مواضيع اليوم

شاهدت بام عيني كيف تفارق الروح الجسد

حسن الطوالبة

2011-11-03 18:01:07

0

بام رضا هفت برادران

عيني رأيت الروح تفارق الجسد
يقال انواع الحديث عن مفارقة الروح للجسد
وإنني رأيت بأم اعيني الروح تفارق جسدي
سعدي الشيرازي الشاعر الإيراني
في الساعة الخامسة والنصف صباحا يوم السبت 9 أبريل من غرفة الرعاية الخاصة خرج احد من حراسي الثلاثة العسكريين في مستشفى عدنان في بغداد وقال لي من دون اي تمهيد: ماتت ابنتك، بدا وكأن سعادة الدنيا تغمره وكانه يزف الخبر إلي .. وأما حالتي فكأن الروح قد خرجت أخيرا من جسدي،, وبعد 24 ساعة من المماطلة والتسويف كانوا قد نجحوا في الإجهاز على إبنتي صبا.
وبدأت صورة ابنتي الحبيبة تتجلى امام عيني منذ ولادتها في سجن إيفين وحتى آخر لقاء لي معها قبل اسبوعين في ايام عيد الربيع الايراني (نوروز) في اشرف. لكن الفترة كلها لم تكن اطول من برهة كنت فيها إلى جانب ”صبا” منذ اللحظة التي اطلعتُ على أنها أصيبت بالرصاص إلى وقت استشهادها. وكنت اعيش سكرات الموت لحظة بلحظة مع ابنتي ”صبا”متناغما مع روحها حتى فارقتني وفارقت الدنيا واخذت روحي معها.
واما صبا فقد أوصلتها صديقاتها إلى مستوصف اشرف الذي لاتوجد التسهيلات فيه إثر إصابتها باطلاقات الرصاص المباشره من قبل القوات المهاجمة; وقطع الرصاص الشريان الأورطي في الجزء الأعلى من ساقها اليسرى وكسر ايضاً عظم فخذها. واحتوى الأطباء النزف الخارجي غير أنه لم يمكنهم وقايتها من النزف الباطني بسبب حصار ”اشرف” منذ اكثر من عامين وعدم وجود الاليات اللازمة وتتصاعد حدة الحصار وتزداد وطأته يوما بعد يوم والنتيجة مزيدا من الارواح التي يزهقها الحصار وصناعه.، وعندما وصلتُ إليها ووقفت عند رأسها قالت لي ابنتي صبا اصبتُ بالرصاص في رجلي وتواسيني قائلةً: ”مهما كانت النتيجة فستكون ضربة موجعة للنظام الحاكم في وطني أضعافاً مضاعفة”. وأكد الأطباء على إيصالها إلى مستشفى مجهز بالحد الادنى اللازم لحالتها، ,وسرنا بإتجاه مستشفى ”العراق الجديد” التي ليست إلا معتقلا للتعذيب تحت سيطرة القوات العراقية حيث لم يُسمح لنا بالدخول في البداية، غير أن تم إقناعهم بضرورة ايصال هذه الجريحة الى مستشفى في بغداد بعد ساعات من المماطلة واضاعة الوقت.
خرجت سيارة الإسعاف من اشرف في ساعة 11 ونصف صباحا أي بعد مرور خمس ساعات على إصابة إبنتي بالرصاص ويا للعجب على إنقضاء ساعتين للوصول الى الشارع الرئيسي الذي لاتتجاوز مسافته عن كيلومترين حيث أوقفونا سبع مرات وبذرائع مختلفه لقتل الوقت. وفي إحدى المرات نظرت الى خارج السيارة عبر الشباك في النقطة حيث شاهدت ”الدكتور عمر خالد” رئيس مستشفى ”العراق الجديد” المقيم في اشرف وقد قام بإيقاف سيارة الإسعاف وهو يثرثر مع الضباط العراقيين وكأن لم يحصل أي حادث أو توجد حالة خطرة لبشر ارواحهم على المحك بين الحياة والموت. ثم أوقف ضابط عراقي برتبة رائد موكب السيارات في النقطة الأخيرة من نقاط التفتيش وقال: على عوائل الجرحى أن يعودوا إلى اشرف. وانتنظرنا هناك 45 دقيقة حيث أخذت حالة إبنتي تتفاقم في كل لحظة، فقلت للضابط: الجرحى في حالة حرجة وسمعته يصرح لشخص إلى جانبه قائلا: ”أتمنى لهم الموت وهو يقول لي حالتهم حرجة!”، وهو من كانوا ينادونه بـ”رائد ياسر”.
