شاعر عربي يهجو فالنتين
الحب بين المظهر والجوهر
بفلم : حسن توفيق
حين نلتقي مع إنسان للمرة الأولى فإن أول ما يلفت نظرنا إليه هو مظهره الخارجي الذي يتجلى أمام عيوننا ، وقد يتسرع بعضنا بالحكم على هذا الإنسان بأنه طيب أو شرير بمجرد انتهاء اللقاء الأول، لكن هؤلاء قد يعترفون فيما بعد بأن ما أصدروه من حكم لم يكن صائبا ، لأنهم حكموا من خلال المظهر الذي تراءى لهم وليس من خلال الجوهر الذي لا يفصح عن نفسه بسهولة.
منذ أيام قلائل ، طلبت مني كاتبة تصغرني في العمر أن نلتقي معا لأمر عاجل، وتمنت أن يكون اللقاء في مكان شاعري جميل ، لكني اقترحت أن نلتقي في مقر إحدى الجمعيات الأدبية ، وفي طريقي إليها خضت في قلب شوارع مزدحمة بالناس الذين يتدفقون كأنهم أمواج متلاطمة ، ولاحظت أن المحجبات الشابات يحملن ورودا حمراء وهن يتمايلن أثناء مشيهن مع من يرافقوهن ولم أكن أعرف أني سأتلقى أنا أيضا وردة حمراء وكراسة حمراء من الكاتبة التي كانت مثالا للجدية والرصانة ، لكني فوجئت بها تصافحني بحرارة وتدعو لي بالتوفيق بكل خشوع ، ولم يكن السبب غائبا عني بالطبع فقد كان اليوم هو يوم عيد فلانتين أو عيد العشاق ، ويبدو أني قد أغضبت الكاتبة الرقيقة حين قلبت الأمر العاجل إلى أمر يدعو للسخرية مما يجري !
أخبرتني الكاتبة – وهي تكاد تبكي – أنها اختارت لي كراسة حمراء لكي أدون فيها قصائدي الجديدة ، ويا حبذا لو أني كتبت في الورقة الأولى قصيدة عن القديس المدعو فلانتين ، وعلى الفور قلت لها بهدوء إني أحفظ عن ظهر قلب قصيدة لصيق شاعر يحب الحب ويحب الناس ويسعى لإدخال البهجة إلى قلوبهم ، وشرعت في كتابة قصيدة الشاعر المبدع الجميل محمد بن خليفة العطية ، وهذا نصها :
عيد حب .. أم أكاليل دعارة
ففالنتين .. أشاع الورد عاره
أصبح العاشق قديسا وصار ..
العشق عيدا حينما فض البكارة
بدعة سنت بأهواء نراها
وفقت بين حمار وحمارة
إذ مضى الداعون في إحيائها
بين جهل .. وفسوق .. وتجارة !
قرأت الكاتبة قصيدة محمد بن خليفة العطية التي افتتحت بها الورقة الأولى من الكراسة الحمراء الجميلة في مظهرها ، ثم نظرت لي بغيظ ممزوج بمحاولة كتمان الضحك ، وأكدت لي أن الشاعر الذي كتبها لا يمكن أن يكون شاعر حب ، ومن ناحيتي أكدت لها أنه شاعر حب أصيل ، فهو يكتب عن وطنه الذي يحبه ، وهو يكتب عن قضايانا العربية من فرط غيرته عليها ، وقالت الكاتبة : حتى لو كان كما تقول شاعر حب فإن ما قرأته يؤكد لي أنه مقاتل عنيف يعلن الحرب ضد الحب ، ومرة أخرى أفهمتها أن هناك فرقا بين الجوهر والمظهر ، وأن محمد بن خليفة العطية ممن لا يهتمون بالمظهر البراق الخادع لأن ما يهمه هو جوهر الأشياء ، وهذا أمر لا يعرفه إلا الذين يتأملون ويتعمقون .
قلت للكاتبة بعد صمت ثقيل : أما زلت معجبة بالعلامة ابن خلدون ؟ وحين أجابت بالإيجاب ، فلت لها إن ابن خلدون شخصيا قد كتب في مقدمته الشهيرة عن فلانتين وعن عيد الحب !
نظرت لي باهتمام وباندهاش ، وهي تسأل عما كتبه ابن خلدون ، وعلى الفور قلت لها ما تعرفه هي وما أحفظه أنا مما هو وارد في مقدمة ابن خلدون : الإنسان المغلوب مولع دائما بتقليد الغالب في زيه وملبسه وعاداته ومظهره ، واختتمت جلستنا بالتعليق على ما كتبه ابن خلدون : لبتنا نقلد الغالب في جوهره وليس في مظهره ، لأنه لم يتغلب علينا إلا بالجوهر !
التعليقات (0)