لم أكن أصدق التواريخ التي تحكي عن بشاعة نيرون وهو يحرق روما، حتى رأيت شخصا مجنونا مهلوسا مثل القذافي وابنه، هذا المسخ الدراكولي الذي جاء على هيئة إنسان، يريد أن يسرق الشعب ويقتله دون أن يحاسبه أحد أو يوقفه أحد، هذا المسخ الذي ظن أنه الحاكم الأوحد والرب الأعلى، وأنه المجد ولا مجد بعده، حتى جاء بنظرية في الفوضى سماها "الديمقراطية الثالثة"، متهما الغرب بأنه لا يطبق الديمقراطية الحقيقة على حد زعمه، هذه الديمقراطية التي يزعمها يتدخّل فيها بشكل مباشر لاختيار من يراهم يوالونه ولا يعارضون نظامه الفوضوي، الذي لا يحاسب فيه رئيس حكومة ولا وزراء ولا حتى مجلس استشاري يخطط للبلاد، فهي فوضى يعيشها تحت نظرية مجنونة مثله.
كنت أتعجب من أشقائنا في ليبيا وهم يهتفون : "الشعب يريد إسقاط النظام".. وقلت: عن أي نظام يتحدث إخواننا في ليبيا، بل المفترض أن يقولوا: "الشعب يريد إنشاء النظام".
أتذكر أنني كنت أجلس مع أحد المسئولين الليبيين السابقين وقلت له: "ليبيا فيها ديمقراطية عظيمة"، فضحك ساخرا من قولي، وعلق قائلا: "عن أي نظام تتحدث، نحن نعيش في عصور الظلام الأوروبي".
في تلك الفترة لم أكن أعلم كثيرا عن النظام في ليبيا، ولكنه أوضح لي أن النظام هناك يقوم على من يرضى عنهم رجال الأمن، ومن يسمون "القطط السمان" التي عندها القدرة على سرقة ونهب الناس هناك، مشيرا إلى أنه من الحماقة أن يحكم فينا الجهلاء وأصحاب السطوة والنفوذ. مؤكدا أن ما يحدث هو تهريج لا يقبله عاقل، تماما مثلما يحدث أن يقوم الزعيم بنصب خيمته في أوروبا في أي زيارة يقوم بها إلى أي دولة غربية.
ضحكت ساعتها وقلت في نفسي: "بالتأكيد أن ليبيا بها "هرجلة" وعدم نظام مثل ملابسه غير المتناسقة التي يرتديها دائما".
وكان أحد أصدقائي ذهب إلى زيارة إلى ليبيا وقال لي: "ليبيا على الرغم من كونها غنية بثرواتها إلا أنها متأخرة جدا في بنيتها التحتية، فلا طرق سوى الطرق الرئيسية، وواحة مثل الواحات البحرية عندنا في مصر على الرغم من تأخرها إلا أنها متقدمة عن مدينة بني غازي، وتذكرت ساعتها مقولة الصحفي الكبير عبد الباري عطوان في صحيفة القدس العربي التي أكد فيها أن "مصر وتونس ترك فيهما الرئيسان المخلوعان بنية تحتية تستطيع أن تلبي احتياجات التنمية خلال العشر سنوات القادمة، أما ليبيا فهي فقيرة في البنى التحتية جدًّا، مع أنها في عداد الدول الغنية بالنفط".
وحقيقة لم أكد أصدق ما أسمع عن ذلك الرجل وهو يهدد شعبه بمواصلة الحرب والقتال، بل ويصفهم بالجرذان والجراثيم.
أما الأغرب أنه يطلق تصريحات وكلاما متناقضا، فمرة يصف الشباب الثائر بأنه ضحية مخطط أجنبي، ومرة أنه ضحية لتنظيم القاعدة، وأخرى بأنه يتناول حبوب هلوسة، ولعل هذا ما جعل مندوب ليبيا المستقيل في الأمم المتحدة عبد الرحمن شلقم يسخر من حديثه عن تعاطي المتظاهرين الليبيين حبوب هلوسة، وقال: إنه لو كان ذلك صحيحًا فإنه يلزمهم جبال منها.
وذكر شلقم أن القذافي هدد بحرق ليبيا وأنه هو وأولاده يقولون لليبيين إما أن نحكمكم أو نقتلكم، وأضاف أن الزعيم الليبي أتى بأطفال من دور الرعاية وألبس جنودا ملابس مدنية كي يهتفوا له في الساحة الخضراء بطرابلس يوم أمس.
واستغرب شلقم كيف أن القذافي الذي طالب في سنوات مضت بالحرية لعدة دول، واحتج على التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، ووقف ضد الانفصال بين سوريا ومصر، أصبح اليوم يقول للشعب الليبي "إما أن أحكمكم أو أقتلكم".
ولكنني الآن لم أعد استغرب كما استغرب شلقم، لأنني على يقين منذ فترة طويلة أنه رجل لا يصلح زعيما أو حتى رب أسرة.
إن طلبي الوحيد من أشقائنا الثوار في ليبيا "خرجتم فلا ترجعوا حتى يسقط الطاغية، وحتى يتمنى من يأتي بعده رضا شعبه، ويحترم إرادتهم، "إنما النصر صبر ساعة"، وإن الصبر شهر هو عزة قرون قادمة، فتذكروا ذلك جيدا، واعلموا أن تونس أسقطت نظامها في 23 يوما، ومصر في 18 يوما، أما أنتم فما زال أمامكم مشوار طويل، فلا تهن عزائمكم، واجعلوا دماء الشهداء نارا تحرق الظالمين المتغطرسين.
صدقوني هؤلاء الحكام الوقت ليس في صالحهم، الوقت في صالحكم أنتم، فلا تخافوا ولا تهنوا، واقبلوا على الموت فمعكم فتوى من مشايخ ثقات بأن دم هذا المجرم حلال، فلا تخشوا على أولادكم ولا تخشوا على نسائكم، لأن ثورتكم لو أجهضت فسترون أسوأ مما ترون الآن، ستذبحون ويذبح أبناؤهم وتستحيا نساؤهم..
المجد ليس للمجرم المجنون.. إنما المجد للثورة .. المجد للثوار.. المجد للشهداء
التعليقات (0)