اخذت صحة ”صبا” في التدهور كل لحظة. مما حول النزف الباطني حالة ساقها إلى شكل غيرطبيعي، فحسم الاطباء في قسم الاستلام لمستشفى بعقوبة الامر فورا وقالوا يجب إيصالها إلى بغداد بأسرع وقت ممكن. هذا في الوقت الذي ادى فيه النزيف المتزايد الى وضع ”صبا” في حالة صدمة مما جعلها شاحبة الوجه تقضم أسنانها بشدة. وهذا هو ما اراده وتوافق مع رغبة ومخطط حضرة ”الرائد ياسر” فقد كانت فرصته ليمارس تعذيبه ومساوماته ضدي وضد ابنتي الجريحة ولم يتردد في تقديمه مقترحا للقيام بالخيانة حيث أبرز صفقته قائلا: اذا طالبت بإنقاذ روح أبنتك استعجل الآن في انفصالك وابنتك عن مجاهدي خلق ما يوفر لكم التسهيلات الطبية بأفضلها حيث نبعثك وبنتك إلى بلد اوروبي بعد ذلك واي بلاد منها تتمني فورا. وإذا بي وبسماعي لحديث الرائد ياسر وجدتُ نفسي وكأنني في معتقل ايفين حين يعاودني ما سبق لي قبل ثلاثين سنة عندما كان يحدثني سجان فيه بطهران. والرد كان واضحا ومحددا ما كانت ”صبا” تقول لي وسمعته منها مرارا وتكرارا وما كنا نعاود التغني به سوية من منطلق ايمان راسخ منادين: ”هيهات منا الذلة”. هذا وقتل الرائد من الوقت ساعة ونصف الساعة حتى سمح بالتقدم إلى بغداد. ووصلنا لمستشفى مدينة الطب ببغداد في الساعة الخامسة والنصف أي بعد مرور 12 ساعة على اصابة ”صبا” بالرصاص. فانتظرنا هناك ساعة ونصف مجددا فيما قالوا لنا لا توجد لنا إمكانية علاجها هنا حيث ليس لدينا الاختصاصية اللازمة لهذه العملية وعلينا أن نرحل إلى مستشفى آخر. وهذا الامر كان واضحا لهم منذ البداية حتى في مستشفى ”العراق الجديد” في اشرف حيث كانوا يعلمون ضرورة الرحلة إلى مستشفى اختصاصيا الا انهم امتنعوا عن تقديم اي نوع من اداء الواجب المهني والانساني والقانوني تجاه ابنتي وغيرها.
وكانت ”صبا” في حالة اللاوعي عندما وصلنا إلى مستشفى عدنان. وكان الضابط والحراس الثلاثة يتعاملون معي وكأنني سجين ما يمكنني الفرار حيث لم يسمحوا لي بمتابعة امور علاج ابنتي وحتى للتحدث مع الأطباء والممرضات. وإذ كانوا يوظفون الجنود لمتابعة الامور وماكان لديهم الا قتل الوقت. وجاءني طبيب قائلا: عليكم ان توفروا الدم ولو لم توفروا لحدث ما حدث، وكان طلبهم للدم في الحالة التي لم يكن لدي أي امكانية لتردد وحتى استخدام هاتفي الخلوي لإتصالي إلى اشرف لمطالبة الدم. وقال جندي انا اتابع توفير الدم ثم يرجع بعد ساعة ويقول لايوجد الدم و بُعث بجندي آخر و تكررت اللعبة لمرات. وقلت لهم إسمحولي ان اطالب اناس عاديين عراقيين بالدم أو اسئل الجماعة الموجودة في المستشفى اذا كانت فئة دمهم - O لتساعدوها، الا انهم قالوا لايمكن.
كانت ”صبا” تذوب أمام عيني كشمعة وكأن تتركني روحي لحظة بعد لحظة من جسدي. وأصبحت إبنتي تذبل أمام أعيني ولم يسمحوا لي باتخاذ خطوة تنقذها. حيث كان اول سؤال كانوا يطرحون الأطباء وفي كل من المستشفيات الثلاث هو: ”لماذا تاخرتم هذه الفترة؟” السئوال الذي لايمكنني إجابته لأن الضابط العراقي كان يرد عليهم حسبما يريد ويقتضيه موقف خطتهم... نعم انهم حولوا جُرح بسيط إلى إصابة مهلكة، وأكملوا واجبهم الذي كان قتل إبنتي البريئة.
صباي ”صبا” ولدت في عام 1981 في سجن إيفين بطهران. وأفرج عنها وهي ابنة عامين من العمر. بُعثت إلى خارج ايران عبر الجبال فذهبت الى ألمانيا‏ حيث درست هناك وتخصصت في مجالات عدة وقد حظيت بحياة حرة كريمة في المانيا. وقد رايتها ذات يوم أواخر القرن الماضي في اشرف وانا حائر امام شخصيتها.. وقلت لها هل افتقدتني؟ فقالت لي كيف لم افتقدك يا أبي، ولكن سبب مجيئي إلى أشرف بجانب إخواني وإخواتي في مجاهدي خلق هو الجهد المقدس والواجب لتحقيق الحرية والديمقراطية في وطني إيران. لقد ضحت بروحها في طريق تحرير وطنها في التاسع من أبريل وهي في التاسعة والعشرين من العمر، وأختها ”سارا” هنا في أشرف وتعهدنا انا و”سارا” إلى جانب مجاهدي الشعب الآخرين بالسير في طريقها وقد صرحت ”صبا” في آخر لحظات عمرها قائلة: نحن صامدون حتى النهاية ونصمد حتى النهاية”.
مخرج وكاتب سيناريو، سجين سياسي سابق في إيران، حاليا يقيم في مخيم اشرف مقر اعضاء مجاهدي خلق الايرانية بمحافظة ديالي في العراق
dhahayaashraf@gmail.com
لمشاهدة فيديو عن الكلمات الأخيرة لإبنتي صبا راجع على الرابط التالي:
http://www.youtube.com/watch?v=Ds9Dp1Ofo_w
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !