب فئتها المستهدفة كالجامعات أن تؤدي دوراً تنويرياً في المجتمع، بحيث تكون العنصر المرسل في معادلة الاتصال بين المؤسسة والمجتمع. فلسطينياً وربما عربياً ورغم الدور الملحوظ مؤخراً للشباب إلا أنهم بمؤسساتهم المهنية والرياضية والفنية والاكاديمية كانوا وما زالوا نسخ كربونية عن المجتمع الأوسع بكل آفاته. الانقسام والفساد والتعصب وغياب المهنية وانعدام الشفافية أمراض تعاني منها المؤسسات الشبابية كما المجتمع، علماً أن أي جهة تسعى للتغيير المدروس والمقبول اجتماعياً يجب عليها تحقيق النموذج المصغر في دائرتها قبل نقله إلى دائرة مجتمعية أوسع.
ثالثاً: غياب القاسم المشترك
لا يمكن الحديث عن دور شبابي ما دام الحديث عن الشباب كفئة عمرية فقط. إذ أن ذلك يعني أنها مجرد تقسيم ديمغرافي لا ينعكس بالضرورة على الدور في الحياة العامة إلا من خلال استيعابه في قطاعات وفئات فاعلة، وهذا ما ينطبق على الحالة الفلسطينية، فلا يوجد ما يبرر لنا القول أن هناك دوراً شبابياً، فالدور مرتبط بالهدف وبما أنه لا يوجد هدف يمثل قاسم مشترك بين الشباب كفئة متمايزة عن الفئات العمرية الاخرى فإن الدور سيكون وهمياً وشكلياً.
هذا الأمر يفسر بوضوح سبب احتواء الشباب ومؤسساتهم في دوائر مجتمعية أقوى وأكثر فاعلية، كالأحزاب والعشائر والمؤسسات الدينية، وهو ما يتيح لنا رؤية نادٍ رياضيٍ لحماس ومعسكرٍ شبابيٍ لفتح ومؤسسة لتطوير قدرات الشباب مدعومة من السفارة الأمريكية، ومنتدى ثقافي للشباب المسيحي، وغيرها. في مثل هذه الحالة فإن الشباب بمؤسساتهم عبارة عن جنود أو أهداف لمؤسسات أكثر فاعلية في المجتمع، وعلى أقل تقدير فهم ومؤسساتهم تابعون للتقسيمات السياسية والاجتماعية والدينية، وإن اتفقوا على هدف واحد فإنهم لا يتفقوا على تنفيذه بشكل مشترك كما حصل في دعوات إنهاء الانقسام التي انقسم القائمون عليها.
الإشكاليات التي تواجهها فئة الشباب في فلسطين عديدة، منها ما تشترك فيه مع الفئات الأخرى ومنها ما يخصها دون غيرها، وما نوقش أعلاه جزء منها. قد يرى البعض أن الوقت غير مناسب لطرحها كي لا تصب في مجرى التثبيط، لكنّي أرى حلها شرطاً للتغيير لا العكس. تجدر الإشارة أخيراً أن هناك نماذجاً لمؤسسات وشباب لم يعانوا من الإشكاليات السابقة وهم خارج دائرة الحديث، وما النقاش السابق إلا حول اللون الأكثر وضوحاً.
مجلة القدس المصرية
التعليقات (0)