شاهد عيان من مخيم ليبرتي
د. حسن طوالبه
جائني هاتف من مكان بعيد ورددت عليه وانا مستلقي على الفراش من ألام في ظهري تعوقني من الحركة . ولكن الشخص على الخط كان الاخ الاعلامي اللامع محمد اقبال , الذي برع في حقل العلاقات العامة , وله موقف ثابت مبدئي من قضايا بلده , فهو مثل كل رفاقه ينشدون الحرية لاهلهم في كل مدن ايران وقصباته , الحرية في التعبير والقول وقول الرأي ولو كان مخالفا لرأي الحكومة , مثله في ذلك مثل كل الامم المتحضرة في العالم . والمناضل محمد اقبال درس الهندسة المعمارية , ولكن قضايا بلده , وانخراطه في الجهاد من اجل التحرر والديمقراطية جعلته اعلاميا ينافع ضد الظلم والرجعية التي يجسدها الملالي الحاكمين في ايران .
اتصل بي من مخيم ليبرتي قرب مطار بغداد الدولي , وهو المعسكر الذي اتخذته القوات الامريكية الغازية لارض العراق مقرا يشرف على الاسرى من قادة النظام السابق .وبعد ان انسحبت هذه القوات مدحورة تجر اذيال الخيبة , جراء جهد المقاومة العراقية التي اوقعت خسائر كبيرة في الارواح والمعدات في القوات الامريكية . بعد هذا الانسحاب تركته خرابا , وزادت عمليات السرقة في محتوياته خرابه على خراب .هذا المعسكر قررت الحكومة العراقية اتخاذه مخيما للاشرفيين الذين كانوا يسكنون في مخيم اشرف منذ ثاثين سنة تقريبا . وجاء هذا القرار تلبية لطلب النظام الايراني , الذي يعد منظمة مجاهدي خلق المعارضة من اخطر قوى المعارضة الايرانية في الخارج , اذ حرضت معظم منظمات حقوق الانسان والبرلمانات في اوروبا والولايات المتحدة ضد اجراءات حكومة المالكي الخاصة بنقل الاشرفيين من مكانهم عنوة وبالقسر والقوة العسكرية .
لقد تم الاتفاق بين ممثلي الامم المتحدة في العراق والحكومة العراقية على ترتيبات نقل الاشرفيين من مخيمهم الى المخيم الجديد المسمى ( ليبرتي ) والذي تبين انه لايحمل من الحرية الا الاسم . ومن اجل احكام الخطة التي وضعها قائد قوات القدس الايرانية قاسم سلماني والسفير الايراني في بغداد , القاضية بنقل الاشرفيين الى سجن يسهل قتلهم بطرق شتى , منها ممارسة التعذيب النفسي والجسدي .
ومن خلال الفحص العياني الذي اخبرني به الزميل محمد اقبال , فان المخيم ليس الاسجنا محكما يحصي انفاس السجناء دقيقة بدقيقة . وعلى هذا الاساس منعت الحكومة العراقية دخول مهندسين من اشرف للكشف على بيئه ليبرتي والبنى التحتية فيه , حتى لا يكتشفوا حقيقة السجن الجديد المسمى ليبرتي . ومن ضمن الخطة التضيق على الاشرفيين بمنعهم من نقل ممتلكاتهم الشخصية مثل السيارات ومولدات الكهرباء وتنقية الماء , ومستلزمات العلاج للمرضى . مع العلم ام مخيم اشرف بني باشراف منظمة مجاهدي خلق ووفرت كل مستلزمات الحياة الحرة الكريمة فيه , فكان في المخيم مستشفى وملاعب للرياضة وساحة عرض ومولدات كهربائية وغيرها الكثير .
من اجل ابداء حسن النية امرت السيدة مريم رجوي بنقل 400 فرد من الاشرفيين كدفعة اولى , وبالفعل وصلت الدفعة الى المخيم ووجدت العجب , وتأكد لهم ان المكان الذي نقلوا اليه عنوة ليس مكانا للسكن البشري بل هو سجن من بقايا قوات الاحتلال . وقد ابلغني الزميل اقبال بانهم في سجن من اردء السجون في العالم , واردء من سجون النظام الايراني التي جربها الزميل اقبال من قبل . لايوجد في المخيم ماء للشرب , وقال اننا هيئنا صهريجا لنقل الماء من مسافة حوالي 12 كيلو متر كما نقلنا قالونات الماء على ظهورنا , كما انه لا يوجد ماء للغسل . وفوق ذلك وذاك فان الاتفاق الذي تم بين الامم المتحدة والحكومة العراقية نص على تواجد قوة عراقية خارج المخيم وعلى بابه الرئيسي , ولكن الواقع هو ان القوات العراقية في كل ارجاء المخيم , وهناك نقطة قريبة جدا من الحمامات بحيث يمكن التعرض للنساء والرجال حسب المزاج الخاص بهذه القوة المسلحو . اما الدوريات الراجلة التي تجوب انحاء المخيم فتحمل بنادق رشاشة ومسدسات , وقد احصى الزميل اقبال 39 جولة لهذه الدوريات على مسافة لا تزيد عن خمسة امتار من موقعهم . والامر الذي يزيد الاوضاع سوءا نصب الكمرات داخل المخيم وهذه الكمرات مربوطة مع السفارة الايرانية ومع قوات القدس , ويمكنها ابلاغ هذه الجهات بكل صغيرة وكبيرة عن تحركات الاشرفيين داخل السجن .
