تسأل مع نفسه طويلاً ، اثناء مروره بأحدى الشوارع الرئيسية التي استهدفها احد الانتحاريين وراح ضحيته المئات من الابرياء ، كيف كان هذا الشارع قبل ثلاث عقود من الان ؟ الشارع الذي كان شاهداً على اجمل ذكرياته عندما كان شاباً في العشرين .
هل يبدو كما هو الان من خراب ودمار ، ابنية مهدمة ، سيارات محترقة ، اشلاء متناثرة ، رائحة الموت تخنق الانفاس دخان اسود يملاْ الاجواء ، حرائق لم تخمد ، صرخات النساء ، عويلهن ، بكاء الاطفال ، نظرات مملؤة بالحزن واليأس وضياع الامل.
قادته تساؤلاته امام محل كبير كان عبارة مقهى ، راح يتأمله والحزن يعتصر قلبه ، عادت به الذاكرة الى الوراء ، كان هذا المقهى هو (مقهى الساعي) الذي قضى فيه معظم اوقاته برفقة زملاء الدراسة ، يلعبون الورق ، ويحتسون الشاي ، ويحدقون على الفتيات بنظرات ملؤها الاعجاب ، كانت الابخرة المتصاعدة والناتجة من الحريق تضفي على جدران المقهى حلة سوداء لا تسر الناظرين.
صرخ في اعماقه ، كل شيء في هذا البلد يرشح السواد ، شوارع ، ابنية ، جدران ، ابواب ، ثياب النساء.
كان قد عاد الى مدينته الكبيرة بعد عقود من الغربة ، قضاها في عاصمة الضباب ، تائهاً وسط ضبابها ، عندما كان هناك ، كان الامل سلاحة ، والصبر ذخيرته ، كان يردد مع نفسه بأستمرار ، سأعود الى حبيبتي ... سأعود الى حبيبتي .
عاد للوطن ، حاملاً معه خواطره واشعاره التي سطرها قلمه في ليالي الشتاء الطويلة ، حباً وشوقاً لهذا الوطن الجريح .
أحس بنيران تستعر في داخلة ، وهو يلقي نظرة اخيرة على شارع الذي اسماه (شارع الاحزان ) ، قبل ان يواصل سيره ، نظرة ممزوجة بالالام واليأس والضياع .
راميار فارس الهركي
كانب وصحفي من العراق
التعليقات (0)