وهكذا يتبين يومًا بعد يوم وتتكشف فضيحة تحويل مخيم ليبرتي إلى سجن كبير. فالآن يمكن الإدراك بوضوح سبب عدم تلبية الحكومة العراقية لطلب 23 من الجنرالات والوزراء والحكام السابقين الأمريكان وكبار الشخصيات الأمريكية بمن فيهم رودي جولياني عمدة نيويورك السابق ومرشح للرئاسة الأمريكية في عام 2008 لزيارة مخيم ليبرتي على نفقتهم الخاصة قبل انتقال 400 من سكان مخيم أشرف إلى هذا المخيم.
هذا وكان خبير التقنية لبناء المآوي قد أورد في تقريره الصادر بتاريخ 30 كانون الثاني (يناير) 2012 أن المساحة الإجمالية لمخيم ليبرتي تبلغ 683 ألف متر مربع. وقد تم تقليص المساحة بسبب مد الجدران على الأرض بنسبة حوالي 83 ألف متر مربع مما جعل العديد من المباني الصالحة للاستخدام والتي كانت صورها الدعائية قد تم توزيعها تقع خلف الجدران لكي لا يستخدمها السكان.
وكما افاد الزميل محمد اقبال لا يوجد الماء الصالح للشرب والماء للغسل بحيث أن السكان تمكنوا يوم أمس من تهيئة صهريج ماء من مسافة 12 كيلومترًا ونقلها إلى المخيم، ومن المستغرب أنه لا يتم تزويد هذه التنقلات حتى بالوقود.اضف الى ذلك إن مجاري المياه في داخل المخيم قد طفحت نتيجة عدم نضحها , وهذا الواقع سوف يسبب في تلوث بيئة المخيم بشدة.
ومما يزيد الاوضاع تعقيدا ان الجانب العراقي لا يسمح لسكان المخيم بنقل وإخراج النفايات والأوساخ المتكدسة التي جمعوها ووضعها في السيارة الخاصة لحمل النفايات .
إن مجمل هذه الأعمال والممارسات المقززة والمثيرة للكراهية والاستهجان قد دفع السكان إلى إرسال عريضة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي كان قد أعلن قبل شهر تسمية عام 2012 بـ «عام الوقاية» في ما يتعلق بمبدأ آر. تو. بي (مسؤولية الحماية).وقد طلب أعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المتواجدين في مخيم ليبرتي من الأمين العام للأمم المتحدة إعادتهم فورًا إلى مخيم أشرف.
وقد بارك عدد من الشخصيات العالمية مبادرة مريم رجوي بنقل 400 من الاشرفيين كدفعة اولى كتعبير عن حسن النية , ففي يوم 11 شباط (فبراير) 2012 قال القاضي مايكل موكيزي وزير العدل الأمريكي السابق في كلمته أمام ندوة عقدت في نيويورك حول ضرورة حماية سكان مخيم أشرف: «إني أتقزز من وصف ما تم عرضه تحت يافطة مخيم ليبرتي (الحرية) حتى بـ ”سجن” فيما تم إظهاره بمظهر مخيم يتسم بالمعايير الإنسانية ومقاييس حقوق الإنسان». وأضاف يقول: «إن السجن مكان يصعب العيش فيه ولكنه يكون في الأقل موقعًا يتبع فيه السجناء وكذلك السجانون قوانين محددة... إذن يمكن مقارنة مخيم ليبرتي مع مكان آخر سيتسبب حفظ حتى اسم ”الحرية” المتناقض والمتعارض مع الواقع في الذاكرة وهو معسكر الأعمال القسرية حيث يتم نقل الأشخاص إلى هناك لغرض دفعهم إلى الانهيار جسديًا ونفسيًا».
ان الوضع المأساوي في مخيم ليبرتي , يدفع الامم المتحدة للتحرك فورا , لتفي بتعهداتها للاشرفيين , بالعيش الحر الكريم , والا فليبقى الاشرفيون في مخيمهم ريثما يتم نقلهم الى امكنة ثالثة في العالم .
التعليقات (0)